العنوان الزلازل الاجتماعيّة... عقاب وَعبرة!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1971
مشاهدات 17
نشر في العدد 69
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 20-يوليو-1971
الزلازل الاجتماعيّة... عقاب وَعبرة!
﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (التوبة: 126).
إن الانتفاع بالتجربة والأحداث مسلك يقظ جاد يخرج الإنسان من دوامة الفتن وطواحينها، ويزوده بحصانة واقية في مواجهة الأحداث الجديدة.. وما أكثرها..
ليس من الضروري أن تخوض أمة أو شعب نفس التجربة المرة الأليمة التي خاضها شعب آخر من قبل.
فتكرار التجربة- هنا- ضياع للجهد.. وإلغاء للعقل.. وإصرار على التقليد في الانتحار.
وليس هناك «حتميات» تفرض على أمة ما السير في الطريق الخطأ الذي سلكته أمة أخرى.. فإن كل شعب قادر- إذا هو أراد- على تجنب أخطاء الآخرين. والانتفاع بالتجربة التي مروا بها.
لكن هناك ظاهرة غريبة في العالم العربي تهدر قيمة الانتفاع بالتجربة.. وتمضي بشعوب معافاة في نفس الطريق المسدود الذي سارت فيـه مجتمعات أخرى.. فضاقت عيشتها. واختنقت في مثل جحر الضب!
ونقول: إن هذه ظاهـرة غريبة لأن اتقاء عملية الانتحار أمر ممكن... وواجب في نفس الوقت.
إن الله- سبحانه- لن يسلط على هذه الأمة عذاب الاستئصال كما حدث لأمم كثيرة بائدة فهذه الأمة حفيظة على الرسالة الخاتمة.. والحقيقة التي لا مراء فيها أن رسالة الإسلام مطردة إلى آخر الزمان.. وهذا يعني ضرورة وجود الأمة الإسلامية واستمرار مسيرتها.
لكن المجتمعات الإسلامية- وهذه حقيقة كذلك- تند في سيرها عن طريق الحق والخير والكمال.. فهل تترك بدون عقاب؟
كلا.. لن تترك بدون عقاب.. بيد أن العقاب من نوع آخر.. وهو تسليط الفتن الداخلية عليها.
والمجتمع الراشد هو الذي يدرك هذه الحقائق ويعمل على ضوئها.
· إن عذاب الاستئصال لن يكون.
· إن المضي في الطريق المتعب لا بد أن يعاقب السائرون فيه بفتن داخلية.
· وتسليط هذه الفتن على المجتمعات الإسلامية ليس من «الحتميات» التي يفقد
الإنسان إزاءها حرية الاختيار.
· فوقوع الفتن وزوال الهدوء والاستقرار.. كل ذلك مرتبط بعمل الناس
ومسالكهم.. مرتبط بعدم القيام بشكر المنعم- سبحانه-.. مرتبط بالانتقال إلى مرحلة أسوأ من التفكير والقصور والخلق.
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ﴾ (الأنفال: 53).
وإذا كان الانتقال إلى مرحلة أسوأ من التفكير والسلوك والخلق يؤدي إلى زوال النعمة فإن القيام بحق الله في شكر النعمة.. أي الانتقال إلى مرحلة أحسن من التفكير والسلوك والخلق.. يؤدي إلى اتقاء الفتنة.. والنجاة من الصراع الرهيب الذي يطحن كل شي: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
ولقد كان هذا في تصورنا ونحن نؤكد في افتتاحية العدد ٦٧ من هذه الصحيفة الصادر في 6/7/1971.. ونحن نؤكد على حقيقة أن وجود المخربين في المجتمع الكويتي إنما هو نوع من العقاب على الأخطاء الموجودة.. وإنه باستمرار الأخطاء سيكون العقاب أشد وأصرم. ولقد جاء في تلك الافتتاحية بالنص:
«حماية المجتمع من هؤلاء المخربين لن تكون مع وجود الأخطاء المعروفة في المجتمع.. ومن ثم ينبغي أن ننتقد السبب أولًا.. ننتقد الأخطاء بشجاعة وفي نفس الوقت بحكمة وإخلاص.. ننتقد الأخطاء توطئة لوضع خطة علمية شاملة تقيل العثرات.. وتسد الثغرات. وتنزع بالناس إلى مستوى أفضل من الجدية والفضائل والتحصين لا يهتز. ولا يعبث به. ولا ينقب.. وبهذا وحده يستطيع المخلصون لهذا البلد، الحادبون عليه نزع أمضی الأسلحة من أيدي المخربين وإبطال عملتهم وتجارتهم».
لقد كنا بهذا نطالب بتغيير حقيقي والانتقال إلى مستوى أفضل من الاستقامة والاتجاه نحو الله. ورعاية مصالح عباده.. نطالب به حتى تبقى النعمة في المجتمع الكويتي. ولا تزول منه بسبب تفريطه في جنب الله عز وجل.. وحتى نتقي الفتن التي اكتسحت مجتمعات عربية.. على امتداد ربع قرن من الزمان بل على امتداد أيام من كتابة هذه الكلمة..
إن الله لن يحابي أحدًا. والإصلاح والتغيير ليس بالأماني
﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ (النساء: 123).
والتسويف نوع من التخدير للنفس.. وكأي من رجال انتهجوا سياسة التسويف في معالجة الأوضاع حتى دهمتهم الأحداث بغتة.
والاعتراف بالخطأ بعد وقوع الفتنة لا يزيل بواعثها، ولا يمحو آثارها. ومن ثم فإن المبادرات الإصلاحية الحقيقية الشاملة هي العلاج الصحيح.
وهي التي تُبطل سحر السحرة وتظهر زيف عملة الهدامين.
وإذا كنا لا نستطيع أن نقي المجتمعات شرور الأحداث التي وقعت فيها فإننا نستطيع أن نقي أنفسنا من شرور الفتن والزلازل الاجتماعية.. وهذا هو الانتفاع الذكي بالأحداث.
وداخل الإطار العام يمكن أن تحدث إصلاحات- في كل المرافق- التي تنقل الكويت كله إلى مرحلة أكثر جدية.. وقربًا من الله.. وعناية بمصالح الناس.
ليس هناك عقبات خطيرة في طريق الإصلاح، فليس في الدستور نص يشل الأيدي عن الإصلاح.. ويقعد بالهمة عن الاتجاه بقوة إليه.
وليس هناك حقيقة علمية توجب البقاء في دائر الأخطاء.. وليس هناك قيد أخلاقي.. ولا نزعة إنسانية. ولا نظرة حكيمة إلى تجارب الآخرين.. وإلى المستقبل.. ليس هناك شيء من هذا يقيد خطوات الإصلاح.. أو يبطئ بها.
هناك عقبة واحدة فقط في طريق الإصلاح.. هناك المفسدون.
· الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
· الذين يعيشون للفساد.. وبه.. وفيه.
· الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة.
· الذين يضيقون بكل اتجاه إصلاحي جاد. ويحاولون إحباطه.
هؤلاء هم العقبة الخطيرة في طريق الإصلاح والتغيير.. ومواجهة هؤلاء بصراحة واستبدالهم بغيرهم- في كافة المرافق- من أهل الفضل والكفاءة والمروءة.. هذه الخطوة أفضل وأسلم آلاف المرات من كل المحاولات الأخرى.. وأكثر ضمانًا للاستقرار وأقوى تحصينًا للمستقبل.
ولقد جعل الله الأحداث دروسًا، وقصص الآخرين عبرة ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ. وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (القصص: 58-59-60).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل