العنوان الحكمة اليمانية حسمت النزاع حول جزر البحر الأحمر
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-نوفمبر-1976
مشاهدات 15
نشر في العدد 323
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 02-نوفمبر-1976
قدّم الإريتريون 8 مجلدات من الأوراق لكنهم لم يقدموا خريطة واحدة تاريخية أو حديثة تُرجح دعواهم في السيادة على الجُزر
اقتربت مشكلة النزاع بين اليمن وإريتريا على أرخبيل «حنيش» من نهاية سلمية.. أو هكذا -على الأقل- ما يوحيه قرار التحكيم الدولي الذي صدر في لندن في 11 من أكتوبر لصالح تثبيت السيادة اليمنية على مجموعة كبيرة من الجُزر، وفي مقدمتها جُزر «حنيش» الكبرى، وحنيش الصغرى وزقر.. وأعلنت الحكومة الإريترية عزمها الامتثال للحكم والانسحاب من «حنيش الكبرى» التي كان احتلالها في نهاية ١٩٩٥م بداية النزاع.
ولاشك في أن صدور الحكم النهائي لصالح اليمن جنب الحكومة اليمنية مأزقًا سياسيًا صعبًا، كما أنه أزاح عنها الاتهامات المبطنة التي كانت قوى معارضة توجهها إليها بالتسبب في ضياع الجزيرة وترك الفرصة لإريتريا للسيطرة عليها، رغم أن ملامح تلك التطورات العسكرية كانت قد لاحت بوضوح حينها، وأضاف سوء الظن الشعبي المعهود في هذه الحالات العديد من توابل الإشاعات والاتهامات على خلفية الطريقة السهلة التي تم بها احتلال الجزيرة من قبل دولة ناشئة كانت اليمن تقدم إليها المساعدات للوقوف على أقدامها عند نيّلها الاستقلال عن إثيوبيا.
ولم يعد سرًا أن خلافًا ثار داخل مجلس الوزراء اليمني عند اندلاع الأزمة وطرح خيار اللجوء إلى التحكيم الدولي، حيث أعلن الإسلاميون المشاركون في الائتلاف الحاكم حينها معارضتهم لخيار التحكيم لأنه يجعل السيادة اليمنية محل شك وعُرضة للانتقاص.
هاجس المؤامرة
لكن الواقع السياسي: إقليميًا ودوليًا جعل مسألة اللجوء للتحكيم حينها أمرًا يكاد يكون إجباريًا، رغم كل التخوفات التي أبداها المعارضون وبخاصة أن هاجس المؤامرة طغى على الأذهان بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط إريتريا والكيان الصهيوني الذي ينظر إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر باعتباره ركنًا أساسيًا في نظرية الأمن الإسرائيلي.
والحقيقة أن موافقة اليمن حينها على اللجوء إلى التحكيم لم يكن قرارًا شعبيًا، واستغلته المعارضة استغلالًا واسعًا للنَيِل من سمعة الائتلاف الحاكم، كما أن المعارضين للتحكيم داخل الائتلاف لم يخففوا من موقفهم إلا بعد تعهد د. الإرياني- وزير الخارجية حينها- بعودة الجُزر إلى السيادة اليمنية عن طريق التحكيم، ولا شك في أن الإرياني غامر بسمعته السياسية والحزبية بذلك التعهد، كما أنه جعل من القضية إحدى اهتماماته الرئيسة وتولى رئاسة لجنة وطنية خاصة بهذه القضية ضمت عددًا من أشهر رجال القانون الدولي «اليمنيين والعرب» فيما كان بعض الآراء يحمل د. الأرياني مسؤولية التقصير السياسي الذي أدى إلى استرخاء اليمنيين رغم الإنذارات الإريترية وظهور بوادر عن عزم الإريتريين الإقدام على عمل ما في الجزيرة.. إذ كان الإرياني في زيارة «أسمرا» قبل أيام من إحتلال الجزيرة. ولذلك فلم يكن غريبًا أن تنسب إحدى الصحف اليمنية إلى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قوله إن تثبيت السيادة اليمنية يُعد نصرًا شخصيًا للدكتور الإرياني.
معركة المفاوضات والوثائق: دخل اليمنيون والإريتريون معركة التحكيم الدولي وسط أجواء سياسية رسمية هادئة وحريصة على عدم الاستفزاز، لكن اليمنيين بدوا أكثر ثقة بسلامة موقفهم وصحة مطالبهم، وبالطبع فقد سبق هذه المرحلة فترات من التوتر والتحرش في منطقة النزاع، وتولى الفرنسيون القيام بدور الوسيط ومراقبة المنطقة للتأكد من عدم استحداث أي تغييرات في مواقع القوات المتواجهة.. وتغلب الوسطاء الدوليون على بعض العقبات التي فرض منطق الأمر الواقع سكوت الطرف المتضرر عنها.. مثل توسيع الإريتريين لمنطقة النزاع لتشمل عددًا كبيرًا من الجُزر.. فيما كان اليمنيون حريصين على تحديد النزاع بجزيرة حنيش الكبرى فقط.. ورفض الإريتريون الانسحاب من الجزيرة حسبما طلب وظلوا يحتلون الجزيرة واتسعت منطقة النزاع لتشمل جُزرًا كثيرة.
ومع أن القبول ببقاء القوات المحتلة في حنيش سَبَّب للحكومة اليمنية حرجًا سياسيًا، إلا أن إصرار الطرف الآخر على توسيع منطقة النزاع دفع اليمن إلى اتباع الأسلوب نفسه وتوسيع مطالب اليمن إلى جُزر إريترية وهي التي قضى الحكم مؤخرًا بسيادة إريتريا عليها.
وطوال فترة التقاضي وتقديم دعوى كل طرف ظلت تفاصيل الوثائق والحجج بعيدة عن الأضواء الإعلامية، لكن صدور الحكم النهائي كشف عن بعض هذه الوثائق -فقد تضمن ما يخص الجانب الإريتري ثمانية مجلدات للدعوى والملاحق، لكن الإريتريين لم يقدموا -وفق مصادر خبراء اليمن- أي خريطة تاريخية أو حديثة تؤكد دعواهم في السيادة على الجُزر.
أما اليمن فقد قدّم -كذلك- ثمانية مجلدات وأطلسا يضم ٨٠ خريطة متنوعة المصادر تؤكد يمنية الجُزر وتابعيتها لليمن طوال العهود الماضية، منها خرائط قديمة تعود للقرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين وخرائط العثمانيين وانتهاء بخرائط الحرب العالمية الثانية ووزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية.
واستند الإريتريون -أساسًا- إلى أن الإيطاليين كانت لهم سيادة على الجُزر أثناء تواجدهم في المنطقة، ثم ـتنقلت هذه السياسة إلى الإثيوبيين المستعمرين لإريتريا، وبالتالي فقد ورثها الإريتريون عنهم بعد حصولهم على الاستقلال.
وثائق يمنية
أما الوثائق اليمنية فقد اشتملت على وثائق العهد العثماني في اليمن، حيث كانت الجُزر تتبع سنجق الحديدة -الميناء اليمني الشهير- كما قدم اليمنيون وثائق عن تقديم مجلس الشورى العثماني مبالغ مالية للحاميات العسكرية العثمانية في جُزر «زقر» و«حنيش» للدفاع عن الموانئ العثمانية «اليمنية».
كما استند اليمنيون إلى الوثائق البريطانية التي كانت تعد الجُزر تابعة للساحل الغربي «اليمني» وهناك وثائق إيطالية -من بينها رسالة من موسوليني للإمام يحيى عام ۱۹۳۸م - تؤكد أن إيطاليا ليس لها سيادة على جُزر حنيش الكبرى أو حنيش الصغرى «زقر» كما لا يوجد سياسة للإنجليز على جزيرة «كمران» المهمة.
في انتظار الحكم: لم تخلُ الفترة ما بين انتهاء التقاضي وصدور الحكم من منقصات سياسية، ولاسيما على المستوى الداخلي اليمني، فقد عكست أجواء ضعف الثقة بين السُلطة والمعارضة نفسها على مشكلة النزاع، حيث ظل كل طرف يؤكد موقفه: السُلطة تعرب عن ثقتها باستعادة سيادتها على الجُزر.. والمعارضة من جهة أخرى ظلت تبدي مخاوف وشكوكًا مستمرة من احتمال إعلان حكم ينتقص من سيادة اليمن على الجُزر أو يجردها من بعض حقوقها في جزء منها، بالإضافة إلى تردد اقتراح الإشراف المشترك على الجزر أو حتى، إلزام اليمن بسياسات معينة في المنطقة مقابل إعادة الجُزر إليها.
تلك الاتهامات والتكهنات ظلت تتردد علانية وسرًا طوال فترة الانتظار.. إلى أن انعقدت ندوة حول العلاقات اليمنية - الإريترية بدعم من السفارة الإريترية تبنتها جمعية مجهولة للصداقة اليمنية - الإريترية يتزعمها مجموعة من الاشتراكيين، وبرعاية مباشرة من أحد المراكز السياسية التي كانت تحظى بدعم قوي من بعض المسؤولين في الحزب الحاكم ووزارة الخارجية اليمنية.
أثارت الندوة سخطًا سياسيًا وانتقادًا إعلاميًا بعد أن أتضح أن محورها الدعوة إلى تبني علاقات خاصة جدًا بين اليمن وإريتريا تتجاوز الخلاف حول الجُزر وتجعلها منطقة مشتركة للتعاون الاقتصادي، وشنت الصحافة -ولاسيما الإسلامية- هجومًا قويًا على الندوة التي فشلت في استكمال فعالياتها بعد انسحاب كثيرين ممن دعوا للمشاركة فيها، وتبرؤ بعض الشخصيات التي تورطت في المشاركة في تنظيم الندوة دون علمها بخفايا الأمور، لكن تلك الندوة اعتبرت نوعًا من جس النبض تجاه حل مشبوه لقضية النزاع يجذب اليمن للانخراط في تجمع اقتصادي وسياسي خاص بالقرن الإفريقي والمحيط الهندي بعيدًا عن الدائرتين العربية والإسلامية.
تلك الإرهاصات جميعًا رسخت -إلى حد ما- في الأوساط السياسية والشعبية أن ثمة ما يتم طبخه خلف كواليس هيئة التحكيم وبتخطيط القوى الدولية المتنفذة صاحبة المصالح في ألا تكون منطقة جنوب البحر الأحمر الاستراتيجية تحت سيطرة جهة عربية تحكم قبضتها على أحد المعابر الاستراتيجية للتجارة العالمية وبخاصة البترول القادم من الخليج بالإضافة إلى حساسية المنطقة بالنسبة لإسرائيل.
وقد أسهم تأجيل النطق بالحكم عدة مرات في زيادة تلك المخاوف إلى قبيل يوم النطق بالحكم.
ما بعد الحكم
حتى الآن يبدو الحكم صريحًا وواضحًا في إثبات السيادة اليمنية الكاملة على الجُزر.. وأدى الموقف الإريتري القابل بالقرار إلى إجهاض هاجس كان سيفرض نفسه دون شك حول مدى قبول الإريتريين بتنفيذ الحكم الصادر ضدهم دون أي تسويف أو مماطلة.. إذ يرجح أن يتم هؤلاء انسحابهم قبل مدة التسعين يومًا التي حددها الحكم لإعادة الجزيرة إلى السيادة اليمنية.. لكن بالتأكيد تظل هناك هواجس معهودة حول احتمال وجود استحقاقات معينة لما بعد صدور الحكم.. فيما يختص بعلاقة اليمن مع إريتريا وطبيعة الأنشطة التي يتوقع تنشيطها في الفترة القادمة. ويلاحظ أن اليمن وإريتريا حرصنا على إظهار أقصى ما تستطيعانه من الود وتم إعادة خطوط الطيران وتشكيل لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي.. إلخ، فيما لم تظهر أي إشارة للمرارة أو حتى العتاب لما حدث من مشاكل سابقة، وإن كان هذا قد يفسره حرص اليمنيين على منع أي شيء من شأنه استفزاز الإريتريين وعرقلة انسحابهم من الجزيرة.. كما أن الإريتريين بدورهم لا يناسبهم نبش الماضي القريب الذي كشف الحكم كم كانوا معتدين فيه على جيرانهم وقد كانت تربطهم بهم علاقات غير عادية.
يبقى أن هذه الأزمة -التي ظلت جرحًا في الضمير اليمني طوال أكثر من عامين ونصف العام - قد نبهت اليمنيين إلى أهمية الالتفاف إلى جزرهم في البحر الأحمر والبحر العربي.. وتحصينها وتعميرها وتنشيط التواصل مع المأهولة منها بالسكان.. وبخاصة أن بعضها -مثل «سقطرى» أو جُزر المدخل الجنوبي- للبحر الأحمر تمثل مواقع استراتيجية مهمة جدًا لفتت الأنظار إليها بعد اندلاع الأزمة مع إريتريا.. سواء أكان ذلك.. على المستوى المحلي اليمني أو على القوى الكبرى التي لها وجود -أصلًا- في المياه المجاورة لليمن.. وهو أمر أجمع اليمنيون على أهميته واعتباره أهم الدروس والعِبَر التي خرجوا بها من هذه الأمة.
زعيم واحد.. وهزيمتان
انهزمنا في حرب ستة وخمسين وانتصر
الزعيم انهزمنا في حرب سبعة وستين وبقي الزعيم.
وانتصرنا في حرب رمضان، أكتوبر ثلاثة وسبعين.
فأيقظوا الزعيم من قبره ليعلنوا أن النصر من صنع يديه الكريمتين.
واستدعوا من أجل ذلك خبراء السجون الحربية وأساتذة التعذيب ليحدثونا عن استعدادات الزعيم.
قالوا: لقد أعد للحرب قبل رحيله.
الحمد لله أنه مات قبلها وإلا لبقي الزعيم وانهزمت الأمة.
وخرجت جهات تقول إنها تمثيلية!!
وأين ما أعده الزعيم، وأين حرب الاستنزاف التي زعمتم أنها مهدت للحرب التي «صنعها الزعيم» هل كانت تمثيلية هي الأخرى.
ودماء الشهداء.. أيها الجهابذة.
أم أن كل ما يأتي من غير الزعيم رجس من عمل الشيطان حتى ولو كان انتصار رمضان.
ولما فشلوا في تمرير مزاعمهم قالوا إن الثغرة قضت على النصر.
فجأة أصبح الجهابذة خبراء عسكريين.
وهم الذين مازاروا الجبهة إلا والراقصات تحفهم عن الشمال وعن اليمين.
فجأة ظهر المنظرون، وخرجت من جحورها الثعابين. ولما فشلت هذه الخطة أيضًا راحوا يقلبون في دفاتر الزعيم.
فوجدوا تأميم القناة، فاستأجرت الأقلام، وأُخرجت الأفلام لتُشيد بالزعيم الهُمام.
وظهر الزعيم على الشاشة، ووجهه تعلوه البشاشة، وظهر وهو يشاور ويحاور بمنتهى الديمقراطية.
ولما اكتشف البعض أن الزعيم لم يكن ديمقراطيًا، قالوا إن السبب مصلحة الوطن العليا ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
ومن أجل الوطن تم إخراج مسرحية المنشية لتدعيم موقف الزعيم.
ولما فشل كل ما سبق، تفتق ذهنهم عن الحلم العربي.
وقاموا بإنفاق الملايين من الدولارات لتمرير الأوبريت.
وحشدوا المطربين والمطربات في ميدان الشهداء ببيروت.
واختلف المطربون، وتناوش الملحنون، وحرم البعض من المشاركة، وتراشقت المطربات بكل اللهجات، وسالت دماء المشاهدين في ميدان الشهداء كما سالت دماء الضحايا بعد تمثيلية ميدان المنشية.
وأخرجت صور الزعيم من الأرشيف وأعيدت خطبه الرنانة إلى مسامعنا رغمًا عنا.
واستدعي جيش الاحتياط في عصر الزعيم ليطلوا بوجوههم الكريمة عبر المحطات الفضائية ليبشرونا بعودة الزعيم «أعوذ بالله».
والغريب أن عودتهم الكريمة تزامنت مع اليوبيل الفضي لنصر رمضان
وكأنهم على موعد.
لو أنفق اليهود هذه الملايين لبَث الإحباط واليأس في نفوسنا ما استطاعوا، لكن الجهابذة فعلوها.
اليهود يعربدون.
الأقصى يحترق.
والقوم ما زالوا يغنون.
وحقًا تساؤل ياسين سراج الدين أحد قيادات حزب الوفد المصري حين سأل عن حاجة الأمة إلى عبد الناصر جديد: نحتاج عبد الناصر لنهزم، أم نحتاج عبد الناصر ليشتم ويسب الزعماء؟
أيها السادة كفانا عبد الناصر واحد وهزيمتان..
د. محمد حمزة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
وزعت 900 سلة غذائية وإيوائية ووضعت حجر الأساس لقرية سكنية.. «نماء الخيرية» في اليمن لتقديم إغاثة عاجلة للنازحين
نشر في العدد 2173
30
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022