; الحكم وسيلة.. لا غاية | مجلة المجتمع

العنوان الحكم وسيلة.. لا غاية

الكاتب العم عبد الله المطوع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أغسطس-1974

مشاهدات 20

نشر في العدد 212

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 06-أغسطس-1974

• الحكم كوسيلة يجند نفسه لخدمة المبادئ • والحكم كغاية يضحي بكل شيء في سبيل بقائه • الحكم وسيلة.. لعبادة الله وتوحيده ورضوانه • الحكم وسيلة لإنصاف المظلوم.. وقمع الظالــم • الحكم وسيلة لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة • مثلان.. من القرآن الكريــم حين يكون الحكم وسيلة لتحقيق أهداف خيرة وفاضلة وصالحة فإن الجهاز الحاكم يتصور مهمته في إطارها الطبيعي وينطلق في التنفيذ بروح ونفسية من يتقرب غلى الله عز وجل بالإحسان إلى خلقه.. خدمة ورعاية وسهرا وإخلاصا وبرا، وحرصا على مصالح الناس في أخلاقهم وأعراضهم ودينهم وأمور معاشهم ومعادهم، والقرآن الكريم ربط التمكين في الأرض بتحقيق أهداف عظيمة هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي جعل الحكم وسيلة للفوز برضوان الله.. وسيادة الفضيلة في الأرض: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (سورة الحج: 41) وحين يتخذ الحكم غاية في ذاته، يضطرب التصور، ويشوش مفهوم الحكم حتى يؤدي بأصحابه إلى التضحية بالأهداف العظيمة والغايات الجليلة في سبيل الحكم، وحتى يجلب سخط الله من أجل المحافظة على الكرسي، وحتى يظن أن الفساد وإلهاء الناس به من عوامل التمكين والبقاء، وهذا خطأ كبير، أو استدراج إلى الضياع. فقد استغل أناس الحكم والتمكين في اقتراف الخطايا والذنوب وسخروا نعمة الله في المعاصي، بل جعلوه غاية يستحلون من أجلها كل شيء. فماذا كانت النتيجة؟؟ ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأرض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ (سورة الأنعام: 6) ولأن الحكم وسيلة لا غاية، كان المسلمون الصالحون يزهدون فيه ولا يحرصون عليه أبدا. لماذا؟ لأنهم يتصورون المهمة الشاقة المناطة بالحاكم والتي وصفها الحسن البصري –مثلا- لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما بقوله: «إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العادل كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويزودها عن مرائغ الهلكة ويحميها من السباع ويكفيها أذى الحر والقر» ولا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد ﴿أَلَمْ ۞ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾، (سورة طه: 111) لكن عندما انقلب الوضع وشرد الناس عن هدى الله عز وجل تحول الحكم إلى غاية في ذاتها، وكم رأينا حكاما جعلوا الظلم أسلوبا في الحكم، ورأينا حكاما اتخذوا من الفساد ركيزة تدعم سلطانهم، ورأينا حكاما يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، ورأينا حكاما يذلون شعوبهم من أجل أن يبقوا هم، ورأينا حكاما يهدرون حرمات العرض والدم بحجة المحافظة على وجودهم، ورأينا حكاما يقتلون القيم، لأنها تتعارض مع أهوائهم، ورأينا حكاما يهدمون أهداف الأمة عمدا حتى تظل سلطتهم، ويبقى كرسيهم، رأينا حكاما يضحون بكل شيء في سبيل الحكم الذي جعلوه غاية وعبدوه من دون الله. وكانت النتيجة أن لفهم الموت بعد أن ضيعوا الأمة وأهانوها، ولا ينبغي الاطمئنان إلى هذه الحياة، فإن العمر مهما طال فلا بد من نهاية الأجل، وسكوت النبض في لحظة ما. إن التاريخ القديم والحديث مليء بالدروس والعبر، وبالنماذج الحاكمة التي جعلت الحكم غاية في ذاته وتنكرت لشرع الله وحكمه فاستدرجها الله من حيث لا تعلم. ونحن إذ ننصح لجهاز الحكم في بلادنا وندعوه إلى الاستقامة على شرع الله ونهجه والالتزام العملي بالإسلام فإنما نريد له ولبلادنا الخير والنور فالحكم الصالح قربى إلى الله، ونعمة للناس، وشرف للوطن نريد الحكم وسيلة.. لتطبيق شريعة الله نريد الحكم وسيلة.. تيسر للناس سبل الاستقامة نريد الحكم وسيلة.. للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نريد الحكم وسيلة.. لتوفير الأمن ومحاربة الجريمة نريد الحكم وسيلة.. في توجيه الأموال توجيها حسنا حكيما نريد الحكم وسيلة.. يقوي أواصر الآخاء بيننا وبين مسلمي العالم نريد الحكم وسيلة.. يتقدم بها الأكفاء الصالحون.. ويتأخر بها الفاشلون الفساق نريد الحكم وسيلة.. لتنقية البلاد من الفساد والمعاصي نريد الحكم وسيلة.. لبناء جيل قوي في عقيدته، قوي في خلقه.. قوي في علمه وهمته نريد الحكم وسيلة.. لخدمة الناس وراحتهم وإسعادهم نريد الحكم وسيلة.. لإنصاف المظلوم وقمع الظالم نريد الحكم وسيلة.. لتطبيق المساواة وإقامة العدالة نريد الحكم وسيلة.. لكفالة اليتيم.. وعون المحتاج نريد الحكم وسيلة.. للبناء والتعمير في كل المجالات نريد الحكم وسيلة.. لمحاربة الآفات الاجتماعية والمبادئ الهدامة نريد الحكم وسيلة.. لمطاردة الغزو الصليبي الحاقد الذي يستهدف ضرب عقيدة الأمة وقيمها نريد الحكم وسيلة.. لضبط التلفزيون وتوجيهه بما يتفق مع قيم الأمة وأخلاقها ودينها نريد الحكم وسيلة.. لجعل الإذاعة أداة لنشر الإسلام وتقوية إرسالها وبث تعاليم الإسلام بمختلف اللغات نريد الحكم وسيلة.. لتمكين المساجد من أداء رسالتها في حرية تامة نريد الحكم وسيلة.. لتكثير الصالحين وهداية الضالين نريد الحكم وسيلة.. لرضوان الله تبارك وتعالى وعبادته وتوحيده: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (سورة النور: 55) وتبقى حقيقة لا بد من ذكرها هنا وهي: أن الذي يساهم في انحراف الحكم أو المضي في مخالفاته هو: عدم البيــان وعدم التوضيح والصراحة وكتمان الشهادة، ولا نريد أن نلقى الله عز وجل وفي أعناقنا هذه المسئولية الخطيرة وهذا التقصير المهلك. إننا نكتب هذه الكلمات بإحساس الخائف من ربه يوم يلقاه، وبشعور المشفق على بني وطنه وبلاده وأدعوكم لتقرأوا هذه الآيات معي التي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، (سورة البقرة: 159) نعوذ بالله من اللعنة، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين تابوا وأصلحوا وبينوا.
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لعقلك وقلبك (30)

نشر في العدد 30

15

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

نماذج من أصحاب هَمِّ الآخرة

نشر في العدد 840

12

الثلاثاء 27-أكتوبر-1987