; الجهاد طريقنا إلى العزة في الأرض | مجلة المجتمع

العنوان الجهاد طريقنا إلى العزة في الأرض

الكاتب زينب الغزالي الجبيلي

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

مشاهدات 29

نشر في العدد 846

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

·        الجنة تعقب الجهاد والبذل والعطاء والصدق والنار تعقب قسوة القلب والصدود عن أمر الله

إن أقصى ما نريد أن نصل إليه بكل ما نبذل من الكلمة والحركة معًا أن نحدث انقلابًا في التفكير، نتبين به أن الفكر الإسلامي -منذ زمن بعيد- قد حدث فيه ما أبعده عن حركة المنهج الإسلامي الصحيح التي كانت منارًا اهتدى به الرعيل الأول من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذوا الإسلام كلمة تلقاها القلب فتندت بها الروح، وازدهر بها الجسم، فعاش المسلمون لغاية عليا، وهدف حددته تعاليم الإسلام، ووضحت سبل الوصول إلى الله، وذلك بأن يخلصوا عالم الإنسان من ولاية الفساق الفجار من البشر، وأن يتولى القيادة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أمر صدر إليهم على أيدي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى-: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ (البقرة: 119)، وذلك الحق هو الإسلام، الإسلام الذي هو في غايته وهدفه استسلام الناس لرب العالمين، وذروته الإيمان وهو التصديق الكلي بالعقل والقلب والجوارح بكل ما أنزل الله -عز وجل- على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- مسطرًا في القرآن العظيم أو السنة الحكيمة.

انظروا في هذا الدين

 ولما كان الإسلام دعوة للناس كافة من الله، فكل الناس مسؤولون أمام الله أن ينظروا في الإسلام، ليقرروا إن كانوا قد اقتنعوا به أم لا؟ وبذلك فكل الناس محاسبون يوم القيامة على عدم نظرهم في ذلك الدين الذي أظهره الله على الدين كله، وناداهم إليه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 21)، وتتقون هنا بمعنى تقومون في دائرة العباد الذين أسلموا لله وجوههم، فقالوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد عبده ورسوله، وأولئك الذين أسلموا أصبحوا مكلفين بإقامة الدين كله، فإن فعلوا فلا بد لهم أن يفكروا في تغيير نظام حكم العالم القائم إلى نظام القرآن والسنة، ذلك النظام الذي ارتضاه الله -سبحانه وتعالى- لعباده قال -تعالى-: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ (المائدة: 49).

 نعم، إن الذين أسلموا لله، وصدقوا بكلماته لا يستطيعون إلا أن يعتقدوا ويؤمنوا أن واجبهم نحو ربهم يحتم عليهم إعادة نظام القيادة والريادة إلى أيدي المؤمنين بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، الذين لا يفرقون بين الله ورسله، الذين عايشوا مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم- في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وفي شعب أبي طالب، وفي طريق الهجرة وفي المدينة مع الأنصار والمهاجرين، الذين عايشوا تاريخ الدعوة في مكة والمدينة معايشة تقوم بهم في دائرة الحركة وإيقاعاتها وأحداثها ونتائجها بقول رسول الله وفعله، وبتلقي الصحابة -رضوان الله عليهم- للكلمة، فتحول إلى حركة، فيتحركون في دائرة العمل، فتتسع بهم على امتداد إنتاج مثمر خالص لله، خلص الجزيرة العربية كلها في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خط الجاهلية الحاكمة بغير ما أنزل الله، والمتعبدة في محاريب الشرك إلى خط الإسلام الحاكم بما أنزل الله وإلى محاريب التوحيد.

الهدف من جهادنا

إن المسلمين اليوم يعاندون ويحاربون طريق الله؛ لأنهم انصرفوا عنه منذ عدة قرون، وعاشوا في وهم أن الإسلام هو ما هم فيه من أوراد وزوايا وركعات صلاة لا يدرون حكمتها، وصيام أيام لا يعيشون غايتها، ومناسك حج لا يدركون هدفها، والحق أن الإسلام نظام حكم كما هو نظام أسرة ونظام مجتمع، والعبادة بأركانها: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، قاعدة من قواعد النظام وركيزة من ركائزه؛ ولذلك يجب أن تعلم أن الغاية والهدف من جهادنا وكفاحنا في هذا العصر، هو أن نقيم الإسلام بكل ركائزه لتقوم الأمة الإسلامية بواجبها نحو كل الناس مسلمين وغير مسلمين.

 ذلك الواجب المقدس الذي نكافح من أجله ونجاهد في سبيله، ورثة مجددين عن حضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو قيام حكم الإسلام ليقضي في الناس بنظام الله العزيز الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال -تعالى-: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ (سورة النساء: 105)، والله الذي قرر -سبحانه- أن يأمر محمدًا بأن يحكم بما أنزل -سبحانه- هو ولي المؤمنين، فعندما نستقيم على أمره، ونقيم حكمه سيلهمنا الخير، ويؤيدنا بالحق، ويوفقنا إلى مرضاته -سبحانه- كعباد أطعناه وامتثلنا لأمره، يقول -سبحانه وتعالى-: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (سورة البقرة: 257)، ومعنى ذلك أنه يأخذ بهم إلى الحق، ويثبتهم عليه، ويلهمهم الخير؛ لأنه هو -سبحانه- الذي يأتيهم تقواهم، ولذلك أقول: إن غايتنا التي نعيش لها هي أن نجاهد في سبيل الله في عالم المسلمين ليستقيموا على منهج الله المسطر في الكتاب والسنة، فإن فرغنا من هذه المرحلة، فالجهاد مستمر حتى يقوم الحكم بما أنزل الله، فإذا فرغنا من هذه المرحلة كذلك، فالجهاد مستمر فنحن مكلفون أن ندعو العالم كل العالم إلى الإسلام، وبقدر ما نبذل من الصدق الإخلاص، يمكن لنا -سبحانه وتعالى- في الأرض لنستطيع أن ننحي عن طريق الإنسان أشواك مهالك الجاهلين لتخليص الناس من عبادة الناس، ونقيم صروح الحق ومآذن الهداية، ليتلقى الإنسان معطيات المعرفة بالله، ليتخلص من سيطرة الفسقة الظلمة من البشر، ويعيش عدالة الإسلام في ظل شريعة الله تظله حرية الضمير وحرية النفس، وحرية التلقي عن الله، ليعيش إنسانًا محررًا من تضليل البشر بعز عبوديته لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

الأميركان والروس أشبه بالفرس والروم:

لقد قرر الحق -سبحانه وتعالى- أن العزة له -سبحانه- ثم لرسوله، ثم للمؤمنين: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة المنافقون: 8)، فهل آن للمسلمين أن ينظروا في آيات القرآن التي تسجل لهم الولاية على الأرض والعدل فيها؟ هل آن لهم أن يقوموا بجهاد متواصل ليحوزوا شرف امتلاك العزة في الأرض؟ وهل يكونون كذلك إلا بعودة الحكم إليهم؟ ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ﴾ (سورة الحديد: 16)، ألم يأن لهم أن يعلموا أن الروم في فجر الرسالة كانوا بمثابة الأميركان اليوم، والفرس بمثابة الروس؟ ولكن لما قرر الله العزة للمؤمنين في الأرض، وقام المسلمون يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا؛ انتقل إليهم الحكم، وتسلموا قيادة العالم وريادته من الفرس والروم معًا، يا سبحان الله، ما أشبه الليلة بالبارحة.

إنها حقيقة أنادي بها المسلمين لعل قلوبهم تخشع، ولعل عقولهم تدرك، ولعل بصائرهم تعي، أيها المسلمون، كم تحملون من دنياكم، عندما تغادرونها؟ إن كنتم حكامًا ماذا تحملون؟ أو كنتم محكومين ماذا تحملون؟ أقول لكم تحملون بعض أمتار القماش، وهنا في الدنيا ربما تركتم متاعًا واسعًا عريضًا، حملتم معكم مسؤوليتكم عنه، قال -تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 89:88)، والقلب السليم هو الذي وعى أنه موقوف ومسؤول.

 هذه حقيقة أذكركم بها لعلكم تتذكرون فتخشع قلوبكم لما نزل من الحق، ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، ولعلكم كذلك تسارعون للجهاد؛ لأن الدنيا ساعة بعدها حساب، والجهاد له نتيجة، وقسوة القلب وعدم خشوعه وصدوده عن ذكر الله وعن الجهاد له نتيجة، والنتيجة مختلفة، فالجنة تعقب الجهاد والبذل والعطاء والصدق، والنار تعقب قسوة القلب والصدود عن أمر الله.

الإنسانية والماديات

ومما يحز في النفس المؤمنة غفلة الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين عن سبب تعاسة البشرية في هذا العصر الذي أغرقته مادية الآلة بكل حاجته من الرفاهية وامتلاك أسباب السعادة الزائفة، الأمر الذي أغرقه في المادية حتى غدا شبيه الآلة التي فتنته، وكأنه تجرد من أحاسيسه الوجدانية وأشواقه للحقائق والمعاني السامية المختلفة بحقيقته في عالم الملكوت والغيب المستور الذي يعيش الإنسان بالتفكير، حقيقة أشواق روح ونبضات قلب فيسعد بالوجود، ويحس عظمة الله وإبداعه، فيعيش في عالم السعادة المنبعث من تخليص النفس من ظلمة الطين بامتلاكه لنواصي الحق فتعايشه حقًا، تعيش قوله -تعالى-: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، (العصر3:1).

 والحق من عوامله الجهاد والصبر، ومن ذروته أن نجاهد في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الفساق هي السفلى، وإنه لمن دواعي الأسف كذلك أن المسلمين يتجاهلون أن الحق -وهو أصل الإسلام- قد كلفهم بأن يبينوا للناس جميعًا قضية الحق في الأرض؟ والحق في الأرض أن يحكم أهلها بما أنزل الله، أي بأيدي الذين قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، نعم، ليس للمسلمين أن يزعموا نظريًا اعتناق عقيدة الإسلام، ولكن لابد حتمًا أن يترك للمسلم حرية بيان عقيدة الحق وشريعته للناس، وأن الإسلام هو الحق، لذلك شرع الجهاد، فمن صدق بكلمات الله فأسلم فمرحبًا، ومن أبى فعليه ما حمل، ولكن الحكم بعد ذلك لمن أسلم، وليس لمن يكفر بأمر الله المنزل في القرآن الكريم، ولا عبرة لمن لم يتقبلوا الدواء، فحسابهم على الله، غير أن الله كلفنا بالعدل بينهم لأنهم خلقه، وهو -سبحانه- متكفل بحياتهم.

أقول لرجال الأمة ونسائها

 أبعد ذلك يقول جاهل: كيف تحكم بشريعة الله ونحن مجتمع فينا المسلم وغير المسلم؟ إن الذين يحاربون المجاهدين العاملين على استقرار الأمر في الأرض لله بجهل منهم بتعاليم الإسلام وعقيدته، وبحرص منهم على شهواتهم وطغيانهم وبغيهم- إنما يحاربون الله ورسوله والذين آمنوا، ولكن أقول لرجال الأمة ونسائها:

 إننا على الطريق ولن نحيد، وأقول كذلك إن القوة لله، وإن ظهر للمرجفين في الأرض غير ذلك، وإنني لأقرر حقيقة أنه لا بد للنجاح من اتحاد المسلمين وتوحيد طريقهم في الدعوة والاعتقاد، فوحدة المسلمين ضرورة لنصرهم، وهذا أقصى ما نريد.

الرابط المختصر :