; التليفزيون | مجلة المجتمع

العنوان التليفزيون

الكاتب جمال النهري

تاريخ النشر الثلاثاء 28-يوليو-1970

مشاهدات 21

نشر في العدد 20

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 28-يوليو-1970

الرقص.. من قال إنه حرام؟ ثم ماذا نقدم للأجانب؟

المنظمات الفدائية.. بين الصور الجنسية والأغنية المائعة.

التليفزيون

مستقبل الإسلام في الكويت

·       فجوة هائلة، كدتُ أسقط فيها وأنا في التليفزيون‎،‏ فجوة عميقة وواسعة يمكن أن تبتلعني وتبتلعك وتبتلع الآخرين، ومن مميزاتها أنها تتسع للماضي والحاضر والمستقبل أيضًا.

وأخطر الفجوات ليست حفرة في الطريق ولا خسفًا مفاجئًا في شارع، إنما الفجوة الخطرة تكون في عقل أمة‎،‏ أو على الأصح في العقل الذي يُفكّر لها.

والأجهزة الإعلامية في أي بلد هي العقل الجديد الذي به تفكر وبه تحسب خطواتها قبل أن تخطو. وهي كإشارات المرور تُحدّد لها متى تنحرف إلى اليمين ومتى إلى اليسار، متى تقف ومتى تندفع‎.

·       وحينما تندلع النار في بيتك، وتصبح النار على وشك أن تلتهم أعز الناس إليك: أمك وزوجتك وأبناءك، وتخرج مستغيثًا إلى الطريق فإنك تريد أن يصبح كل الناس رجال مطافئ وكل الأدوات أدوات إطفاء.

·       والنار متى شبَّت لا تفرق بين بيتي وبيتك وبيوت الآخرين. فالنار تؤمن بالمساواة ولها أيضًا شهية مفتوحة فلها ألف فم ولكل فم ألف لسان.

·        والحرب كالنار، ‏شبَّت بالأمس في حجرة في بيتنا العربي المسلم وانتقلت اليوم لحجر أخرى ثلاث، وهي في الغد ملعلعة وفي البيت كله لا محالة.

·       وليس من قبيل إحسان البيان أن يُقال ذلك، ولكنها الحقيقة وإن بدت مؤسية أليمة ومن هنا كان من الواجب أن تُصبح الكلمات: أجراسًا، والمؤسسات: أجهزة إنذار.

·       وأنا ذهبتُ للتليفزيون وفي أنفي رائحة أجسامنا التي أحرقها النابالم وفي عيني مزق من لحم أطفالنا ونسائنا من دير ياسين وصدور مثقوبة وبطون مبقورة لأناسٍ كانوا رجالًا مثلي ومثلك يعيشون في الجولان، والقدس، وسيناء والقنال.

ولكنها النار شبَّت في البيت القديم ذهبت وأنا أبحث عن أجهزة الإنذار، وكلمات أجراس تشرخ المكاتب وتنزع الجفون فسقطت في هذه الفجوة وهذه الفجوة هي التي تفصل بين الشعب والأجهزة الإعلامية التي ينبغي أن تعلمه وأن تُنذره.

أجهزتنا لديها حالة «شيزوفرينيا» أو انفصام الشخصية، فكأن عقل هذه الأمة في وادٍ وجسمها كله، وما ينتهكه في وادٍ آخر.

مع مدير التليفزيون.

ذهبت لمدير التليفزيون‎، ومدير التليفزيون هو السيد جواد حسون، قلتُ لنطرق موضوعنا مباشرة أنت على رأس جهاز من أخطر الأجهزة التي تؤثر في أدمغة الناس وعواطفهم، بل أعتقد أنه أخطر تربويًا وأعمق أثرًا من وزارة التربية بمدارسها وجامعاتها.

§      قال: نعم.

§   هل قرأت بيان سمو ولي العهد؟

§       قال: لماذا؟

§        أقرأ عليك فقرة منه؟

§       قال: هات.

§       يقول البيان: «ما الذي غيّر من حالنا ونحن نأخذ مع ذلك بأسباب التقدم، لقد تساءلت منذ حوالي أربعة أعوام وأتساءل مجددًا أين مجتمعنا اليوم من مجتمعنا بالأمس القريب يضرب به المثل في الجد والتآخي، ثم ينذر قائلًا: «إن المجتمع سيتفسخ، وليس بعد التفسخ إلا الانهيار، وهذا ما نرفض أن يكون مهما كلفنا ذلك من جهد وتضحيات».

ما رأيكم في هذه الفقرة؟ وألا تعتقد أن «التفسخ» الذي عناه البيان لا بد وأن تكون له أسباب، وهل تعتقد بصراحة -وأرجو ألا تغضب- أن التليفزيون مسئول عن هذا التفسخ كما أرجو ألا يعتبر

وجودك كمسئول عن التليفزيون مانعًا من تحديد نقاط الضعف فيه؟

§       قال: أود ألا نتفرغ لموضوعات بعيدة وأن تكون الأسئلة مباشرة؟

§       قلتُ هذا سؤال مباشر وإنني أبحث عن الإطار الفكري الذي يحكم التليفزيون ما هو الهدف الذي تسعون إليه في التليفزيون؟

 

لو أراد ولي العهد

§       قال: وضِّح، اضرب مثالًا. 

§       بصراحة هناك برامج كثيرة في التليفزيون يمكن أن ينطبق عليها بيان ولي العهد باعتبارها من البرامج التي تُسهم في «التفسخ» الذي تزداد موجته وعرامته في الكويت؟

§       قال: هل أنت أحرص على مصالح البلد من ولي العهد؟

لو أراد ولي العهد أن يغير شيئًا من البرامج لرفع سماعة التليفون وغيرها.

أخشى أننا ابتعدنا عن موضوعية الأسئلة، ولكني لا أستطيع أن أقبل هذا المنطق أي أن أُفسّر كون سمو ولي العهد لم يتصل بك لإلغاء بعض البرامج المفسدة أنه يقر هذه البرامج، وهل إن المجتمع سيتفسخ.. وليس بعد التفسخ إلا الانهيار وهذا ما نرفض أن يكون مهما كلفنا ذلك من جهد.                       جابر الأحمد

تحقيق: جمال النهري

المطلوب بالتالي أن يتدخّل سمو ولي العهد ‎في‏ كل مؤسسة وكل وزارة بنفسه لمعالجة أخطائها، وإذا كان، فما معنى هذا التعدد في وجود مسئولين على قمة كل جهاز؟؟ إنه لمنطق خطير.

§       قال: لكن هذا الذي تنتقده «علينا»، لماذا لم تقله في بلدك؟

آسف لهذه التفرقة «بلدي وبلدك» لقد تصورت أننا أصحاب «دار واحدة» وأن النار المشتعلة في جزء إنما تهدد الكل، ثم إنني هنا كصحافي أمثل صحيفة كويتية وينبغي أن أنفعل بمشاكل الكويت كواحد من أبنائها.

 

المنظمات..‏ والخطط الصهيونية.

§       دعني أذكر أن بيانًا صدر من المنظمات الفدائية في الأردن تحذر فيه أن «جهات معينة بدأت تُصدر كميات هائلة من الصور الجنسية والكتب المنحرفة بقصد تمييع الشباب في الأردن»، وإنني على يقين أن الصورة التليفزيونية والأغنية المنحرفة لا بد أن خيوطها الأصلية في أيدي صهيونية، ولذا لا بُد أن تُحسم هذه القضية ولا أرى أن كلمات بيان ولي العهد في هذا الصدد قد جاءت عبثًا، «إن كل محاولة لهدم هذا التراث ومقوماته تحت أي شعار وبأي فعل، يعتبر خيانة في حق هذا الشعب».

§       الإجابة: نحن نقدم برنامج «اعرف عدوك»، ولكن هل نحول التليفزيون ‎24 ساعة عن فلسطين ‎«الشبان ينفجرون»،

قال: بريطانيا كانت تقاتل ولم يمنعها هذا من اللهو.

§       تشبيه مع الفارق الجسيم، لأن بريطانيا أولًا لم تكف عن القتال لحظة واحدة، لا هدنة ولا إيقاف قتال. وثانيًا، إن مقومات بريطانيا غير مقوماتنا كلية، وثالثًا، نحن لنا تقاليد وأخلاق خاصة.

والأمر الثاني بشأن «قضية الشبان» أرجو أن نعمل شريحة مقارنة بين شبابنا والشباب الإسرائيلي الذي ينتظم في منظمات الشباب من سن الثانية عشرة في «الجدناع» حيث يقوم برحلات بحرية وجوية مختلفة المستويات على البحرين الأحمر والأبيض. كما يدربون في مستعمرات الحدود التي تُسمى مستعمرات «‏موطئ القدم» بمعنى قدم في أرض إسرائيل، والأخرى في الأرض العربية.

التليفزيون لمن.. للوطنيين أم للأجانب؟

§       سؤال: يعرض التليفزيون برامج عن ‎«‏الرقص الشرقي»،

أليس في نسبة هذا الرقص إلينا سبة جارحة بما يحويه من حركات مبتذلة؟ وبالنسبة لتليفزيون يصدر برامجه من بلد مسلمة، ونظام الحكم فيها قد وضع إطارًا إسلاميًا لأجهزتها تعمل داخله، ثم إننا في معركة تحتم التزامات معينة نأخذ بها أنفسنا.

§       من قال إن الرقص ضد الدين؟؟! وبخاصة الرقص الإيقاعي «الباليه» وإذا سلمنا جدلًا أنه ضد الدين،‏ فهل هو محرم في الأديان الأخرى؟ لا أظن.

ثم هناك أجانب، أخي، وعلى فكرة البلاد التي يدور فيها القتال فعلًا، انظر برامجها إنها لا تحرمه، فهل نحن أكثر تشددًا من هؤلاء، والمعركة في أرضهم؟؟

ونحن لا نفرض على الجميع أن يروا كل البرامج،‏ فلينتق كل ما يريده وليغلق التليفزيون، فيما لا يريده.

§       وابتسمت متألمًا لهذه الإجابة، هل ثمة تساؤل في البديهيات، الرقص حلال أم حرام؟‏

ثم ما هي مشكلة الأجانب، التليفزيون، أصلًا لمن هو؟؟ للوطنيين أم للأجانب؟؟

لم أسمع بتليفزيون في أي دولة أوروبية يقيم وزنًا للمسلمين فيها في صورة برامج خاصة. لا أن يصل لحد أن يُراعيهم في الذوق العام للجهاز كله،

ثم لماذا نتخذ من تليفزيون دولة أو أخرى مثلًا أعلى؟ 

وإذا كانت الأمور تمضي هناك على ما يرام، فلماذا وقعت الهزيمة إذن؟؟ وألم يكن «التحلل الخلقي» سببًا أساسيًا في الهزيمة؟!

§       سؤال، أرجو أن تُفسح صدرك للنقد، فأنا أعتقد أن العلاقة بين الصحافة وأجهزة الدولة ومنها التليفزيون ينبغي أن تتوثق فالصحافة مرآة الرأي العام.

ولو أن كل مسئول أشار إلى جهازه وقال: «كل شيء على ما يرام» لما كان هناك داعٍ أصلًا لإصدار بيان ولي العهد، أليس كذلك؟؟

§       الإجابة: نعم.

§       سؤال: ألا يمكن أن تعقد ندوة للعاملين في التليفزيون بحيث يكون محتوى البيان فاصلًا بين عهدين في التليفزيون؟؟

§       لست المسئول الأخير عن التليفزيون، هناك لجنة عليا للبرامج برئاسة السيد سعدون الجاسم وكيل وزارة الإرشاد.

§       وبعد أن تجوّلت في التليفزيون ولا أدّعي أنني عرفت كل شيء، لكنني أحسست أن مناقشة مفتوحة تشمل البرامج والنواحي الإدارية، وميزانية البرامج قد تفتح الطريق لكثير من العاملين في هذا الحقل لكي يقدموا مقترحاتهم وانتقاداتهم أيضًا، فلربما تكون هناك عوائق أمام آراء كثيرة داخل التليفزيون نفسه، ولكنها لم تجد الفرصة، هناك برامج كثيرة ينبغي أن تدعم وأشخاص كثيرون جديرون بالتقدير،

§       ‏ إن كويت المستقبل تحتاج لخبرات شابة كثيرة مزوّدة بالخطط وبالجدية والإخلاص.

وليس شرطًا أن نركع أمام المثل التي تأتينا من الغرب أو من الشرق بطريق غير مباشر.

إن التفكير في معهد للتليفزيون خاص بالكويت يتشرب بيئتها وأخلاقها، قد يكون أفيد وأوفر من الاستيراد الملوث الغالي، ندفع ثمنه من شبابنا وأموالنا، بل ومن الكويت ذاتها.

الثقافة.. والكتاب.. والهوايات العميقة:

• التليفزيون يستطيع أن يثري عالم الثقافة بتشجيع المواطن الكويتي ودفعه للقراءة بتقديم برامج شائقة عن الكتب.

• ويستطيع أن يُقدم هوايات جديدة تناسب العصر الخطر الذي نعيشه، کافتتاح ناد للهواة لدراسة نماذج الطائرات في الكويت.

• ويستطيع أن يُقدم تاريخنا، وما أعظمه وأزكاه!

والمدهش أنني عثرتُ في جولتي على أوراق اعتبرتها وثيقة هائلة عن التليفزيون نفسه التاريخ 3/٣/1962.. ماذا تقول الوثيقة؟

تقول في المقدمة:

 

وزارة الإرشاد والأنباء

إن وزارة الإرشاد والأنباء لتشعر بأهمية المسئوليات الجسام المُلقاة على عاتقها نحو توجيه الشباب والناشئة في هذا البلد توجيهًا وطنيًا سليمًا، وذلك فهي تعتقد أن فترة التجربة التي مرّ بها التليفزيون كافية لأن تضع الأمور في مواضعها الصحيحة قدر المستطاع، ذلك التوجيه السليم يجب أن يُستغل أحسن استغلال في كافة مجالات النشر والإذاعة والسينما والتليفزيون وما شابهها من وسائل.

وعليه فإن على إدارة التليفزيون أن تُطبق وتتبع حرفيًا التعليمات الآتية:

 

الأفلام التي تختار للعرض:

١ - ألا تكون ذات موضع جنسي.

٢ - ألا تشتمل على مناظر الغزل الرخيص بكافة أنواعها.

٣ - ألا تشتمل على مناظر الانحراف والشذوذ.

٤ - ألا يكون موضوعها تافهًا كمواضيع الإجرام والمجرمين واللصوصية.

٥ - ألا تشتمل بأي حال من الأحوال على مواضيع الانحطاط الأخلاقي بكافة أنواعها.

هذا ومن الواجب أن تعرض الأفلام ذات المواضيع التالية:

أ) المشاكل الاجتماعية.

ب) الأفلام الثقافية والعلمية.

جـ) أفلام المغامرات والشجاعة والإقدام.

هـ) الأفلام التاريخية.

 

الأغاني:

يجب ألا تُذاع وتُعرض أية أغنية من الأغاني إلا إذا كانت ألحانها وكلماتها ذات مستوى رفيع أو إذا كانت من الأغاني الشعبية ذات الكلمات البسيطة والأهداف الطيبة الخيرة.

ويمنع منعًا باتًا ما يأتي:

۱ - الأغاني ذات الكلمات المائعة.

٢ - الأغاني الجنسية أو المثيرة للجنس.

٣ - ظهور المطربة بلباس فاضح على الإطلاق.

٤ - تقديم الأغاني المائعة التي تؤدى بطريقة مثيرة.

 

الرقص والرقصات:

يمنع ما يُسمى بالرقص الشرقي المثير منعًا باتًا من العرض على شاشة التليفزيون ولا مانع من أن يُقدّم في بعض الحالات بشكل محتشم، ويجب أن يكون الفرق واضحًا بين السينما والتليفزيون، فالسينما مكان منعزل يقصده من يريد أما التليفزيون فإنه موجود في كل بيت وهو يفرض نفسه على الجميع.

 

البرامج:

١ - الإكثار من البرامج الثقافية والعلمية والاجتماعية والمناظرات والندوات والتوجيهات والعمل على إبراز جميع مظاهر التقدم في الكويت.

٢ - العمل على إخراج برامج تشمل مظاهر الحياة العامة في الكويت بمختلف ميادينها ونشاطاتها.

٣ - العمل دائمًا على رفع مستوى التليفزيون ومستوى شتى برامجه.

٤ - على إدارة التليفزيون أن تتأكد من أن هذه التعليمات تنطبق بالدقة المرجوة وإذا ما وجدت أية صعوبات في التطبيق فعلى إدارة التليفزيون عرض هذه الصعوبات على الوزارة.

٥ - على إدارة التليفزيون أن تضع نُصب عينيها سياسة الوزارة وأهدافها بخصوص الناشئة، وقيادة المجتمع، ورفع ذوقه ومستواه.

 

وكيل وزارة الإرشاد والأنباء

فهل نتقدم.. أم ننتكس إلى الخلف؟

أتصور أن الواجب أن تتكون لجنة تُمثل نخبة من أهل العلم والدين والثقافة في الكويت لوضع الإطار الفكري للتليفزيون وتحدّد الهدف من هذا الجهاز الخطير، وأن تجعل من بيان ٢٤ يونيو أساسًا يضرب به المثل في الانتقال من المرحلة النظرية في البيان إلى المرحلة العملية.

لقد آن لنا أن نتقدم جميعًا لنطفئ النار التي تُوشك أن تعم البيت كله، بيتنا العربي المسلم.

جمال النهري

 

الرابط المختصر :