العنوان الحركات الإسلامية والأنظمة العربية.. تعايش أم صدام؟
الكاتب صالح محمد نصيرات
تاريخ النشر الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
مشاهدات 24
نشر في العدد 1168
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
رغم الحظر السياسي على نشاط الإخوان في مصر فقد دخلوا مجلس الشعب في سنتي 1984 و1987م
النظام المصري ينقض على هامش الديمقراطية ليمنع المعارضين من الوصول إلى مراكز التأثير
يطرح بعض المراقبين أسئلة كثيرة حول طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة العربية، وفي البداية أود أن أعرف المقصود بالحركات الإسلامية وأميز بين الأنظمة من خلال استقراء للواقع السياسي العربي، فالحركات الإسلامية هي مجموع الفصائل الإسلامية التي تتبنى الإسلام حلًا لمشاكل الأمة من خلال رؤية منهجية معينة متوسلة بأساليب مختلفة ومتباينة أحيانًا وهذا الاختلاف والتباين مرده لاجتهادات المفكرين والمنظرين لكل فصيل، وأحيانًا يعود لفهم معين لأدبيات المنظرين الحركيين، فـ«الإخوان المسلمون» بوضعيتهم الحالية يختلفون في أساليب العمل وحتى الأهداف مع بعض الفصائل الإسلامية، خصوصًا تلك التي تبنت الخط الجهادي- حسب تفسيرها وفهمها الخاص- أسلوبًا للعمل، لإحداث التغيير المطلوب.
أما الأنظمة العربية فهي تلك الحكومات التي تحكم رقعة ممتدة من المغرب الأقصى على المحيط الأطلسي إلى سلطنة عمان على بحر العرب، وهذه الأنظمة متباينة في أساليب الحكم والرؤية السياسية للواقع العربي، والعلاقات الدولية، ومتباينة أيضًا في نظرتها للإسلام، فهناك أنظمة شمولية لا تعترف بحق الشعوب في اختيار الحاكم ولا ممثليه، وهناك أنظمة تحبو على طريق الديمقراطية، وهناك أنظمة تحترم الإسلام وتطبقه في حياة شعوبها حسب فهم الحاكم ومستشاريه للإسلام، وبغض النظر عن نظام الحكم فإن القاسم المشترك لكثير من هذه الأنظمة هو العداء للإسلام كمنهج حياة، وعدم الاعتراف به كحل نهائي لمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وسنستعرض موقفين متباينين في الحركة الإسلامية فيما يتعلق بالعلاقة بين الحركة الإسلامية والأنظمة العربية، وفي بلدين عربيين هما الأردن، ومصر.
1. جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية
لا خلاف على أن الحركات الإسلامية تختلف في تقييمها للأنظمة الحاكمة، فجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، تعتقدان بأن النظام المصري لا يمكن التفاهم معه، ولذلك فالوسيلة الوحيدة للتغيير هي القيام بعمليات «جهادية» ضد النظام ومؤسساته ورموزه، ابتداءً من الرئيس حسني مبارك إلى أصغر جندي في الجيش المصري، ولذلك ومنذ أكثر من عامين شنت الجماعة الإسلامية تحديدًا هجمات متواصلة على رموز النظامين من السياسيين والصحفيين، والضباط الكبار في الشرطة، كما عمدت إلى شن هجمات على السياح الغربيين، ولم تستثن المفكرين العلمانيين الذين يجهرون بعداوتهم الصريحة لإقامة نظام إسلامي في مصر، وقد أسفرت الحملة عن مقتل رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب، والكاتب العلماني فرج فودة، ومحاولة قتل وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا، وأخيرًا المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، وعلى الجانب الآخر نفذ الجيش المصري حملات متواصلة للقضاء على الجماعة الإسلامية، كما أعدم عددًا من أعضاء الجماعة. وقتل الكثيرين. وقد حملت هيئات حقوق الإنسان على الحكومة المصرية لما أعلن عن ممارسة التعذيب واتخاذ الأطفال والنساء رهائن.
2- جماعة «الإخوان المسلمون»
موقفها من العنف: نددت جماعة «الإخوان المسلمون» بالقتل العشوائي الذي تمارسه قوات الشرطة والجيش، وفي نفس الوقت نددت بقتل السياح والصحفيين والكتاب، مُعلنة رفضها لهذا الأسلوب في حل الخلافات والتغيير، واستمرت أيضًا في ممارسة عملها الهادئ القائم على الدخول في العمل السياسي من بوابة خلفية أحيانًا، وعبر تحالفات أحيانًا أخرى، وذلك لعدم تمكنها من الحصول على إذن بالعمل السياسي الصريح أو تشكيل حزب سياسي خاص بها، حيث استطاعت خلال فترة وجيزة السيطرة على معظم النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية واستطاعت التعايش مع الأوضاع والمستجدات بالرغم من تعرضها لحملات الانتقاد والتشهير، كما أنها استطاعت الدخول في مجلس الشعب لفترتين متواليتين عبر تحالفها عام ١٩٨٤م مع حزب الوفد، وعام ۱۹۸۷م وذلك من خلال ما سُمي بالتحالف الإسلامي بين «الإخوان، وحزب العمل، وحزب الأحرار» وفي مقابل هذا الوضع فقد حملت الجماعة الإسلامية على الإخوان، وادعت أن الجماعة قد تخلت عن الجهاد في عملية التغيير.
موقف النظام المصري من «الإخوان المسلمون»
يمثل موقف النظام المصري من «الإخوان المسلمون» حالة متميزة في العالم العربي، فهو لا يعترف بالإخوان كحركة سياسية مرخصة للعمل، ولذلك فالنظام المصري لا يتعامل مع رموز الإخوان وقادتهم بصفتهم التنظيمية، بل يتعامل معهم كأفراد من الشعب المصري، يحق لهم العمل السياسي كغيرهم من أفراد الشعب، بالرغم من الاعتدال الذي تبديه الجماعة إزاء النظام وتفهمها للأوضاع الداخلية والخارجية وموقف النظام المصري منها، ولذلك فالعلاقة بينهما قائمة على أساس أنهم موجودون كأفراد لا يحق لهم عقد الاجتماعات التنظيمية، ولذلك قامت الحكومة المصرية باعتقال عدد من قادتهم في الآونة الأخيرة بتهمة عقد اجتماعات تنظيمية، وقد ازدادت الحملة الرسمية على الجماعة أخيرًا حيث تم اعتقال فوج آخر من قادتهم في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس المصري في أديس أبابا، والتي اتهم الحكومة السودانية بأنها وراء الحادث حيث يتهمهم النظام بأنهم يتعاونون مع النظام الإسلامي الحاكم في السودان، وقد عبر عدد من قادتهم عن استيائهم من هذا الموقف الذي يرونه نوعًا من الضربة الإجهاضية من قبل النظام لمنعهم من الاشتراك في انتخابات مجلس الشعب القادمة في نوفمبر، وقد صعد النظام الأمر معهم مؤخرًا حتى حول ٤٩ من قادتهم إلى المحاكم العسكرية.
الأردن... «الإخوان المسلمون»
تعتبر جماعة «الإخوان المسلمون» أول جماعة إسلامية منظمة تعمل على الساحة الأردنية، فمنذ أكثر من أربعين عامًا استطاعت الجماعة أن تفرض لنفسها وجودًا على الساحة السياسية في الأردن، وقد تراوحت العلاقة بين الجماعة والنظام بين الهدنة المؤقتة والصراع الخفي، فحتى أواسط الثمانينيات لم يكن بين الإخوان والنظام الأردني أي نوع من المواجهة المباشرة، حيث لم تكن الحركة تمثل تحديًا كبيرًا للنظام الذي سمح لها بحرية العمل الدعوي والسياسي، فشاركت في العمل السياسي منذ أوائل الخمسينيات، ولم يخل البرلمان الأردني منذ ذلك الوقت وحتى الآن من ممثلي الجماعة، ولكن النمو الكبير للحركة في الثمانينيات والذي ظهر عندما فاز اثنان من مرشحيها في الانتخابات التكميلية عام ١٩٨٤م. وبأرقام كبيرة لم يتوقعها النظام كان له أثر كبير على مراجعة النظام الأردني لسياساته مع الجماعة، ولذلك بدأت مرحلة جديدة من العلاقة تمثلت بإحالة عدد من الإخوان التربويين والمدرسين للتقاعد، كما اعتقلت أعدادًا منهم وأودعوا السجون بالإضافة إلى أن المخابرات قامت بدور كبير في منع الإخوان من الوصول للجماهير من خلال منعهم من التوظيف، والذي كان يتطلب الحصول على موافقتها. ولكن الأحداث المتتالية وإعلان النظام الأردني توجهاته الجديدة الخاصة بعملية الديمقراطية شجعت الإخوان على الظهور بقوة، ففي الانتخابات النيابية في عام ١٩٨٩م استطاعت الجماعة إيصال ۲۲ نائبًا عنها إلى البرلمان الأردني، وعدد كبير من المتعاطفين معها، وقد استطاعت الجماعة وعبر تحالفات مع القوى السياسية الأخرى في البرلمان إيصال أحد أعضائها إلى رئاسة البرلمان الأردني لثلاث مرات متتالية، ثم كانت التجربة الجديدة وهي الدخول في الوزارة، حيث حصل الإخوان على خمس وزارات، ولكن هذه الوزارة لم تدم طويلًا فانسحب الإخوان منها.
حرب الخليج الثانية والصلح مع «إسرائيل»
يمكن اعتبار هذه المرحلة من أخطر المراحل التي مرت فيها العلاقة بين النظام الأردني و«الإخوان المسلمون» فقد وقف الإخوان بشدة ضد توجهات النظام الأردني للصلح مع «إسرائيل» عقب عقد مؤتمر مدريد عام ۱۹۹۱م، واستطاع الإخوان وبعض القوى السياسية الأخرى إسقاط حكومة طاهر المصري، التي كانت قد بدأت عملية المفاوضات مع «إسرائيل». وفي الانتخابات الثانية في عهد الديمقراطية استطاع الإخوان وبعد تشكيل حزب خاص بهم هو حزب جبهة العمل الإسلامي أن يفوزوا رسميًا بعدد من المقاعد أقل من العدد السابق، حيث فاز الحزب بستة عشر مقعدًا نيابيًا، كما قل عدد مقاعد القوى السياسية الأخرى إسلامية وقومية، مما قلل من قدرة الإخوان على المناورة والحركة، ويعزو البعض هذا التراجع إلى حدوث تجاوزات في تلك الانتخابات، مما أدى إلى توتر العلاقة بين الإخوان والنظام.
أدى توقيع النظام الأردني لمعاهدة السلام مع «إسرائيل» في عام ١٩٩٤م، إلى توتر العلاقة بين الجانبين، فقد نشط الإخوان في حشد مؤيديهم لرفض هذه المعاهدة، ولكن البرلمان الأردني صادق عليها بالرغم من رفض ما يقرب من ٢٢ نائبًا للاتفاقية، ولما رأى الإخوان المعاهدة أمرًا واقعًا فقد نشطوا في التصدي لآثارها، حيث عقدوا الندوات، وسيروا المظاهرات وأصدروا البيانات التي تندد بعملية التطبيع، وقد كان من نتيجة تلك الحملة تشديد السلطات الأردنية على الإخوان، فمنعوا من تسيير المظاهرات وعقد الندوات، ومنع عدد من النواب من الخطابة في المساجد، كما عزل عدد من أعضائهم من وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم. هذه الأعمال لم تغير من أسلوب العمل لدى الإخوان لقناعتهم أن العمل السلمي والقائم على الأساليب الديمقراطية أجدى بكثير من اللجوء إلى العنف، حيث آثار العنف في مصر والجزائر ماثلة أمام أعينهم، وفي يوليو من هذا العام كان للإخوان جولة مع الحكومة، حيث شاركوا في الانتخابات البلدية، وقد استطاع الإخوان الحصول على رئاسة البلديات في ثلاث مدن رئيسية هي: إربد، ومأدبا، والكرك، كما نجح عدد من مؤازريهم ومؤيديهم في عمان العاصمة وبعض المدن الأخرى، وقد خسر الإخوان أهم مدينة بعد عمان هي مدينة الزرقاء والتي كانت مسرحًا لصراع بين الحكومة والإخوان، وقد ذكرت مصادر الإخوان أن النظام قد تدخل بشكل سافر لصالح مرشحين آخرين مخلًا بأصول اللعبة الديمقراطية التي قبلها الإخوان منذ أواخر الثمانينيات في حين أنكرت الحكومة هذه الاتهامات.
هذه التدخلات من النظام الأردني أدت إلى دعوة البعض للانسحاب من البرلمان الأردني، ولكن الغالبية رأت البقاء في هذا المنبر السياسي الهام الذي يعول الإخوان عليه كثيرًا لإيصال رأيهم في الشؤون الداخلية والخارجية بعد أن حرموا من الخطابة في المساجد، وعقد الندوات وتسيير المظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية.
من السابق لأوانه التكهن بنتائج التراجع الحاد الذي تشهده العملية الديمقراطية في كل من الأردن ومصر، فقد تمثل هذا التراجع بالاستمرار في اعتقال الإخوان في مصر دون محاكمة ولمدة طويلة، وكذلك ورد في تقارير هيئات حقوق الإنسان الدولية والمحلية أن الشرطة المصرية ومباحث أمن الدولة تستخدم أساليب غير مبررة لانتزاع الاعترافات من المتهمين، كما أن التدخل الذي أبدته الحكومة المصرية في النقابات المهنية، وإصدار القوانين التي تحد من حرية الصحافة جعل المراقبين يتساءلون عن طبيعة المرحلة المقبلة، فهل يعمد النظام المصري إلى الانقلاب على الهامش المتبقي من الديمقراطية من خلال المزيد من القوانين الجائرة بحق الأحزاب والنقابات المهنية، والاتحادات الطلابية لمنع الإسلاميين من الوصول إلى مراكز مؤثرة في المجتمع المصري؟
وهل سيكون بمقدور النظام المصري مواجهة التحديات الناتجة عن عملية التراجع هذه؟ وهل سيبقى الجميع من إخوان وغيرهم على هدوئهم الذي لم يمنع النظام من اتخاذ كل الإجراءات سالفة الذكر لمنعهم من ممارسة نشاطاتهم؟ ومن المستفيد الحقيقي من عملية التراجع هذه؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير يطرحها المراقبون للوضع المصري.
فالوضع الاقتصادي المتردي والاحتقان السياسي، وعمليات العنف المستمرة من قبل النظام والأجنحة المتشددة من الإسلاميين. هذه العوامل كلها لا بد أن تؤدي إلى المزيد من العنف، وقد تؤدي بالمعتدلين إلى التخلي عن اعتدالهم تحت ضغوط هذا الواقع الجديد، ولهذا يصبح من الضروري أن تعيد الحكومتان المصرية والأردنية النظر في هذه الإجراءات ضد الحركة الإسلامية والعملية الديمقراطية التي أخذت على عاتقها إنجاح الديمقراطية، والتمسك بالعمل الهادئ البعيد عن أسباب العنف الذي لا يخدم مصالح الطرفين.
[*] باحث بالمؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث. واشنطن.