; الخمر يجب أن تمنع تمامًا. | مجلة المجتمع

العنوان الخمر يجب أن تمنع تمامًا.

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الأربعاء 15-يونيو-1977

مشاهدات 17

نشر في العدد 354

نشر في الصفحة 45

الأربعاء 15-يونيو-1977

وظل الصحابة يتشوقون لتحريمها، وقد قال عمر رضي الله عنه «اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا» فكأنهم فهموا من قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾  (النساء: 43) تحريمها في الأوقات التي يحين وقت الصلاة المفروضة وهم في حالة السكر، وعندئذ أنزل الله ثلاث آيات مدنية في سورة المائدة هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(المائدة: 90-92).

وعندما نتأمل في هذه الآيات الثلاث نلحظ الأمور الآتية:

• أولًا- ذكرت الخمر في مقدمة الآية وعطف عليها ثلاث محرمات أخرى.. ووصفت جميعًا بأنها «رِجْسٌ» وهو الخبيث المستقذر عند ذوي الألباب. 

• ثانيًا- ذكرت هذه المحرمات تالية لأداة الحصر إنما، ليفهم أنه لا صفة لها إلا أنها رجس وأنها من عمل الشيطان ووسوسته في القلوب.

• ثالثًا- إن كلمة «اجْتَنِبُوهُ» تفيد الابتعاد والمجانبة.

• رابعًا- عبارة «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» إشارة إلى أن الفلاح والفوز برضاء الله وثوابه يكون في اجتناب هذه المذكورات.

• خامسًا- يفهم من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾  بعض مضار الخمر وهي الشحناء والخصومة التي تثور بين شاربي الخمر ولاعبي الميسر. وقد تتطور المشاجرات بينهم إلى درجة يقتل بعضهم بعضًا، وسجلات الشرطة في كل بلد حافلة بهذا النوع من الجرائم التي تقع بين الشاربين والمقامرين.

ولو تصورنا مجتمعًا مكونًا من سكارى ومقامرين فلن نتصور العلاقات بينهم إلا علاقة البغضاء والعداوة، وكفى بهما سببًا للتحريم.

كما يفهم من الآية أن حالة شاربي الخمر ولاعبي الميسر تفضي بهم إلى ترك الصلاة وذكر الله وهل هناك خسارة أكبر من انقطاع صلة العبد بربه بترك الصلاة وذكره.؟

لهذه الأسباب ولغيرها حرمت الخمر ولما سمع الصحابة الآيات المحرمة قال عمر: «انتهينا يا رب» وكان ذلك في السنة السادسة من الهجرة عام الحديبية. أو في السنة الرابعة خلال غزوة بني النضير كما يقول ابن إسحاق.

وفي الآية الثالثة يأمر الله المؤمنين بطاعة الله ورسوله في اجتناب الخمر وما ذكر بعده، ويزيدهم على ذلك التحذير من مغبة مخالفة الله ورسوله في ذلك، أن الله وحدة سيتولى عقاب العصاة المعرضين عن طاعته بعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه بصدد هذه الجرائم بلاغًا مبينًا.

وها نحن أولاء نقرأ هذه الآيات البليغة المبينة حول الخمر والقمار ونقرأ أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، ونرى بأعيننا ونسمع بآذاننا أبشع الجرائم التي تنشأ من الخمر والميسر.

ولم نتخذ حتى الآن إجراءات تشريعية رادعة حول الجرائم الناتجة من هذين الفعلين المنكرين عقلًا وشرعًا، حتى نحد من الشرور والآثار الآخذة في الزيادة يومًا بعد يوم.

الخمر في السنة:

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي جماع أقواله وأفعاله وإقراره على فعل شيء. ولقد فصلت السنة بعض الأحكام الواردة في القرآن الكريم وفرعت فروعًا على أصول ذكرها القرآن.

ففي الخمر مثلًا اكتفى القرآن بتحريمها على النحو الذي مر ذكره في الفقرة الماضية. وأشار إلى بعض الأضرار التي تنجم منها ومما ذكر معها... ولكن السنة جاءت بأحكام أخرى لم تذكر في القرآن. منها:

وحول علاقة الخمر بالإيمان قال فضيلته: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (متفق عليه).

وقال عليه الصلاة والسلام: «من زنى أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه».

وقد تناولت الأحاديث النبوية الانتفاع والتداوي بالخمر، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو داود، أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إنا بأرض باردة نعالج فيها عملًا شديدًا، وإننا نتخذ شرابًا من هذا القمع نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسكر؟

قال: نعم، قال: فاجتنبوه، قال: إن الناس غير تاركيه.

قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم».

وروى أبو داود عن أبي الدرداء، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: 

«إن الله أنزل الداء والدواء، فجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام».

حد شارب الخمر:

تثبت جريمة شرب الخمر بأحد شيئين: 

1- اعتراف المكلف بأنه شرب الخمر.

2- شهادة عدلين.

واختلفت كلمة الأئمة الفقهاء حول مقدار حد شارب الخمر وهل هو ثمانون جلدة أو أربعون.

فمن قال بالـ(80) الأحناف والمالكية والثوري وفي رواية عن أحمد. واحتجوا لذلك بفعل عمر وإجماع الصحابة على موافقته وكان ذلك في آخر خلافته.

وذهب الشافعي وابن حنبل في إحدى روايتين عنه وآخرون إلى القول بجلده 40 جلدة. وحجة هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه لم يزيدا على الأربعين. وجلد علي كرم الله وجهه الوليد بن عقبة 40 وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه لفعل غيره، ولا ينعقد إجماع على مخالفة الرسول.

وقالوا عما فعله عمره وأقره عليه من استشارهم من الصحابة: إن الزيادة التي زادها عمر تعتبر تعزيزًا وللإمام أن يفعل ذلك إذا رأى تكرر هذه الجريمة من مرتكبها ولم ينزجر بالأربعين وأيدوا وجهة النظر هذه بأن عمر نفسه كان يجلد 80 تارة و40 تارة أخرى.

الخمر وأضرارها

لا خلاف بين العقلاء في أضرار الخمر وأن أضرارها مختلفة، فمنها أمراض جسمية، وعقلية ونفسية، واقتصادية واجتماعية ودينية.

ونأخذ فيما يلي كل نوع من تلك الأمراض بالبيان الذي يقتضيه المقام: 

أولًا: الأمراض الجسمية:

يضعف جسم مدمن الخمر، بحيث لا يستطيع مقاومة الأمراض، وبخاصة في البلاد الحارة، ويضرب الأطباء مثلًا لذلك بأن نسبة الذين يتوفون من بين المتوفين بسبب الالتهاب الرئوي تبلغ 50 بالمائة، بينما تقل هذه النسبة بين غير المدمنين إلى 24 بالمائة فقط. ويصاب المدمنون بعسر الهضم من جراء الإدمان والنزلات المعوية ويصاب المدمنون بارتعاش اليدين واللسان والوجه، وترتعش هذه الأعضاء بطريقة لا إرادية.

وسببها أن للخمر تأثيرًا على المخ ومنه جزء وظيفته تنظيم حركات العضلات، فإذا ما اختل هذا الجزء وتعطل عن وظيفته لم يستطع السكران التحكم في تلك الأعضاء. وبذلك ترتعش يداه بدون إرادته، ولا يقوى على التحكم في لسانه فتخرج منه الكلمات على النحو الذي نسمعه من السكارى.

ثانيًا: الأمراض العقلية والنفسية:

مما ينتج من شرب الخمور ضمور وتآكل الخلايا المخية وهي التي تتحكم في التفكير والإرادة، وإذا أصيب المدمن بذلك كان سريع الغضب متقلب المزاج، فاقدًا لشهية الطعام، رث الملابس زري الهيئة، غير مهتم بعمله ولا بشئون أسرته، يفرح بدون سبب للفرح، وينتقل فجأة إلى البكاء والنحيب، ويثور لأتفه سبب فيعتدي على زوجته وأولاده بالشتم والضرب، ويخيل إليه أن زوجته تخونه مع غيره. 

ومما يصاب به المدمنون ضعف القدرة الجنسية أو فقدانها تمامًا، ولكن يتظاهر المدمن في هذه الحالة بالتهتك ومشاغلة النساء ويمسي آخر أمره من ذوي السلوك الجنسي الشاذ ويصاب المدمن بفقدان الذاكرة، فلا يتذكر ما مر به من حوادث سواء كانت قريبة العهد أو بعيدته فلا يتذكر.

ثالثًا: أضرارها الاقتصادية:

وللخمر أضرارها الاقتصادية التي لا تنكر، فإن المدمن عليها لا يصبر على تركها، بل يظل كلما شرب زجاجة طلب أخرى.

ومنها أنواع غالية الثمن تستورد من الخارج وكم من سكير يصرف ربع دخله على الخمر، ورب مدمن ترك له والده ثروة طائلة فبددها في بضعة أعوام ثم أضحى فقيرًا متسولًا.

وإذا نظرنا إلى الكفاية الإنتاجية نجد السكير أضعف إنتاجًا من غيره في جميع الميادين. وإذا كان تاجرًا تأخر في الذهاب إلى متجره، وأهمل مصالح تجارته والمتعاملين معه بخلاف التاجر غير السكير. وإذا كان عاملًا قل إنتاجه لضعف جسمه وتغيبه المتكرر عن العمل بسبب الأمراض التي تنتابه ولذا فإن المدمنين في كل قطر يعتبرون أعضاء أشلاء في جسم المجتمع. وإن جانبًا من الدخل القومي يذهب يسبب هؤلاء المدمنين إلى الدول الأجنبية، فيزدهر اقتصادهم ويضمحل اقتصادنا. 

الأضرار الاجتماعية:

وفي معظم الحالات تنحل رابطة الأسرة بسبب إدمان الزوج وتسوء العلاقة بين المدمن وزوجته وأولاده، إذ كلما سمع أولاده صوته أو رأوا شبحه قادمًا دب الخوف إليهم توقعًا لما سوف ينالهم منه من ضرب وشتم وصراخ وإن الأطفال في هذه الحالة يهربون من وجه والدهم السكير حتى لا ينالهم منه أذى.

وقد يستمر المخمور في سكره وأفعاله السيئة نتيجة إدمانه حتى إذا ما وصلت الزوجة إلى مرحلة اليأس من شفائه طلبت الطلاق مضطرة، ومفضلة أن تظل بلا زوج من أن تعيش في منزل واحد مع زوج سكير.

إنها تفعل ذلك واثقة أنها سوف تصادف هي وأولادها صعابًا متنوعة من حيث الإنفاق على الأطفال وتربيتهم وقد تضطر هي إلى اللجوء إلى المحاكم أو أن تعمل لتعيش وتعول أولادها.

وإنها تشعر بأن هذه الصعاب كلها أهون عليها من مشكلات الحياة الزوجية مع زوج مخمور.

ومنذ توليت رئاسة القضاء في هذه الدولة فقد حضر لدي من النساء أكثر من مائة يشكون حالة أزواجهن بسبب الخمر ويطالبن بالطلاق لأمرين:

أولهما- هجرهن في المضاجع.

ثانيهما- سوء خلقهن معهن، ومع أولادهم، وسرعة غضبهم وربما أجبروهن على شرب الخمر معهم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الخمر

نشر في العدد 6

23

الثلاثاء 21-أبريل-1970

تشجيع السَياحَة في البحرَين

نشر في العدد 15

26

الثلاثاء 23-يونيو-1970