العنوان الدول الإسلامية.. متى تُحقِّق الوحدة الصناعية فيما بينها؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-مايو-1979
مشاهدات 12
نشر في العدد 443
نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 01-مايو-1979
كلنا نتطلع بفارغ الصبر إلى اليوم الذي يتحقق فيه حلم يراودنا منذ زمن بعيد؛ ألا وهو الوحدة بين الدول الإسلامية في كافة الميادين، وحديثنا الآن يتركز على موضوع الوحدة الصناعية بين بلدان العالم الإسلامي؛ حتى تستطيع إظهار وجودها على الساحة الصناعية الدولية، لا أن تبقى بعيدة عن هذه الساحة؛ تاركةً الدول غير الإسلامية تسرح وتمرح وتصول وتجول، فارضةً صناعاتها على الدول الإسلامية وبأسعار عالية للغاية، تتحكم هي وحدها في مسارها، وتتعمد زيادتها يومًا بعد يوم، حسب ما تراه متناسبا مع مصالحها.
- ولكن هل يتحقق الحلم بين يوم وليلة.. ؟
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو يا ترى هل يتحقق حلمنا أي الوحدة الصناعية بين الدول الإسلامية بين يوم وليلة؟.. وهل يخلو الأمر من المعوقات والعقبات؟ وما هو طريق الخلاص؟.. ففي الحقيقة لا بد من أن ندرك بأن التمني شيء وتحقيق المطالب شيء آخر، والفارق بينهما كبير، والمسافة بينهما قد تكون شاسعة، وقد تكون قصيرة؛ حيث إن ذلك يعتمد على توفير المقومات الضرورية، والنية الصادقة للوصول إلى الهدف المنشود، والارتقاء إلى أعلى درجات السلم الصناعي؛ أسوة بالدول الأخرى، التي تبوأت مركزًا مرموقًا على هذا السلم بالجد والاجتهاد والمثابرة، والبحث والتطبيق والنوايا الصادقة؛ وعليه فإن وصولنا إلى أعالي السلم الصناعي ليس بالأمر السهل، وإنما هو مليء بالمعوقات، ويحتاج إلى دراسة مستفيضة، وتعاون وثيق بين الخبراء في الدول الإسلامية، للوصول إلى تصورات مشتركة ومجدية وعملية، لتحقيق التكامل الصناعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بين هذه الدول، والظهور على الساحة الدولية كمنافس – رئيسي للدول غير المسلمة، التي تحرص تمام الحرص على إبقاء التخلف مُخيِّمًا على العالم الإسلامي في المجالات الاقتصادية والصناعية، وغيرها من المجالات الحضارية الأخرى، لأن تقدم العالم الإسلامي يعني إعلاء كلمة الإسلام والمسلمين، وهو أمر لا يرتاح إليه زنادقة الشرق والغرب من الملحدين أعداء الله، الذين يُشهرون مختلف الأسلحة في وجه الإسلام والمسلمين.
- الاهتمام بالمجالات المهنية والصناعية؟..
وعليه فإنه يتحتم على الدول الإسلامية أن تعمل على اتباع خطة مشتركة بالتنسيق فيما بينه، تقوم على أساس تشجيع الاتجاه نحو حركة التصنيع والتعليم المهني، وذلك كي يتسنى لها إيجاد الكوادر الفنية القادرة فعلا على تسلم المهام القيادية في المجالات الصناعية والفنية.
ويجب علينا أن ندرك بأنه ما لم تعمل على إعداد المهارات الفنية من نفس البلدان الإسلامية، فإن كافة مخططاتنا مآلها إلى الاندثار والفشل لا محالة، وذلك لأن الاعتماد على الخبرات الأجنبية، معناه تقبُّل تصوراتهم ومخططاتهم التي يهدفون من ورائها إلى وضع الحركة الصناعية في الاتجاه غير الصحيح، الذي يغاير تطلعاتنا، ولا يخدم أمانينا، لا من قريب ولا من بعيد.
والشيء الذي تجدر الإشارة إليه أن الغرب لا يبعث إلى الدول الأخرى سوى الخبراء من الفئة الثالثة أو الرابعة، أي الذين لا يستفيد منهم ولا يفيدون غيرهم، أما الخبراء الذين يتمتعون بخبرات واسعة، فإن الغرب يتمسك بهم، ويحول دون استفادة الغير منهم، وذلك لأن الغربيين يرون أن أي تقدُّم تُحقِّقه الدول الأخرى معناه اضمحلال صناعاتهم، التي تعتمد على الأسواق الخارجية، خاصةً في الدول المتخلفة لتصريف هذه الصناعات؛ لذا فإن الأمر يتطلب الإعداد الكافي والوافي للقاعدة الصناعية الصلبة المشتركة، التي تنطلق منها الدول الإسلامية لتحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها.
- وماذا عن المقومات؟..
وأما بالنسبة للمقومات الأساسية اللازمة لدفع حركة التصنيع قُدمًا في عالمنا الإسلامي، فإنها متوفرة تمامًا في البلدان الإسلامية، فبالنسبة للمال اللازم لتمويل الحركة الصناعية، فعلى الرغم من أن هناك دولًا إسلامية فقيرة وتعوزها الإمكانات، إلا أن هناك دولًا لديها فوائض مالية تستثمرها في الغرب، ومن الأولى استثمارها على الساحة الإسلامية، وكذلك بالنسبة للمواد الخام، فإن العالم الإسلامي غني بالموارد الطبيعية والخامات اللازمة للصناعة، والغرب يعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على هذه الخامات في صناعاته، ويحصل عليها بأبخس الأثمان، فنحن أولى بالاستفادة من هذه الموارد والخامات من الغرب الذي يعيدها إلينا بعد تصنيعها بأغلى ثمن .
فطالما أن المال موجود والخامات موجودة والخبرات أيضًا موجودة؛ حيث إن في العالم الإسلامي نخبة من العلماء والمهنيين يُفتخر بهم، ولكن للأسف فإنهم آثروا الإقامة في الغرب، وخدمة الصناعات الغربية، في غياب تشجيعهم على العمل في العالم الإسلامي، فالغرب يُقدِّم لهم المغريات، وبلدانهم تُقابلهم بالإهمال. إذن فماذا ينقصنا؟..
والجواب على ذلك أن الأمر يحتاج إلى النوايا الصادقة في تحقيق التكامل الصناعي والاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذلك خدمةً لطموحات الإنسان المسلم. وإذا توفرت مثل هذه النوايا يسهل علينا الوصول إلى الغاية المنشودة؛ طالما أن المقومات متوفرة لدينا بالتمام والكمال.
- بادرة تبشر بالخير..
وعلى أيِّ حال فإن هناك دلائل تلوح في الأفق، على أن الدول الإسلامية جادة في تحقيق الوحدة الاقتصادية فيما بينها، فقد عقد في نيودلهي بالهند مُؤخرًا مؤتمر للتعاون الصناعي بين الدول الإسلامية، بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
والغاية من عقد هذا المؤتمر هي إيجاد وحدة صناعية بين الدول الإسلامية، وقد اشترك في المؤتمر وزراء الصناعة في الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى خبراء يمثلون مراكز البحوث والهيئات المتخصصة في النشاط الصناعي، ومهما يكن من أمر فإن المطلوب هو ترجمة الأقوال إلى أفعال، فليس المهم المؤتمرات، وإنّما الأهم من ذلك هو التطبيق العملي لما يطرح من مواضيع على بساط البحث، وهذا بلا شك يحتاج إلى النوايا الحسنة، فحتى لا نظل عالة على الغرب، وحتى لا تبقى أسواقنا ساحات لتصريف المنتجات والصناعات الغربية، فإنه يتحتم علينا أن نعرف ما لنا وما علينا، وأن نسير في الاتجاه الصحيح، ونحقق التكامل الاقتصادي والصناعي بين الدول الإسلامية، وعندها يسهل علينا الوصول إلى الوحدة الشاملة، التي يتطلع إليها حوالي ألف مليون مسلم، يواجهون عداءً سافرًا من العالم بأسره.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

