; الرفض الإسلامي لسياسة السلام والاستراتيجية البديلة | مجلة المجتمع

العنوان الرفض الإسلامي لسياسة السلام والاستراتيجية البديلة

الكاتب محمد عبد الهادي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

مشاهدات 13

نشر في العدد 551

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

مبدأ ديني ومشاهدات سياسية تجعل الحركة الإسلامية مصرة على رفض الصلح.

  • على حكام العالم الإسلامي أن يستفيدوا من تجارب الماضي مع العدو ليكونوا جديرين بحكم الأمة.

رفض مطلق:

«نحن من الذين يؤمنون كل الإيمان بأن إسرائيل لا تريد حلًا مع العرب... اللهم إلا إذا كان من وراء ذلك خطوة تقربها من أمالها... المرحلية المبرمجة كما يلي:

  • السيطرة على أكبر قسم من الأرض الفلسطينية مع الحصول على الشرعية الدولية والمصادقة العربية.
  • التوسع المرحلي يضم الضفة الغربية المحتلة نهائيًا إلى أرض «إسرائيل»!!
  • الانطلاق من فلسطين ومن خلال تطبيع سياسي مع الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية نحو غزو ثقافي وحضاري للأمة.
  • تحقيق «حلم» إسرائيل الكبرى من المدينة المنورة جنوبًا إلى آخر لبنان شمالًا ومن آخر العراق شرقًا إلى تخوم النيل الشرقية غربًا.
  • إخضاع قارتي إفريقيا وآسيا للنفوذ الصهيوني المطلق.

وأمام لهجة السلام السائدة في عواصم العالم وبعض عواصم المنطقة تثبت إسرائيل كل يوم وبكل المقومات والتصرفات تصميمها على المضي بمطامعها إلى النهاية، دون احترام لقانون أو لاتفاقية أو معاهدة.

إذًا فالإسلاميون الذين يرفضون الصلح مع إسرائيل... بل ويحاربون فكرة الصلح التي هي ليست سوى تأمين على حياة «الدولة الإسرائيلية» ونموها... يقيمون مبادئ رفضهم على أسس سياسية إلى جانب المبدأ الديني القاطع.

وكل ذلك لأنهم يعرفون حقيقة هذا العدو... ويعرفون أيضًا خفايا السياسة الإسرائيلية في العالم.

المبدأ الديني والرفض:

قلنا إن الإسلاميين يقيمون أسس رفض الصلح مع إسرائيل على مبدأ ديني إسلامي.

فقد تحدث القرآن كثيرًا عن حكم التعامل مع الأمم الصديقة والشعوب العدوة وأكد أن اليهود أهل غدر وخيانة لا عهد لهم ولا ذمة.

وقد اعتبرهم الله سبحانه أشد الناس عداوة للمسلمين لا يشاركهم في هذا العداء الضخم وتلك الضغينة الحادة إلا الذين أشركوا. قال سبحانه:

﴿  لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾

(سورة المائدة: ٨٢)

وإذا كان هذا التحذير كافيًا ليجعل الحركة الإسلامية في طليعة الصف المعارض للصلح والسلام مع اليهود فإن فقه العلاقة مع العدو يدعو المسلمين وحكامهم اليوم إلى الالتزام بالمواقف التالية تجاه من يغتصب جزءً من أرضهم:

١- لا يجوز للمسلمين وهم في دار الإسلام تولية الكافر ليحكم المسلمين لأنه لن يحكم بينهم بما أنزل الله. وأنى لحكومة بيغن أن تحكم مسلمي فلسطين بالإسلام.

٢- تدخل الأرض بعد الفتح في ملكية المسلمين وعليهم حمايتها وحكم أهلها الذين آمنوا والذين لم يؤمنوا بما أنزل الله.

٣- إذا غزا الكافر أرض الإسلام صارت حربه فرض عين على كل مسلم.

٤- لا يعقد عهد مع الكافر الغازي لأرض الإسلام قبل أن يخرج منها. ومن أجل هذه البنود يرفض الإسلاميون مجرد التفاوض مع العدو اليهودي... ناهيك عن توقيع معاهدة ما معه!!

ملاحظات سياسية:

يتحدد الموقف السياسي للإسلاميين من رفض الصلح مع إسرائيل من خلال تجارب تاريخية ومشاهدات معاصرة. 

مؤكدًا أن اليهود أمة عدوانية تنطلق في تعاملها مع الشعوب من خلال نظرية التلمود «شعب الله المختار» وتأكد هذه العدوانية اليهودية في الذهنية الإسلامية من خلال ملاحظات عدة نذكر منها:

١- ينادي زعماء الأحزاب اليهودية بتطبيق ما يسمى بـ «نظرية الأمن الصهيونية» في حالتي السلم والحرب وهذه النظرية تقتضي بقاء ميزان القوة العسكرية في جانب المصلحة الإسرائيلية مع بقاء قوة الدينامية السياسية في المنطقة ملكًا لحكام إسرائيل.

٢- وتقتضي نظرية الأمن الإسرائيلية في حالتي السلم والحرب والقضاء على حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة «الفعلية» بحيث أن زعماء اليهود يعتبرون إسرائيل في حالة حرب مع وجود العنصر الفلسطيني المسلح.

٣- العمل على زرع القلاقل داخل الدول العربية من خلال وجود نظم متصارعة مع الشعوب ودفع الأزمات الحدودية الدائمة بين الدول العربية إلى الواجهة إكمالًا للنظرية الأمنية الصهيونية.

٤- بناء المستعمرات اليهودية على الحدود المتاخمة للدول العربية بشكل مكثف لتكون هي الثكنات الحربية الجاهزة في حال التوجه من طور السلام إلى طور الحرب والتوسع من جديد.

إن هذه الملاحظات المشهودة في الواقع السياسي لدولة إسرائيل تؤكد عدوانية الشعب اليهودي وحكوماته وأحزابه واتجاهاته للأمة الإسلامية، وعلى هذا الأساس فإن الإسلاميين لا يجدون أي مبرر سياسي يدفع ببعض الأنظمة العربية نحو عقد صلح مع دولة اليهود العدوة.

مراجعة المؤتمر بال:

إن من لا يحسن تقدير التخطيط اليهودي في حالة السلم والحرب لن يوصف إلا بقلة الذكاء في أفضل حال من حسن الظن.

ومن لا يعرف حقيقة الموقف اليهودي من السلام المؤقت مع العرب لن يكون جديرًا بحكم الأمة.

ومن لا يستفيد من تجارب الأمة مع اليهود هو أحمق مغرق في حمقه، لقد خبر الإسلاميون التجربة مع العدو الذي نشرت وثائق تخطيطه منذ عام (۱۸۹۷) ففي ذلك العام عقد المؤتمر الأول اليهودي في مدينة «بال» بسويسرا برئاسة الصهيوني الأكبر «تيودور هرتزل» وقد انفض المؤتمر على قرارات أهمها إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، ويقول هرتزل: إذا ما أردت تلخيص معنى مؤتمر بال وهذا ما لن أفعله علنًا فإنني أقول: في بال أقمت الدولة اليهودية، وإذا ما قلت هذا القول اليوم بصوت عال، فسأقابله بسخرية... ولكن من المحتمل بعد خمسة أعوام.

وبالتأكيد بعد خمسين عامًا، سيري العالم كله دولة يهود.

ترى كم عامًا مرت بین ۱۸۹۷ وبین ١٩٤٨ حين أعلن اليهود دولتهم؟؟ لقد كان «هرتزل» على جانب كبير من الثقة في نظرته المستقبلية وتحديد الهدف والطريق والإمكانات الهدف المزدوج المعروف:

١- إقامة إسرائيل الدولة «أرض وشعب وحكومة» وقد قامت عام ١٩٤٨.

٢- إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات الوطن القومي الكامل وأرض الآباء والأجداد.

ويقتضي ذلك العودة إلى خيبر لإعادة اليهودية إلى الأرض التي أخرجها منها «محمد» والمسلمون.

نعم هذا هو الهدف المزدوج–المرحلي لمؤتمر بال الصهيوني.

والحركة الإسلامية وهي تشاهد الشق الأول من الهدف اليهودي في الأرض الإسلامية قد تحقق تحذر من مغبة التخطيط الحذر والدقيق من أجل الوصول إلى شق الهدف الثاني.

  • فاليهود لن يكفوا عن حرب العرب والمسلمين خوفًا من معاهدة واحترامًا لعهد.
  • وسياسة السلام لن تكون لإسرائيل سوى مرحلة هامة وضرورية لتحقيق نظرية الأمن الصهيونية التي تقتضي تجريد العرب من السلام أو تقليصه في أيديهم مع الحفاظ على تفوقها العسكري المطلق بحيث تكون القوة الضاربة الوحيدة بين أصابع الحكومة اليهودية.
  • بعد ذلك... يكون المنطلق السهل... نحو إسرائيل الكبرى التي لن تنسى أن تطيح بجميع العروش من حولها لتحكم المنطقة الصفوة اليهودية «المختارة».

إن مراجعة ما تمخض عنه مؤتمر بال... وما تقرر في جميع المؤتمرات اليهودية ضروري لجميع حكام المنطقة الشرفاء والحركة الإسلامية تدعو دائمًا إلى الوعي السياسي العملي الذي يستفيد من كل ما حمله الماضي من تجارب جعلت الإسلاميين يتخذون موقفا سياسيًا قطعيًا يرفض أي مبدأ لفتح الحوار مع الصهاينة أو وسطائهم الدوليين. فهؤلاء جميعًا لا يفهمون سوى لغة المدافع وهديرها.

اليهود واستراتيجية السلام:

يؤكد الإسلاميون أن الصهاينة سيستفيدون من سياسة الصلح أكثر مما يفيدون في هذا العصر المتطور من سياسة الحرب التي توقع فيهم شيئًا من الخسائر.

ونحن نقدم بين يدي حكام عالمنا هذا النص الذي يكشف عن استراتيجية السلام في الذهنية اليهودية العدوة:

يقول روكفلر نائب الرئيس الأمريكي الأسبق:

أن سياسة أمريكا هي لم تتغير منذ سنة ١٩٤٧، وخلاصة هذه السياسة أن إسرائيل لم توجد لتبقى فقط ولكن لتتفاعل مع شعوب المنطقة، وهذا التفاعل يجب أن يتم «سلميًا» إلا إذا اضطرت إسرائيل للحرب كما حدث في أكثر من مرة... أن الله أرسل اليهود إلى الشرق لمساعدته على النهوض نحن على استعداد لوضع إمكانياتنا لخلق مشاريع إنمائية في المنطقة، وإن الشعوب العربية التي تملك النفط تستطيع ويجب أن تستفيد من المعرفة والحضارة المتقدمة في إسرائيل: «لخلق تراث وثروة حضاريتين جديدتين».

وإلى جانب هذا النص نود كجزء من الحركة الإسلامية أن نذكر حكام العالم الإسلامي بما أعلنه مناحيم بيغن بعد أن شكل أول حكومة إسرائيلية طرحت فكرة السلام مع الأنظمة العربية.

فقد قال: لن يكون هناك سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل وحتى ولا للعرب.

ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد، حتى ولو وقعنا معاهدة الصلح».

من هذا يستفاد ما يلي:

١- الصلح استراتيجية يهودية جديدة.

٢- وإن هذه الاستراتيجية لن تغفل ما يسمى بتحرير أرض إسرائيل الكبرى من المسلمين.

٣- وسياسة السلام تستهدف الشعوب العربية الإسلامية قبل أن تستهدف الأنظمة.

وهذا ما شاهده المسلمون جميعًا في سياسة التطبيع بين مصر وإسرائيل.

٤- وإن من أهداف سياسة السلام الاستراتيجي اليهودي الجديد الوصول إلى منابع النفط وبناء الحضارة المزيفة التي تقودها الصهيونية في المنطقة.

الإسلاميون والاستراتيجية البديلة:

وكما أن الجسم الإنساني يحصن بالدواء فإن الحركة الإسلامية تنادي حكام المسلمين بالعمل الدائب لتحصين جسد هذه الأمة.

وقد طرحت الحركة في كثير من المجالات حلولها المرحلية المتعقلة أمام حكام المسلمين كسياسية بديلة عن سياسة الاستسلام ويقتضي ذلك أول ما يقتضي:

١- تطبيق الحكم الإسلامي على شعوب العالم الإسلامي في خطوة جادة لبناء الشخصية المسلمة المضحية.

٢- تعبئة الأمة تعبئة سياسية واضحة وواقية من منزلقات الدعوات الاستعمارية التي تهدف إلى بث الفرقة بين الأمة وتخاذلها.

٣- تعبئة الأمة تعبئة عسكرية عملية متأنية.

٤- التنسيق الإسلامي لإيجاد الرأي العام العالمي المتعاطف مع الموقف الإسلامي من الاحتلال الصهيوني الآثم لأراضي المسلمين والمغتصب لحقوقهم.

٥- وضع كل الإمكانات الاقتصادية والبشرية والعلمية في معركة واحدة موحدة يشنها المسلمون على كافة الأصعدة وفي كل مكان ضد عدو هذه الأمة.

إن ما يراه الإسلاميون ويدعون إليه هو استراتيجية عملية بديلة يحافظ الحكام أولًا على أنفسهم وشعوبهم. ويحافظون ثانيًا على الأرض التي استخلفهم الله عليها فهم عليها مؤتمنون قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (سورة الحج: ٤٠)

الرابط المختصر :