; التهديد الإسلامي الحالي | مجلة المجتمع

العنوان التهديد الإسلامي الحالي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1993

مشاهدات 24

نشر في العدد 1034

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 19-يناير-1993

التهديد الإسلامي حقيقة أم خيال؟ تأليف: جون إسبوزيتو ... الحلقة الثانية

نواصل عرض كتاب: «The Islamic Threat» للكاتب والمفكر الأمريكي المشهور جون إسبوزيتو، وهي رؤية موضوعية غربية للصحوة الإسلامية المعاصرة والنظرة الغربية القاصرة لها

ترجمة وإعداد المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث- واشنطن

 

إن الخوف من الإسلام ليس أمرًا جديدًا، والاتجاه للحكم على تصرفات المسلمين من منطلق العزلة المجيدة، وتعميم تصرفات الأقلية على الأكثرية، وتجاهل تجاوزات مماثلة ترتكب باسم الأديان والأيديولوجيات الأخرى «بما فيها الحرية والديمقراطية» ليس كذلك أمرًا جديدًا. وقد قارن ماكسيم روينسون علاقة الاستقطاب التاريخي بين المسيحية والإسلام بتلك المنافسة العالمية الأخيرة بين الرأسمالية والشيوعية.

يقول: «من وجهة النظر السياسية والأيديولوجية، إذا قمنا بمقارنة النظرة المسيحية للإسلام بنظرة الرأسمالية الغربية نحو الشيوعية اليوم، نجد أن المقارنة واضحة. ففي كلا المجموعتين نجد نظامين نقيضين، وفي داخل كل نظام هناك أيديولوجية واحدة مهيمنة توحد الأطراف المختلفة والمعادية لبعضها البعض».

وبطرق أخرى، نجد أن التصرف الغربي نحو الشيوعية يتحول بمرور الوقت على ما يبدو نحو خطر جديد ومتكرر هو «الأصولية الإسلامية». ومن المؤكد أنه في خلال حقبة التسعينات أصبحت مؤثرات الاستقطاب تبدو أكثر وضوحًا من خلال التوجهات الحالية للأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي وفي الغرب، وتخلص أجهزة الإعلام والمحللين إلى أنه ما لم يؤخذ في الاعتبار ذلك التنوع في المنظمات الإسلامية في أطر اجتماعية معينة، فإن الأصولية الإسلامية ستكون بكل تأكيد خطرًا دوليًّا عظيمًا.

خطر الأصولية ذريعة الأنظمة الاستبدادية للانفراد بالحكم

مع تصوير الغرب للإسلام بأنه خطر عليه، تستعمل عدة أنظمة إسلامية خطر الراديكالية الإسلامية كذريعة لتبرير تسلطها على الحكم ولقهر الحركات الإسلامية، وتروج لتلك المخاوف من ظهور شبح الراديكالية الإسلامية داخل العالم الإسلامي وفي الغرب. 

واستعملت أنظمة كثيرة في الماضي مناهضة للشيوعية كذريعة لتبرير حكمها التسلطي ولكسب تأييد القوى الغربية. وكان حظر نشاطات المنظمات الإسلامية، واعتقال رموزها النشطة، وانتهاك حقوق الإنسان يبرر بالحجة الواهية: «أننا نواجه متشددين من الشباب يهددون مستقبلنا». إن القوالب الغربية الجاهزة التي تصور وجود حركة أصولية عالمية موحدة تهدد استقرار العالم العربي والمصالح الغربية قد استغلها الدبلوماسيون العرب الذين يتبعون لتلك الدول ذات العلاقات القوية مع الغرب حيث يقولون: «إن الأصولية لها بعد دولي ولها فروع في كل مكان.. وسيؤثر التوسع الأصولي بكل تأكيد على الدول الصناعية الكبرى عندما يضطرب حبل الأمن والاستقرار في معظم الدول العربية». لقد أصبح التركيز على الراديكالية ومساواة الإسلام بالتطرف الذي يهدد بخلق مواجهة مع الغرب أمرًا مألوفًا. إننا تحت التأثير الإعلامي المستمر نكون عرضة لطروحات مثيرة ومضخمة تساعد على انتشار التعميمات المبسطة والأخذ بالقوالب الجاهزة أكثر من أن نتحدى معرفتنا وفهمنا لأبجديات «من» و«لماذا» في التاريخ، والأسباب الحقيقية أو الدوافع وراء الخطوط العريضة. وفي الحوارات الحكومية أو المتخصصة، وكما كان عليه الحال في عهد مكارثي ومعاداة الشيوعية فإن عدم اتخاذك لموقف التجاهل والتبسيط تجاه النشاط الإسلامي أصبح ينظر إليه دائمًا بسطحية أو باعتباره تعاطفًا مع العدو.

إن الطرح «الانتقائي»، والتحليلات المتعلقة بالإسلام وتطورات الأحداث في العالم الإسلامي بواسطة كبار الأكاديميين والمحللين والمعلقين السياسيين، أيضًا تقدم مقالات وافتتاحيات عن العالم الإسلامي. وهذه التحليلات «المنتقاة» تفشل في توضيح القصة بكاملها، وفي أن تعطي الصورة الكاملة للتوجهات الإسلامية، والأحداث والحركات، أو تفشل في توضيح التنوع في الممارسات الإسلامية. وفي الوقت الذي تلقي فيه هذه التحليلات بعض الضوء، فإن تلك الإضاءة تعتبر جزئية وتغطي أولا تعطى الصورة الحقيقية والكاملة عن الإسلام، ونتيجة لذلك فإن الإسلام وحركة التجديد الإسلامي يتم تبسيطهما بسهولة إلى تلك القوالب البسيطة والفجة التي تصور الإسلام بأنه ضد الغرب، وبأنه صراع الإسلام مع التقدم، أو الغضبة الإسلامية، والتطرف، والتشدد، والإرهاب. إن حرفي «F» و«T» واللذان يرمزان لكلمتي «Terrorism» و«Fundamentalism» قد ارتبطا بأذهان الكثيرين.

وهكذا فإن التحليلات «المنتقاة» والمغرضة تضيف إلى جهلنا أكثر من توسيع مداركنا، وتضيق مفاهيمنا أكثر من توسيع قاعدة فهمنا للحقائق، وتزيد بالتالي من تعميق المشكلة بدلًا من أن تفتح الطريق أمام حلول جديدة.

محاضرة بيرنارد لويس عن «الأصولية الإسلامية» تجاوزت الحقيقة

إن الآراء المقلوبة التي تصور الإسلام والمسلمين كخطر أصولي متشدد نجدها بصورة حادة وملفتة في محاضرة البروفيسير بيرنارد لويس عن «الأصولية الإسلامية»، والتي اعتبرت محاضرة جيفرسون المثالية لعام ١٩٩٠ والتي تعتبر أعلى شهادة تكريم تمنحها الحكومة الأمريكية للأكاديميين في حقل الدراسات الإنسانية، وأصبحت نسخة منقحة من تلك المحاضرة مقالًا رئيسيًّا بعنوان «جذور الغضبة الإسلامية» في مجلة «أتلانتيك» الشهرية، وكان «التجميع» «Rackaging» هو عنوان الغلاف الجديد للمجلة بجانب صورتين من مقال «جذور الغضب الإسلامي» يعكسان خطورة ذلك الطرح الانتقائي، إنه يعزز من ذلك الفهم المقولب الساذج لحركة التجديد الإسلامي والمسلمين ويؤثر على القارئ بحيث يرى العلاقة بين الإسلام والغرب بأنها علاقة يشوبها الغضب والعنف والحقد وعدم المنطق، ويسبب مكانة بيرنارد لويس العالمية كأحد كبار الأكاديميين والمعلقين السياسيين في شئون الشرق الأوسط فإن مقاله ومؤلفه الذائع الصيت «جذور الغضب الإسلامي» قد حظي بتغطية إعلامية واسعة محليًّا وعالميًّا. وكان له تأثير كبير على المفاهيم الغربية ونظرتها للإسلام المعاصر، وعلى كثير من المفاهيم الإسلامية حول نظرة الغرب للإسلام والمسلمين. 

إن رسالة وتأثير كتاب «جذور الغضب الإسلامي» تعززت بصورة الغلاف لمجلة «أتلانتيك» الشهرية عن وجه مسلم غاضب وملتح وعلى رأسه عمامة، وصورة الإعلام الأمريكية تظهر داخل عيونه اللامعة. إن الإيحاء بالخطر ونغمة المواجهة نجدهما من خلال تعبيرات الصورتين اللتين داخل المقال بحيث تمثلان المفاهيم الإسلامية ونظرتها نحو أمريكا كعدو. والصورة الأولى لأفعى عليها صور نجوم وخطوط، وهي تعبر الصحراء «إشارة إلى الهيمنة الأمريكية أو خطرهما على العالم العربي»، والصورة الثانية للأفعى وهي تتأهب للانقضاض من الخلف على مسلم مطمئن يؤدي الصلاة، ومثل المفاهيم العاطفية الساذجة الأخرى كان المقصود من تلك الصور أن تكون استفزازية ومثيرة لكي تجذب اهتمام القارئ، ولتغذية جهلنا وتعزيز قصر نظرنا وصرفنا عن الحقيقة.

إن المسلمين يلبسون ملابسهم التقليدية ويطلقون لحاهم ويغطون رءوسهم بالعمائم، ورغم ذلك فإن الحقيقة أن معظم المسلمين و«معظم الأصوليين» لا يرتدون تلك الملابس أو يظهرون بذلك المظهر. إن النتيجة هي تثبيت صورة ومفهوم أن المسلمين النشطين يبدون في تلك الهيئة التي تنتمي إلى القرون الوسطى من حيث المظهر والفهم. 

كما أن العنوان «جذور الغضب الإسلامي» يوحي بنغمة الإثارة والتوقعات. ونتساءل: ما إذا كنا نتحمل مثل تلك التعميمات في تحليل وتوضيح النشاطات والحركات الغربية؟ وكم من المقالات تتحدث عن الغضب المسيحي أو الغضب اليهودي؟ وبنفس المعنى، فإن القدرة النووية للدول الإسلامية مثل باكستان قد أثير حولها لغط كثير، وأشير إليها في إطار أنها «قنبلة إسلامية» للإيحاء بأن هناك عالمًا إسلاميًّا كبيرًا وخطيرًا يهدد إسرائيل والغرب، هل يمكننا بنفس القدر أن نصف القدرات النووية الأمريكية أو الإسرائيلية بأنها «قنبلة مسيحية أو يهودية»؟

لقد وصف بعض المسلمين القصف الإسرائيلي للبنان بأن «الأطفال اليهود يلقون بالقنابل المسيحية» وهو وصف يعتبره غالبية الغربيين وصفًا عدائيًّا وغير صحيح.

فشل المحللين في تفسيراتهم السابقة

هناك درس يمكن أن نستفيد منه من فشل كبار المحللين الذين استمروا يحذرون من مخاطر التهديد الشيوعي الكبير في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفيتي مجرد سلة اقتصادية تتفتت من الداخل. إن التحليلات الجزئية التي تعزز وتقوي القوالب الفكرية الجامدة والسهلة والمسلمات العلمانية الغربية يجب تجاوزها، إذا كنا نريد تفادي المخاطر الأيديولوجية الخفية وعبثية التحليلات السياسية التي تنطلق من مخاطر وهمية مبالغ في حجمها.

الإسلام ضد الغرب.. والإسلام في الغرب

«على مدى ألف عام تقريبًا كان الصراع لتحديد مسار ومصير البشرية دائرًا، ولا يزال بين المسيحية والإسلام، وقد يستمر الأمر على هذا المنوال في القرن القادم، ومع استمرار محاولات الشيعة لاضطهادنا، فإن إخوتهم في الدين بدأوا يتدفقون على دول الغرب».

باتريك بيوكانان قوس الأزمات والحضور الإسلامي في الغرب

في تقدير عدد من المعلقين الغربيين فإن الإسلام والغرب في طريقهما للاصطدام؛ فالإسلام يمثل خطرًا ذا ثلاثة أبعاد: سياسي، وسكاني، وديني اجتماعي.

وبالنسبة للبعض فإن طبيعة الخطر الإسلامي تزداد كثافة بارتباطها بالعاملين السياسي والديمغرافي «السكاني». 

هكذا فإن باتريك بيوكانان يمكنه أن يقول بأنه في الوقت الذي يجد فيه المغرب نفسه يتفاوض لإطلاق سراح الرهائن مع الراديكاليين الشيعة الذين يكرهوننا ويمقتوننا، فإن إخوتهم من المسلمين الآخرين يتدفقون بكثرة على الغرب.

إن الخطر الإسلامي له بعد عالمي مع تزايد عدد المسلمين وازدهارهم في أوربا والاتحاد السوفيتي وأمريكا.

ومراقبون آخرون مثل تشارلس كراو ثامار، وفي وسط الأحداث الجسام التي شهدها الاتحاد السوفيتي، تحدثوا عن الانتفاضة الإسلامية العالمية، ونظرتهم إلى المسلمين في قلب وأطراف العالم الإسلامي وهم يتحركون استعدادًا للثورة وقالوا بظهور «قوس أزمات جديد».. وأن حركة ضخمة أخرى تستمر في التفاعل والتبلور دون أن ينتبه إليها الآخرون، ولكنها تلقي بظلالها على الأحداث.. إنها انتفاضة عالمية.

إن كثيرين من المراقبين والمحللين في الماضي آثروا أن يعتمدوا على الخلافات والقوالب الفجة للطروحات العربية والتركية والإسلامية بدلًا من البحث عن الأسباب الحقيقية للصراعات والمواجهات، ونحن تشهد اليوم ميلاد وخلق أسطورة جديدة.

إن الصراع الطويل بين الإسلام والغرب يطرح كجزء من نموذج تاريخي للإسلام الذي يدعو إلى الغزو والعدوان.

إن الصورة القديمة للغرب المسيحي وهو يصد خطر الجيوش الإسلامية يتم ربطها بالحقائق الحالية. إن شارلس مارتيل «الذي أوقف أول زحف إسلامي، ومنع الهلال من أن يكمل تدويره فوق أوربا المسيحية» وجهود الصليبيين لإنقاذ القدس، وتلك الهزيمة الصغيرة «للفيالق الإسلامية» في فيينا، كلها قد تم ربطها بالحقائق والمعطيات الجديدة وإعلان «أن الإسلام قد عاد إلى الظهور من جديد» بمزيج من الراديكالية والتكاثر السكاني مما يهدد باجتياح إسلامي للشرق والغرب. «وبوضوح فإن الإسلام ينتشر باضطراد في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وفي الغرب بدأ المسلمون المتشددون يتناسلون بكثرة؛ بينما نحن في مجتمعاتنا العلمانية نلتزم بفلسفة تخطيط الأسرة وتتحكم فينا موانع الإخصاب والحمل».

إن الأحداث في الغرب مستمرة في تعزيز فكرة ظهور خطر تهديد سكاني، وفي أوربا التي تشهد موجات جديدة من المهاجرين، فإن أوربا التي تقوم الآن بتقديم المساعدات لدول أولئك المهاجرين إليها، بدأت تشهد مشاكل سياسية متفجرة بسبب قدوم هؤلاء المهاجرين «من رومانيا وألبانيا وشمال إفريقيا وتركيا». إن مسألة تأثير واستيعاب المسلمين على وجه الخصوص يعتبر أمرًا حساسًا في دول مثل بريطانيا وفرنسا؛ حيث إن المهاجرين الأوائل إليها من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا قد زاد عددهم وأصبحوا يهيمنون على السياسات المحلية في مدن مثل برادفورد ومرسيليا، حيث بدأوا يؤكدون ويعلنون عن حقوقهم الوطنية والمحلية. وهذه المجتمعات أصبحت الآن تهدد بالنمو السريع مع تزايد الأعداد الجديدة من المهاجرين، ووجود عدد كبير من الأقليات الإسلامية يضع ضغوطًا على النسيج الاجتماعي للمجتمعات الأوربية مثل فرنسا؛ حيث أصبح الإسلام فيها ثاني أكبر الديانات، وفي بريطانيا حيث يجيء الإسلام في المرتبة الثالثة.

إن مشاعر الكراهية والعداء للعرب والمسلمين في غرب أوربا أصبحت جزءًا من العداء لكل ما هو أجنبي، فقد حدثت صدامات بين المسلمين ومجموعات من السكان الأصليين حول مسائل الهجرة المستمرة، والتجنس، واحترام العبارات والتقاليد الإسلامية؛ ففي بريطانيا يحتدم النقاش المستمر من مسألة سلمان رشدي إلى السياسات المحلية وقضايا التعليم. لقد طالب المسلمون هناك بدعم حكومي لمدارسهم كما هو الحال بالنسبة للمدارس الكاثوليكية واليهودية، ورفضت الحكومة البريطانية ذلك الطلب مرارًا متعللة دائمًا بضعف مستويات تلك المدارس، وقد ساعدت مثل هذه الحوادث في أن يضطر المسلمون في بريطانيا إلى تسييس هذه المسائل التي أصبحت تعكس تنوع ردود أفعال المسلمين، وفي الوقت الذي أنشأ فيه بعض مسلمي بريطانيا برلمانًا لمسلمي بريطانيا يضم رئيسًا وأربعة نواب للرئيس «من بينهم امرأتان» فقد حدثت خلافات كبيرة في صفوف مسلمي بريطانيا، وأصبح بعضهم يتهم ذلك البرلمان بأنه يلعب لعبة غربية، بينما قال آخرون بأنه نوع من الأبارشهية «التفرقة العنصرية» ومع ذلك فإن القادة المسلمين الآخرين قد أبدوا معارضتهم لأي محاولة انعزالية كبديل لاندماجهم في المجتمع البريطاني.

«إن كثيرين من المسلمين يتفقون مع المظالم والمعاناة التي يعددها دكتور كليم صديقي -مهندس البرلمان الإسلامي لبريطانيا- وعلى سبيل المثال: حديثه عن العنصرية وعدم العدالة في توزيع فرص العمل... إلخ. ولكن فكرة الانفصال والانعزال تعتبر لعنة بالنسبة لمعظم المسلمين. إن معاناتهم الحقيقية تكمن في أنهم لا يجدون سهولة في الانسياب في التيار العام للمجتمع البريطاني.

دعاوى طرد العمال المسلمين

وفي فرنسا هناك نداءات بطرد العمال الأجانب مصحوبة بحادثة مشهورة؛ حيث منعت طالبات مسلمات من ارتداء البرقع «غطاء الرأس» في المدرسة، ومن المتناقضات أن الديماجوجية «التهريج» السياسية في فرنسا تلعب دورًا في إثارة عدد من المخاوف التي نجد مثيلًا لها في العالم الإسلامي «فالأوربيون يشعرون الآن بالخطر من أشياء كثيرة.. من أمركة ثقافتنا، والتحول نحو اليسار، وفقدان الهوية، وتنامي المشاعر القومية الكريهة ضد كل ما هو أجنبي».

إن المخاوف الأوربية الغربية يتم التعبير عنها دائمًا في الإطار الثقافي- الديني «religio cultwral» والاقتصاي والسياسي. وفي الوقت الذي تم فيه استيعاب أوربيين آخرين من قبل في مجتمعاتهم فإن كثيرين منهم يشكون اليوم في الإمكانية أو الرغبة في استيعاب مهاجرين جدد خاصة للمسلمين الذين يعتبرون غرباء عليهم من الناحية القومية والثقافية- الدينية.

«إن المهاجرين السابقين كانوا أوربيين»، أما هؤلاء فلا، فالصبيات العربيات اللائي يبدين إصرارهن على ارتداء الشادور «الخمار» والبرقع في مدارسنا لسن فرنسيات ولا يرغبن في ذلك.. لقد كان ماضي أوربا للبيض من المسحيين واليهود.. ولكن المستقبل ليس كذلك. وأنا أشك في أن مؤسساتنا وبناياتنا العتيقة جدًّا ستستطيع الصمود أمام هذه الضغوط». 

ویری بعض الملاحظين بأن النتيجة والمحصلة من الحوار الدائر الآن ستنتهي إلى تغيير عنيف. «في الوقت الذي تمكنت فيه أوربا من تجاوز مرحلة الحرب الباردة، فإنها الآن تواجه خطر انقسامات وصراعات جديدة، مع تزايد الهوة بين أوربا البيضاء، الغنية، المسيحية، والأغلبية الفقيرة في العالم الإسلامي. إن ذلك قد يؤدي إلى الإرهاب وإلى أربعين سنة أخرى من الحروب الصغيرة والساخنة».

إن الحضور الإسلامي في أوربا وأمريكا الشمالية يمثل تحديًا، ولكن ليس بالدرجة التي صورها بيوكانان وآخرون في استنتاجاتهم. إن درجة تكيف المسلمين مع الطروحات الليبرالية مسألة في غاية الأهمية، ولا يمكن تجاهلها. ويمكن لنا أن نتساءل: هل تتكيف نحن مع ليبراليتنا؟ إن الليبرالية قد ارتضت ولمدة طويلة ذلك التنوع العرقي، ويعتبر التنوع العرقي جزءًا مهمًّا من الناحية الإنسانية يؤكد بأن التفرقة العرقية أمر غير مقبول. ومع عقليتنا العلمانية، فشلنا في التكيف مع هذه المسألة، فالمعتقدات الدينية أصبحت لدى الكثيرين في مختلف أنحاء العالم شرطًا مهمًّا لتعريف الهوية. إن هذه المسألة مكتسبة وليست اختيارًا، لذلك فإن المسلمين في الغرب لا يتوقع منهم أن يتنازلوا عن حقوق معينة داخل المجتمع الذي يعيشون فيه «نظام الأكل في المدارس، وقانون الأزياء المدرسية، والعطلات الدينية، وحق العاملين في ممارسة شعائرهم الدينية كأداء صلاة الجمعة». وهكذا فإننا عندما نسأل أنفسنا: أي نوع من الديمقراطيين هؤلاء؟ فإن علينا أن نستعد لنسأل أنفسنا ونرد في نفس الوقت: أي نوع من الديمقراطيين نحن؟ إنه صحيح الآن إلى درجة ما، وبصورة كبيرة في المجتمعات الغربية أن نقول: «نحن المسلمون». 

إن نظرة باتريك بيوكانان عن الصدام الوشيك بين الإسلام والغرب باعتباره فقط مرحلة أخرى من النماذج التاريخية للمواجهة يعززها كتاب «جذور الغضب الإسلامي» لبيرنارد لويس، كما جاء في مجلة أتلانتيك الشهرية، وهي تعرف بكتاب بيرنارد لويس في فهرست موضوعاتها: إن الصراع بين الإسلام والغرب قد استمر لمدة أربعة عشر قرنًا، وشمل سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المعاكسة حروبًا جهادية وصليبية، وفتوحات وهزائم. واليوم نرى أن معظم أنحاء العالم الإسلامي يمور بالاضطرابات والعنف والاستياء من الغرب، «وفجأة» يكتب مؤرخ كبير «لويس» عن الإسلام ويقول: إن أمريكا قد أصبحت العدو الأكبر، وتجسيمًا للشر، والشيطان المعادي للخير، خاصة المسلمين والإسلام. لماذا؟

الحلقة القادمة «لماذا أثبتت الصحوة الإسلامية جدواها كخيار جذاب لكثير من المثقفين المسلمين؟»

الرابط المختصر :