العنوان التربية بالصحبة الصالحة
الكاتب محمد السيد
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001
مشاهدات 12
نشر في العدد 1440
نشر في الصفحة 52
الثلاثاء 27-فبراير-2001
محاضن الصحبة تحتوي حياة المسلم كلها وتربيه على الإيثار والتكافل مع إخوانه
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾ (الكَهف :28 )
هذه آية كريمة تتناول موضوع التربية بالصحبة، سنحاول بيان بعض تجلياتها الحياتية:
تعتبر التربية القرآنية عند المسلمين وسيلة وحيدة للوصول إلى هدفهم في إقامة شرع الله وتحكيمه في شؤونهم جميعها، ولأن المجتمعات الإسلامية في عصرنا ابتعدت- قليلًا أو كثيرًا. عن تطبيق هذا الهدف فقد كان لزامًا على المربين المؤمنين أن يلتزموا التربية القرآنية، ويستخرجوا كنوزها ليسيروا بالأجيال إلى التغيير المؤدي للالتزام بالهدف المذكور، وتطبيقه.
ولا شك أن الالتزام بتربية النفوس حسب ما أراد الله لها أن تتربى فرديًا وأسريًّا وجماعيًّا، هو الذي يقود الناس جميعًا إلى الخروج من دوامة التقليد والدخول في ساحة الخصوصية. ولا بد في هذه الحالة أن تكون كنوز التربية القرآنية واضحة المعالم في أذهان المربين، وأن تكون أساليبها وصورها وتفاصيلها بينة لديهم، وذلك من أجل أن يقوم البناء على أسس قويمة متينة.
والصورة الأولى التي تتجلى فيها هذه التربية هي التربية بالصحبة الصالحة.
فالتربية بالصحبة الصالحة ركن ركين من وسائل التربية القرآنية، لذا تحدثت عنه آية سورة الكهف، التي اتجهت اتجاهًا بينًا في بيان أهمية هذه الصحبة الصالحة في تربية الفرد والمجتمع وتثبيت المسلم على المبادئ التي آمن بها والتزامها بقوة، كما بينت الآية حاجة المؤمن إلى ممارسة عملية الإيمان ضمن مجتمع ملتزم قوي الالتزام.
ولتكون التربية بالصحبة الصالحة فاعلة في بناء جيل متمسك بخصوصيته وهويته، فإن العناصر التي تكتمل بها صورة تلك التربية هي:
1- الهدف: مضت مجتمعاتنا الحديثة بأجيالها سائرة في منعرجات التقليد غير البصير مسافات بعيدة، ولقد عملت تيارات الفكر التربوي الوافد في سلوك وممارسات وأخلاق أجيالنا عملها التخريبي الواسع، لذا كانت الحاجة ماسة إلى وجود هدف واضح في التربية من أجل الوقوف لهذه التيارات، والتصدي لها لتعود الأجيال إلى سواء السبيل، حاملة هدفه الواضح في الاستمساك بالهوية الخصوصي للأمة مبتغية من وراء ذلك كله وجه الله تعالى والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، قال تعالى : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، ( الكهف: 28) غير مغتر بزينة الحيا الدنيا والفكر الوافد: ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ( الكهف: 28)
ب- الوسيلة: الوصول إلى ذلك الهدف لا يمكن أن يتم إلا من خلال وسيلة قرآنية محددة ألا وهي المحاضن الصالحة القويمة التي تتعهد غرس الالتزام بالهدف وتنفيذه عمليًّا: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، ( الكهف: 28)
إنها محاضر الصحبة الصالحة، التي لا تقتصر على المعنى المحدود لها الذي يفسر بالأصدقاء المقربين فقط بل إن القرآن يعني بها كل المحاضن التي يغشاها المسلم، وينقلب إليها في حياته اليومية من الأسرة إلى المدرسة إلى الأصدقاء وزملاء العمل والجامعة، وغير ذلك، وقد يقول قائل: من أین سنجد الصالحين في كل هذه المحاضن ومجتمعاتنا على ما هي عليه من حال التأثر بالتيارات والسلوكيات الوافدة؟
والجواب عن ذلك سهل: إن التغيير يبدأ ببدايات صغيرة، يشكل فيها المقتنعون بهذا التوجه ريادة حقيقية، ينضم إليهم فيها كـل الغيورين على مستقبل الأمة وأجيالها، وكل الذين تؤرقهم هوية الأمة، وخصوصيتها.
ج- أجواء المحاضن: إذا كان الهدف اضحًا ومأخوذًا من كتاب الله تعالى الذي جعل غاية الخلق كامنة في عبادته، والقيام على حراسة دينه قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذَّارِيَات: 56)
تأتي الوسائل والأجواء التربوية القرآنية متساوقة مع الهدف متكاملة معه، متعهدة الشخصية الإنسانية بأجواء تساعدها على الترقي، والوصول إلى الهدف ففي داخل تلك المحاضن من الصحبة الصالحة في مختلف مجالات الحياة يعيش الفرد المؤمن:
1- جو الحب في الله الخالي من كل سعى للأثرة أو الأنانية أو أي أثر للمصالح الدنيوية تخرب تلك العلاقات إنها محاضن مشحونة بمعاني "يريدون وجهه"، و"رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه".. وفي هذا ما فيه من ارتفاع سامق في العلاقات الإنسانية بسمو تام، وتنزيه للحركات النفسية، وتنظيف كامل للتوجهات والأحاديث الداخلية.
۲- جو التواصي الدائم: إنه التناصح المتبادل بين أعضاء المحضن الواحد المقوم للسلوك والسائر به دائمًا نحو الارتفاع ودعم الإيجابيات ونبذ السلبيات، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ (العصر:1-3 )
3- جو التكامل والتكافل: قال رسول الله ﷺ : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، فالمؤمنون يتكاملون ويتكافلون، يعضد بعضهم بعضًا ويحمل الأقوياء الضعفاء في حين يدفع الأصحاب بعضهم بعضًا إلى الهاوية في الصحبة غير القائمة على الإيمان وصدق رسول الله ﷺ، إذ بين لنا مدى أهمية مجالسة الصالحين وصحبتهم، في تعديل السلوك الإنساني فقال في الحديث الصحيح «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة».
ولقد سافر موسى- عليه السلام- مسافات طويلة من أجل لقاء الرجل الصالح والاستفادة من صحبته في العلم والسلوك، قال تعالى:
﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)﴾ (الكَهف :66 )
فهل يعي المربون والآباء والدعاة أهمية الأثر الكبير لكون المؤمن مرآة أخيه، فيسيرون الأجيال إلى أجواء محاضن الصحبة الصالحة مؤتمرين بأمر رب العزة:
﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الكَهف: 28)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلرئيس اتحاد خريجي الجامعات السعودية في ألبانيا لـ«المجتمع»: افتقاد التعليم الديني أكبر تحدٍّ يواجه مسلمي ألبانيا
نشر في العدد 2107
779
الاثنين 01-مايو-2017
المسابقة القطرية تتوج الفائزين ببردة القصيد.. جائزة «كتارا» لشاعر الرسول تأكيد لهوية المسلمين الحضارية
نشر في العدد 2108
11
الخميس 01-يونيو-2017