; التعليق الأسبوعي: بعد فشل الحكام، واهتراء الأنظمة مطلوب رواد لقيادة الأمة | مجلة المجتمع

العنوان التعليق الأسبوعي: بعد فشل الحكام، واهتراء الأنظمة مطلوب رواد لقيادة الأمة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-أكتوبر-1975

مشاهدات 59

نشر في العدد 271

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 21-أكتوبر-1975

التعليق الأسبوعي: بعد فشل الحكام، واهتراء الأنظمة مطلوب رواد لقيادة الأمة نعلم وغيرنا يعلم أن الصليبيين في لبنان قد خسروا ويخسرون ماديًّا باستمرار من جَرَّاء المعارك التي يوقدون نيرانها، كلما أوشك ضِرامها أن يخبو. ولكنهم يُضحون بأموالهم، وبيوتهم ومتاجرهم، في سبيل عقيدتهم الصليبية الملتهبة بالحقد والأضغان. وتحت سطوة الكراهية المسيطرة عليهم ارتدُّوا إلى عصور الغاب في أساليب القتال؛ فمن الأنباء التي تتعمد أجهزة الإعلام دفنها إن «مليشيا» الكتائب اختطفت مجموعة من الذين يحملون شارات الإسلام، أي أن «مليشيا» الكتائب تعرفت عليهم، بأسمائهم. هنالك ذبحوا مَن يحملون هذه الأسماء ذبحًا ثم مثَّلوا بهم، فجدعوا الأنوف وفجَّروا القنابل في البطون، ودقُّوا الرؤوس وطخُّوها بمؤخرة الرشاشات وبالقضبان...في أي عام نحن؟ وإلى أي فصيلة همجية ينتمي الكتائبيون؟ وفي نفس الوقت الذي جرت فيه هذه المجزرة المرعبة، كان مؤتمر وزراء الخارجية العرب يطالب بدعم لبنان حتى يتمكن من تعويض خسائره وكان هذا الاقتراح قد قُصد به منح حزب الكتائب مكافأة ثمينة لقاء ما قام به من مذابح موظفة أساسًا لخدمة العدو الصهيوني. لقد بات معروفًا أن الصليبيين يشنون هذه المعارك حتى يتخلى الإخوة الأقرب إلينا عقيدة وقبلة عن مطالبهم؛ إن حزب الكتائب فجَّر الموقف بعد إعلان المطالب التي أصر المسلمون على تحقيقها، ويهدف من وراء ذلك إلى تذويب جوهر القضية بين الأشلاء والدماء. وكان على مؤتمر وزراء الخارجية العرب أن يدرك ذلك، وأن يقف إلى جانب مطالب المسلمين وأن يدعمهم حتى يتمخَّض الموقف عن أحد احتمالين ●إما أن يدمر لبنان كله، ويحترق في نيران «بيار الجميل.» ●وإما أن يحدث التوازن المطلوب وتحقيق مطالب المسلمين العادلة. والفشل والاهتراء لم يقتصر على أزمة لبنان، فالحكام العرب التزموا بصمت مريب إزاء الصراع على الصحراء المغربية بين المغرب وإسبانيا، وبين عمان واليمن الجنوبي حرب استُعمل فيها سلاح الطيران ولا أحد يتحرك، و «أمريكا» منذ ثلاثة أيام على لسان وزير دفاعها أنها ستزوِّد العدو بمائة صاروخ مُؤهَّلَة لحمل شحنات نووية، وتعلن عن منع وفد منظمة التحرير من دخول «نيويورك» ولا أحد يتحرك، أما الجامعة العربية فقد أكَّدت التجارب أنها لا تتحرك إلا في قضايا إقليمية معينة، ونسيت أنها جامعة للدول العربية، وليست جامعة لإقليم واحد. فماذا حدث؟ ماذا دهى الناس؟ تفسيرات هذه الأوضاع بأنها أخطاء سياسية عادية، أو خَلَل فني مؤقت -على طريقة التلفزيون- في التقدير والتكتيك..هذه التفسيرات ذاتها عقيمة. إن التفسير الجذري هو أن هؤلاء الحكام قد فشلوا في قيادة الأمة، وإن الأنظمة اهترأت ولم تعد قادرة على العطاء والإبداع؛ إن الأمة في حاجة إلى رُوَّاد جُدُد، رُوَّاد تَحَرَّروا قبل ذلك من رِق البقاء على الكراسي، رُوَّاد أشداء على الكفار، رحماء بينهم، رُوَّاد يُحِبُّون الإسلام أكثر من حبهم لأنفسهم التي بين جنبيهم، رُوَّاد يَكثرون عند الفزع، ويَقِلُّون عند الطمع، رُوَّاد يَستمدُّون من قدرتهم على قياد أنفسهم مرانُا على قيادة الأمة، والموقف والرأي والتضحية، رُوَّاد يوحِّدون الله بالعقيدة، رُوَّاد يُنَحُّون كل القيادات والزعامات من طريقهم، ويُخلصون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقتدون به وحده، رُوَّاد يملكون من الهدى والفرقان ما ينير لهم طريقهم في هذا المُعترَك السياسي الشديد البلبلة والضلال، ولا داعي للتطيُّر قط؛ فحين سقطت القدس في يد الصليبيون لم يكن صلاح الدين قد ولد بعد. وقد تكون مجموعة الخلاص أَجِنَّةً في بطون الأمهات الآن أو براعم في رياض الأطفال أو تلاميذ في المتوسط أو الثانوي، أو طلابًا في الجامعات لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا، لكن مجموعة الخلاص، لا تنبت في فراغ ولا تنبعث من الجدب، إنما تترعرع في أجواء مواتية تنضجها، وتزكيها. ومن هنا فإن تعزيز الكفاح الإسلامي، وبذل جهود صادقة ومخلصة في سبيل الدعوة إلى الله خطوات مباركه نحو تحرير الأمة مما هي فيه. «أمريكا» تمنع وفد منظمة التحرير من دخول نيويورك؟! كل يوم تؤكد الأحداث والوقائع أن «أمريكا» ثابتة على خطِّها المعادي لقضايانا ومصالحنا، إنها لم تتغير قط، ولكن بعض العرب هم الذين تغيَّروا، وهرولوا نحوها، لقد قررت الحكومة «الأمريكية» مَنع وفد منظمة التحرير الفلسطينية من دخول «نيويورك» لقيادة النِقَاش في موضوع هو محوره وعَصَبُه ولَحمُه ودَمُه، موضوع فلسطين. وهذا الإجراء من «أمريكا» يؤكد مُجَدَّدًا عُمق ارتباطها بالحركة الصهيونية التي تريد دفن قضية فلسطين في المجالين السياسي والدبلوماسي تَمَاشِيًا مع حركة الاحتلال والاستيطان على المستوى الجغرافي. وفي الحقيقة لو كان هناك دول عربية جادة لبادرت إلى اتخاذ موقف مضاد للتصرفات «الأمريكية» كأن تعلن احتجاجها ونقل الأمم المتحدة من نيويورك نظرًا لانحياز «أمريكا» وأن تعلن كذلك انسحابها من النِقَاش وتشترط حضور منظمة التحرير في العدول عن قرار الانسحاب، وهناك نحو سبعين دولة تُناصر الدول العربية لأكثر من سبب. لكن العرب الذين هرولوا نحو «أمريكا» لا يستطيعون ذلك، وهذا واحد من القيود الثقيلة الذي تولَّد عن الارتباط المجنون بهذه الدولة الاستعمارية.
الرابط المختصر :