العنوان الجزائر .. على مـشارف مرحلـة جديدة
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1995
مشاهدات 16
نشر في العدد 1171
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 17-أكتوبر-1995
بترشيح الأستاذ محفوظ النحناح نفسه للرئاسة الجزائرية القادمة، تكون حركة المجتمع الإسلامي «حماس» قد سبقت غيرها من الحركات الإسلامية الأخرى في هذا المضمار، سعيًا نحو حل عادل لمشكلة الجزائر التي استعصت على الحل منذ تدخل الجيش الجزائري ليجهض نتائج الانتخابات السابقة، مما أثار فتنًا ما زالت قائمة وأسال دماء ما زالت تسيل وتجري في بلد المليون شهيد.
وهناك - بالفعل - تراكمات كثيرة سابقة وجذور عميقة معقدة للمشكلة الجزائرية يقتضي حلها صبرًا طويلا، وتآلفًا بين جميع التوجهات، وترك المزايدات وإغلاق الأبواب أمام الفتن الداخلية والدسائس الخارجية والقضاء على الأصابع الخفية التي تصب الزيت في نار الفتنة والنظر إلى المصلحة العامة، وتقديمها على غيرها من المصالح الأخرى، مع مراعاة العدل والإنصاف بين جميع فئات المجتمع الجزائري، بحيث يتوحد مساره وتوجهه ولا يتضارب، ويتقارب ولا يتنافر ويتباعد.
فهل تكون الفترة المقبلة بعد الانتخابات هي الموعد، الذي تحل فيه المشكلة؟ وهل تجري الانتخابات بصورة طبيعية، بحيث تمثل الرغبة الشعبية التي تأمل في عودة السلام الوطني والاستقرار والوفاق والثقة.
خطوة رائدة
نعود إلى حركة المجتمع الإسلامي حماس وزعيمها الأستاذ محفوظ النحناح، لنرى أنه قد سبق إلى الخروج من الإطار المعين المحدد الذي كان أقصى ما تطمح إليه حركة إسلامية - أن ترشح بعض أفرادها في المجالس النيابية أو أن تشارك في النقابات المهنية، أو تقوم بدورها في خدمة المجتمع من خلال جمعيات النفع العام، التي تقوم بدورها الاجتماعي.
وهو دور له أهمية، ولسنا نقلل من قدره ولكن الخطوة التي خطاها الأستاذ محفوظ النحناح لم يسبق إليها في العصر الحديث ولا تعاب حركة من الحركات في بلد من البلدان، لأنها لم تقم بهذه الخطوة، فلكل بلد ظروفه، ولكل حركة حساباتها وتقديرها لدورها - في خدمة المسلمين، والمهم في الأمر أن هذه الخطوة متفقة مع الطرح الإسلامي، الذي ينظر - إلى الحياة نظرة شمولية بحيث تغطي جميع جوانبها بالنهج الإسلامي القويم الذي لا يميل لفئة على حساب أخرى، بل تحقيق العدالة بين أبناء المجتمع جميعًا في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية الشعورية والروحية الوجدانية، والحقوق السياسية، فليس في الإسلام إهمال لجانب من جوانبه على حساب آخر، وليس في الإسلام أخذ لجانب وترك آخر، والنهج الإسلامي القويم يستمد من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك شيئا إلا بيّنه، ولا ترك أمراً إلا وضحه، والذين يظنون أن الجانب السياسي في الإسلام جانب جديد طارئ مخطئون، يتبعون في ذلك الفكر الاستشراقي المعادي للإسلام، والذي اتبعه نفر من المسلمين وأظهره في العشرينيات وما بعدها من هذا القرن، فظهرت كتبهم التي تحمل أفكارهم في الساحة فكان الإسلام وأصول الحكم»، وكان مستقبل الثقافة في مصر وكان من هنا نبدأ»، وغيرها مما يحمل أفكارًا غربية عن الإسلام لأن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم واضح، لا مجال فيه للبس، فقد راسل الملوك، وعقد المعاهدات، وأقام التحالفات وسيّر الجيوش وقادها، وحارب من حاربه وسالم من سالمه، ونظم المجتمع على أساس من التعاون على البر والتقوى.
وسيرته فيها الكثير من هذه الأمور التي يصبح الاستدلال عليها اليوم ضربًا من امتهان العقول؛ لأنها أمور أضحت معلومة من الدين بالضرورة، وأقل الناس اطلاعًا يعرف ذلك ويدركه.
ومن هنا نقول: ليس بدعًا ولا غريبًا أن يتصدى أحد أبناء الحركة الإسلامية لتحمل المسؤولية السياسية نحو الشعب الجزائري الذي هو في أشد الحاجة إلى رجل قائد، ذي فكر مستنير، ومنهج وسط لا تفريط ولا إفراط، رجل قائد، يتسم بالنظرة العميقة، والفكرة السديدة الرشيدة، والعمل المتأني المدروس المتسع لآمال الشعب الجزائري بأسره، غير ناظر في ذلك إلا لمصلحة شعبه، القائمة على الإسلام، لا لإرضاء فئة على حساب أخرى، ولا لإرضاء جهة ما داخلية كانت أو خارجية مهما كان تأثيرها طالما تعارضت مصلحة الشعب مع هذه الجهة، وكلامنا هذا هو ما قاله الأستاذ محفوظ النحناح حين صرح بقوله: وحركتنا لم تكن يومًا من الأيام ظلاً لجهة من الجهات، ولا نسمح أن تكون أداة في يد غيرها مهما كان هذا الغير؛ لأننا ملتزمون بمبادئنا الكبرى وباستراتيجية المشاركة السياسية وبقرارات مؤسساتنا الشورية، وبمصلحة الوطن والشعب.
وهذا الالتزام بالمبادئ التي ذكرها الأستاذ النحناح مرتبط أوثق الارتباط بالمفهوم الإسلامي الصحيح، الذي هو الإطار الجامع لمصلحة الوطن والشعب، وهذا ما أكده الأستاذ في تصريحه حين قال: وبرنامجنا الانتخابي مستمد في أسسه من المبادئ العامة للحركة كحركة سياسية إسلامية تحمل أمانة المشروع الإسلامي الحضاري المنسجم مع الثوابت الوطنية والتاريخية، والمتمشي مع الطموحات والآمال من غير اصطدام، أو تعسف أو حرق للأشواط، أو اصطدام مع سنن الله في التغيير.
إنه برنامج ينبذ العنف، ويدعو إلى الحوار برنامج يقوم على التغيير نحو الأحسن والأفضل، والإيمان بالمرحلية والتدرج، وأخذ الأمور برفق وهوادة من غير قسر ولا عنف، مع إطلاق للحريات، وحفظ للحقوق.
دور مرتقب وأمل مرتجى
وهذا كله يجعلنا نستبشر خيرًا في الغد القريب الذي يحمل الدور المرتقب، والذي يكشف عن مدى التفاف الشعب حول الحركة الإسلامية، بعد أن خرجت عن الإطار الذي عرف عنها بين الناس بعد أن روجه أعداؤها من أنها حركة تسير إلى الوراء لا إلى الأمام، ولا تراعي مقتضيات العصر ومتطلباته، وهذا كله وهم، نرجو أن تبدد ظلماته أنوار المبادئ الإسلامية الساطعة التي لا تتخلى عن مجاراة العصر، وتأخذ بالأسباب وتعمل من أجل إنقاذ شعب تضارب أبناؤه وتقاتل رجاله، وسقط فيه قتلى وسالت فيه دماء، وما زالت بعض قياداته مغيبة عن الساحة في السجون أو المعتقلات، ونحن نأمل أن يأتي الإفراج عن الأستاذ عباس مدني والأستاذ علي بلحاج قريبا ليقوما بجهودهما الكبيرة في سبيل تخليص الشعب الجزائري من ورطته التي وقع فيها، والتي أخذت عليه كل سبيل كما نأمل أن يتقدم الأستاذ عباس مدني بترشيح نفسه للرئاسة ضمن المرشحين وللشعب الجزائري أن يختار من يشاء.
مسؤولية شعبية
وتلك مسؤولية شعبية، تلقى على عاتق الشعب، وظننا بالشعب الجزائري الذي حافظ على هويته الإسلامية والعربية أكثر من قرن وثلث من الزمان أمام الاستعمار الفرنسي الذي ما ترك مجالاً لطمس هذه الهوية إلا سلكه، ولكن جهوده ضاعت سدی فحافظ الشعب على دينه وعلى عروبته، وعلى لغته العربية التي عمل على بعثها بعد الاستقلال بعثًا كاملاً، بحيث صار لها وجود قوي في الجزائر العربية التي كانت تدعى من قبل الجزائر الفرنسية.
نقول: إن الشعب الجزائري في الانتخابات القادمة هو الذي سيحدد إن كانت نار الفتنة ستنطفئ أم لا؟ وهو الذي سيتحمل - حتى بعد الانتخابات - مسؤولية التغيير من الفوضى والاضطراب إلى النظام والأمان، ومن القتل والدمار إلى الحوار والإعمار، هذا الشعب الذي تحمل عبء الجهاد طويلاً في سبيل التخلص من الاستعمار الفرنسي، عليه أن يتحمل العبء الأكبر في سبيل التغيير والنهوض عليه أن يعلن على مسمع العالم أنه حر الإرادة حر الاختيار بغير وصاية عليه من هيئة أو فئة أو دولة، وأنه قادر على أن يختار الربان الذي يستطيع أن يرسو بالسفينة برفق على بر الأمان، لينعم الجزائريون بالأمان ويستمتعوا بخيرات بلادهم ويبذلوا جهودهم ما استطاعوا في سبيل رقيها وتقدمها، حتى تكون سندًا وعونًا للامة الإسلامية.
وإنا لمنتظرون
إننا - عما قريب - على موعد مع ما تسفر عنه الجولة القادمة في الجزائر، فإما أن تسفر عن أناس يؤثرون مصلحة الأمة والوطن والشعب، فيجنبون الجزائر الخسائر الماثلة الآن في الجهود المبعثرة المتشتتة والأموال الضائعة، والدماء المسالة، والفرقة التي تؤجج نار الصراع، وإما أن تسفر عن أناس يزيدون من مشاكل الجزائر، ويزيدون من الدماء المسالة، ويزيدون من فرقة الشعب، ويبثون فيه الخوف والفزع، ويؤثرون مصالحهم الخاصة على مصلحة الشعب عامة، ولو حدث هذا لكان باب الفتنة قد كسر، بحيث لا يستطيع أحد أن يلم شعثها، أو يخمد نيرانها.
إننا نأمل أن تتجنب الجزائر هذا المصير وهذا في يد الشعب الجزائري - وحده - فلا يملك ذلك غيره، فهل يكون الشعب على مستوى المسؤولية التي نأمل أن نراها متحققة عما قريب؟ وإنا لمنتظرون.
المشروع الإسلامي طريق الخلاص
الإسلام دين الله في الأرض أنزله محفوظًا مستمرًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها جاءت تعاليمه تامة، وأحكامه متكاملة، وانتظمت شؤون الفرد والأمة في دقائق الأمور وجليها جعل الله الدخول فيه إيمانًا واعتناق غيره كفرًا وإلحادًا والتقصير في تطبيق أحكامه مخالفة وعصيانا.
تفرد من بين كافة الأديان بشمول الرسالة وكمالها وصلاحيتها لكل الأزمان وانتظام كافة جزئيات الحياة على صعيد الفرد والدولة، ولم يقتصر - كشأن غيره من الأديان - على بعض جوانب الحياة دون بعض.
فهو منهاج حياة للفرد: أخلاقيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وإيمانيًّا.
وهو نظام حياة للأمة، تشريعًا، واقتصادًا وسياسة، ونظام حكم، لا يقبل منها العدول عنه، تحت أي ظروف، ولا تستحق هوية المسلم إن أعرضت عن تعاليمه ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65).
الرعيل الأول : على سنن المصطفى سار الصحابة وقرون الخير، حيث فهموا رسالة الإسلام، كما طبقها الله في المدينة المنورة.
المجتمع المدني
لقد كان مجتمع المدينة عندما حل بها الرسول والمسلمون يجمع الكثير من التناقضات، فقد كان مؤلفًا من:
- طائفة المشركين.. فلم يؤمن كل أفراد قبيلتي الأوس والخزرج، كما كان يوجد ثماني قبائل أخرى في المدينة.
- قبائل اليهود الثلاث التي تهيمن على الاقتصاد في المدينة.
- طائفة المنافقين الذين رأوا مد الإسلام يتوسع كل يوم فآمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.
- طائفة المهاجرين الذين تركوا كل شيء بمكة والتحقوا بالمدينة، ونزلوا على الأنصار فيها.
- طائفة الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه.
فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل تنظيم هذا المجتمع المتعدد الطوائف بحيث يعرف كل فريق حقوقه وواجباته، فيلتزم حده.. ويضاعف جزاؤه إن أخل بواجبه أو نكث بعهده.
الوثيقة الدستورية
لقد وضع الرسول وثيقة دستورية شاملة نظمت العلاقات بين هذه الطوائف.. وبينت لكل طائفة حقوقها وواجباتها .. وأشعرت الجميع أنها من وضع حاكم فذ ورجل دولة ملهم.
حيث استطاع بهذه الوثيقة أن يحقق نظامًا شاملاً، ويتحول إلى حاكم دولة يوجه السياسة على وفق تعاليم دعوته وهدي رسالته دون التخلي عن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقام نظام الحكم الإسلامي على عدة قواعد هي:
- حاكم ينفذ شرع الله.
- وأمة تراقب الحكم في تنفيذ الشرع.
- ونظام للشورى ينظم علاقات الحاكم بالمحكوم.
أما الحاكم المسلم: فينتخبه المسلمون من أهل الصلاح والحكمة، ويبايعونه، فالبيعة عقد بين الحاكم والأمة تشبه انتخاب الحاكم في النظام الرئاسي له عليهم حق السمع والطاعة ما أطاع الله فيهم، وإن عصى الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الانتخابات النيابية الحالية: إذا تخلصت من بعض النقائص كشراء الأصوات والفساد تعتبر من الوسائل المقبولة في انتخاب الحاكم ومجلس الشورى.
والشورى : هي قاعدة الحكم الإسلامي.. قاعدته في الأسرة والمجتمع والدولة، كل فرد في الأمة مسؤول، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وعلى كل فرد واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. والنصيحة لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، التوجيه النبوي ينص على أنه: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
تحولات في حياة الأمة
لقد طرأ على الأمة الإسلامية خلال مسيرتها تحولات خطيرة في نظام الحكم، وهذا أمر طارئ على حياة الأمة ترفضه فطرتها وطبيعتها.
النور الجديد: من الظلام ينبثق النور، ومع شدة الأزمات يأتي الفرج، وهذا ما حصل في حياة أمة الإسلام حيث عمت الصحوة الإسلامية - أو كادت – رُبا الإسلام وشعوبه، والتقى على فهم تعاليمه الفهم الصحيح صفوة الأمة وخيرتها.
الحركة الإسلامية وواقع الأمة
انطلقت الحركة الإسلامية في مطلع هذا القرن تحمل راية الإسلام، وتدعو الأمة إلى إحياء تعاليمه وحدوده والالتزام برسالته، وقد سلكت لذلك كل طريق مشروع.
وكان السعي للوصول إلى مصدر القرار وسيلة لتطبيق شرع الله، وكان دخول المجالس النيابية، ولا يزال من الأمور التي أسهمت في إسماع صوت الإسلام لجماهير الأمة، كما كانت سبيلا لإقرار كثير من القوانين المتوافقة مع أحكامه وتعاليمه، وإقرار بعض الدساتير بأن دين الدولة هو الإسلام، والفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريعات، وهذه مكاسب لا يستهان بها.
والوزارة جانب تنفيذي، وقد شاركت الحركة الإسلامية في أكثر من قطر بدخول الوزارات عندما ترجح لديها أن في ذلك مصلحة للدعوة والبلاد، وكان في معظمها خير كثير، لقد خاض الإسلاميون في مصر معارك المجالس النيابية وحققوا من خلالها مكاسب دعوية عظيمة، وخاض الوزارة الإسلاميون في سوريا، والسودان، وتركيا، وكان جانب الخير هو الغالب على هذه المشاركة.
إن الأمة بحاجة إلى رجال مؤمنين ملتزمين يتولون دفة أمورها، ليقودوها إلى شاطئ الأمان، ولا يجوز لهؤلاء التخلي عن واجبهم، بل إنهم مطالبون باقتحام هذه المعارك، وخوض غمارها بغية تقديم الإسلام نموذجا صافيا بعدما أفلست كافة المبادئ والتعاليم على أنه لا بد من الإصرار على الالتزام بالإسلام دون التنازل عن قضايا الأمة الجوهرية.
أزمة الجزائر
مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الظروف والمؤثرات الداخلية والخارجية في أزمة الجزائر، فإننا لا نرى لها طريق خلاص ونجاة إلا على أيدي رجال أمناء مسلمين أوفياء يتولون أمورها ويسهمون في إنقاذها.
والحركة الإسلامية في الجزائر بقيادتها وكوادرها مؤهلة - إن شاء الله - لهذه المهمة، وإن شعب الجزائر مطالب بمساندة رجالها سواء في معركة الرئاسة أو أي موضع آخر، فهم الأمل بعدما أفلست كل المبادئ، ولذلك فإن الشعب الجزائري بحاجة إلى وقفة صادقة مع حركة حماس ورجالها.
وهنا أسطر كلمات أخذتها من قلب صادق موجهة إلى كل مسلم في الجزائر وفي العالم... أخي في الله اعلم أن الله تبارك وتعالى حرّم على المسلم أن يستبيح عرض أخيه المسلم ولو كان الذي قاله حقًّا، فلا يحل لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يذكر مسلما بما فيه مما فعله ويشينه في غيبته فقل لي بربك كيف إذا كان ذلك مما لا أصل له؟
أخي.. إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله فيمن انتقصهم معلومة، فمن الشقاء والبلاء أن يتسلط العبد بلسانه على أرفع الناس عند الله قدرًا، وأجلهم مكانًا، وهم العلماء والهداة والدعاة إلى الله، فهذا من علامة الخذلان ومن علامة مرض القلب والعياذ بالله.
إن الله أدب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لما انتشرت الشائعة على أم المؤمنين - رضي الله عنها وأرضاها- وقال عن تلك الصفوة الطيبة المختارة التي اصطفاها وطهرها ﴿ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ (النور: 12) إذا سمع الواحد منهم النقيصة في رجل من عامة المسلمين كأنها فيه (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ) فقد جعل الله المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فإذا كان هذا في عامة المسلمين فكيف بأهل الفضل والعلم والسابقة في الدين؟ فهم أحق أن يظن بهم الظن الطيب، ولذلك قال بعض العلماء في قول الحق تبارك وتعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) أي الكلمات الطيبات والذكر الحسن للطيبين، وهو أحد الأوجه في تفسير الآية الكريمة، وأما الكلمات الخبيثة فلا تليق بالطيبين، فإذا كان هذا في عامة المسلمين فأطيب الطيبين العلماء والهداة إلى الله تبارك وتعالى، والدعاة إلى سبيله الذين أحيا الله بهم قلوبا ميتة، وأنار بهم سبلاً مظلمة؛ فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
فكم من ميت أحيوه بالوحي، وكم من ضال هدوه، بإذن الله، وكم من تائه هدوه إلى سبيل الرشد لا يرجون من الناس شكورًا، ولا يطلبون منهم أجورا، أجرهم على الله، ودعوتهم في الله، فإن كان دفاع الإنسان عن أخيه المسلم بظهر الغيب يذب الله به عن وجهه النار فكيف بأهل العلم؟ لو أن شائعة عن رجل من عامة المسلمين ذكر عنه أن قد فعل شيئا فنقلتها بلسانك كان ذلك عند الله عظيمًا، قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (النور: 15).
واعلم أن القلوب الطاهرة المؤمنة يظهر صفاؤها في مثل هذه المواقف إذا سمع المؤمن شائعة في أخيه كأنها فيه وقد بلغ في بعض أهل الإيمان إذا سمع في أخيه مقالة سوء كأنها فيه، يذب عنه بظهر الغيب لأن الإيمان لا يمكن أن يكون إلا إذا أحببت لأخيك ما تحب لنفسك، فالله الله في أعراض العلماء، وإذا لم تغر على أعراض العلماء وسمعتهم الطيبة فعلى من تغار، إن انتقاصهم وثلبهم ومحاولة التشويه لسمعتهم ثلمة في الإسلام لا يعلمها إلا الله، وينبغي للإنسان إذا سمع كلمة من هذه أن تأخذه الحمية في الله، والغيرة لوجه الله، وأن يذب عن أعراض المسلمين عامة، وعن أعراض الدعاة خاصة، وليقل بلسان حاله ومقاله سبحانك هذا بهتان عظيم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023