العنوان الحرب الرابعة أهدافها وأبعادها
الكاتب نبيه عبد ربه
تاريخ النشر الثلاثاء 16-أكتوبر-1973
مشاهدات 45
نشر في العدد 172
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 16-أكتوبر-1973
اتجهت أنظار الفاتحين الطامعين في الشرق الأوسط منذ القديم إلى مصر، نظرًا لموقعها الاستراتيجي المتوسط بين القارات القديمة الثلاث، ولأنها حلقة الوصل بين أوروبا ومصادر تموينها بالمواد الخام في القارة الهندية، وكانوا يسمونها «دهليز» الشرق الأوسط على اعتبار أن من استطاع السيطرة عليها يستطيع أن يمد نفوذه إلى الشرق الأوسط بكامله.
وفي محاضرة للسير «جون جلوب» في معهد الشرق الأوسط في واشنطن عام ١٩٦٧ قال: شهد التاريخ البشري امبراطوريات شادها الفراعنة والآشوريون والبابليون والفرس القدماء والأسكندر الأكبر واليونان والرومان والعرب والعثمانيون والبريطانيون، وتشترك كل هذه الامبراطوريات في صفقة واحدة هي أنها جميعًا حكمت مصر وإذا بحثنا في سر ذلك وجدناه يرجع إلى سببين:
أولهما: أن مصر ومنطقة الشرق الأوسط هي الطريق الوحيد الذي يصل أوروبا ودول البحر المتوسط بالمحيط الهندي والهند والمشرق الأقصى وإندونيسيا وأستراليا.
ثانيهما: أن الشرق الأوسط هو المركز الذي يصل أوروبا وآسيا وأفريقيا وهي قارات العالم القديم الثلاثة؛ ولهذا فإن من كان يستولى على مصر كان يستطيع أن يتحرك منها نحو أوربا وآسيا وأفريقيا ويستطيع في الوقت نفسه أن يقطع الطريق من أي من هذه القارات إلى أية قارة أخرى.
وقد أدرك نابليون بونابرت قيمة المشرق العربي وخاصة مصر في صراعه مع بريطانيا ولهذا لم يهاجمها في أرضها، بل قاد أسطوله إلى مصر والشرق العربي ولو نجح في السيطرة على المنطقة لقضى على الامبراطورية البريطانية بقطعه لخطوط مواصلاتها إلى الهند، ويرى «سير هدسون لو» حاكم جزيرة هيلانة - حيث كان نابليون أسيرًا أنه قال له يومًا: « إن الشيء الذي لا يمكن أن أنساه هو أن مصر هي أكثر بلدان العالم أهمية لمن يريد السيطرة على العالم».
ولهذا ليس غريبًا أن نجد المستعمرين والصهاينة يركزون ضرباتهم على مصر في كل الحروب التي خاضوها ضد العرب عام ٤٨، ٥٦، ١٩٦٧ كما أن اندحار الجيش المصري كان في كل مرة يعنى اندحار الوطن العربي بكامله وحسم المعركة لصالح الأعداء.
لقد كان الأعداء منذ عام ١٩٦٧ يعدون لحرب جديدة ضد العرب، وليس أدل على ذلك من هذا السيل من الأسلحة الحديثة وطائرات الفانتوم الذي كان يتدفق من أميركا على إسرائيل، وهذه الحرب النفسية التي تشنها أجهزة الاعلام الصهيونية الاستعمارية على العرب ليقنعوهم بالتفوق المادي والمعنوي لإسرائيل، وأن خلاص العرب من هذه الحرب الطويلة لن يكون إلا بالاستسلام لإسرائيل والمغرب، ويرى المراقبون السياسيون أن إسرائيل كانت ستشن حربًا رابعة على العرب خلال عام ١٩٧٤، ولقد اختير هذا العام بالذات لعدة اعتبارات نوجزها بما يلي:
١ - أن استعدادات العرب العسكرية والنفسية للمعركة لم تكن قد اكتملت بعد، وأن ميزان القوى سيكون راجحًا لمصلحة إسرائيل.
٢ - تضمن إسرائيل حتى هذا العام أن أميركا قد تخلصت من حرب فيتنام وذيولها تمامًا وبذلك تتفرغ لمنطقة الشرق الأوسط التي تعتبر أكثر حيوية بالنسبة للولايات المتحدة.
٣ - تضمن إسرائيل تدفق المزيد من الخبراء والعسكريين اليهود من الاتحاد السوفياتي كما تكون قد استوعبتهم في جيشها وأجهزتها.
٤ - لأن أزمة النفط في أميركا ستبدأ فعلها في هذا العام، وتكون بذلك بحاجة إلى المزيد من البترول من الشرق الأوسط.
وأهداف إسرائيل من الحرب الرابعة ليست الاستيلاء على الأرض فحسب حتى تحقق حلمها بإيجاد دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ولكن هدفها أيضًا الاستيلاء على المناطق البترولية في السعودية والخليج العربي، فقد ذكرت وكالة «رويتر» بأن الرئيس الأوغندي عيدي أمين حذر بأن إسرائيل تخطط للاستيلاء على الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية، وأنه بعث برسائل إلى الزعماء العرب كما أرسل نسخًا عنها إلى جميع المحبين للسلام في العالم، وأضاف يقول أن لديه معلومات تؤكد أن إسرائيل تعد للاستيلاء على مناطق جديدة تشمل مكة والمدينة وغيرها من المناطق «۱» «عن جريدة الرأي الأردنية ۳۰ ايلول ۱۹۷۳»
ولكن إسرائيل تعاني من نقص في قوتها البشرية، وهى تعلم أن قواتها إذا انتشرت في الوطن العربي فإن ذلك نذير هلاكها و اندحارها، ولهذا فهي تسعى جاهدة لكى تشرك الولايات المتحدة هذه المرة معها في الحرب كما تعاني إسرائيل من عدم قدرتها على الحروب الطويلة المدى لأن إمكانياتها المادية والمعنوية محدودة ولقد اعتادت الصهيونية إذا أرادت أن تحقق بعض أهدافها عن طريق دولة كبرى أن تزين لها تلك الأهداف من خلال مصلحة تلك الدولة وليس من خلال مصلحة إسرائيل بينما تكون المصلحة في النهاية خالصة لها، ولكى تصل إسرائيل إلى هدفها في توريط الولايات المتحدة في حرب الشرق الأوسط، كان لا بد أن تحمل أميركا على انهاء حرب فيتنام حتى تتفرغ كلية إلى الشرق الأوسط، والذي يتتبع الأحداث يدرك أن الضغط الصهيوني في أميركا هو الذى حمل الرئيس نيكسون على إنهاء الحرب في فيتنام، وقد اقتنعت أميركا بذلك لأن منطقة الشرق الأوسط أكثر أهمية لها من أية منطقة في العالم حيث تكمن فيها حاجات أميركا من الطاقة النفطية في وقت أخذت فيه هذه الطاقة تنضب حتى في أميركا نفسها، وخاصة في وقت أخذ فيه العرب يشهرون سلاح البترول في وجه أميركا لتعديل موقفها من القضية العربية وأميركا أمام هذا الوضع تقف بين احتمالين:
الأول: إما أن تعدل أميركا من موقفها المنحاز لإسرائيل فتحافظ على مصالحها في البلاد العربية وتضمن استمرار النفط إليها بالمقدار الذي تحتاج إليه.
الثاني: وإما أن تركب رأسها وتستمر في دعمها لإسرائيل، وهذا الموقف سيحدث ردة فعل ضدها في الوطن العربي قد تؤدى إلى تحطيم مصالحها في المنطقة ووقف ضخ البترول اليها كلية.
وإذا اختارت أميركا الاحتمال الثاني فان هذا يعنى أنها ستقوم بتأمين حاجاتها من البترول العربي بالقوة، وهذا ما تخطط له الصهيونية وما تنتظره إسرائيل إذ تستطيع عندها بواسطة الرؤوس الصهيونية الحاكمة في أميركا أن تنسق خططها مع الخطط الأميركية - كما فعلت مع بريطانيا وفرنسا في عدوان عام ١٩٥٦ - كما تستطيع الصهيونية بواسطة دعايتها القوية في أميركا أن تقنع الشعب الأميركي بأن مصلحة أميركا وإسرائيل مصلحة مشتركة في الشرق الأوسط.
وأعتقد أن أميركا ستختار الاحتمال الثاني نظرًا لضعف العرب من ناحية وقوة النفوذ الصهيوني في أميركا من ناحية ثانية، ولأن عقلية «رعاة البقر» لا زالت تسيطر على حكام أميركا حتى اليوم، ولهذا نجد أميركا تضع ثقلها في كل المسائل التي فيها مصلحة لإسرائيل وتعمل على دعمها من كل النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأقرب مثال على ذلك ما سمعناه عن الضغوط الأميركية على روسيا لكي تسمح بهجرة كثيفة للخبراء والعسكريين الروس اليهود إلى إسرائيل ، لأنها تعلم أن ذلك يسد نقطة ضعف هامة بالنسبة لإسرائيل.
كما أن إسرائيل استطاعت منذ القديم إقناع الغرب وأميركا بأنها ستكون رأس جسر لهم إلى الشرق الأوسط وأنه بمقدار ما تكون إسرائيل قوية بمقدار ما تتأمن مصالحهم في المنطقة وقد آن الأوان لكي تثبت إسرائيل للغرب أن مزاعمها صحيحة وأن أميركا بحاجة إلى إسرائيل لكي تنطلق منها وبواسطتها إلى جميع المناطق البترولية في الوطن العربي.
إن من أهداف إسرائيل البعيدة المدى أن تصبح دولة عالمية يقام لها وزن في الشرق الأوسط خاصة، ولكن ذلك لن يتيسر لها إلا إذا استطاعت السيطرة على المنطقة التي يوجد فيها الذهب الأسود والطاقة الهائلة التي لا يستطيع العالم الاستغناء عنها، ولقد قبل فيما مضى أن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الصهيونية تختار فلسطين کوطن قومي لها أنه يوجد فيها «البحر الميت» الذي يحتوي على كميات هائلة من الأملاح الثمينة والتي يحتاج إليها العالم. فإذا استطاعت إسرائيل تحت مظلة الجيوش الأميركية أو بواسطتها أن تستولى على المناطق البترولية في السعودية والخليج العربي فإنها تكون بذلك قد وصلت إلى أهدافها البعيدة لأنها تعتبر أنه لا يوجد خلاف بينها وبين أميركا فكل ما لدى أميركا هو ملك لها لأن العقلية والنفوذ الصهيوني هو الذي يتحكم في أميركا اليوم حتى قال بعضهم: إن أميركا مستعمرة صهيونية وليس العكس هو الصحيح.
فأهداف إسرائيل القادمة إذًا هي السيطرة على المناطق البترولية في السعودية والخليج العربي، ولكن هناك قوة عربية يقام لها وزن عسكري في الشرق الأوسط يمكن أن تعرقل المخطط الأميركي الصهيوني كما يمكن أن تقود العرب لمواجهة الغاصبين، هذه القوة هي «مصر» ولهذا فإن من أهم الأهداف التي وضعها الأعداء الحرب القادمة أن يركز الهجوم على مصر أولًا في محاولة لإخراجها من المعركة بالضربة القاضية فإذا تحقق لهم هذا الهدف - لا سمح الله، فإن الوطن العربي يصبح بعد ذلك لقمة سائغة للصهاينة والمستعمرين، كما تستطيع أميركا وإسرائيل عند ذلك أن تفرض الشروط التي تراها مناسبة على الدول القائمة في الوطن العربي بالشكل والكيف الذي تريد.
هذه أبعاد المعركة مع الصهيونية والاستعمار، وهذه أهدافهم القريبة في الوطن العربي، وهذا يعني أن المعركة التي تخوضها مصر وسوريا اليوم هي معركة المصير بالنسبة للعرب جميعًا، وأنهم إنما يفعلون ذلك للذود عن حياض هذه الامة بأسرها، والعرب اليوم يجب عليهم أن يقفوا ضد العدوان الصهيوني بكل قواهم صفًّا واحدًا إذا لم يكن نصر لإخوانهم في سوريا ومصر فليكن دفاعًا عن أنفسهم لأنهم هم الهدف التالي في المرحلة القادمة، وسيتحمل العرب بكل دولهم وشعوبهم مغبة التقصير أو الإهمال في نصر المجاهدين على خط النار، فمصر هي القلعة الحصينة التي تقي العالم العربي أطماع الاستعمار وجشع الصهيونية، فإذا تحطمت هذه القلعة -لا سمح الله- فان ذلك يعنى عهدًا جديدًا من الذل والاستعباد للعرب جميعًا، وليلًا قاتمًا سيخيم على الوطن العربي لا يعلم إلا الله مقدار طوله وأبعاده، فانتصار مصر هو انتصار للعرب جميعًا، وانهزامها هو هزيمة للعرب جميعًا. فلتع الشعوب هذه الحقيقة، وليعلم الحكام أنهم اليوم أمام مسؤولياتهم التاريخية أكثر من اي وقت مضى لأن المعركة معركة مصيرية أن يكون العرب أو لا يكونوا، وأن تسود غطرسة الصهيونية وإسرائيل أو أن ترتد ذليلة خاسرة.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون
والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل.
ملاحقة العدو
﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ( النساء: 104 )