العنوان الجيل الجديد.. ركن التربية والشباب (183)
الكاتب عبد العزيز الحمد
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يناير-1974
مشاهدات 12
نشر في العدد 183
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 15-يناير-1974
الدوام المدرسي.. إرهاق فوق الطاقة
يعاني الطلبة والطالبات خصوصًا طلبة الثانوية، من مشكلة هي أحد الأسباب التي تعيقهم عن المراجعة الكافية.. هذه المشكلة هي مشكلة الدوام المدرسي، فهو مرهق بالنسبة للطلبة ومتعب لهم جدًا، فالدوام يبدأ من ٧٫٥ إلى 1.5 يومي الأحد والأربعاء، ويمتد إلى الثانية أيام السبت والإثنين والثلاثاء.
وحين نتصور أن الطالب يعمل ذهنه منذ الصباح إلى وقت العصر، نجد أن درجة الاستيعاب تقل، خصوصًا إن كانت المواد ترید إعمال الذهن والتفكير العميق.
وتأتي جوانب أخرى للمشكلة، أن الطالب لا يكاد يصل إلى بيته إلا ووقت العصر قد حان، فلا يجد الراحة الكافية حتى يبدأ الدراسة من جدید.
وإن الوزارة كما تحرص على أن تعطي الطالب العلم الكافي، فكذلك عليها أن تحرص على إعطائه الوقت والراحة الكافيين، فمن الظلم أن يمتد الدوام المدرسي إلى هذا الوقت المتأخر، وليس هناك من عذر يعتذر به المسئولون، يبررون به هذا النظام، اللهم إلا أن العام الدراسي لا يكاد يكفي لإتمام المناهج، وهذا عذر ليس قويًا، فالعلم ليس بالكمية، إنما هو بالكيف وبمقدار استيعاب طالب العلم له. فمن الممكن جدًا، بل ومن المريح جدًا بالنسبة للطالب، أن يختصر المنهج بحيث يعطي أكبر فائدة مرجوة من العلم وبشكل قليل نسبيًا، فنحن لا نريد حشو أذهان التلاميذ بالعلم حشوًا، حتى يحدث ما نراه في آخر الفصل الدراسي وبعد الامتحان، أن الطالب ينسى المادة بعد تقديم الاختبار.
ثم إن هذا الدوام بشكله هذا مرهق للمدرسين، فهم لكي يعطوا الجهد المناسب والجهد المطلوب، يحتاجون إلى رعاية وإلى اهتمام بظروفهم، فتجد مدرسًا له في اليوم خمس حصص أو أکثر، فكيف نريد من هذا المدرس أن يعطي الجهد المطلوب ونحن نستنفذ طاقته؟!
فعلى الوزارة أن تدرك أن التدريس والتعليم ليسا قوانين تطبق، لأن الذين يتعلمون بشر وهم ذوو نفسيات متعددة، لذا كان التعليم أسلوبًا تربويًا يهتم بالنفس الإنسانية ويربيها، وهذا هو النهج الذي انتهجه الإسلام في تبليغ الرسالة، إذ انتهج في ذلك نهجًا تربويًا ربانيًا.
حوار
جاءني هذه المرة وهو مستعد للنقاش، وفي ذهنه موضوعات يريد التحدث عنها، وبادرني بالسؤال:
● ألا تعرف فلانًا يا صديقي؟
● قلت: بلى أعرفه، فقد تقابلنا كثيرًا في منزلكم.
● قال: إنه فعل خيرًا كثيرًا حين عرف كيف يربي ابنه تربية حسنة، بعيدًا عن تأثير هذه الانحرافات، وبعيدًا عن تأثير الوسط الفاسد.
● قلت: وماذا أفعل؟
- أنت تعرف يا أخي أن الفساد قد حط رحاله في كل مكان، وما إن يخرج الإنسان ويختلط بالفساد حتى يتأثر به، وقد فهم صديقي هذه الناحية، فأحب ألا يختلط ابنه بالشباب الفاسد، وأن يبتعد عن الأجواء السيئة، لذا فهو لا يتركه يخرج إلا معه، وما عدا ذلك فهو جالس البيت مع إخوته، لا يختلط ولا يعرف الشباب الفاسد.
- وهل صديقك جاد في عمله هذا؟!
- نعم.. ألا ترى أنه من الخير أنه فعل ذلك؟!
-لا يا أخي، إن صديقك هذا قد أخطأ في حق ابنه، فليست هذه هي الطريقة الصحيحة للتربية.
- والله أني لأعجب لك منذ عرفتك وعرفت آراءك العجيبة!
- صبرًا يا أخي لم تتح لي المجال لأكمل رأيي.. دعني أروي لك هذه الحادثة، لأبرهن على كلامي، فأنا أعرف رجلًا أحب أن يربي ابنه تربية صالحة، بالأسلوب الذي اتبعه صديقك.. قلل من اختلاطه بالناس وجعله ينعزل في جو البيت. أتدري ماذا حدث له بعد أن كبر وتفتح على الدنيا؟! أولًا فقد الثقة بنفسه، وأصبح يشعر بأن تجربته في الحياة قليلة، ثم رأی أوضاعًا لم يكن يعلم بها ولم يمر عليها ولم يجربها، فاندفع بدافع حب الاستطلاع والهوى، يشبع رغبات نفسه التي حرمها منذ الطفولة أو الصغر، كأي طبيعة بشرية، فأدي أخيرًا إلى انحرافه عن الجادة المستقيمة، لأن الطفل، أو الإنسان -مهما كان- هو نفس، والنفس لديها رغبات في اللهو وفي التنفيس عن النفس، وحب المخالطة ومعرفة أحوال الحياة، فإن ضغط عليها، فإنها ستحاول الانفلات والتمادي في ذلك، حين تتاح لها أدنى فرصة.
- يا إلهي.. لم أكن أدري إلى أي حد هذا الأسلوب خطر! ولكن بالله عليك أخبرني ما الوسيلة الواجب اتباعها في مثل هذا الشأن؟
- ليس من بأس أن يختلط الشخص بالناس ويعرف أحوالهم ويلهو ويلعب، ولكن ليحاول صديقك أن يقذف بابنه في المحيط الصالح مع أصدقاء صالحين، ويبغض إليه الفساد ويحبب إليه الإيمان، ويريه الصورة الكريهة من الفساد لتعافها نفسه.
- أصبت یا أخي.. أستودعك الله.
- إلى أين؟ ما زال هناك الكثير من الأمور تحتاج إلى نقاش!
- إني ذاهب إلى صديق لأحذره من أسلوبه هذا، لئلا يقع في الخطأ نفسه
- خيرًا تفعل.
لقطات
● المدرس الناجح هو الذي يجدد أساليبه دائمًا.
● الطالب المتفوق هو الذي يعرف كيف يستغل وقته وكيف ينظمه.
● أن يكذب المدرس فقد كذب شخص، ولكن للأسف هو يدعو جيلًا للكذب.
● جميل أن يبذل المعلم جهده لتفهيم الطالب، ولكن الأجمل من ذلك أن تجد طالبًا يقدر أستاذه على جهده هذا.
● إنه من السهل أن تجلب عاطفة إنسان أو أن تفهم شخصًا.. ولكن من الصعب جدًا أن تفهم مجموعة بكاملها.. لذا كانت مهمة المدرس شاقة.
● بعض المدرسين يذم زميله أمام الطلاب، وينقص من قدره، ولا يعلم أنه بذلك يحط من قيمته هو في نفوس التلاميذ.
● من المؤسف أن ترى المدرس مهملًا.. ومن المثير جدًا أن تراه نشيطًا حين قدوم المفتش.
ظاهرة
كثير من المدرسين يستعملون أسلوبًا سيئًا، يعتبرونه أسلوبًا جيدًا للتدريس، أو إنهم يتبعونه لهوى في أنفسهم، فهم دائمًا يعلقون على الطالب الذي يخطئ، ويحرجونه أمام الطلبة، مما يجعل أكثر الطلبة يتعقد من هذه الناحية، ويخشى من الإجابة ولا يتجرأ في التعبير عن رأيه، خشية أن يلاقي الاستهزاء من مدرسه، وقد يأتي الخطأ من الطلبة أنفسهم، فتراهم يضحكون أو يهزأون على إجابة الطالب، مما يجعله يخشى الإجابة وتتولد لديه الحالة نفسها، وهنا يأتي دور المدرس الذي يحاول توضيح هذه الناحية لدى الطلبة، ومحاولة الطالب الذي يحرج زميله.
هذه نواح تربوية هي غاية في البساطة، إنما تحتاج إلى من يعيها ويعمل بها.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل