العنوان التَبْشِير وَالاستِشرَاق - الحَلقة الأخيرة
الكاتب محمد الحامد
تاريخ النشر الثلاثاء 07-سبتمبر-1976
مشاهدات 14
نشر في 316
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 07-سبتمبر-1976
التبشير والاستشراق هما رأس الحربة التي تطعن الإسلام
المبشرون هم طلائع الحرب الصليبية الحديثة
والمظهر الخامس التدخل المباشر لقناصلهم ودولهم: وقد اتخذ هذا التدخل عدة أشكال منها «أولًا» استخدام تلامذتهم من أبناء المسلمين وغيرهم من سكان البلاد: فقد حرص زعماء الحركات التبشيرية على الوصول إلى أبناء البلاد وضمهم إلى حركاتهم سرًا وعلنًا كما اتضح من محاولاتهم لتشكيل التكتلات السياسية في بيروت خاصة، وكانوا بذلك يسيرون بالعمل التبشيري وفق مخطط سياسي حاذق إذ يتهربون من الاصطدام بقوانين البلاد فينقذون أنفسهم من الطرد المتواصل والرحيل الفوري. ولكن كيف تحقق لهم مثل هذا الاستخدام بسهولة؟ يقول الدكتور محمد البهي- وكان المبشرون والمستشرقون آمنين في عملهم، إذ أيقنوا أن المؤسسات الإسلامية على تعددها وتنوعها لم تعرف إلى الآن وضعية التبشير والاستشراق في توجيه الشعوب الإسلامية حتى تحاول أن تلقاها، فضلًا عن أن يكون لقاؤها إياها ضعيفًا أو قويًا، فالأزهر ليس أكثر من ترديد للخلف عن السلف، وجمعية الشبان المسلمين تقليد لجمعية الشبان المسيحية في جانب واحد هو ممارسة الرياضة.. هذا وإن تلامذتهم وصنائعهم من المسلمين المسئولين كانوا أكبر أسباب التمهيد لهم ولا أدل على ذلك من فتح أبواب المجالات العلمية لهم فالمجمع اللغوي بمصر كان من أعضائه جب، وهو أكبر مستشرق إنجليزي، وله كتابات عميقة وخطيرة ضد الإسلام ولوي ماسينيون وهو أكبر مستشرق فرنسي، وهو الذي كان يرعى الجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر، ومرجرليوت، وهو إنجليزي متعصب ضد الإسلام ونيكلسون من أكبر مستشرقي الإنجليز المتهجمين على الإسلام. وأما المجمع العلمي بدمشق فكان من أبرز أعضائه جريفني الإيطالي، وهارتمان الألماني وهوتمان الهولندي، وجو تهيمل الكولومبي، وجويدي الإيطالي وجي سو الفرنسي، ونالينو الإيطالي. ومن أجل نجاحهم من وراء تلامذتهم وصنائعهم كان لا بد من قوة عسكرية تساندهم. وهذه القوة كانت تكمن في نواياهم كما ظهر لدى الإنجليز منذ أن اشتركوا مع القوات العثمانية في إجلاء الفرنسيين عن مصر سنة 1801 واستطاعوا بأصابعهم الخفية أن يثيروا الفتن في البلاد بين المسلمين والأقباط في مصر حتى كانت ثورات داخلية دفعت خديوي مصر إلى الاستعانة بأية دولة من دول أوربا لتمكينه من العرش، فوجدت بريطانيا الفرصة سانحة إن لم تخطط لها من قبل، لتدخل مصر بعد أن طال تشوقها لاحتلالها. وكان من أخطر عناصرهم الأستاذ عزيز عطية، الذي عمل أستاذًا بجامعة الإسكندرية وهاجر إلى أمريكا، والدكتور فيليب حتى الذي هاجر إلى أمريكا، والدكتور بطرس عبد الملك الذي نزح إلى أمريكا، والدكتور طه حسين الذي عرف عنه إنكار أن القرآن من وحي الله كما ورد في كتابه الشعر الجاهلي، أما في الهند فكان أخطر تلامذتهم السير أحمد خان الذي كان مشرفًا على كلية علمية دينية هي الكلية الإنجليزية الشرقية المحمدية.
التي كان يدرس فيها الإسلام جنبًا إلى جنب بالمساواة مع النصرانية، وكان يدعو للتجديد الذي يعني الخروج من الإسلام، والذي أوجد المذهب القادياني والأحمدية في الهند.
ثانياً: المؤتمرات للتآمر، لم يكتفوا بالعمل المغلق أو السري حتى عقدوا المؤتمرات العديدة بين الحين والحين، وأعلنوا فيها عن مقاصدهم وأهدافهم التي كانت تتركز مع تنوعها على خلق تخاذل روحي، وشعور بالنقص لدى المسلمين، وحملهم بهذا على الرضا والخضوع للتوجيهات الغربية ومن المؤتمرات التي عقدوها وتدارسوا فيها منهاج سياستهم مؤتمر القاهرة في سنة ١٩٠٦ ومؤتمر بيروت في سنة ١٩١١ ومؤتمر القدس في سنة ١٩٢٤ ومؤتمر آخر في القدس في سنة ١٩٣٥ ومؤتمر دلهي سنة ١٩٦١. وهم فيها يقررون بأن لا يدعو المسلمين إلى النصرانية بدلًا من الإسلام وإنما يحاولون تشويه الإسلام ويصورونه ويصورون المسلمين لأوروبا وأمريكا بصورة مزرية من عشق الملذات وإدمان المخدرات ولا ننسى سنة ۱۹۱٠ التي عقد فيها أكبر مؤتمر تبشيري التقى فيه مائة وتسع وخمسون جمعية تبشيرية في أدنبرة بإسكتلندة، وألفوا لجانًا مشتركة، ولكنها لم يكتب لها نجاح كبير في تحقيق الهدف الذي سعوا إليه من توحيد المبشرين، وما ذلك إلا لأن لكل دولة من وراء التبشير غايات سياسية تخالف غايات سائر الدول.
ثالثًا: التدخل المنفرد والتدخل المشترك: عرف عن فرنسا، الدولة العلمانية في بلادها، بأنها كانت تحمي رجال التبشير في الخارج، فاليسوعيون المطردون منها هم خصومها في الداخل، ولكنهم أصدقاؤها الحميمون في الخارج. وإيطاليا التي ناصبت الكنيسة العداء وحجزت البابا في قفص سموه الفاتيكان كانت تبني سياستها على جهود الرهبان والمبشرين، حتى روسيا التي تحارب الأديان في بلادها نجدها بعد الحرب العالمية الثانية قد تظاهرت بالعطف على رجال الدين من باب الغاية تبرر الواسطة حين أرادت أن تحقق لنفوذها توسعًا إقليميًا وسياسيًا فما كان منها إلا أن دعت إلى مجمع مسكوني في موسكو وحملت إليه المؤتمرين في طائراتها، ثم قابل ستالين نفسه أولئك المؤتمرين. أما أمريكا وبريطانيا فلهما باع وذراع في هذا المضمار. فمما يعرف أنه ما بين عامي ١٨٤٠و ١٨٥٠ كان قد اتسع نفوذ المبشرين الأمريكيين في الدولة العثمانية، وكثر تدخلهم في شؤون البلاد مما جعل الدولة تعزم على إخراجهم من البلاد كلها، ولكن وزير الخارجية الأمريكية نفسه تدخل ضد العزم ورفض أن يوافق على هذه الخطورة، ولجأت أمريكا لإثارة المشاكل للدولة وصرفها عن أمر المبشرين مما أبقاهم يتمتعون بحقوق الرعايا الأمريكيين كما تنص معاهدة الامتيازات الأجنبية- التي منحت الأجانب في البلاد حقوقًا واسعة واستمرت هذه المعاهدة حتى تخلصت منها الدولة سنة ١٩١٤ إذ ألغتها بنشوب الحرب العالمية الأولى. وأما في سنة ١٩٢٤ فقد عقد اتفاق بين فرنسا وأمريكا ورد في المادة العاشرة منه، أن إشراف الدولة المنتدبة على الإرساليات الدينية في سورية ولبنان يجب أن يقتصر على حفظ الأمن وتسيير الحكم. ثم أن نشاط هذه الإرساليات الدينية يجب ألا يعترض سبيله، كما أن نشاط رجال هذه الإرساليات يجب ألا يخضع لقيود بسبب جنسياتهم ما دام قاصرًا على الحقل الديني- ولكن فرنسا المنتدبة على سورية ولبنان نقلت امتيازات الإرساليات المختلفة إلى الإرساليات الفرنسية وحدها، كما حصل مع الألمانية، وجعلتها من باب الصراع على النفوذ الذي سنأتي على ذكره فيما بعد، تحت إشراف المفوض السامي الفرنسي في سورية. وفي سنة ١٨٧٥ اضطرت جمعية اليسوعيين إلى التخلي عن بضع المدارس التي أنشأتها في لبنان لأطفال الدروز وذلك أمام حزم الحكومة العثمانية. وكانوا يلجأون إلى قناصلهم لحمايتهم من الملاحقة وفي سنة ١٨٤١ عندما أرادت الدول الغربية أن تخرج إبراهيم باشا من سورية بالقوة وعزمت على ضرب بيروت من البحر أرسلت أمريكا سفينة حربية حملت المبشرين إلى قبرص. وبعد أن انتهى ضرب بيروت وخرج إبراهيم باشا من سورية أعادت أمريكا مبشريها إلى أماكنهم في نفس السنة. وأما بريطانيا فكانت من القوة والنفوذ بحيث أنها لم تكن تخشى نفوذ غيرها من الأمريكان والفرنسيين والطليان، فكانت الدولة تلين أمام مبشريها نتيجة لتدخلها الفعال، وقد حصل أن أرادت الدولة أن تغلق بعض المدارس وتمنع باعة الإنجيل المتجولين، ولكنها عادت عن ذلك تحت ضغط القناصل الإنجليز، وقد صرح بذلك كل من رشتر وجسب من كبار المبشرين. وكان القنصل الإنجليزي في حلب سنة ١٩٦٠ مثلا يسعى للتبشير بنفسه عندما اشترك في محاولة لتنصير بادية الشام. وفي سنة ۱۸۸۸ أغلقت الدولة العثمانية مدارس المبشرين الأمريكان لأنها فتحت أبوابها بدون ترخيص رسمي، ولكنها عادت وفتحت بعد تدخل القنصل في بيروت والوزير المفوض في إستنبول، كما يقول جسب. ولما تحول المبشرون البروتستانت إلى دعوة الأرمن بعد عجزهم عن الوصول إلى المسلمين حصل بطريرك الأرمن على حمايتهم من الباب العالي ولكن السفير البريطاني تدخل ليحصل للبروتستانت سنة ١٨٥٠ على الاعتراف بهم كطائفة وطنية لها حق النشاط الجهري دون ملاحقة الدولة ومن أبرز الأدلة على أن حماية المبشرين كانت تحمل طابعًا سياسيًا أن الوزير المفوض الأمريكي كان يهوديا ولكنه كان يساعد المبشرين النصارى ويقول كما يروي لنا جسب- أنا أمريكي في الدرجة الأولى ثم أنا يهودي- وأما فرنسا فقد أجمل الأب اليوسوعي ميينر سياستها في الشرق حين قال- إن الحرب الصليبية الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا.. وقد احتفظت فرنسة طويلا بروح الحرب الصليبية... وكان من غايات الامتيازات الأجنبية دائما أن تحتفظ فرنسا بالدور الذي يلعبه رهبانها وتوسعه. وقد اعترف لقناصلنا وسفرائنا بالحماية للنصارى.. ولقد كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا ليهدئوا من خوف المسلمين المتعصبين وليحموا المبشرين في الدولة العثمانية.. وكان لفرنسا في أكثر الأحيان قصاد رسوليون في أشخاص قناصلها وخاصة في القرن السابع عشر.
وقد اقترح المبشر اشعيا بومان سنة ١٩٣٠ على بريطانيا وفرنسا باعتبار أنهما أكثر الدول سيطرة على العالم الإسلامي أن تتفقا على سياسة السيطرة على الشواطئ حيث يمكن وصول الدوارع وآلات القتال الحديثة بسهولة. وقد ظهرت هذه السياسة في جعل لبنان كوطن نصراني، وفلسطين يهودي، وإيطاليا أبعدت المسلمين لتحل محلهم الإيطاليين على شواطئ ليبيا وفعلت ذلك فرنسا على شواطئ الجزائر.
وتمهيدًا للتدخل السافر حصلت كل من فرنسا وإنجلترا على الامتيازات الأجنبية من الدولة العثمانية والتي ابتدأت سنة ١٥٣٦ عندما منح السلطان سليمان القانوني فرنسوا الأول ملك فرنسا شيئًا من الامتيازات التجارية لرعاياه أثناء مرورهم وإقامتهم. وتنازعت إنجلترا وفرنسا على حماية الأجانب ممن ليس لدولهم تمثيل في إستنبول.
رابعًا: الصراع العسكري: كانت بريطانيا وفرنسا تهتمان بسورية بشدة وتتنافسا عليها، فلما وقعت فتنة سنة ١٨٦٠ بين الموارنة والدروز بعبث من فرنسا وبريطانيا أراد نابليون الثالث أن يمد أجل بقاء الجيش الفرنسي في سورية، ولكن بريطانيا رفضت ذلك. ولما أصر نابليون الثالث على رأيه أعدت إنجلترا عشرة آلاف جندي في قبرص ومالطة وجبل طارق، فسحبت فرنسا جميع جنودها تحت تهدید السلاح سنة ١٨٦١ وفي الخامس من حزيران بالذات. وفي فتنة سنة ١٨٦٠ هذه احتجت الدول الأوروبية لأن حكومة إستنبول عزلت الأمير بشير الثالث من آل شهاب، فكانت فرصة للتدخل في شؤون البلاد الإسلامية، صحيح أن إستنبول لم تقبل بإعادة آل شهاب إلى الحكم، ولكنها نزلت عند رغبة الدول الأوروبية وضغطها وعزلت الوالي الذي عينته بدلًا من بشير الثالث في جبل لبنان.
وأما النمسا فقد تدخلت من خلال مستشارها مترنخ الذي كان أبرز شخصية سياسية في القرن التاسع عشر في شكل الحكم في جبل لبنان فاقترح أن يقسم الجبل إلى قائمقاميتين إحداهما إسلامية والأخرى نصرانية. فاضطرت إستنبول لقبول هذا الاقتراح وكان الفاصل بين القسمين طريق بيروت دمشق.
ولكن هذا التقسيم ما كان يرضي مطامع المخططين لفتن التدخل، فثارت تباعًا
حتى وصلت ذروتها في فتنة سنة ١٩٦٠ التي تدخل بحجمها الإنجليز والفرنسيون لحماية النصارى على الرغم من أن الإنجليز كانوا يمدون الدروز بالسلاح، ولكنهم أخذوا موقف حماية النصارى ضد الدروز بحجة أنهم مسلمون. ويرى المبشر الأمريكي هاريس جسب بأن هذه الفتنة كانت إعلانًا ناجحًا إذ- اضطربت لها أوربا وأمريكا، وأصبح لبنان بها معروفًا في الغرب فأمكن أن نجمع الإعانات باسمه والتبشير فيه- ويقول رشتر الألماني- ومن هذه الطريق بدأ في عام ١٨٦٠ فصل جديد في تاريخ الجهود البروتستنتينية في الشرق الأدنى- ونتيجة لهذه الفتنة المدبرة عقد في بيروت مؤتمر دولي حضره المفوض السلطاني مع خمسة من وكلاء الدول الكبرى في ذلك الوقت وهي إنجلترا وفرنسا وروسية والنمسا وبروسيا وقرروا أن تكون إدارة الجبل بواسطة متصرف مسيحي يعين من طرف الدولة العثمانية برضا الدول الخمسة على أن يكون هذا التصرف نصرانيًا أوربيًا ومن أتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وليس سوريًا لا مسلمًا ولا نصرانيًا وبذلك تكتمل اللعبة السياسية من وراء الفتنة بل الفتن الدموية الهوجاء.
خامسًا: الاحتلال العسكري: بادرت الدول الأوربية بتثبيت استعمارها في البلاد الإسلامية عندما احتلتها مستخدمة المبشرين كجزء من هذه العملية، يقول جسب-إن القسم الأكبر- من المسلمين قد أصبح تحت حكم الدول النصرانية فيجب الاستفادة من هذه الحالة الراهنة- ويصرح رشتر- أن ١٦٠ مليونًا من المسلمين من مجموع ۲5۰ مليونًا تحت حكم الدول النصرانية، فواجب هذه الدول أن تمهد السبيل لتبديل دين هؤلاء الرعايا- أما المبشر صموئيل زويمر فيقول في المؤتمر التبشيري الذي عقد في لكناو في الهند سنة ١٩١١- أن ٩٥ مليونًا على الأقل من أتباع نبي مكة يتمتعون اليوم بنعمة الحكم البريطاني- ويا لها من نعمة.. أن احتلال الإنجليز لمصر وقبرص قد ساعد على تسهيل التعليم باللغة الإنجليزية وبالتالي على التبشير-. ومن أعمال بريطانيا لتثبيت استعمارها ما فعلته في العراق عندما جلبت فئة الأشوريين لتثير القلاقل هناك. ومن أعمال فرنسا في سورية سندها لفتنة سليمان مرشد في جبال العلويين.
أما في فلسطين فكان خط مؤامرات التبشير أكثر وفرة من غيرها فقد بلغت الجمعيات التبشيرية هناك كما يقول رشتر ۲۷ جمعية مختلفة الجنسيات، وكان- روتشيلد يساعدهم جميعًا كما يقول جسب.
النقطة الثالثة: خلاصة البحث: يظهر من استعراض هذه الكلمة الدوافع للتبشير والاستشراق، ويمكن تلخيصها في دافع ظاهري هو الغزو الثقافي والديني، وفي دافع باطني هو المقصود وهو الغزو الاستعماري ككل. ويظهر أيضًا من هذه الكلمة الأساليب التي استخدمت لتحقيق الدوافع، وتلخص في تشكيل الجمعيات والنوادي واستغلال أعمال البر والإحسان من تطبيب وتعليم ومساعدات عينية ونقدية وفنية واقتصادية وإفساد الشباب والنساء من خلال البرامج والمناهج والكتب والمجلات، وتشجيع الزواج من الأجنبيات، وتضخيم أبنية الكنائس والأندية وإنشاء المكتبات ودور النشر، والعبث بالثقافة الإسلامية من دعوة إلى العامية إلى تشويه التاريخ والأدب والفنون، وتقسيم البلاد إلى دول متنازعة، وتظهر أيضًا من هذه الكلمة أوضاع التدخل المباشر لقناصلهم ودولهم، ويمكن تلخيصها في خمسة أوضاع هي: استخدام تلامذتهم وأتباعهم من أبناء البلاد، وعقد المؤتمرات العديدة للتآمر ورسم الخطط، والتدخل المنفرد والتدخل المشترك من قبل الدول الأجنبية الكافرة في البلاد الإسلامية، والصراع العسكري فيما بينهم علينا وعلى بلادنا وإسلامنا لتدميرها، وأخيرًا الاحتلال العسكري وما رافقه من استعمار متعدد الجوانب شامل لجميع مناحي الحياة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وتشريعيًا واجتماعيًا في آن واحد. ومن هذا كله يظهر مدى الحقد الصليبي الذي بث سمومه وانشب أظفاره في البلاد الإسلامية بطولها وعرضها. فلم ينج منه مكان مهما صغر، حتى لو كان الكويت، ولا مكانة مهما عظمت، حتى لو كانت مركز الخلافة نفسه، ويظهر حرص الكفر كله عامة، والصليبي خاصة، على تحطيم الإسلام من الوجود، بل محو المسلمين من على وجه الأرض، ليخلو للاستعمار كله بل للكفار كلهم المجال، ما داموا لن يقبلوا مهما خادعوا وتظاهروا إلا تدميرنا أو تكفيرنا، ولا نحتاج لدليل على ذلك أكثر من قول علام الغيوب- ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120)، وهذا ما يؤكده تاريخهم القديم والحديث في مكائدهم وجرائمهم ضد الإسلام والمسلمين، والتي يشهد عليها الآن ما يجري في فلسطين ولبنان وهما البلدان المسلمان رغم أنف اليهود والصليبيين وأذنابهم وأعوانهم فإنهم يصرون على إبادة المسلمين هناك إصرارًا لا يمنعهم من تحقيقه إلا خوفهم من أن يرتد كيدهم إلى نحورهم.. فليتآمروا ما شاءت لهم أحقادهم الخبيثة، وليكيدوا ما شاء لهم الكيد وعناصره الموتورة، فإن يومهم لا بد آت ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (غافر: 51).. وعندها، وعندها فقط، تكون الفرحة الكبرى، وبنصر الله يفرح المؤمنون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل