; اللغة العربية ووسائل الإعلام.. المشكلات والحلول | مجلة المجتمع

العنوان اللغة العربية ووسائل الإعلام.. المشكلات والحلول

الكاتب محمد سرحان

تاريخ النشر الخميس 01-فبراير-2018

مشاهدات 30

نشر في العدد 2116

نشر في الصفحة 19

الخميس 01-فبراير-2018

العربية تعيش في إعلامنا العربي واقعاً عشوائياً متخبّطاً سواء المرئي أو المسموع أو المقروء

أبرز روافد التدهور الحاصل في مستوى الاهتمام بالعربية الفصحى بالإعلام اجتياح المحكيات واللهجات

حالة العزوف عن الفصحى انسحبت على من ينبغي أن يتحدث بها من ساسة ورؤساء ومفكرين

الأمة التي لا تُعلي لغتها الرسمية بوسائل إعلامها لا تعلو.. فالإعلام منبر رئيس يعبر عن هذه الأمة

اختيار بعض وسائل الإعلام مخاطبة الجمهور بلهجة معينة يعد تجاهلاً للهجات أخرى يضمها القطر الواحد

المتتبع لوسائل الإعلام يخيل إليه أن هناك نوعاً من العداوة بين القائمين عليها واللغة الفصحى

العربية لم تعد لغة أمة العرب فقط بعد جعلها القرآن الكريم لغة حية ما بقيت الحياة

اللغة وعاء الشعوب حضارياً وثقافياً وتاريخياً، وبحروف اللغة تُكتب الحضارة ويُسجل تاريخ الأمم، وهي المعبر عن شخصية الإنسان ووسيلة التواصل مع الآخر، وأجدادنا العرب كانوا أهل الفصاحة، حتى إنهم كانوا يعتبرون أن تشكيل الحروف في رسائلهم نوع من الإساءة، فكان يُعد «شكل الكتاب سوء ظن بالمكتوب له».

المتأمل حالياً في واقعنا العربي يجد تراجعاً كبيراً للغة العربية الفصحى، وانحساراً ملحوظاً لها، لاسيما في وسائل الإعلام بحجة التقرب من ألسنة الناس والتعبير عنهم، وبات من الملح الإلمام بالعلاقة بين اللغة الفصحى ووسائل الإعلام؛ هل هي علاقة تكامل أم تضاد؟ ومن منهما يلزم الآخر؟ ومن يكمله؟ بل من منهما يأخذ بيد الآخر إلى عقول المتابعين وألسنتهم؟

بما أن ارتباطنا بالعربية ليس مجرد ارتباط بلغة، وإنما ارتباط بالدين، فهي تربط أبناء الأمة على اختلاف بلادهم، فما مخاطر هذه الإشكاليات بين الفصحى ووسائل الإعلام على الهوية الإسلامية والعربية التي ترتبط ارتباطاً جوهرياً باللغة العربية؟

هذا ما نحاول الإجابة عنه في السطور التالية، مسترشدين بآراء بعض المعنيين بالأمر.

نتاج لواقع مأزوم:

لعل إشكالية اللغة التي نعيشها في واقعنا العربي، وحالة العزوف أو التراجع عن لغتنا الفصحى، هي نتاج للواقع المتأزم الذي تحياه الأمة العربية بالدرجة الأولى، إلى جانب عوامل أخرى، أهمها يتمثل في الإعلام، وهو ما يعلق عليه الباحث اللغوي محمد أحمد البكري قائلاً: إن اللغة العربية تعيش في إعلامنا العربي واقعاً عشوائياً متخبّطاً بكل أسف، سواء على مستوى الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، وإن المتابع لإعلامنا -مختصاً في اللغة كان أو غير مختص- يمكنه أن يقف على هذا الخلل بكل يُسر.

أما أهل الصنعة الإعلامية، فيؤكد الاستشاري الإعلامي والكاتب حسام شاكر، في تصريح لـ»المجتمع»، أن أبرز روافد التدهور الحاصل في مستوى الاهتمام باللغة العربية الفصحى في الإعلام؛ هو اجتياح المحكيات واللهجات، وإقحام مفردات غير عربية أساساً، وليست حتى من اللهجات الدارجة إلى جانب تحدي المصطلحات الشبكية والتقنية والاتصالية الحديثة.

مشكلتها في  أبنائها:

في عالمنا العربي يتعلم الإنسان لغة في المدرسة، ثم يخرج إلى الشارع ليتحدث لغة البيت ولهجة البيئة المحيطة، وهو ما يتسبب في نوع من الازدواجية اللغوية التي تباعد بين الإنسان العربي ولغته العربية الفصحى، وهو ما يعده الإعلامي السوري جهاد عدلة أحد أبرز أسباب الانفصال عن العربية الفصحى التي باتت تعاني من مشكلات كبيرة؛ حيث يرى عدلة أنه على رأس المتسبب في هذه الإشكاليات هم أبناء اللغة نفسها، فنجد حالة عزوف وزهد كبيرة في التحدث باللغة العربية الفصحى، بل إن الأكثر خطورة الآن أن حالة العزوف والزهد في الفصحى هذه انسحبت على من ينبغي أن يتحدث بها من ساسة ورؤساء ومفكرين، وحتى الفضائيات العربية الكبيرة بدأت العامية واللهجات الدارجة تزحف على شاشتها بشكل ملحوظ، وهو ذات المعنى الذي ذهب إليه النائب السابق لرئيس المجمع اللغوي بالقاهرة أ.د. محمد حماسة عبد اللطيف، يرحمه الله تعالى، في لقاء تلفزيوني حينما قال: «اللغة العربية تواجه حرباً في أماكن كثيرة، والأدهى أنها تعاني من عدم التوقير داخل البلاد التي تنتسب للغة العربية».

أمة لا تعلي لغتها لا تعلو:

لا شك أن هناك حالة من التهاون في ضبط اللغة الإعلامية، وهي مسألة خطيرة؛ لما يترتب عليها من إشاعة اللحن والخطأ لدى المتلقّي، لكن الأخطر من هذا التهاون في رأي محمد البكري هو تجاوز اللغة الفصحى في المنابر الإعلامية إلى اللهجة العامية الذي تفشّى مؤخراً؛ إمّا إعراضاً عن إتقان الفصحى، وإمّا لغرض عند البعض لإحلال العامية محل الفصحى في منابر الفصحى بحجة أن العامية هي الأقرب إلى المشاهد والمستمع والقارئ؛ كونها اللغة اليومية الأولى التي يتحدث بها، لكن من المعلوم أن أي أمة تحترم لغتها لا بد أن تعليها في إعلامها، فالإعلام من المنابر الرسمية التي تعبّر عن هذه الأمّة بلغتها الرسمية، وإن أمة لا تعلي لغتها الرسمية في وسائل إعلامها أمة لا تعلو.

من جانبه، يشير حسام شاكر إلى المحاولات المتزايدة لاعتماد اللهجات الدارجة والعامية والمحكية في عدد من وسائل الإعلام، وهناك تجارب متعددة في هذا المسار، ويعتبرها تراجعاً في منسوب اللغة الفصحى، وتراجعاً لوسائل الإعلام نفسها عن الارتقاء بالذائقة اللغوية للجمهور، في محاولة منها ربما لمخاطبة السذاجة اللغوية القائمة في محاولة لتحقيق نوع من الذيوع والانتشار، يتم البعد المحكي الدارج البسيط في تجاوز للعربية الميسرة.

حجج متناقضة:

لكن حسام شاكر يرى أن هذه المساعي لإحلال العامية مكان الفصحى بقيت تجارب موضعية، فهي تعبر عن تحيزات مناطقية ليس فقط على مستوى الدولة ضمن محيط إقليمي، ولكن حتى داخل الدولة الواحدة، فعلى سبيل المثال؛ في حال اختارت فضائية ما مخاطبة الجمهور بلهجة معينة واعتبارها لهجة القناة فهذا بحجة أنها الأقرب للناس، وعملياً هذا يعد تجاهلاً للهجات أخرى يضمها القطر الواحد في تحيز للهجة العاصمة أو المركز مثلاً، مع تهميش الواقع اللغوي المتنوع بالنظرة لحالة اللهجات الدارجة، فكل بلد به لهجات متعددة، فضلاً عن أن هناك دولاً بها أكثر من لغة؛ وبالتالي فهذه المحاولات تقع في تناقض ملحوظ بالتحيز للهجة معينة على حساب تجاهل اللهجات الأخرى.

كما أن هذه التجارب عملياً تواجه إشكالية أخرى مهمة وهي أنها تعجز عن أن تتجاوز المحلي إلى فضاء الناطقين بالعربية، وبالتالي تخسر جمهوراً كبيراً وواسعاً، وهنا يتضح أنه وإن كانت اللهجات المحلية وجدت انتعاشاً في بعض الفضائيات، لكن هذه الفضائيات عجزت في مجال الإعلام العابر للدولة الواحدة، وبالتالي الحجة التي تساق لتمكين اللهجات العامية باعتبار أنها تنحاز إلى الناس وألسنتهم، هي حجة تناقض ذاتها عندما تتجاهل ألسن الجمهور ولهجاته لصالح لهجة معينة.

عزوف أم تنفير أم تجاهل هوية؟

من ينظر إلى واقع اللغة العربية في وسائل الإعلام يُخيّل إليه دون كثير عناء، كأن هناك نوعاً من العداوة ما بين القائمين على وسائل الإعلام واللغة الفصحى، إذ يجد أن المساحة المخصصة للغة الفصحى أو البرامج الثقافية مثلاً قليلة جداً، كما أنه في أحيان كثيرة تكون المادة المقدمة بالفصحى تحمل نوعاً من التنفير للمتلقي من لغته العربية الفصحى، فإما أن تكون هذه المواد من برامج أو دراما سيئة في الإخراج أو فيها تكلف وتقعر ممجوج في الأداء بعيدة عن اللغة الميسرة، أو بعيدة عن هموم الناس، أو تجد الإنتاج هزيلاً ومتواضعاً، أضف إلى هذا أن الإعلانات بأنواعها تنتصر للعامية واللهجات الدارجة ضد اللغة الفصحى، بل تروج للغات الأجنبية مع عرضها بأسلوب شيق وجذاب وبإمكانات ضخمة؛ ما تسبب في إفساد الذوق والحس اللغوي، وسرّب انطباعاً سلبياً إلى نفس المتلقي عن اللغة الفصحى جعله يستشعر أنها بعيدة تماماً عن حياته اليومية وهمومه، كما أن الأمر الذي لا يقل أهمية هو أن تجاوز اللغة الفصحى واندثارها على ألسنة المتكلمين بها يعني التفريط في الهوية العربية، بل هو تفكيك لأواصر الأمة وتماسك الشعوب العربية.

«الفرانكو عربي».. رفاهية أم اضطرار؟

وسائل التواصل الاجتماعي من العوامل المهمة التي لها تأثير كبير على اللغة العربية، لما لها من استخدام يومي على مدار الساعة، ولما يستخدمه كثيرون فيها من لغة “الفرانكو عربي”؛ وهي كتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية، وهذه الظاهرة في حقيقة الأمر ليست رفاهية على الدوام، فهي وإن كانت نتاج دعوات قديمة، فإن الاستخدام اليومي الفعلي لها كان لعدة أسباب قد تبدو منطقية في ظل استمرار عدم إيجاد حلول عملية لمواجهتها، ومن هذه العوامل:

انتشار التكنولوجيا الحديثة التي كانت في أغلبها لا تدعم الكتابة بالعربية، وهو ما اضطر قطاعاً عريضاً من مستخدمي هذه التكنولوجيا، وفي مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التعامل بطريقة “الفرانكو عربي”، أضف إلى ذلك انتشار المدارس والجامعات الأجنبية في بلادنا العربية التي تعتمد اللغات الأجنبية في تدريس العلوم المختلفة مع تهميش ملحوظ للغة العربية.

هذان السببان وإن بدا منطقيين، فإن هناك دوافع أخرى من باب الرفاهية وغياب الانتماء الحقيقي للغة العربية، منها عدم الظهور بمظهر المتخلف عمن يستخدمون هذه الطريقة، أو هروباً من الجهل بقواعد الإملاء العربية، ومحاولة التشبه بالغرب المتقدم.

لكن لهذه الطريقة في التعامل تحمل العديد من الآثار الخطيرة، أهمها تباعد المسافة بين الأجيال العربية وتاريخهم وإرثهم الديني والتاريخي، إلى جانب تشويه الشخصية وفقدها هويتها.

لغة حية:

لكن هذا التراجع الذي تشهده اللغة العربية يجب ألا يجعلنا نفقد الأمل؛ فاللغة العربية لم تعد لغة أمة العرب فقط، بعد جعلها القرآن الكريم لغة حية ما بقيت الحياة؛ فهي لغة الوحي وبها نزل القرآن الكريم الذي أضاف لها بعداً رسالياً وعالمياً لا يقتصران على العرب فحسب؛ فكل من أراد فهم القرآن والحديث الشريف لزمه تعلم العربية؛ ما جعلها لغة حضارية تجمع المسلمين حول العالم.

عصفور واحد لا يصنع الربيع:

معالجة الواقع وإعادة الاعتبار للغة العربية الفصحى ليس نوعاً من الترف، لكنه بات ضرورة ملحة تفرض ألا تكون المساعي أحادية من طرف دون آخر، وإنما تكاتف من قبل المعنيين جميعاً سواء المتخصصين باللغة العربية أو سلطات الدول العربية والمجامع اللغوية إلى جانب القائمين على وسائل الإعلام، إذا أردنا إعادة الاعتبار للغتنا العربية، فعصفور واحد لا يصنع ربيعاً.

في كتابه «أثر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في اللغة العربية» يقول د. جابر قميحة: «إن إعادة الاعتبار للغة الفصحى مرهون بالقدرة على تحويل اللغة العربية إلى مادة جذابة يحبها أبناؤنا ويقبلون على دراستها، وجعلها تمتزج بنفوسنا وتعيش فينا وتلبي متطلبات العصر وتواكبه، بحيث لا نشعر إزاءها بغربة أو انفصام عن واقعنا المعيش»، ويطرح عدداً من التوصيات في هذا الإطار، منها:

- بذل الجهود لضمان أن يتحدث أهل التربية والإعلام والسياسة بالعربية الفصحى.

- تقديم برامج للأطفال باللغة العربية السليمة من خلال الإعلام المسموع والمرئي.

- الاجتهاد في مهمة تجديدها وربط مفرداتها بكل ما يطل برأسه من مستحدثات ومخترعات وابتكارات ومعارف جديدة.

- الاهتمام بالملاحق الأدبية في الصحف، وتخصيص مساحة منها لنصوص تراثية ودروس نحوية، وعرض الأخطاء الشائعة، ويكون ذلك بصفة دائمة ثابتة.

- تصدير اللغة العربية لدول العالم الثالث، وخصوصاً الدول التي ترتفع فيها نسبة المسلمين، ويكون ذلك عن طريق برامج تعليمية مخطط لها بدقة، تذاع عبر الراديو والقنوات الفضائية.

- اضطلاع المجلس الأعلى للصحافة بمتابعة ما تنشره الصحف من لغة مبتذلة ولهجات عامية تسيء للذوق العام.

ومن جانبه، يوصي حسام شاكر، في تعليقه لـ»المجتمع»، باتفاق المختصين والمعنيين على كلمة سواء فيما يتعلق بتمكين لغة عربية فصحى ميسرة للجمهور، وإيجاد دور جديد لمجامع اللغة العربية تتسق بالواقع.

بينما يرى الإعلامي السوري جهاد عدلة أنه لا أحد بإمكانه وضع حل سحري لمثل هذه الإشكالية، وإنما الأمر ينبع من المفترض من السلطة والمؤسسات، إذ ينبغي أن يكون هناك قرار سياسي ينتج عنه وضع خطة لنشر اللغة العربية الفصحى في المدارس والجامعات والمؤسسات، ووضع ضوابط ومعايير لاختيار العاملين بالحقل الإعلامي، إلى جانب إنشاء جمعيات وهيئات تعنى باللغة الفصحى، منبهاً إلى أهمية دور الأسرة في غرس اللغة الفصحى في نفوس النشء.

الرابط المختصر :