; الحركة الإسلامية في السودان بين الدور والمنعطف «الحلقة الأولى» | مجلة المجتمع

العنوان الحركة الإسلامية في السودان بين الدور والمنعطف «الحلقة الأولى»

الكاتب محمد الغبشاوي

تاريخ النشر الثلاثاء 09-نوفمبر-1982

مشاهدات 5

نشر في العدد 594

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 09-نوفمبر-1982

الدكتور حسن الترابي: نجم ثورة أكتوبر ١٩٦٤

الرشيد الطاهر

الحركة الإسلامية في السودان

. آن الأوان للانتباه والاستماع للملاحظات عن توجهات الحركة الإسلامية

. دعوة الحركة للإسلام ألزمت الزعماء التقليديين بركوب موجته

. كانت ثورة مايو إفرازًا تلقائيًّا للعهد الديمقراطي المشوه

. الكفاءة والقدرة آخر المؤهلات في السياسة الحاكمة لعالمنا الإسلامي المعاصر

الإسلاميون عمومًا مصابون بحساسية زائدة تجاه كل كلمة أو ملاحظة تقال عنهم، لا سيما إن كانت عبر مدير عام وقد يكون الحق معهم إلى حد. فهم ما تعودوا أن يستمعوا إلا لأعدائهم، وهؤلاء– هداهم الله– إنما ينظرون إليهم في النهاية بمنظار نفوسهم التي تفيض بغضًا وكراهية، لذا كان يتطبع في أذهان الإسلاميين أن كل حديث عنهم هو بالضرورة للنيل منهم.

وقد آن الأوان لأن يعتاد الإسلاميون تقويم بعضهم لبعض ونصح بعضهم بعضًا، ولئن كانت ظروف المحن السابقة– والتي تعود الإسلاميون ألا تغيب شمسها عنهم أبدًا– قد شغلتهم عن تقييم المسار وسد الثغرات. والانتباه لأنواع الانحراف الظاهر والخفي، إلا أنه قد آن الأوان لتلافي ذلك كله كما آن الأوان أيضًا لإقلاع الإسلاميين عن العادة التي لا تناسبهم: الترفع عن الاستماع لنصح وملاحظات الآخرين، وألا ينسبوا ما لا يرضيهم للغرض والهوى ويكتفون بذلك فإن هذا منطق العاجز المستبد وهو نهج ماحق للفضائل ممهد للمزيد. من الرذائل.

وكفانا أن نردد من الذكر الحكيم ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾ (العصر:1-3)

وقد تطلعت الأنظار في الفترة الأخيرة إلى الحركة الإسلامية في السودان ورمقتها أنظار المسلمين في كل مكان وهم يخطون في ساحات معهودة وغير معهودة. ومن خلال بعض المشاهدات والاستماع الكثير من التعليقات وجد الإنسان نفسه ملزمًا بتركيز الضوء على مساحات غير مطروقة في الحديث عن تلك الحركة الرائدة.

وهناك داع آخر يؤكد أهمية ما نحن بصدده اليوم وهو أن بعض المجموعات ترى في الحركة الإسلامية في السودان مثالًا جديرًا بالاقتداء فضلًا عن التشجيع! فهؤلاء نود أن يتعرفوا على مجالات أخرى ربما لم يكونوا قد خبروها من قبل كما يجب وينبغي، ووقانا الله جميعًا شر فتنة القول ومواطن الزلل.

مسلمات وحقائق

ليس هناك من حاجة لإعادة الحديث المكرور عن انتشار الحركة في السودان وقوة تنظيمها واتساعه ومقدرته على الوجود في مواقع كثيره ما اعتاد الإسلاميون الامتداد نحوها إضافة إلى جماهيرية الحركة وتغلغلها في مختلف الأوساط وخاصة الأوساط الطالبية، وما إلى ذلك من الحقائق التي لا يستطيع أحد أن يقلل من وجودها وحجمها، ولعل معلومات القراء عن هذه النواحي تبلغ درجة يستغنون معها عن المزيد.

ولا يستطيع أحد أن يتحدث عن الحركة في السودان دون أن يتطرق لتجربتها الأخيرة ذلك أن العبرة دائمًا بحاضر الإنسان الذي يحمل في طياته مضامين الماضي وملامح التوجه المستقبلي وكل حديث عن الحركة يتغافل تحالفها الأخير مع النظام الحاكم هناك هو حديث مستور قد فقد القلب والدماغ معًا! ثم إن تجربة الحركة الأخيرة لهذه هي التي تبلور فكرها السياسي وصور تطبيقه العملية وقد اشتهرت الحركة بهذا الجانب أكثر ما اشتهرت لذا فإن مدار حديثنا سيكون مرتبطًا به إلى حد كبير.

شيء من التاريخ

إن الحركة قد ولدت في أحضان السياسة منذ ظهورها الأول لعالم الأحياء فهي قد بدأت صلاتها بالجمهور من هذا السبيل حينما كانت البلاد على عتبات الاستقلال ومغادرة الإنجليز لها «منتصف العقد السادس من هذا القرن الميلادي» وكانت وسيلتها في هذا– مع المجموعات الإسلامية الأخرى– الدعوة لما. أطلق عليه «الدستور الإسلامي»، وقد أشعلت تلك الدعوة الحماس الإسلامي واضطرت جمهور الزعماء التقليديين تجاراتها وركوب موجتها، وحقق السودان استقلاله وسارت الأمور كما تقتضي دورة التاريخ المعاصر لهذا العالم الإسلامي: أي توسعت البلاد

الخطى التي خلفتها الموجه الصليبية الحديثة المسماة بالاستعمار وحل الإنجليز «السمر»، مكان الإنجليز «الحمر»!! ثم سارت الأمور في مسارها التقليدي لبيادر العسكر بالقفز للسلطة في الفترة من ٥٨ – ١٩٦٤م وكممت كل الأفواه في تلك الفترة وما فقدت الحركة أكثر من نشاطها العلوي الظاهر دون حدوث ما يضرها بصورة مباشرة.

ولما كانت بعض وجوهها قد عرفت في الساحة السياسية السودانية «الرشيد الطاهر– صادق عبد الماجد وآخرون» فقد دعيت للمشاركة في المقاومة المناهضة للحكم العسكري ذلك الوقت وساهمت بما فتح الله به عليها «ومن أهمه عزل الشيوعيين عن صفوف المقاومة بعد تورطهم في التعاون مع النظام الحاكم حينها» وقد استطاعت فرض تلك العزلة حتى نهاية الشوط.

وتلك المساهمة في حركة المقاومة محمودة على كل حال خاصة إذا قيست بعمرها وحجمها كما وكانت متناسبة مع دورها المفهوم وأهدافها المرسومة فهي ثاني الطغيان في أبجديتها الأولى ومناهضتها له من القربات التي تمنحها أعلى مراتب الشهادة.

ثورة أكتوبر ودور الحركة فيها:

وجاءت ثورة أكتوبر ١٩٦٤م وسخر الله للحركة ظهورًا ضخمًا بالمشاركة والتخطيط والتنفيذ لتلك الثورة الشهيرة والتي كان لها نصيب الأسد في إشغالها. فالاتحاد الطالبي الذي خطط لندوة جامعة الخرطوم– والتي كانت سببًا في تفجير الثورة– كان منسوبًا للإخوان «رئاسة حافظ الشيخ ثم ربيع حسن أحمد» ونجم تلك الندوة الدكتور حسن الترابي– كان عميدًا لكلية القانون وقتها– وعلى الجملة لا يستطيع أحد أن ينكر دور الحركة في تلك الثورة مهما بالغ في الجمود.

والذي يهمنا في هذا المقام أن هذه المرحلة تشكل مفرق الطريق بالنسبة للحركة فهي التي ختمت عليها بالميسم السياسي في التوجه أو قل جعلته صبغة غالية لها وشاركت الحركة في الحكومة الانتقالية الأولى والثانية عبر ممثليها الرشيد الطاهر ثم الشهيد الدكتور محمد صالح عمر وأدت ما قدر الله لها أن تؤدي في ذلك الظرف.

تكوين جبهة الميثاق الإسلامي:

إن الحيز الذي احتلته الحركة يعيد ثورة أكتوبر وإرث المجد الذي أتاها عبر دورها المعلوم فيها. ونشوة النصر المتخلفة عن هذا كله لم تتح لها الفرصة للتملي والمراجعة وفوق هذا أظهرت ملابسات ذلك الظرف أن هذا الطريق سهل السلوك يسير التكاليف والحق أن الإنسان المعطش في بيداء مقفرة يصر على أن السراب ماء حتى يصله ثم يبدأ إصرارًا جديدًا وهكذا... وقد كانت الحركة تحتاج زمانًا حتى يتبين لها الصفر من الذهب، غير أن الصفر كان ذهبًا في ناظريها حتى ذلك التاريخ! مما أملى لها أن تواصل السعي فيما بدأت. قدمت لتجميع كل الفئات المتسمية بالإسلام فيما أطلق عليه جبهة «الميثاق الإسلامي» وسمى أمير الحركة– الدكتور حسن الترابي– أمينًا عامًا لها وسلكت الجبهة سبيل التعريف بالدستور الإسلامي من جديد، وتبنت الدعوة بضرورة التوجه الإسلامي وطاف قادتها كثيرًا من أنحاء السودان كما شاركت الحركة في البرلمان عبر عدد من المقاعد واحتلت جبهة المعارضة طوال ذلك العهد بتقلباته المختلفة إلى أن حل الظلام عليها وعلى غيرها بليل الخامس والعشرين من مايو ١٩٦٩م.

محاولة لتقييم هذه المرحلة

كما تبين فإن العمل السياسي قد استوعب الحركة. بدرجة كبيرة وأغرتها ظروف البيئة والاستجابة الشكلية الحماسية بالاستمرار في هذا الطريق دون أن يكون هناك مردود عملي حقيقي. وقد كان مجهود فلاحتها وبذرها وزرعها ثمارًا هنية يتناولها الزعماء السياسيون التقليديون في آخر اللحظات وخير ذلك أن هؤلاء الزعماء أدركوا قيمة الإسلام في وجدان الناس وقد كانوا أخبر بفنون اللعبة السياسية وأيضًا بالطبع الساذج الغالب على مواطنيهم عمومًا وأنبأتهم الخبرة والممارسة أن الأمر لا يكلفهم أكثر من الوعود الطنانة والشعارات المطاطة فكانوا يركبون موجة الإسلام والشريعة الإسلامية وقت الانتخابات ثم يكسبون الجولة بكل سهولة ضمن عوامل أخرى مثل استغلال العصبية القبلية والأساليب المادية وما إليه ثم يجعلون كل ذلك وراء ظهورهم!!

وحصيلة الحركة في هذه الفترة مزيج من الخيبة والنجاح وأكثر ما أفادته من حشدها للمجموعات الإسلامية المختلفة في صعيد واحد– ظاهريًّا– إن شقت السبيل لتعويد آذان الناس على الإسلام ومهدت لإعادة حفر مجراه في وجدانهم ثم إن قادتها قد أحاطوا بخبايا السياسة إن كان هذا مما ينسب للإيجاب.

وقد نزعم بل نعتقد أن حصيلة الحركة من هذه الفترة شيء ضئيل إذا نسب للمجهودات التي بذلت والطاقات التي سخرت والحمد لله على كل حال.

الحركة في وجه مايو

ثم أغرت ظروف العهد الديمقراطي جمعًا من عسكر «اليسار» و«الضباط الأحرار» بالسطو على السلطة ليلة ٢٥ مايو ١٩٦٩م. واقتادوا كل من كان في الساحة إلى السجون وقد كانت مايو– وبحق– إفرازًا تلقائيًّا لما كان يموج وبدأ فصل جديد لما يسدل الستار على مسرحيته بعد.

وقد كان قدر الحركة أن تقاوم وتعارض منذ أول يوم فالنظام قد كان نظامًا شيوعيًّا فما كان لها من خيار فضلًا عن طغيانه ودكتاتوريته وشاركت الحركة– بل تصدرت في بعض الأحيان– في كل أطوار المقاومة.

وقضى على الشيوعيين في يوليو ۱۹۷۱م وبدأ النظام انعطافه نحو اليمين قليلًا دون أن تتغير نزعاته وحقائقه وبلغت قمة المقاومة التي كان للحركة فيها نصيب يوليو ١٩٧٦م وختمت مرحلة أخرى في عمر الحركة ليبدأ طور المصالحة فالمشاركة في حديث يطول سرده ولا تفيد تفاصيله كثيرًا فيما نحسب.

تعريف ببنية الحركة والقيادة

إن قيادة الحركة تتكون أساسًا ممن يصطلح عليهم «بالمثقفين» أولئك الذين نالوا حظًا عاليًا من التعليم بالنسبة لبيئتهم ووسطهم وعدد من هؤلاء قد مارس العمل السياسي منذ عهد باكر في محيطه الطالبي.

والبنية الفكرية لهؤلاء مزيج من الثقافة الغربية– والتي لم تستطع أمة الإسلام في مجموعها تنقية ذاتها ومحيطها من شوائبها وترهاتها– وحظ من العلم الشرعي ولا ريب أن الملامح العامة للتكوين والتوجه قد تشكلت بمجموع هؤلاء فكان التوجه السياسي قدرًا للحركة ونتيجة تلقائية للمؤثرات التربوية والثقافية والنفسية والاجتماعية الأصيلة والمكتسبة كما كان هناك نصيب للخبرات الشخصية المشتركة للجيل الرائد وهي ذات علاقة وطيدة بالسياسة وأغلب أولئك القادة ممن تخرج في الجامعات خاصة كلية غردون التذكارية والتي سميت بعد الاستقلال جامعة الخرطوم دون تغيير يطالها في البنية والمضمون، وكان للنفر المتخرج من هذه الجامعة النصيب الأولى في القيادة.

وظل هذا التيار– مرفودًا بأفراد مشابهين في تكوينهم وخبراتهم وكلهم أوجلهم من القيادات الطالبية التي تأخذ طريقها تلقائيًّا إلى القيادة عبر تدرج

معلوم.

ثم أن أغلب أفراد المنتمين للحركة من الطلاب وهؤلاء يغلب عليهم المزاج السياسي ويظل هذا المزاج مؤثرًا فاعلًا في أعماقهم– فيما بعد ومصب كل ذلك هو الحركة والتنظيم.

فالمجرى الأول للحركة حفر في أرض السياسة والرافد المغذي أيضًا سياسي الطابع ومزاج القاعدة منسجم مع طبع القيادة الغالب عليها وإن أردنا الحق فإن كل الروافد التي تصب في الحركة يغلب عليها الطبع السياسي فتجمعات الحركة الأخرى من عمال وموظفين تساهم هذه الخلفية في تكوينهم كل المساهمة ولعل هذا يفسر لنا حالة «التضخم» التي تعيشها الحركة في هذا الجانب والذي نما ولا ريب على حساب الجوانب الأخرى!

ونود التنبيه هنا إلى أمرين أولاهما أننا نعني بالسياسة هذه الممارسات التقليدية السائدة في عالمنا الإسلامي ممثلة في الصور الحزبية وأساليبها والأمر الثاني: ألا يفهم من هذا السياق ذم السياسة على الإطلاق وإنما نذم هذا النوع السطحي المدمر ثم إننا لا نقصد التعرض للسياسة في ذاتها هنا وإنما تحفظاتها على المنهج الذي أعلى هذا المسار ولم تبذل مجهودات

جادة للتقويم والتصويب له حتى كادت الحركة تصير حزبًا سياسيًّا تقليديًّا في كثير من سماتها أو هي في طريقها لذلك ونسأل الله أن يوفقنا لوضع يدنا على أصول هذا الداء.

إشارات لا بد منها:

ليسمح القاري، باستجمامه هذا تلتقط فيها بعض الخيوط فيما يتصل بالحركة في السودان، فقد يزعم المرء أن الحركة هناك لم تستطيع أن تصفي ذاتها من شوائب الفكر الغربي الذي صبغ أغلب أبنائها والمنتمين إليها في مؤسساته التربوية منها على وجه الخصوص ، ولا ريب أن هؤلاء الأفراد قد انتصروا عليه من خلال المعتقد والتوجه– والذي صار إسلاميًّا– غير أن ذلك لا يعني الانفلات الكلي والنجاة الكاملة من أثره في تصوراتهم وبالتالي أفكارهم وممارساتهم وأعمالهم ولعل كثيرًا من الناس لا يعيرون هذه المسألة الانتباه اللازم ولكنها موطن الداء الأول للمتأمل والإسلام الكامل لله لابد أن يكون مختلًا طالما ظلت الحالة كذلك. ويظهر برهان ما نقول أكثر ما يظهر في اعتماد الحركة للوسائط والمؤسسات السياسية التقليدية مسلمة نفسها لأتون أن كتب لها النجاة من بعضه فليس ذلك بسنة دائمة في حقها!

وهذه التصورات وتلك الأفكار هي التي حكمت خطوات الحركة منذ ولوجها للمعترك السياسي إلى أن انتهى بها السبيل إلى المصالحة فالمشاركة والمخالفة النظام الحكم القائم في السودان الآن ولا تقلل من قيمة العوامل والملابسات الظرفية الأخرى والتي لا بد من تقديرها واعتبارها ولكن يظل التصور والمنهج هما الحكمان والفيصلان في كل الاختبارات التي عرضت للحركة أثناء مسارها في هذا الطريق.

إن قادة الحركة على وجه الخصوص يملكون مؤهلات عالية وقدرات تامة تؤهلهم لولوج باب السياسة. ولكن هذه المؤهلات وتلك القدرات «الفكرية والخلقية» لا تعني شيئًا في الفكر السياسي السائد والمطبق في عالمنا الإسلامي– وكلنا نحيط بظرفه وما فيه بل قد يكون نقيضها هو المؤهل المطلوب! كما يشهد واقع حالنا السائد الآن ولا حول ولا قوة الا بالله.

النهج السياسي السائد الآن

فالسياسة في عالمنا الإسلامي المعاصر لا تحكم قواعد سيرها هذه العناصر الإيجابية المعتبرة التي أشرنا لها آنفًا. وإنما تحكمها طبيعة عملية يغلب عليها طابع لا أخلاقي دائم في فكرها وممارساتها وهذه الطبيعة العملية ترتب أوراق اللعبة السياسية بصورة تجعل ذلك النوع من المؤهلات والقدرات آخر شيء في السلم. وقد تقتضي أصول اللعبة الاستعانة بهذا النفر المنوه به من قبل ولكن في شكل أدوات وطلاء خارجي للنظم والحكام!! والصورة المعاشة في عالمنا الإسلامي لا وجود لهذا النمط المنشود فيها وإن وجدوا أو مثلوا فإنما هم «تروس» في عجلة الضياع والفساد التي لا تفتأ تزهق روح هذا العالم الإسلامي المسكين. وأمر آخر لا بد من التنبيه إليه وهو أن «صناعة القرار» صارت مستوردة بل لعل تاريخ الاستيراد ١٠٠ عندنا بهذا!! وعلى كل ليست هذه الصناعة بالمحلية وهي– إذا استعرنا مصطلحات الاقتصاد– صناعة تجميعية والأيدي المحلية وظيفتها أن تتناولها وتتداولها وتسوقها بشيء من المراعاة للشروط المحلية اللازمة لاتفاق السلعة!

وليس ذلك تمويهًا ولكنه سرد لواقع معاش وأظن أن مسار الأحداث الأخير فيما يتصل بتفريق الفلسطينيين في الآفاق وتصفية وجودهم كنتائج للغزو اليهودي الأخير وما إليه. كل ذلك وشواهد أخرى كثيرة تؤكد هذا المقال وعليه فإن الحركة الإسلامية في السودان بخطواتها في المشاركة والمخالفة للنظام الحاكم قد خطت في عالم لا تحكمه أصولها ولا قواعدها وإنما هو مجال ذو معالم مختلفة تمامًا.

وسرت فيك غريبًا ضل سامره
 
 دارًا وشوقًا وأحبابًا وإخوانا
 

 وهو عالم تسوده قوانينه الخاصة به، ولا بد أن يحكمها ما يحكمه ولعل التجربة التطبيقية قد طردت الظن إلى غير عودة!

الحلقة القادمة بين الزاد والحصيلة

الرابط المختصر :