العنوان الخاســرون فــي اليمــن
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 17-مايو-1994
مشاهدات 20
نشر في العدد 1100
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 17-مايو-1994
دخلت الأزمة اليمنية منعطفا خطيرا بالمعركة التي اندلعت في عمران في السابع والعشرين من أبريل الماضي، لتخلف وراءها لواءين مدرعين مدمرين، وخسائر قدرت بأكثر من خمسائة مليون دولار وعشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وإذا كان هذا ما حدث خلال ساعتين في معسكر واحد، فلنا أن نتخيل حجم الدمار والخراب والتمزق الذي تعيشه اليمن الآن من خلال الحرب المجنونة التي أشعلها دعاة الوحدة في السادس من أبريل الماضي بين الشطرين، هذه الوحدة الهشة التي لم تقم على أسس شرعية أو منطلق إسلامي هي السبب الرئيسي في اشتعال هذه الحرب، ووقوع هذا الدمار.
لقد ضاع وقت طويل في البحث عن سبل لحل الأزمة اليمنية، وفشل العرب في تطويق الأزمة حينما بدا واضحا منذ مدة أن كلا الطرفين أو أحدهما على الأقل كان في طريقه للاحتكام إلى السلاح، ومع ذلك كان التحرك لاحتواء الأزمة أقل بكثير من حجم الكارثة التي وقعت.
لقد شهدت مراحل الوحدة اليمنية تعثرات شديدة خلال الفترة الماضية ، ونشبت أول حرب مسلحة بين شطري اليمن في عام ۱۹۷۲م، فحصدت آلاف القتلى والجرحى عدا الدمار الكبير للبلاد، ثم حدثت اشتباكات عسكرية دامية بين شطري اليمن م ۱۹۷۹م، انتهت بقمة الكويت بين عبد الفتاح إسماعيل، وعلِي عبد الله صالح، وفي ۲۲ مايو عام ۱۹۹۰م، أعلنت الوحدة رسميا بين شطري اليمن ، إلا أن الشكوك والتحرشات وعدم الثقة بين الطرفين استمرت طوال الأربع سنوات الماضية، حتى وصل الحال إلى الحرب الدموية التي بدأت شرارتها الأولى في عمران في السابع والعشرين من أبريل الماضي، وإذا كانت المخططات الاستعمارية لتمزيق الدولة الإسلامية في أعقاب سقوط الخلافة قد جعلت فتيلا قابلا للاشتعال بين كل قطرين، بل وبين أبناء الوطن الواحد، فإن الحرص على مصالح الأمة لم يكن طوال الفترة الماضية هو الهدف الأسمى لدى كثير من حكام الدول الإسلامية، بل كانت المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية هي المحرك الأساسي لمعظم الحروب التي نشبت بين أبناء الوطن الواحد قدمرت المقدرات، وأهلكت الحرث والنسل ، وأثقلت البلاد بالديون، وليس أدل على ذلك مما دار في لبنان طوال سبعة عشر عاما، وما يدور الآن في كل من الصومال وأفغانستان واليمن.
ولنا أن نتخيل مقدار الدمار الذي سيحل بالاقتصاد اليمني من خلال هذه الحرب المجنونة التي ستقضى إن لم تكن قضت على مشاريع التطوير والتنمية في البلاد، وستدخل اليمن إلى العمق في نفق الديون الفتاك الذي كان في عام ١٩٩١م قد بلغ ٦٤٧١ مليون دولار، ويكفي أن ندرك ما يمكن أن يصل إليه الآن مع اشتعال هذه الحرب واستمرارها، إذا كانت خسائر ساعتين اثنتين قد بلغت ٥٠٠ مليون دولار، كما أن قراءة سريعة لمعدلات الاقتصاد اليمني من خلال التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام ۱۹۹۳م، أو تقرير التنمية البشرية لعام ١٩٩٣م تثبت أن اقتصاد اليمن يعاني معاناة شديدة، ويعتمد على الاستيراد في غالب الأشياء حتى أن نسبة استيراد الأغذية وصلت في عام ١٩٩٠م إلى %٦٦% من احتياجات البلاد، حيث لا تتعدى نسبة المساحة المزروعة من أرض اليمن %٢,٥% من مساحة البلاد. وليس هناك مصيبة يمكن أن يصاب بها أي شعب أكبر من كونه يأكل ما لا يزرع.
لكن المخيف في الأمر يكمن في الموقف الغربي، سواء كان الرسمي أو الإعلامي، الذي لم يبد الاهتمام الكافي للتحرك، لإيقاف هذه الحرب عن طريق المنظمات الدولية أو التحركات الدبلوماسية على غرار ما يفعلون حينما تمس مصالحهم، واكتفى فقط مع وسائل إعلامه بالحديث عن الرعايا الأجانب في اليمن، وأفضل الطرق لإخراجهم علاوة على الحديث عن القدرات العسكرية لكل شطر من الشطرين، وماذا يملك من الأسلحة وإلى أي اتجاه يمكن أن تسير الحرب لو استمرت، ولم تخل هذه التحليلات من تحريض لاستمرار الحرب التي لن يستفيد من ورائها إلا إسرائيل والغرب بكل الوسائل والأشكال، بداية من تحريك عجلة مصانع السلاح، وإغراق اليمن بالديون إلى تمزيق قطر عربي إسلامي، وإفناء خيرة أبنائه وتدمير مقدراته حتى لا تقوم قائمة لأي دولة عربية أو إسلامية، يمكن أن تهدد أمن إسرائيل الذي يحرص عليه الجميع.
وقد أشارت صحيفة واشنطن بوست، قبل أيام إلى أن اليمنين قد اشتريا منفصلين أسلحة غربية خلال الأشهر القليلة الماضية زادت على مائتي مليون دولار، ومن المؤكد أنها كانت استعدادا لهذه الحرب.
إن الجميع خاسرون في هذه الحرب عدا إسرائيل والغرب، أما الشماليون والجنوبيون ومن دعم هؤلاء أو آزر أولئك فكلهم خاسرون، وكل يوم تطول فيه هذه الحرب هو جريمة يشترك فيها كل من له باع في إطفائها ولم يتقدم، كما أن نيران هذه الحرب يمكن أن تمتد بشررها إلى أطراف مختلفة كما يشير كثير من المراقبين.
وإن أصعب الحروب تلك التي تصل إلى النعرات العرقية والقبلية لأنها تخلف ثارات لا تهدأ، ورغبة في الانتقام لا تنتهي، ووقود الحرب في النهاية هم أبناء الأمة وثرواتها ومقدراتها.
وإننا ندعو الله ونبتهل إليه أن يطفئ نيران هذه الفتنة، وأن يعود أبناء اليمن إلى رشدهم، وأن يتحرك أهل الإيمان والحكمة فيهم، كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليضعوا أوزار هذه الحرب، حيث قال في الحديث الذي رواه الشيخان: «أتاكم أهل اليمن الين قلوبا وأرق أفئدة، والإيمان يماني والحكمة يمانية»، فالله الله يا أهل الإيمان والحكمة في اليمن.. الله الله في أهليكم وفي أوطانكم وفي أمتكم، وإنا نترقب تحقق قول رسول الله فيكم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.. ألا هل بلغنا اللهم فاشهد!