العنوان الحزب الديمقراطي الناصري.. هل هو صفقة سياسية؟!
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992
مشاهدات 103
نشر في العدد 1001
نشر في الصفحة 24
الأحد 17-مايو-1992
أصدرت
محكمة «الأحزاب السياسية» أخيرًا قرارها بأحقية «الحزب الديمقراطي الناصري» في
الحصول على ترخيص لمزاولة العمل السياسي والحزبي وبالتالي افتتاح المقرات وإنشاء
الصحف وتكوين إطار تنظيمي على مستوى البلاد، وخوض الانتخابات... إلخ، وهي المرة
الأولى التي يتاح فيها لمن يطلقون على أنفسهم «ناصريين»- أي نسبة إلى جمال عبدالناصر-
تكوين إطار تنظيمي قانوني منذ أكثر من عشرين عامًا ليزداد بظهور هذا الحزب الجديد
عدد الأحزاب الهامشية حزبًا جديدًا، بينما تخلو الخريطة السياسية من القوى
الحقيقية المؤثرة في الشارع المصري وهي الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي العام،
فالحزب الديمقراطي الناصري الذي يتزعمه حاليًّا ضياء الدين داود عضو البرلمان
الحالي وأحد رجالات عبدالناصر هو الحزب الرسمي رقم عشرة بعد أحزاب تسعة وهي: (الوطني
الديمقراطي- الوفد الجديد- العمل- الأحرار- التجمع الوطني الوحدوي- الأمة-
الاتحادي الديمقراطي- الخضر ومصر الفتاة) والنسبة الكبرى من هذه الأحزاب يطلق
عليها أحزاب الهامش، فليس لها كيان شعبي مؤثر أو دور سياسي ملموس، ويبلغ عدد
المنتمين إليها بضع عشرات أو على الأكثر بضع مئات، ولا يكاد المراقب السياسي يعرف
من قيادات كل حزب من هذه الأحزاب إلا رئيسه فقط! بل إن بعض هذه الأحزاب دخل في
دوامات الصراع على «زعامة» الحزب، وتدخلت الشرطة في أكثر من مرة لمساعدة فريق ضد
آخر.. وهذا يفسر سبب إحجام أفراد الشعب عن الدخول في بنائها السياسي والانتظام في
هيئاتها العاملة، بالإضافة إلى ضعف الطرح السياسي العام، وعدم قدرتها على تبني
المواقف السياسية التي تحتاج إليها الجماهير.
حالة «اللامنطق»
البعض
ينظر إلى أن ظهور أحزاب جديدة على هذا النمط، هو استمرار لحالة «اللامنطق» التي
تعيش فيها الخريطة السياسية والحزبية في مصر، فمن غير المعقول- حسب رأي هذا
الفريق- أن تحرم هيئة شعبية كبرى لها تأثيرها الذي لا ينكره أحد، من حقها في أن
يكون لها منبرها السياسي المعترف به، وهي حركة الإخوان المسلمين، بينما توجد أحزاب
هامشية «غائبة» عن الساحة الشعبية، بلغت عشرة مؤخرًا.
إن مصر
في حاجة إلى الأحزاب «المليونية» التي ينضم إليها مليون مواطن أو أكثر، فمن غير
المنطقي- بعد أن تجاوز تعداد مصر 57 مليون نسمة- أن تعطي الدولة تراخيص لأحزاب
سياسية هي تعلم سلفًا افتقادها لتأييد الجماهير، فتكون أشبه «بالديكور» الديمقراطي!
البعض
الآخر يرى أن إنشاء أحزاب جديدة هو محاولة للخروج من حالة «الملل السياسي» التي
تعيش فيها الحياة الحزبية حاليًّا، ولعل حزبًا من هذه الأحزاب ينجح في شق طريقه في
أوساط الجماهير فيدفع الحياة السياسية إلى الحركة والنبض الحي وفي كل الأحوال فإن
وجود عشرة أحزاب أفضل من انفراد الساحة لحزب واحد وصوت واحد ورأي واحد مثلما في
عهد جمال عبدالناصر الذي اتسم- كما يعرف الجميع- بحالة التسلط والديكتاتورية
والسجون والمعتقلات والتعذيب... إلخ.
على كل
الأحوال فقد أثار الترخيص للحزب الناصري الجديد- صحيح أن الترخيص صدر من محكمة
الأحزاب ولكنه تم بالطبع برضا الحكومة- أثار موجة من التساؤلات عن السر في ذلك،
وأبدى البعض رأيًا مؤداه أن الحكومة تريد إفساح المجال أمام التيار الناصري- وهم
مجموعة المستفيدين من حكم عبدالناصر- لمواجهة التيار الإسلامي الذي يتغلغل في
مختلف قطاعات الجماهير بصورة كبيرة ومستمرة، في محاولة لإيقاف أو «عرقلة» هذا
الانتشار قدر الإمكان، على اعتبار أن كثيرين من المستفيدين من حكم عبدالناصر مازالوا
إلى الآن يسيطرون على وسائل الإعلام والمنافذ الإعلامية للدولة، وأيضًا يسمح لهم
بما لا يسمح لغيرهم من الانتشار والتغلغل في المواقع المؤثرة.
|
* يشير بعض المراقبين
إلى أن السماح للحزب الناصري هدفه تفتيت الأحزاب الأخرى. |
تصدع الأحزاب القائمة
يضيف
أصحاب هذا الرأي أن الحكومة تريد مزيدًا من التصدع في الأحزاب القائمة التي تضم
بين صفوفها مجموعة المستفيدين هذه مثل أحزاب التجمع الوحدوي والعمل ومصر الفتاة
والاتحاد الديمقراطي، فقيام حزب ناصري هو دعوة لكل هؤلاء بالانضمام تحت رايته،
وبالتالي ترك أماكنهم في هذه الأحزاب، بما يعني مزيدًا من الخلخلة والخلافات داخل
هذه الأحزاب.
رأي آخر
لا نميل إليه يفسر السماح بإنشاء حزب خاص «للناصريين» بأنه محاولة من الحكومة
لمعرفة حجم هؤلاء على وجه الدقة والتفكير في مواجهتهم، فالمعروف أن ضياء الدين
داود رئيس الحزب الجديد ليس هو الوحيد الذي يمثل في نظر مجموعة المستفيدين من حكم
عبدالناصر- التيار الناصري، فهناك جناح فريد عبدالكريم الذي تقدم هو الآخر بطلب
حزب سياسي، بل هو الأكثر شهرة بين الناصريين، باعتباره يمثل الحزب الاشتراكي
العربي الناصري- تحت التأسيس، ويحضر في مؤتمرات الأحزاب السياسية بهذه الصفة،
وهناك أيضًا فصيل كمال أحمد، وفصيل أحمد ناصر، ومجموعة حمدين صباحي، بالإضافة إلى
الجناح المنشق عن حزب العمل، أحمد مجاهد، عادل والي.. بالإضافة أيضًا إلى مجموعة
الناصريين في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي!
وكل هذه
مجموعات يلتف حولها أفراد استفادوا بشكل أو بآخر من الحقبة الناصرية.. فهل ينجح
الحزب «الديمقراطي الناصري» في جمع هذا الشتات؟ أم هي فرصة لمزيد من التمزق
والاتهامات والتناقضات؟ هذا متروك للمستقبل.
الأمر
اللافت للنظر، والذي أثار دهشة الكثيرين، هو تسمية الحزب بالديمقراطي الناصري، إذ
كيف يجتمع النقيضان؟! فالمعروف أن الحكم طوال عهد عبدالناصر كان يرفع شعارات طنانة
رنانة عن الديمقراطية بينما كان يمارس أبشع أساليب الدكتاتورية والقهر، إلى الدرجة
التي ألقى فيها القبض على أكثر من 17 ألف مواطن ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين
في ليلة واحدة.. وصدر هذا الأمر أثناء زيارة عبدالناصر إلى موسكو، بل إن الرئيس
كان يتباهى بذلك في أحاديثه وخطبه! المعروف أيضًا أن السجون والمعتقلات شهدت أزهى
فتراتها أيام الحقبة الناصرية، وبلغ التعذيب حدًّا فاق ما كان يحدث في محاكم
التفتيش، وكُتُب الإخوان المسلمين الذين تعرضوا لمثل هذا التعذيب أكثر من أن
تحصى.. أيضًا سياسة مصر الداخلية في تلك الفترة كممت الأفواه وعطلت الإبداع وتسلطت
على كل صاحب رأي حتى أبلغ الوالد عن ابنه، وأبلغ الشقيق عن شقيقه.
ولم يكن
الحال على المستوى الخارجي بأفضل منه داخليًّا، فقد أتيحت الفرصة للمغامرات
السياسية والعسكرية وأنفقت الأموال الباهظة، التي حولت مصر من دولة دائنة
لبريطانيا إلى دولة مدينة لعديد من الدول الغنية، ناهيك عن التفكك العربي والهجوم
الشخصي على الأنظمة والحكومات، حتى وصلت الأمة العربية إلى حالة من التشرذم
والضياع لم تشهدها من قبل.
هذا
وغيره الكثير والكثير، فهل «يبشرنا» الحزب الديمقراطي الناصري بعودة مثل هذه
السياسات والتصرفات؟ أم أنه أدرك أخطاء الماضي عن قناعة وإخلاص ويسعى إلى خدمة
الوطن بسياسات نابعة منه وليس مفروضة من الخارج؟!
وهل
سينجح في انتزاع مساحة مناسبة في الخريطة السياسية؟ أم يظل حزبًا من أحزاب
«الديكور» الديمقراطي؟!