العنوان الرسوم المتحركة متعة بريئة أم محاولة لسرقة أطفالنا؟
الكاتب صلاح محمد أبوزيد
تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007
مشاهدات 14
نشر في العدد 1765
نشر في الصفحة 48
السبت 18-أغسطس-2007
■ الاستهانة بذكاء الطفل وعقله وراء الفشل في إنتاج أعمال عربية راقية.
■ الاستعانة بالخبرة الأجنبية في صناعة فنون الأطفال خطأ قاتل وقعت فيه بعض الجهات العربية.
لساعات طويلة يجلس أطفالنا أمام التلفاز يتابعون في شغف وفضول أفلام الرسوم المتحركة «الكرتون» ووقائع الصراعات الدامية أو الطريفة بين أبطال تلك الأعمال المصنوعة ببراعة مدهشة.
وبينما لا يخطر على بال هؤلاء الآباء سوى أن أفلام الرسوم المتحركة مجرد وسيلة للترفيه والتسلية غير واعين لما تبثه هذه الأعمال من قيم وعادات وسلوكيات في نفوس أطفالهم.. فإن للمتخصصين رأيًا آخر:
أطفالنا في خطر
في البداية تقول المخرجة د، زينب زمزم علاقة الطفل بالتلفزيون وثيقة للغاية ولا يمكن الاستهانة بها ووضعها في خانة التسلية البريئة التي إن لم تجلب نفعًا فلن تضر.. ففي إحصائية مشتركة بين المجلس العربي للطفولة واليونيسيف ومؤسسة ديزني لاند الأمريكية تبين أن الطفل يقضي ١٦ ساعة يوميًا في مشاهدة برامج الأطفال والأفلام الكرتونية أثناء العطلات الدراسية وتنخفض هذه الساعات إلى 9 ساعات يوميًا أثناء الموسم الدراسي.. وهذه الأرقام تعكس سيطرة مذهلة لهذا الجهاز الخطير على وقت الطفل واستحواذًا على اهتماماته وعقليته.
وأطفالنا في خطر لأنهم مستهدفون وهناك محاولات ربما أصبحت معلنة الآن أكثر من أي وقت مضى لتغيير سلوكياتهم وثقافتهم خاصة في ظل النقص الشديد في المادة المقدمة له عربيًا.
وللأسف معظم البرامج العربية الموجهة للطفل تتسم بالسذاجة والمضمون التافه الممل، مما يجعل الطفل يتصرف عنها ولا يتابعها.. لأننا لا نزال نخاطب أطفالنا المولودين في أحضان التكنولوجيا بذات الأساليب القديمة والحكايات التي تربينا عليها في أحضان الجدات والأمهات.
الترفيه والقيمة والواقعية
وتواصل المخرجة زينب زمزم قائلة: أحاول دائمًا في أعمالي توفير ثلاثة عناصر مهمة أولها: الترفيه لأن الطفل بطبيعته حساس للغاية وسوف ينصرف إلى العمل إذا كان مجرد درس في الأخلاق أو السلوكيات الحميدة.. ثانيًا: القيمة التي أبنها من خلال العمل، وهي لابد أن تكون نابعة من تاريخه العربي والإسلامي وبيئته لربطه بهذا التاريخ وهذه البيئة ثالثًا: المزج بين التاريخ والواقع بحيث يظل الطفل متصلًا بتاريخه وفي الوقت نفسه غير منفصل عن واقعه والطفل ربما لا يستوعب هذه المفاهيم جيدًا، ولكنها بالتأكيد ستتسرب إلى وجدانه وعقله شيئًا فشيئًا.
وبسؤال المخرجة زينب زمزم عن الصعوبات التي تحول دون إنتاج أعمال عربية جيدة وعلى مستوى لائق بأطفالنا مع توافر الكوادر الفنية قالت: تحتاج فنون الأطفال والرسوم المتحركة إلى إنتاج ضخم للغاية، فتكلفة الدقيقة الواحدة من الرسوم المتحركة تتجاوز آلاف الدولار، ولا نكاد نجد شركة عربية خاصة كبرى تتبنى إنتاج مثل هذه الفنون للاعتقاد بأنها ليست مربحة أما المؤسسات الرسمية فإنتاجها ضئيل للغاية.
السم في العسل: ويقول د، محمود عبد الرحمن الأستاذ بمعهد علوم الطفولة: تتمثل خطورة أفلام الرسوم المتحركة «الكارتون» في كونها الأكثر جذبًا للطفل واستحواذًا عليه، كما أنها تعج بكثير من القيم المستترة، ويخطئ كثير من الآباء عندما يتصورون أن أفلام الكرتون والألعاب ما دامت تخلو من العنف ومشاهد الدماء فإنها تصبح صالحة للمشاهدة ولا خطر على صغارهم منها وهذا خطأ كبير فمن الممكن أن أبث قيمة أخلاقية سيئة في هدوء وسلاسة ودون ضجة.. وهو أشبه ما يكون بدس السم القاتل في العسل، فمثلًا يمكن أن أصنع عملًا ضخمًا مليئًا بالتسلية والمتعة بريئًا في ظاهره، ولكنه خبيث في جوهره ومضمونه، كأن أجعل البطل الطيب يحمل اسم جورج أو ديفيد بينما يطارد شريرًا يدعى أحمد أو عليًا، وفي النهاية ينتصر الخير الذي هو بالطبع غربي على الشر الذي هو عربي وإسلامي.. لأغرس في لاوعي الطفل أن الخير في القيمة الوافدة المستوردة وبأن حضارته وحياته تنتمي إلى عالم الشر.. فقصص وحكايات السندباد وهي حكايات عربية بالأساس استغلت من قبل شركات الإنتاج الغربية مثلًا لبث أسوأ القيم خلال سلسلة من المغامرات الشيقة.
والت ديزني في قفص الاتهام
ويواصل د، محمود عبد الرحمن قائلًا كثير من الأعمال التي تنتجها والت ديزني على وجه الخصوص وبعد سيطرة اليهود عليها تتجه من ناحية إلى تشويه الشخصية العربية والمسلمة وسلبها كل إسهاماتها الحضارية وتصوير العرب والمسلمين على أنهم مجموعة من الهمج وأفراد العصابات الذين لا يعرفون شيئًا عن الرقي والسلوك المتحضر، ومن ناحية أخرى تتجه إلى تمجيد الصهاينة بإعطائهم دورًا كبيرًا في صناعة الحضارة الإنسانية، بينما هم أبعد ما يكون عن ذلك.. وربما يفسر هذا سعيها الكبير وحماسها الشديد لشراء حق عرض بعض الشخصيات الكرتونية التي يعمل المجلس العربي للطفولة والأمومة إلى الترويج لها على مستوى العالم العربي وهو موقف لا نستطيع أن نصفه بالبراءة أو العفوية، ولكنه يثير الكثير من علامات الاستفهام..
النقش على الحجر
وتتفق د، سامية العليمي أستاذ علوم التربية بجامعة عين شمس مع الرأي السابق فتقول: الفنون المقدمة للطفل أصبحت من أكثر الوسائل التربوية تأثيرًا على عقله ونفسيته، بل ربما تكون الوسيلة الأولى في تشكيله وإمداده بالمعلومة والقيمة التي تترسخ في وجدانه، وربما تبدو مقولة التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، بالية بالنسبة للبعض، ولكنها صحيحة تمامًا من الناحية العلمية، فطفل اليوم هو أب لرجل الغد وطفلة اليوم هي أم لامرأة المستقبل، فمرحلة الطفولة هي الأساس الذي تقوم عليه الشخصية.. نحن لا ننادي بالحجر على أطفالنا أو منعهم من الاتصال بالعالم الخارجي، ولكننا فقط تدق ناقوس الخطر، ففنون الطفل التي نستوردها ونفرق بها أطفالنا صباح مساء إن لم تكن موجهة أو مقصودًا بها تشويه براءتهم والاستحواذ على عقولهم فإنها على الأقل تعبير عن مجتمعات تختلف في أهدافها وتوجهاتها وقيمها عن مجتمعاتنا وهو خطأ كبير ترتكبه بحق هؤلاء الأطفال حين نتخلى عن مسؤولية تنشئتهم والسماح لغيرنا بالقيام بهذا الدور..
لا للوعظ والإرشاد
أما الكاتب الكبير عبد التواب يوسف رائد أدب الأطفال والحائز على جائزة الملك فيصل العالمية فيقول: الخطورة في أعمال الرسوم المتحركة أنها تقوم بتصوير العنف تصويرًا مبهرًا أمام الأطفال، كما نجد في قصص مغامرات سوبرمان وباتمان، والجاسوسية وطرزان وتوم اند جيري وكان في العنف حلًا لكل مشكلات الحياة هذا إلى جانب أن هذه الأعمال تكون محشوة بمجموعة من القيم والمفاهيم التي تتنافى مع قيمنا الإسلامية.. ونحن في العالم العربي نعاني أزمة حقيقية في إنتاج المادة المقدمة للأطفال مما يفتح الباب واسعًا وعلى مصراعيه أمام الكتب والمجلات والرسوم المتحركة القادمة من الغرب ومن الشرق على السواء.. ومما يزيد الأمر سوءًا أن معظم من يحاولون تقديم فنون الطفل تغلب عليهم نغمة الوعظ والإرشاد فتأني أعمالهم مكتظة بالقيم والمثل، ولكنها تفتقد إلى روح الفن الأصيل الذي يثري الوجدان ويؤثر فيه.
وأطفالنا في خطر حقيقي مالم نسارع إلى إنتاج فن عربي خالص يثري وجدانهم ويغذي عقولهم ويحمل إليهم قيمنا العربية والإسلامية الأصيلة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
المؤسسات الدعوية والحكم الرشيد.. جرس تنبيه من الانزلاق نحو الاستبداد
نشر في العدد 2190
19
الاثنين 01-أبريل-2024