; الحلقة (٥٤) الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمن الجماعة المسلمة | مجلة المجتمع

العنوان الحلقة (٥٤) الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمن الجماعة المسلمة

الكاتب د. عبد الله فهد النفيسي

تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1983

مشاهدات 18

نشر في العدد 623

نشر في الصفحة 23

الثلاثاء 31-مايو-1983

المتأمل في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يلحظ اهتمامه الكبير بأمن الجماعة الإسلامية، وتحقيق أمن الجماعات ليس بالأمر الهين، كان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا ألا يتغلغل الكفار والمنافقون والمأجورون داخل صفوف الجماعة الإسلامية الأولى؛ لما في ذلك من أثر كبير على وحدة الصف، وفاعلية الصمود، وقوة التحرك.

    بل إنه -صلى الله عليه وسلم- كان حريصًا على أن يتغلغل المسلمون في صفوف الكفار والمنافقون والمأجورون؛ لتخذيلهم، وتفريقهم، وتشتيتهم، وإثارة حتى الفتن فيما بينهم لصالح التحرك الإسلامي. لذا نجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يرسل العيون للتجسس عليهم، ويدفع الأموال لتفريق صفوفهم، ولا يتردد في خدعتهم.

    وقصة نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني الذي أسلم يوم الخندق مشهورة[1]. لقد أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا (أي ادخل بين القوم حتى يخذل بعضهم بعضًا) ما استطعت فإن الحرب خدعة»، وبقية القصة معروفة، بل لقد لجأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى استخدام المال لإيجاد الشقاق في صفوف العدو، وتمزيق وحدته، فعرض على عيينة بن حصن -وهو رئيس غطفان يومئذ- ثلث تمر نخل المدينة على أن يخذل الأحزاب، وينصرف عن المدينة بمن معه[2].

ومن جملة الظواهر في المسلك الأمني للرسول -صلى الله عليه وسلم- اهتمامه بالمعلومات الدقيقة؛ ذلك لأن المعلومات الدقيقة هي زاد وغذاء القيادة اليقظة، فلقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدالله بن أنيس يتجسس له ليطلع على حقيقة خبر خالد بن سفيان زعيم بني لحيان من هذيل، الذي أقام بنخلة أو عرفة يجمع الناس بعد موقعة أحد ليغزو الرسول -صلى الله عليه وسلم[3].

وبعد دبيب الفرقة بين المشركين في وقعة الخندق أو الأحزاب أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان لينظر ما فعل القوم ليلًا[4]، وقبيل موقعة بدر أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بسيس بن عمرو الجهني وعدي بن الرعباء إلى بدر يتحسسان أخبار عير أبي سفيان[5]، ويوم حنين بعث عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في صفوف العدو، ويقيم فيهم حتى يعلم عملهم، ثم يأتيه بخبرهم[6].

كل هذه الوقائع ونحوها كثير تدلل على الحس الأمني لدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أنها تدلل على مشروعية الجاسوسية ولو بأجر، ولو كان الجاسوس غير مسلم من رعايا العدو؛ إذا كان يوثق به قبل العمل معنا[7]، قال ابن القيم في زاد المعاد: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه، ويطلع الطلائع، ويبيت الحرس.



[1] (انظر سيرة ابن هشام، جـ ۲، ص ۲۲۹)

[2] (انظر زاد المعاد، ج ۲، ص ۱۱۸)

[3] (انظر فتح الباري، جـ ٧، ص ٢٦٦)

[4] (انظر سيرة ابن هشام، ج ۲، ص ۲۳۱)

[5] (انظر زاد المعاد، جـ ٢، ص ٨٥)

[6] (انظر سيرة ابن هشام، ج ۲، ص ٤٣٩)

[7] (انظر مغني المحتاج، جـ ٤، ص ٢٤٠، والمهذب، جـ ٢، ص ۲۳۰).

الرابط المختصر :