العنوان الحركة الإسلامية في الصحافة الغربية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-1979
مشاهدات 18
نشر في العدد 434
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 27-فبراير-1979
- القرن الخامس عشر الهجري قرن البعث الإسلامي الشامل
قال صاحبي: أحسب أننا على موعد اليوم لمتابعة الاطلاع على ما تكتبه الصحافة الغربية عن الحركة الإسلامية؟
قلت: أجل.. وما الصحيفة التي نريد اليوم قراءة ما كتبته والتعليق عليه؟
قال: صحيفة – الواشنطن بوست – التي كتبت عن المد الإسلامي في مصر.
قلت: تفضل واقرأ ما كتبته الصحيفة.
فتح صاحبي الصحيفة على المقالة، وبدأ يقرأ:
«لأول مرة منذ عدة سنوات، ظهر عدد من الفتيات في القاهرة وهن يرتدين الحجاب التقليدي، وظهر عدد كبير من الفتيات يرتدين ملابس طويلة محتشمة تخفي الجسم بأكمله باستثناء الوجه واليدين، وفي الأكشاك في العديد من المدن تباع أشرطة وتسجيلات عبد الحميد الكشك بهدوء.
وفي الأعياد الإسلامية الرسمية يتوجه الآلاف إلى الصلاة في الجوامع بإشراف الإخوان المسلمين؛ الذين مُنعوا من ممارسة نشاطهم ذات يوم، وهم يمارسونه الآن علانية، وبتنظيم كبير، إلى درجة أن منشوراتهم باتت تظهر على باصات المواصلات في القاهرة، ومجلاتهم موجودة في كل كشك لبيع الجرائد.
هذه هي السمات الظاهرة للبعث الإسلامي؛ الذي يعتبر من أقوى الاتجاهات حاليًا، في المجتمع المصري وكان هذا الاتجاه يمارس في السر خلال السنوات الثلاث الماضية، أما الآن فإنه اكتسب زخمًا، وخاصةً في الجامعات.
والعديد من المصريين الذين يربو عددهم عن أربعين مليونًا، والذين شعروا بالإحباط بسبب عدم وجود فرص سياسية واقتصادية لهم، بدأوا يبحثون عن التعويض الروحي أو عن مخرج لطاقاتهم، وقد وجدوا ذلك في التمسك بالقيم الإسلامية، والقيم الإسلامية تجاوزت الآن الفلاح أو العامل المصري العادي، وأثرت في النشاطات الاجتماعية والسياسية، وهنالك اتجاهات مماثلة، تجتاح الدول الإسلامية من ماليزيا إلى شمال أفريقيا، وبدرجات متفاوتة.
ففي إيران، تمكنت الثورة التي أشعلها – رجال الدين – من اقتلاع الشاه من الجذور، ولكن البعث الإسلامي في مصر يختلف في أسبابه وطبيعته، فالإخوان المسلمون في الجامعات المصرية بتعديلات إدارية تعكس إيمانهم كفصل الطالبات عن الطلاب مثلًا في الكافتيريات، وفي انتخابات الطلبة الأخيرة حقق الإخوان المسلمون نجاحًا ساحقًا.
توقف صاحبي عن القراءة، ونظر إلي وقال: هل تحب أن تعلق على شيء من هذا الكلام أم أواصل قراءتي؟
قلت: أريد الإشارة فقط إلى قول الصحيفة بأن سبب المد الإسلامي في مصر هو الإحباط لعدم وجود فرص سياسية واقتصادية، وأن انعطاف الشعب إلى الإسلام وتمسكه به هو تعويض روحي، وواضح بطلان ما زعمته الصحيفة، فحركة الإخوان التي تشير إليها الصحيفة انتشرت في مصر في الثلاثينيات والأربعينيات في العهد الملكي، كما انتشرت في الخمسينيات والستينيات في عهد حكم عبد الناصر، وهي تنتشر الآن أيضًا في السبعينيات على الرغم من اختلاف نظم الحياة الاقتصادية والسياسية في العهود الثلاثة.
وتابع صاحبي قراءة ما كتبته – الواشنطن بوست –:
«وقد دعا صوفي أبو طالب رئيس مجلس الأمة المصري الجديد ممثلًا عن الأزهر لمناقشة تكييف القانون المصري مع التعاليم القرآنية، على الرغم من أن هذا الاقتراح يواجه معارضة شديدة من قبل أعضاء البرلمان ورجال القانون.
وليس هناك مواز مصري لرجال الدين الإيرانيين الذين أسقطوا الشاه، فكبار رجال الدين في مصر تعينهم الحكومة، وهم يشعرون بالتزام تجاهها، ويدعمونها، وغالبًا ما يتعرضون هم أنفسهم إلى النقد.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين والمثقفين والصحافيين يجدون في أنفسهم استجابة للاتجاه الإسلامي الجديد، فإنهم يظهرون ضيقهم باتباعه، وقد قال أحد المسؤولين الحكوميين:
- هؤلاء يهلوسون فقط.
وروى قصة روتها له زوجته، وهي دكتورة في الجامعة عن طالبة طب جاءت إلى الامتحان الشفهي وهي محجبة فسألها البروفيسور:
- كيف يفحص الدكتور مريضة عندما يكون وجهها محجبًا؟
فقالت له الطالبة:
إن الحجاب حق ديني لي. فقال البروفيسور:
- ومن حقي الديني أيضًا أن أحرمك من الامتحان.. وفاز البروفيسور في النهاية...
وقال أحد المؤرخين لصحافي أجنبي:
- لماذا تسأل عن الشيخ كشك، إنه متطرف ولا أحد يأبه له...
وهذه هي النظرة التي ينظر بها سكان المدن وحتى المخلصين للتعاليم الإسلامية، إلى المتدين، فهم يرون أنهم متطرفون، أو خطرون.. أو الاثنان معًا، ولكن ليس هذا هو رأي اتباع حركة الإخوان المسلمين. يقول عمر التلمساني رئيس تحرير – الدعوة – التي يصدرها الإخوان المسلمون:
- لسنا متطرفين، وإنما أتقياء.
والتلمساني أمضى 17 سنة في السجن على عهد عبد الناصر؛ بسبب انتمائه إلى الإخوان المسلمين، الذين حاولوا اغتيال عبد الناصر مرتين، وقال التلمساني في مقابلة أجريت معه: «الإسلام نظام متكامل ينظم كافة أوجه الحياة الإنسانية، والمسلم تجد في تعاليم دينه ما ينير له الطريق سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وحتى عائليًا، والمسلم لا يصح دينه إذا اعتنق بعض مبادئ الإسلام ورفض الباقي».
قلت: لا شك أن غمزات الصحيفة لم تفتك، وهذه الغمزات واضحة في عبارات الصحيفة: «هذا الاقتراح – تطبيق الشريعة – يواجه معارضة شديدة من قبل أعضاء البرلمان ورجال القانون». وغمزها من العلماء المصريين: «تعينهم الحكومة وهم يشعرون بالتزام تجاهها».
ونقلها قول مسؤول: «هؤلاء يهلوسون فقط». وقصة مدرس الجامعة مع الطالبة، ووصف الشيخ كشك بأنه متطرف لا يأبه له أحد. وادعاؤه – دون مناسبة – محاولة الإخوان المسلمين اغتيال عبد الناصر مرتين.
قلت: وماذا تقول الصحيفة أيضًا؟
وقرأ صاحبي:
وقد انتقدت صحيفة الدعوة في أعدادها الأخيرة اتفاقيات كامب دايفيد والفساد في أجهزة الدولة، وشاه إيران، في نفس الوقت الذي كان السادات يعلن تأييده له، كما انتقدت فشل القضاة المصريين في عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن التلمساني ينفي أن يكون الإخوان المسلمون مناهضين لحكومة السادات.
والإسلام هو دين الدولة في مصر، ولكن الفرد المصري حر في التمسك بالدين أو عدم التمسك به، والمشروبات الروحية ولحم الخنزير يباعان في كل مكان، والرجل يعمل بجانب المرأة، والمحلات التجارية والمكاتب الحكومية تظل مفتوحة بعد الأذان للصلاة، والقانون المصري مستقل عن التعاليم الإسلامية.
ولا يسمح لأي حزب سياسي يستند إلي أسس دينية بالعمل، وقد وعد السادات الأقلية المسيحية بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، ومعظم سلطات المؤسسات الإسلامية الكبيرة، مثل الأزهر الشريف، فرضت عليها سيطرة الدولة، ومع ذلك فإن الإسلام بقي قوة كبيرة داخل مصر لا تستطيع أية حكومة أن تتجاهلها، وضغط المتطرفين بدا واضحًا في الحملة الحالية ضد الفساد.
والرئيس السادات يصلي في بعض الأحيان في الأمكنة العامة، مظهرًا تقواه، ويتحدث عن النوازع الدينية في خطبه السياسية... وتقول مصادر مطلعة: إن السادات عقد صفقة مع زعماء المؤسسات الإسلامية، مثل الأزهر الشريف، يتساهل السادات بموجبها إزاء الانتقادات التي توجهها هذه المؤسسات لبعض نواحي سياسته مثل تحديد النسل مثلًا، في مقابل عدم ضربه سياسيًا كما فعل رجال الدين للشاه، وهذه الصفقة تتضح عندما يتخذ فرد أو جماعة إسلامية مواقف متطرفة، فقد كان للشيخ شعراوي برنامجٌ تلفزيونيٌّ ناجحٌ؛ كون له شهرة إلى درجة أنه أصبح على وشك أن يصير له أتباع، فعينه السادات وزيرًا للشؤون الدينية لكي يبعده عن الطريق.
وعندما ظهرت جماعة متطرفة هي جماعة التكفير والهجرة عام 1977م بعد خطف وقتل وزير سابق هو الشيخ الذهبي، لم تهدر الحكومة وقتًا في دراسة مدى صدق مشاعر الأعضاء الدينية، وتجاهل السادات ادعاءات هؤلاء بأن المجتمع فاسد، وأمر بتقديمهم للمحاكمة العسكرية وأعدم زعماؤهم، وعلى كل حال فإن تصرفات هذه الجماعة قوبلت بالسخط من كافة الأوساط المصرية، والبعض يشير إلى حادث جماعة التكفير والهجرة ليخلص إلى نتيجة أن البعث الإسلامي الجديد في مصر سيكون له تأثير طفيف على مجريات الأمور في البلاد».
طوى صاحبي الصحيفة وقال: انتهى ما كتبته صحيفة الواشنطن بوست.. فهل يحتاج كلامها الأخير إلى تعليق؟
قلت: آخر عبارة للصحيفة واضحة في أنها تريد التقليل من شأن البعث الإسلامي الجديد في مصر، بوصف تأثيره بأنه طفيف على مجريات الأمور في البلاد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023