العنوان التمسك بثوابت الأمة أساس مواجهة التحديات والخروج من الأزمات
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
مشاهدات 22
نشر في العدد 1373
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
تمر بأمتنا فترة حرجة من تاريخها هي أحوج ما تكون فيها إلى وحدة الصف، وإخلاص الجهد ونزاهة القصد وحشد الإمكانات والقوى والطاقات، لتستعين بذلك كله في سعيها للخروج من أزماتها، خاصة وهي على شفا خطر كبير إن لم تتداركها عناية الله، ثم ينهض أبناؤها المخلصون ليتولوا عملية الإنقاذ.
ويدرك المخلصون من أبناء الأمة حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها وخاصة أن الغرب يحاول جهده ألا تقوم للمسلمين قائمة، وقد شكلت في سبيل ذلك لجان عناصر أجنبية، وأعدت دراسات لمحاربة التوجهات الإسلامية والتشكيك في رموزها والطعن في منجزاتها.
إن رجال الدعوة يعون تلك المخططات ويعرفون أن دعوتهم مستهدفة، وأن المخططات تنتقل من قطر لآخر، ولو طالعنا صورة العالم الإسلامي للمسنا أثر ذلك بكل وضوح.
وإزاء هذه الوضعية الحرجة يتساءل البعض: هل إلى خروج من سبيل؟
وفيما ينشغل دعاة الإصلاح بمحاولة الإجابة عن ذلك السؤال ويشيرون إلى الطريق الصحيح المنقذ نجد أن فريقًا آخر ممن يفترض فيهم أن يكونوا جزءًا من نسيج الأمة وخيوطًا في سداها ولحمتها يحاولون زعزعة الثوابت والمسلمات وتزييف الحقائق ليكونوا عونًا لأعداء الأمة في مشروعهم التخريبي.
وعلى مدار أسابيع ماضية أثار بعض العلمانيين في الكويت ضجيجًا وصخبًا عاليين احتجاجًا على حكم قضائي صدر ضد أحدهم بسبب تجرؤه على الدين والعقيدة والرسالة، وشغلوا الساحة الكويتية بتلك القضية، وكأن قضايا الأمة كلها قد وجدت طريقها إلى الحل.
والآن وقد هدأت الزوبعة، فإنه من المهم أن نشير إلى عدد من المبادئ والقواعد التي نأمل أن يلتزم بها الجميع حتى لا تتكرر الأزمات والزوابع:
إن للأمة ثوابت عقدية لا تقبل بأي حال المساس بها أو التعرض لها، وأن وحدة الصف وتضافر القوى واجتماع الكلمة، لا بد أن تكون تحت راية الإسلام الذي لن ينصلح حال الأمة إلا به، ولن تشفى من أسقامها إلا بدوائه، وأي محاولة للخروج عن هذه القاعدة تعني استمرار إثارة الفتن وخلق الأزمات والدوران في حلقة مفرغة، وقد جربت الأمة عندما سارت وفق منهجها الإسلامي فكانت العزة والمنعة والنجاح والفلاح، والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك.
فإذا ما سلمنا بهذه القاعدة يمكن القول بعد ذلك إن الإسلام كفل حق الاختلاف في إطار الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وقد سارت الأمة على ذلك عصورًا كان الاختلاف فيها عنصر بناء لا أداة هدم، وحتى قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه- : «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وقد شجع الإسلام إعمال الفكر وإمعان النظر، وهي أمور ينشأ عنها الاختلاف بداهة، فجعل للمجتهد المصيب أجرين وللمجتهد المخطئ أجرا واحدًا حين لا يكون الاختلاف في الفرع سببًا للتفرق في الدين، أو مؤديًا إلى خصومة أو بغضاء، وقد خط المتأخرون من العلماء شعارًا مؤداه «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه» طالما أن الاختلاف لا يمس الثوابت، ولا يخرج صاحبه عن الإسلام.
لا ينبغي أن يقود الاختلاف في الرأي إلى الخروج عن الالتزام بآداب الإسلام في المعاملة بين الناس، واحترام آراء المخالفين وتحري ما فيها من أوجه الصواب بدلًا من التنقيب عن جوانب الخطأ، وأن يلتزم الجميع بقول الله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (النحل: 125)، فهذا مما يساعد على النفاذ إلى قلوب الناس، كما أن الأمر بالمعروف لا بد أن يكون بالمعروف، والنهي عن المنكر لا ينبغي أن يقود إلى الوقوع في منكر أكبر منه.
أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.. والمسلم يألف ويؤلف دون تفريط في ثوابته ولا إفراط، وهو مطالب بأن ينخرط مباشرة في قضايا أمته ويعمل من أجلها ليترجم للناس أن الإسلام وحده هو الحل لمشكلاتهم جميعًا.
هذه المبادئ تخص الذين يريدون أن يصلحوا في الأرض ولا يفسدوا وإن اختلفت توجهاتهم، وآراؤهم واجتهاداتهم، الذين يتحلون بالوعي الذي يمكنهم من إدراك الواقع وتحدياته فيسعون إلى التعامل معه بأدواته.
إننا ندعو الجميع إلى التعاون على الخير وترسيخ قيم الإسلام بدلًا من التنافر والتنازع الذي يقود إلى الفشل، وذهاب الريح، ويصب في محصلة أعداء الإسلام والمتربصين به الدوائر، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46)، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40).