العنوان الحلقة الأولى- هواة تقوية القلوب «صفة القلب»
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر الثلاثاء 21-يوليو-1981
مشاهدات 14
نشر في العدد 537
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 21-يوليو-1981
مقدمة
كما أن لكل إنسان هواية يهواها ويمارسها، فمنهم من يهوى لعب
الكرة وآخر المصارعة وآخر المراسلة وآخر جمع طوابع البريد وآخر الرحلات، فهناك صنف
من الناس لا يهتمون لما يهتم به عامة الناس من سفاسف الأمور، ولا يهوون ما يهوى
الآخرون، إنما يسعون لممارسة هوايات لو قلتها للعامة، لقالوا عنهم مجانين. لا
يبغون من وراء هذه الهوايات سمعة أو مادة، إنما يبغون زراعة أشجار جذورها في الأرض
وفروعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين، ثم هم لا يطلبون قصورًا ومراكب تنشأ على
الطين وترجع إلى الطين. إنما يطلبون قصورًا تنشأ على أرض كثبانها من المسك
وحصباؤها من اللؤلؤ، ولبناتها من الذهب والفضة.
إنها أرقى أنواع الهوايات، وهي التي تتركز على تلك المضغة التي
في جسد الإنسان، التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي
القلب، يقومون بسكب أنواع من المقويات والمنشطات في القلوب المريضة والغافلة
والزائفة والغليظة والقاسية والمغلقة والمختومة والمطبوعة والمكنونة واللاهية،
وحتى القلوب المطمئنة والسليمة والمتينة والوجلة والمخبتة واللينة والخاشعة، التي
تنتابها أحيانًا بعض حالات الضعف.
ويتفننون في تفريغ هذه المقويات، كل على قدر حاجته. فتقوى
تلك القلوب وتستيقظ بعدما كانت في سبات دام لحظة أو ساعات.
وقبل أن نلتقي بهؤلاء الهواة، لابد لنا من معرفة ما يتعاملون
معه وما تتركز عليه هوايتهم، وعوامل ضعفها وتقويتها.
صفة القلب
القلب ما يسمى بذلك إلا لكثرة تقلبه من حال إلى حال وهو كما
وصفه الرسول- صلى الله عليه وسلم- مثل القلب مثل الريشة، تقلبها الرياح بفلاة»(1)
فهنا يصور لنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- القلب وكأنه ريشة لخفته ولتأثير الفتن
عليه، صغيرها وكبيرها، تمامًا مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير
اتجاهها، ولاستيقان الرسول- صلى الله عليه وسلم- لهذه الحقيقة كان يكثر من
دعاء «لا ومقلب القلوب»(2). يقول الإمام ابن حجر: إن الله يتصرف في
قلوب عباده بما شاء لا يمتنع عليه شيء منها ولا تفوته إرادة.
وقال الراغب: تقليب الشيء تغييره من حال إلى حال، والتقليب
التصرف وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي الى رأي(3).
أنواع القلوب
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب
كالحصير عودًا عودًا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه
نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات
والأرض والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًّا لا يعرف معروفًا ولا ينكر
منكرًا إلا ما أشرب من هواه»(4).
ويتبين من الحديث أن القلوب تنقسم إلى قسمين: قلوب سوداء، وقلوب
بيضاء، وتختلف درجات السواد والبياض في كل قسم بمقدار ما أشرب من فتن، وعليه فإن
كل قسم من هذين القسمين يضم أنواعًا من القلوب.
القسم الأول: البيضاء:
ويأبى صاحب هذا القلب أن يفتح مسامات قلبه لغير الحق، وإذا تعرض لفتنة،
انكمشت مساماته إلى درجة الانغلاق التام بسبب إنكاره لها، فينكت في قلبه نكتة
بيضاء، ومع توالي الفتن التي هي كأعواد الحصير في تتابعها، ومع استمرار الإنكار
لها ينتشر البياض على قلبه، حتى يغطيه، ثم يكتسب خاصية الصلابة حتى يكون «مثل
الصفا».. قال القاضي عياض «ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه لكن صفة
أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وإن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه
كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء»(5).
ومع ذلك فقد تنتاب صاحب هذا القلب، فترات من الضعف والغفلة
الآنية، تلك الغفلة التي شبهها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالسحابة، إذ
يقول «ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر يضيء إذ
علته سحابة، فأظلم، إذ تجلت»(3).
إن أحجام السحب ليست واحدة، فمرة نراها ممتدة طويلة تغطي ذلك
القمر المضيء لفترة ثم تنجلي، وأخرى نراها صغيرة جدًّا لا تغطي تلك الأنوار
المنبعثة من القمر إلا للحظات وأخرى نراها معتمة، وأخرى بيضاء شفافة يرى
من ورائها القمر، هذه الأنواع المتعددة من السحب هي ذاتها تمثل العوارض
التي تعترض أصحاب القلوب البيضاء.
يصف الإمام ابن القيم تلك العوارض، إن «منها ما يكون سريع
الحصول سريع الزوال، ومنها ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال، ومنها ما يكون بطيء
الحصول سريع الزوال، ومنها ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال»(7) ولكنها كلها
تزول بإذن الله وتنجلي السحابة عن القمر المضيء فتعود أشعته تخترق القلوب وتنير
لأصحابها معالم الحق.
ولهذا السبب اختلفت أنواع القلوب البيضاء، واختلفت معها أساليب
هواة تقويتها، والتأكيد قول الرسول- صلى الله عليه وسلم: «القلوب أوعية وبعضها
أوعى من بعض»(8).
المراجع
1- رواه ابن ماجه رقم «88» وأحمد «4 /
408» وصححه الألباني «ص.ج. ص 5709».
2- أخرجه البخاري - الفتح «7391» - كتاب التوحيد.
3- فتح الباري 13 / 377 - السلفين.
4- أخرجه مسلم «144» كتاب الإيمان.
5- شرح مسلم للنووي 2 / 172.
6- أخرجه الطبراني، وحسنه الألباني «ص. ج. ص 5558».
7- الفوائد ص 251.
8- أخرجه أحمد، وصححه أحمد شاكر «6655» .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل