العنوان التعاون على الدعوة
الكاتب علي بن عمر بادحدح
تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997
مشاهدات 21
نشر في العدد 1256
نشر في الصفحة 59
الثلاثاء 01-يوليو-1997
يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ﴾ (المائدة: 2) ومن مستلزمات الإسلام التعاون مع أهل الإيمان، ومن فهم ما أسلفناه من كيد الأعداء أدرك أن التعاون أمر لابد منه في مجال الدعوة، والمزيد من الإيضاح أشير إلى عدد من المفاهيم التي تزيد القناعة بالتعاون وتبين الخسارة في تركه.
أولًا: تعدد المجالات: إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين أو وسيلة واحدة، بل هي ميدان رحب ووسائل شتى، وذلك يعني أنه لابد من بذل جهود عظيمة، ولابد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه، فإنها تقصر عن الإبداع والإتقان في كل مجال، فهناك من يستطيع الخطابة ويجيدها، وهناك من يحسن التأليف ويتقنه، وهناك من ينشر العلم ويدرسه وثمة من يعرف العمل السياسي، وآخر يبدع في العمل الخيري، وهكذا، ولا يتصور أن تغطى هذه المجالات إلا باستفراغ كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل، ورحم الله الإمام مالك إمام دار الهجرة الذي نصب نفسه في ميدان من أعظم ميادين الدعوة وهو نشر العلم الشرعي فكتب إليه من يدعوه إلى غير ذلك فقال: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، قرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه، وما أظن ما أنا فيه دون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر (نزهة الفضلاء ٦٢٥/٢).
ثانيًا: قلة الإمكانات: لا يشك أحد في أن الأمة الإسلامية تعاني اليوم من قلة الدعاة وكثرة المنكرات وغلبة الجهل، مما تحتاج معه إلى جهود ضخمة لإصلاح الأحوال، وليس هناك الإمكانات اللازمة الكافية لهذه الحاجات، وإذن فلا بد من التعاون الاستثمار هذه الإمكانات بأقصى ما يمكن، والإفادة من التجارب، وتبادل الخبرات، وما لم تكن نفسية التعاون موجودة فإن كثيرًا من الخير يفوت.
ثالثًا: خذلان الأعداء: أعداء الإسلام من قديم الزمان كان من أعظم مقاصدهم بث أسباب الشقاق وزرع بذور النزاع بين المسلمين عمومًا، وأعيانهم من العلماء والدعاة خصوصًا، وهذا يحقق لهم من الأهداف والغايات ما لا يستطيعون بلوغه بجهدهم وكيدهم، ذلك أن الهدم من الداخل أشد فتكًا وأعظم ضررًا، ولذلك كان خطر المنافقين أكبر وأظهر، وإن عدم إدراك هذه الحقيقة يجعل الداعية يخالف إخوانه من الدعاة لأي أمر عارض، أو خلاف في أمر مما يسوغ فيه الخلاف أو تحمس لفعل لم ير غيره أنه يناسب في هذا الوقت ونحو ذلك، فيسعى حينئذ إلى مواجهة إخوانه الدعاة بدلًا من أعداء الله، ويتفرغ لتسقط أخطائهم، وتتبع عثراتهم، فيفرح بذلك أعداء الله، بل إنهم يسعون لذلك ويثيرونه فعلى الداعية الحصيف أن يفوت عليهم الفرصة وأن يخذلهم بأتباع الحق، وفهم حقيقة الأختلاف المبني على الأجتهاد وإحسان الظن بإخوانه والتماس العذر لهم، والحرص على حماية أعراضهم، وسمعتهم، والحرص على التعاون وإشاعة الخير، وله في ذلك نماذج من الأئمة والعلماء، فهذا الإمام أحمد بن حنبل جاء في سيرته أنه إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد وقيام بحق وأتباع الأمر فسأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله.
مناظرة
وهذا الشافعي يناظر يونسًا الصدفي فيختلفان ويفترقان، قال يونس: فلقيني «أي الشافعي» فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة (نزهة الفضلاء ٧٣٤/٢).
وهذا ابن المبارك سمع رجلًا ينال من آخر وينتقده، فقال له إبن المبارك هل قاتلت الترك؟ قال: لا، قال: فهل قاتلت الفرس؟ قال: لا، قال: فهل قاتلت الديلم؟ قال: لا، قال: أفيسلم منك الترك والفرس والديلم ولا يسلم منك أخوك المسلم؟
إذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالًا لزلته عذرًا
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه كان به عن كل فاحشة وقرًا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى ولا مانع خيرًا ولا قائل هجرًا
إن في أعدائنا كفاية لإستنفاد جهودنا في حربهم، ومواجهتهم، فكيف نغفل عن هذا ونوجه سهامنا لبعضنا؟!:
ولم أر في الخطوب أشد هولًا وأصعب من معاداة الرجال
وبعض المنتسبين إلى الدعوة إذا تعامل مع الدعاة كان فظًا غليظًا، ومخالفًا عنيدًا، وإذا تعامل مع العصاة كان لينًا رفيقًا، ومؤالفًا رقيقًا.
ومن أسباب أمتناع التعاون وحصول ما يضاده ضعف الفقه الموضوع الإختلاف وما يسوغ منه، وما لا يسوغ وما ينكر وما لا ينكر وما يسع المختلفين أن يتعاونوا وإن لم يتفقوا عليه وما لا يسعهم معه التعاون، ولذا لابد من العناية بهذا الجانب وفهمه.
ومن الأسباب أيضًا التعصب للموافق،والتحزب ضد المخالف، وهذا لا يليق بالمسلم فضلًا عن الداعية، لأن المطلوب منه أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصبًا لمذهب دون مذهب، أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى، كما قال تعالى : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ﴾ (سورة المائدة: 2) وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعاونوا على البر والتقوى، لم يكن كل أحد مع أحد في كل شيء، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية، ولا أتباع الهوى بدون هدى من الله، ولا تفرق ولا أختلاف فتاوی إبن تيمية (١٥/٢٨).
فعلى العاملين في مجال الدعوة أن يفطنوا لذلك فلا يقوموا بما يوهن صفوف الدعاة ويوغر صدورهم، ويثير بينهم أسباب الفرقة.
الإبتلاء وطول الطريق
لیست طريق الدعوة مفروشة بالورود وليست سهلة الورود، ولا قريبة المنتهى، بل كما قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214) وقال تعالى ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 2-3) إنها سنة إلهية ماضية ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.
وسئل الشافعي: أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟، فقال: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله أبتلى نوحًا وإبراهيم وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة.
وطريق الدعوة طويل، ومن أستطال الطريق ضعف مشيه، فلابد من الصبر على البلاء، وطول النفس، وإدراك أن الزمن جزء من العلاج.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل