; الدين في مواجهة العلم | مجلة المجتمع

العنوان الدين في مواجهة العلم

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

مشاهدات 52

نشر في العدد 122

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

تأليف: وحيد الدين خان

ترجمة: ظفر الإسلام خان

مراجعة: عبد الحليم عويس

ماذا يمكن لكاتب معاصر أن يضيف إلى المكتبة الإسلامية؟ إن الكثيرين يكتبون، ولكن الذين يقدمون شيئًا جديدًا قليلون، والدين الإسلامي ليس كالنظريات الوضعية الصماء، وعلى الرغم من الصفة النهائية لنصوصه وعقائده فقد ترك مجالًا رحبًا للفكر الإنساني لا ينتهي إلا حيث يبدأ الزيغ والضلال، ومع ذلك فقد أكمل الله دينه للمؤمنين وأتم نعمته عليهم ولم يبق لبشر أن يضيف شيئًا، فالذي يقدمه المفكرون ما هو إلا انطباعات واستنتاجات وخواطر تلقي ضوءًا على حقائق الدين لعامة الناس أو تستخرج برنامجًا حياتيًا من صلب العقيدة الهادية، وحتى هذا المجال فقد اجتهد فيه علماء الإسلام ونوابغه، في عصر الفكر الإسلامي الزاهر، بما أثرى المكتبة الإسلامية حتى شق على كتاب العصور اللاحقة أن يقدموا جديدًا خارج إطار التقليد، والتكرار، والشرح، والتعليق.

وبالنظر إلى حاجة الفكر الإسلامي في الزمن الحاضر فإن المكتبة الإسلامية تحتاج إلى أسلوب جديد أكثر من حاجتها إلى إنتاج أكاديمي جديد، فقد ضاقت رفوف المكتبات بأحمالها من الكتب الدينية في الوقت الذي أصبح فيه الكتاب الإسلامي تحفة أثرية معزولة عن قضايا الناس المستجدة وعن المشكلات العقلية والفكرية الشائعة والملحة.

ولا شك أن الأعمال الجديدة التي قدمها محمد إقبال وسيد قطب ومحمد قطب ومالك بن نبي والتي قدمها عبد القادر عودة ومصطفى الزرقا ويوسف القرضاوي ومحاولات مصطفى محمود كانت تملك من الحيوية ما أكسبها تأثيرًا حيًا في صفوف الناس وفي تفكيرهم ومشاعرهم، ولم يكن ذلك إلا لأنها أبرزت الدين الإسلامي بأسلوب جديد يناسب عقلية الإنسان المعاصر وذوقه مع الالتزام التام بحقائق الدين وروحه.

ومن بين الأعمال التي تستحق هذا التقدير مؤلفات المفكر الهندي المعاصر وحيد الدين خان، الذي يحاول «إثبات حقيقة الإسلام في ضوء المقاييس الاستدلالية للعلم الحديث»، وهي قضية شائكة استطاع الكاتب الكبير أن يعالجها بتوفيق كبير، فقد كان الناس ينظرون إلى هذه المحاولات بحذر شديد منذ أن فسر بعض العلماء «السماوات السبع» بالكواكب السبع فاكتشف الفلكيون كوكبين آخرين وأصبح أولئك العلماء في مأزق فكري وحرج ديني- وقد انتقد الشهيد سيد قطب المحاولات الانهزامية التي راحت تنقب في كتاب الله بحثًا عن أي توافق ظاهر مع الحقائق الطبيعية التي جاء بها العلم الحديث وقال إن القرآن ليس كتاب كيمياء أو بيولوجيا ولم ينزل لهذا الغرض.

أما السيد وحيد الدين خان فقد انتقد الجوانب الفلسفية للعلم الحديث وأبطل ملاحظاته مستخدمًا المقاييس العلمية ذاتها وأيد التصورات الإسلامية مستغلًا مقاييس العلم الحديث وأساليبه، وبالإضافة لكتابه الشهير «الإسلام يتحدى» قدم الكاتب جهدًا جديدًا تحت عنوان «الدين في مواجهة العلم»

الذي ظهر بالإنجليزية بعنوان Religion Versus Science

وترجمه نجل المؤلف ظفر الإسلام خان للعربية وراجعه الأستاذ عبد الحليم عويس، والطبعة العربية نتاج الجهود واضحة من الأستاذين ظفر الإسلام وعبد الحليم عويس يلمسه القارئ في الإخراج الجيد والأسلوب الرصين والتعليقات الهامة.

والكتاب تلبية لمطالبة العقل الحديث بإخضاع الحقائق الدينية للمقاييس العلمية الحديثة للاستدلال، وهو استجابة كذلك لحاجة المسلمين الراسخي الإيمان الذين يريدون أن تطمئن قلوبهم وهي حاجة كانت عند سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما قال «بلى، ولكن ليطمئن قلبي».

• وينقسم الكتاب إلى سبعة فصول يبحث أولها في قضية طريقة الاستدلال يقول المؤلف يتلخص موقف العصر الحديث في أنك لو حاولت إقامة الأدلة لإثبات الدين فإنهم سيقولون لك: إنك تجهد نفسك عبثًا، لأن الدين ليس بشيء يمكن إثباته علميًا لعدم إمكان خضوعه لمقاييس العلم الحديثة.

ولكن هؤلاء أنفسهم عندما يقيمون الأدلة ضد الدين يجعلون من ذلك الدين نفسه، الذي سبق أن زعموا أنه غير قابل للخضوع للتجربة العلمية، ميدانًا يمكنهم إقامة الأدلة العلمية لرفعته!!

والمقياس الاستدلالي الذي استخدمه العلم الحديث في إثبات جميع نظرياته العلمية الجديدة ليس هو التجربة المباشرة في المختبر، ولكنه يعتبر أن آية قرينة منطقية تستند إلى تجارب ومشاهدات غير مباشرة، يمكنها أن تصبح حقيقة علمية بنفس درجة الحقائق العلمية التي تتمكن من مشاهدتها مباشرة.

وهو نفس المقياس الذي أصبحت بفضله نظرية النشوء والارتقاء مثلًا حقيقة علمية مقبولة وثابتة، وهو نفس المقياس الذي رفض به وجود الله سبحانه وتعالى حينها اكتشف قانون الجاذبية، حيث أفرد بعض العلماء أنه ما دام هناك قوانين طبيعية لسير الكون فلا داعي لوجود إله!

إن العلم الحديث إذا رفض استخدام هذا المقياس لصالح الدين فإنه في تناقض كبير، ومن المؤكد أن هذا المقياس هو أكبر دليل على حقيقة الدين.

• ويناقش الباب الثاني أفكار برتراند راسل.

 وبرتراند رسل ملحد صريح الإلحاد، وهو مؤمن بالمقياس الاستدلالي السالف الذكر: «إنني أجزم بأن هناك طرفًا للاستنباط أقرب إلى الحق ويجب قبولها رغم أنه لا يمكن إثباتها بالتجربة» ولكن «راسل» رفض أدلة رجال الدين

ورفض الأديان كلها بدعوى أن داروين أبطل هذا الدليل والذي استخدمه أنصار الدين فيما يعرف بـ «نظام تخطيط الكون».

فإذا كانت الدارونية نفسها نظرية غير ثابتة باعتراف بعض أنصارها مثل «سير آرثر كيث» فكيف يقال إنها قد حطمت المقياس الذي يدل على الدين.

«فالاستدلال بالنظام على المنظم إنما هو الأمر المقبول، أما الدارونية فلم تعد بعد في موقف يسمح لـ «رسل ما» أن يرفض على أساسها هذه الحجة القولية!!»

• ويمضي الفصل الثالث ليحدثنا عن قصة صعود وسقوط قانون التعليل.

فحين اكتشف العلماء في القرن الثامن عشر والتاسع عشر أن الكون يسيره قانون العلة والمعلول تهافت فلاسفة الإلحاد وخرجوا بنظرية «التفسير الميكانيكي للكون» ليقولوا بأن العالم يسير بصورة ميكانيكية دون تدخل خارجي، ولكن فرحتهم لم تدم طويلًا لأن القرن العشرين كان فاتحة لكثير من الحقائق العلمية أبطلت تمامًا هذا التفسير- «فنحن نجهل حتى اليوم سبب تحطم إليكترون ما وخروجه عن نظامه النووي في الراديوم، وأيضا فنحن نشاهد المغناطيس وهو يشد نحوه الحديد، وقد أقام العلماء نظريات كثيرة لشرح هذه الظاهرة، ولكن أحدهم كتب يعلق على هذه النظريات قائلًا: إننا لانعرف لماذا يشد المغناطيس الحديد نحوه «ربما لأن الله أصدر إلى المغناطيس أمرًا بذلك»!

وقد أجمعت أكثرية العلماء المعاصرين- في ضوء المعلومات الجديدة- على أن نهر العلم ينساب نحو «حقيقة غير ميكانيكية».

• وفي الفصل الرابع يتحفنا المؤلف بخاطرة رائعة، ففي الوقت الذي عجز فيه الفلاسفة من أمثال الغزالي عن تقديم أي دليل منطقي لإثبات الروح أو استقلالها أو بقائها، وامتنعوا عن مجادلة الزنادقة السفسطائيين يثبت العلم الحديث أن عدم تأثر الروح بالتبدل الذي يحدث في خلايا الجسم يحطمها في كل آن وتجددها مرة أخرى عن طريق الغذاء اليومي، يؤكد استقلالها، وهذا الرأي يدعمه أكثر ذلك الكشف الهام في علم النفس الذي نسميه باللاشعور، وقد أصبح من المسلمات الآن أن الأفكار التي يختزنها اللاشعور تبقى فيه حتى نهاية الحياة كما يقول فرويد.

• وفي الفصل الخامس يعالج المؤلف قضية العلم والدين، وينتهي إلى نتيجة توفيقية هي: أننا نستطيع أن نقول بكل قوة: إن الله يجري إرادته في الكون بواسطة هذه القوانين التي اكتشفت علومنا الحديثة بعض أجزائها فقط حتى الآن».

«النتيجة التي انتهت إليها الدراسة العلمية - وهي الحقيقة النهائية للكون «عقل»- هذه النتيجة من حيث نوعيتها تصديق للدين ودحض للإلحاد بكل تأكيد».

• وفي الفصل السادس نافش المؤلف أفكار الدكتور كاريل عن تخلف العلم الحديث في دراسة علم الإنسان أو علم الحياة على الرغم مما أحرزه من تقدم في علم الجماد،

وخلص إلى أن الإنسان مادام على أول السلم في عالم الجماد فإنه في حالة لا تسمح له بمعالجة شئون الحياة، وبالنظر إلى الضياع الذي تخبط فيه العقل البشري تبرز حقيقة حاجته إلى إله ورسالات تهديه في حياته.

• ويمضي الفصل السابع في مناقشة أفكار كاريل وآخرين ويتعرض لنظرية «الدين بغير الله» أو التفسير الإلحادي للدين.

وأخيرًا- فإن أهم ما يقال عن الكتاب أنه قدم أسلوبًا جديدًا أكثر فعالية في خدمة قضية الفكر الإسلامي وأكثر ملاءمة لمخاطبة الإنسان الجديد، ولعل الفصام الذي وقع بين دعاة الإسلام والجمهور المعاصر يرجع سببه إلى أن جمهور اليوم لم يعد يفهم اللغة التي نتحدث بها، لغة القرون الماضية.

ولا ينسى الإنسان في الختام أن يشيد بجهد الأستاذين المترجم والمراجع في عرض هذه الأفكار للإنسان العربي وأقلمتها في مناخنا الفكري.

الرابط المختصر :