; الإسلام تحدٍّ أم خطر؟ | مجلة المجتمع

العنوان الإسلام تحدٍّ أم خطر؟

الكاتب البروفيسور جون أسبوزيتو

تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1993

مشاهدات 19

نشر في العدد 1040

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 02-مارس-1993

التهديد الإسلامي حقيقة أم خيال؟ الحلقة الثامنة

ترجمة وإعداد المؤسسة المتحدة  للدراسات والبحوث -واشنطن

The Islamic Threat

في هذه الحلقة يستعرض المؤلف كيف أن الإسلام يشكل تحديًا وخطرًا للأنظمة العلمانية في الداخل والسياسة الغربية تبعًا لذلك.. وإزاء هذا التحدي الماثل لم تجد الأنظمة العلمانية مفرًّا من أن تجاري التيار الإسلامي في بعض تصوراته أو أن تتجه إلى قمعه.. ويؤكد المؤلف أنه حالمًا يتحرر التيار الإسلامي من قمع السلطات العلمانية.. فإنه ينطلق في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسرعة ونجاح ملحوظين.. ويشير المؤلف في حلقته هذه إلى ضرورة أن يتفهم الغرب ويتعرف على تنوع التجربة الإسلامية ومعنى التحدي الذي يمثله الإسلام دون افتراض بأن المزج بين الدين والسياسة قد يقود بالضرورة إلى التطرف والعنف، وأن الموقف السلبي للمسلمين من السياسة الغربية والأمريكية ليست كراهية موروثة وإنما جاء هذا الموقف نتيجة ممارسات خاطئة تحتاج إلى إعادة نظر.

هل هناك خطر إسلامي؟ من ناحية معينة، نعم مثلما أن هناك خطرًا غربيًّا أو خطرًا يهوديًّا مسيحيًّا فالإسلام مثله مثل المسيحية واليهودية. قدَّم طريقة للحياة أحدثت نقلة في حياة الكثيرين. وفي نفس الوقت فإن بعض المسلمين مثل بعض اليهود والمسيحيين استعملوا الدين لتبرير عدوانهم وحروبهم، وفتوحاتهم وانتهاكاتهم في الماضي وحاليًا والإسلام السياسي، مثل تأثير أي دين أو أيديولوجية، يمكن أن يكون فعالًا ولكن خطر أيضًا. كما أن الأيديولوجيات العلمانية أثبتت أنها عُرضة للمؤثرات الجانبية إن نشر إرادة الله وحُكمه، هو مثل نشر الديمقراطية يمكن أن يكون مبررًا مقنعًا لفرض الهيمنة الإمبريالية والبطش والظلم باسم الله أو باسم الدولة.

الإسلام السياسي ونقد الذات

إن الإسلام أيضًا خطر على القناعات الغربية الروحية والاجتماعية والسياسية قبل كل شيء. وهو في بعض صورهِ يضع تساؤلات مباشرة أمام التقاليد التي نؤمن بها من مادية وتحرر وفردية، رغم أن هذه الأشياء قد تعطي فقط صورة كاريكاتورية عن مفاهيمنا وكذلك التزامنا بالقيم التي نقول إننا نتمسك بها مثل التسامح وحرية التعبير. إن التحدِّي بأن نسير بالطريقة التي نتحدث بها WALK THE WAY YOU TALK قد لا يحل المشكلة ولكنه ليس مرفوضًا في حد ذاته. وبالمثل فإن الإسلام السياسي يواجه تحديًا من داخل نفسه، من خلال خطابه الحماسي وضرورة أن ينتقد نفسه ذاتيًا وأن يعيش ويرقى إلى مستوى الأهداف والمبادئ التي يدعو لها ويطلب من الآخرين تنفيذها، ويتفادى ويدين التجاوزات التي ترتكبها الحكومات والحركات التي تعتبر نفسها إسلامية، وأخيرًا أن يتصدى أو يتقاسم المسؤولية، وألَّا يلقي باللوم ببساطة على الغرب بسبب إخفاقات المجتمعات الإسلامية، إن حقيقة المجتمعات الإسلامية الآن تساهم في خلق المناخ الذي يمكن من خلاله أن ينمو نفوذ الإسلام والمنظمات الإسلامية بدلًا من الانكماش، فالدول الإسلامية تستمر وتنمو في مناخ مليء بالأزمات حيث يعيش فيها الغالبية ويتحدثون عن إخفاق الدولة وفشل الأشكال العلمانية في الحكم من قومية واشتراكية.

إن رؤساء الدول والصفوة أو الطبقات الحاكمة تمتلك شرعية هشَّة في وجه السخط المتزايد والمعارضة، والتي يعتبر الحركيون الإسلاميون أقوى المتحدثين فيها وأكثرهم تأثيرًا.

إن فشل الحكومات في الدول ذات الغالبية المسلمة في تحقيق المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها وتقييدها للحريات السياسية وعجزها عن استيعاب الإسلام كمكون لشخصيتها الوطنية وأيديولوجيتها أو ظهورها بصورة تجعلها تعتمد اعتمادًا كُليًا على الغرب كلها أسباب تساهم في تقوية الإسلام السياسي كبديل.

الحكام والتيار الإسلامي

إن القوة السياسية واستمرارية الحركات الإسلامية وتأثيرها الأيدولوجي تنعكس في عدة طرق فقد نجحت في فرض تغييرات حكومية وشاركت بنجاح في العمليات الانتخابية في الحالات التي سمح لها بالمشاركة، إن الحكام من المغرب إلى ماليزيا أصبحوا ذات حساسية عالية إسلاميًّا وصاروا يلجئون إلى اختيار الدين أو إلى قمع المنظمات الإسلامية، وعمدت دول عديدة إلى استغلال الحماس الإسلامي والشعارات الإسلامية من وقت لآخر ووسعت دعمها للنشاط الإسلامي كبناء المساجد والمدارس الإسلامية وزادت البرامج الإسلامية في أجهزة الإعلام وأصبحت تهتم بالمناسبات الدينية مثل الصيام في شهر رمضان أو منع الخمور والقمار.

وعندما تحررت من قمع السُّلطة أصبح الحركيون والمنظمات الإسلامية يعملون من خلال النظام السياسي وشاركوا في الانتخابات في الجزائر وتونس وتركيا والأردن والسودان ومصر والكويت وباكستان وماليزيا وتولى الحركيون الإسلاميون مناصب وزارية في السودان وباكستان والأردن وماليزيا، وفي دول مثل الجزائر وتونس ومصر والأردن وباكستان كانت المنظمات الإسلامية من أكثر قوى المعارضة تنظيمًا وتعبر عن رغبتها في إقامة تحالفات أو التعاون مع الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والمنظمات التطوعية من أجل تحقيق المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشارك التنظيمات الطلابية الإسلامية بنجاح في الانتخابات الطلابية في الجامعات وتقود الإضرابات والمظاهرات.

وفي الوقت الذي نجد فيه الأغلبية العظمي من المنظمات الإسلامية منظمات معتدلة وتعمل من خلال النظام فإن المنظمات الراديكالية السرية والتي تطالب باقتلاع السُلطة عن طريق القوة المسلحة وإقامة الدولة الإسلامية ما زالت موجودة أن أقليات من المنظمات الإسلامية المتطرفة والتي تحمل أسماء مثل «الجهاد» وحزب الله، والناجون من النار، وجيش الله، وحزب التحرير الإسلامي، سوف تستمر في لجوئها إلى أسلوب العنف والإرهاب.

الإسلام في التسعينات قوة تحدٍّ لا تهديد

وإذا كانت هيمنته الثورة الإيرانية على الجزء الأكبر في سياسات الشرق الأوسط وعلى نظرة الغرب إزاء العالم الإسلامي خلال حقبة الثمانينات، فإن حقبة التسعينات ستكون بدون شك حقبة التحالفات الجديدة والتي ستشكل فيها الحركات الإسلامية تحديًا أكثر من تهديد مجتمعاتها والمجتمعات الغربية، إن الإسلام المعاصر يشكل تحديًا للغرب لكي يعرف ويفهم تنوع التجربة الإسلامية، فهو يتحدى الحكومات الإسلامية لكي تكون أكثر استجابة لمطالب الجماهير بإحداث تغييرات سياسية ليبرالية واعتماد قدر أكبر من المشاركة الشعبية في السلطة، وتكون أكثر تسامحًا، بدلًا من قمع الحركات المعارضة، وتبَنِّي مؤسسات ديمقراطية أكثر رسوخًا، وفي ذات الوقت يُشكل الإسلام تحديًا للنظُم الغربية لكي تقف بجانب القيم الديمقراطية التي تؤمن بها، ولكي تعترف بالحركات الجماهيرية الأصيلة، وبحق الشعب في تقرير طبيعة وتوجه الحكومة والقيادة.

التأييد الأمريكي للأنظمة القهرية

إن التأييد الأمريكي للأنظمة القهرية سيزيد من حدة المشاعر المعادية لأمريكا، كما اتضح من خلال الأحداث التي صاحبت الإطاحة بشاه إیران ولبنان، والضفة الغربية وقطاع غزة، ونميري في السودان ولا أحد يستطيع أن ينكر أو يتجاهل حقيقة وجود مشاعر معادية للغرب خاصة ضد الولايات المتحدة، وهي مشاعر موجودة بين كثيرين من المعتدلين والراديكاليين والعلمانيين والإسلاميين على حد سواء، وتتجلى تلك المشاعر في أنها تعتبر الولايات المتحدة، معادية للإسلام ومؤيدة عمياء لإسرائيل، وتلقي مسؤولية المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية على تأثير النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الغربي عليها، وفي نفس الوقت فإن المعادلة والمساواة المزدوجة بين «الخمينية»، و «الإسلام» من جهة والعنف الراديكالي و «الأصولية» من جهة أخرى تخلص إلى نتيجة مفادها أن الحركات الإسلامية بطبيعتها، وإرثها تُعتبر حركات معادية للغرب، وبذلك يتم تجاهل الأسباب الحقيقية وراء المشاعر المعادية للولايات المتحدة والغرب وأصل النزعات الراديكالية، إن الحركات الإسلامية تتحرك بدافع من الاعتراض على سياسات غربية معينة أكثر من كونها عداوات ثقافية، والفوارق بين المجتمعات الغربية والإسلامية يمكن تلمسها من خلال التنافس بين المصالح السياسية والاقتصادية - الاجتماعية SOCIOECONOM IC والثقافية، فالوجود الأمريكي والسياسة الأمريكية وليس الكراهية الموروثة GENETIC HATRED للأمريكيين هي الدوافع الحقيقية وراء الحركات المناهضة للحكومة الأمريكية ومصالحها ووجودها العسكري. إن المصالح الأمريكية ستستفيد أيَّما استفادة باتباع سياسات حريصة ومنتقاة وهادئة في التعاون مع الدول الإسلامية الصديقة وباتباع سياسة عامة تقسم بالوضوح إزاء حقوق المواطنين في كل مكان في تقرير مصيرهم ومستقبلهم بالطرق الديمقراطية.

الدين والسياسة

إن الافتراض بأن المزج بين الدين والسياسة يقود بالضرورة إلى التطرف والعنف كان عاملًا رئيسيًّا في تشكيل مفهومنا بأن الإسلام والديمقراطية يقفان على طرفي نقيض. إن الفشل في التمييز بين الحركات الإسلامية أي بين تلك الحركات المعتدلة والحركات المتطرفة والعنيفة هو نتاج التبسيط وقِصَر النظر، إن الحكومة الأمريكية لا تساوي بين تصرفات وأعمال القياديين والمنظمات اليهودية أو المسيحية المتطرفة من جهة والديانتين المسيحية واليهودية من جهة أخرى، وبنفس القدر لا تقوم الحكومة الأمريكية بإدانة المزج بين الدين والسياسة في إسرائيل، وبولندا وشرق أوروبا أو أمريكا اللاتينية. إن المقارنة والتمييز يغيبان عند التعامل مع الإسلام. إن ربط الرئيس ريجان بين القذافي والإرهاب الليبي، والحركات الأصولية الإسلامية في العالم، عندما أعلن قصف الطائرات الأمريكية لليبيا، إنما يؤكد اعتقاد الكثيرين بالطغيان الأمريكي والطرح المعادي للإسلام الذي تنتهجه الولايات المتحدة، كما أن نائب الرئيس الأمريكي دان كويل في خطابه أمام الخريجين من الطلاب في أنابوليس في عام ۱۹۹۰ ربط بين النازية والشيوعية والأصولية الإسلامية المتطرفة بصورة تعكس الموقف المبنِي على سوء الفهم وقِصَر النظر.

الرابط المختصر :