العنوان بلا حدود- الرجل الذي فضح السياسة الخارجية الأمريكية
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 31
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
هاريس يقول: «لقد كان باستطاعتي أن أقدم استقالتي بهدوء، غير أني لجأت لإشهارها على الملأ، حتى يعرف المواطن الأمريكي العادي حقيقة ما يدور».
«إن ضميري لم يعد يسمح لي بمواصلة تأييد هذه السياسة التي يسير عليها الرئيس كلينتون تجاه أزمة البوسنة»، «إنني لا أستطيع الاستمرار في العمل في وزارة الخارجية التي تری بأم عينها ما يحدث في البوسنة من عمليات تقتيل يقوم بها الصرب دون القيام بشيء يذكر»، «لقد كان باستطاعتي أن أقدم استقالتي بهدوء غير أنني لجأت لإشهار هذه الاستقالة على الملأ من أجل إيضاح الحقائق أمام المواطن الأمريكي العادي الذي تعرض لكثير من التشويش الذي خلقته الإدارة الأمريكية حول بعض القضايا الخطيرة في العالم، ومنها قضية البوسنة والهرسك».
بهذه العبارات فضح مارشال هاريس، رئيس مكتب شئون البوسنة في وزارة الخارجية الأمريكية الموقف الأمريكي على الملأ بعدما قدم استقالته مؤخرًا لمكتب وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر، ولم يكتف هاريس بالحوارات الصحفية التي نشرتها له كثير من الصحف الأمريكية ومنها مجلة «التايم»، وإنما سافر إلى لندن وعقد فيها مؤتمرًا صحفيًا تحدث فيه عن السياسة الأمريكية المخادعة تجاه البوسنة والهرسك، وفيما كان هاريس يجوب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية شارحًا لأسباب تقديمه لاستقالته، وفاضحًا الإدارة الأمريكية المترددة والغير واقعية تجاه البوسنة، كان وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر لا يزال يسخر بالمسلمين وبالمجتمع الدولي، وهو يلوح من مأدبة الغداء في إحدى القاعات المكيفة في واشنطن بإمكانية استخدام القوة ضد الصرب؛ لأن انسحابهم من الجبال المطلة على سراييفو ليس كافيًا، وفيما كان كريستوفر يواصل تهديداته وهو يتناول غداءه الشهي في واشنطن كان كلينتون يستعد للعب الجولف في ولاية كلورادو، وقال للصحفيين وهو يتوجه بسرعة لملعب الجولف معلقًا على انسحاب الصرب الشكلي من الجبال المطلة على العاصمة سراييفو: «إنني متفائل للغاية، فهذا أمر مشجع» ثم انطلق إلى ملعب الجولف بينما كانت القذائف لا تزال تنهار بشدة على رؤوس مسلمي البوسنة.
أما ديفيد أوين الذي راهن على خريطة تمزيق البوسنة بزجاجة خمر معتقة أثناء سهرته مع مجرمي الصرب ميلوسوفيتش وكاراذيتش- فقد فضح الموقف الأمريكي وحلف الأطلسي بشكل أكثر وضوحًا، بصفته أحد اللاعبين في هذه اللعبة القذرة حينما قال معلقًا على التهديدات الأمريكية الأطلسية: «إن الضربات الجوية التي يتحدث عنها حلف الأطلسي هي بشكل أو بآخر مجرد خدعة».
سبعة عشر شهرًا من الخداع لمسلمي البوسنة كشفها هاريس ومن قبله جورج كيني مساعد رئيس شعبة يوغوسلافيا الذي استقال قبل عام للأسباب ذاتها، وأخيرًا جون وسترن المحلل في مكتب المعلومات بالخارجية الأمريكية الذي استقال منذ أيام للأسباب ذاتها.
سبعة عشر شهرًا وجرحى البوسنة لا يجدون الحد الأدنى من الرعاية والعلاج تحت ظروف الحصار والقهر، ثم يجعلهم كلينتون وميجور محورًا لامتصاص غضب شعوبهم، فيستيقظ ضميرهم فجأة لعلاج المرضى فيعرضونهم على شاشات التلفزة ليل نهار كأنهم حديقة حيوانات، مما جعل باتريك بلود رئيس لجنة الأمم المتحدة المكلفة بإجلاء الجرحى من سراييفو يشن حملة قاسية على الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ويقول: «إنهم يستعرضون الأطفال المسلمين الجرحى أمام الكاميرات كأنهم في حديقة حيوانات؛ وذلك لإسعاد الرأي العام في بلادهم».
سبعة عشر شهرًا والبوسنة لا تعرف سوى الدموع والدماء والاغتصاب والقتل والقذائف والدمار والماء الملوث والطعام الذي انتهت صلاحيته، فيما لا زال كريستوفر يهدد الصرب وهو على مآدب الغداء والعشاء، ويلوح لهم كلينتون بمضرب الجولف من كلورادو، بينما قوائم الجرحى والمشوهين تزداد يومًا بعد يوم.
لقد فضح ريتشارد هاريس باستقالته التي أصر أن تكون علنية ومسببة للجميع، ومع ذلك فستظل البوسنة تنزف، وسيظل كلينتون يلوح، وكريستوفر يهدد، والدول الإسلامية تشاهد العرض المسرحي حتى نهايته، أما أنتم فعليكم رحمة الله، عليكم رحمة الله يا مسلمي البوسنة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل