العنوان بعد أحداث بلجراد وبوديفو السحب الداكنة في سماء «يوغسلافيا» ماذا تمطر؟
الكاتب عبدالباقي خليفه
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001
مشاهدات 8
نشر في العدد 1440
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 27-فبراير-2001
بلجراد باتت تدرك أن بناء كوسوفا تحت سلطانها أصبح مستحيلًا.. لكن أخطارًا مازالت تحدق بالألبان
لاتزال سماء يوغسلافيا ملبدة بالغيوم، ولاتزال العواصف السياسية والاقتصادية تهز المنطقة، والرذاذ العسكري يفزع إيقاعه الآذان، صربيا بين خيار الأنفة القومية، ومنافع الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتسليم أو عدم تسليم مجرمي الحرب هو المحك، وصراع كان خافيًا ثم ظهر للعلن بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية اليوغسلافي دوشان ميخائيلوفيتش» بين الحكم الجديد وأنصار سلوبودان ميلوسوفيتش.
والجبل الأسود على أعتاب انتخابات، ثم استفتاء على الاستقلال، وكوسوفا بين مفترق طرق كسر القيد أو البقاء في قبضة جلاديها الصرب وسط أنباء عن محاولة لسجن هاشم تاتشي بتهمة ارتكاب جرائم حرب واستمرار التناوش العسكري ومنه العنف والعنف المضاد بعد حادثة مقتل 7 من الصرب
غلبة السياسة على القانون
زيارتان متتاليتان لكل من رئيسة القضاة في محكمة جرائم الحرب بلاهاي كارلة ديل بونتي، وخافيير سولانا المنسق الأوروبي للشئون السياسية والأمنية لبلجراد في الأخيرة كان سولانا على رأس وفد من الترويكة الأوروبية، طالب فيها حكومة بلجراد تسليم ميلوسوفيتيش لمحكمة جرائم الحرب ، لكن الملاحظ أنه لم يردف طلبه بأي تحذيرات أو تهديدات غالبًا ما تكون مرافقة للمطالب التي توصف بالدولية، مثلما نلاحظ في مناطق أخرى من العالم فهل يعني ذلك أنها مجرد تحركات سياسية الهدف منها إجبار ميلوسوفيتيش على الاختفاء وإبعاده عن الساحة السياسية في يوغسلافيا، حيث سبق للغرب أن عرض عليه ترك السلطة مقابل حرق ملفه الأسود وعدم المطالبة بتقديمه لمحكمة جرائم الحرب قبل سقوطه المريع في أواخر العام الماضي؟!
لقد عرض السفير الأمريكي توماس ميلر على بليانا بلافاشيتش الاختباء كما فعل بكراذيتش أثناء زيارة سرية قام بها لمقر إقامتها في بنيالوكا، وهو ما أكدته مجلة نيوزويك في عددها الصادر يوم 23 يناير الماضي، ولكنها رفضت حسب قول المجلة ومما يؤكد ذلك أن الحديث منصب على ضرورة تسليم ميلوسوفيتيش، ونسى رادوفان كراذيتش، ورانكو ملاديتش اللذين وقع ميلوسوفيتش نفسه على تسليمهما لمحكمة جرائم الحرب، ولم يفعل، فهل ما يجري وما يقال حول تقديم ميلوسوفيتش للمحكمة في لاهاي مجرد مسرحية يشترك فيها الأوروبيون والأمريكان والحكومة الجديدة في بلجراد بهدف إبعاد ميلوسوفيتش عن الساحة السياسية؟!
لقد جاءت زيارة كارلة ديل بونتي التي أعقبتها زيارة سولانا لبلجراد في أعقاب لقاء جمع الرئيس اليوغسلافي الحالي فويسلاف كوشتونيستا مع سلفه ميلوسوفيتش، ولم يتحدث أي من الطرفين حول ما جرى في اللقاء سرية المقابلة جعلت التحليل السياسي المتمحور حول صفقة خروج ميلوسوفيتش من الساحة السياسية مقابل عدم تتبعه قضائيًّا حقيقة إلى أن يثبت العكس، كما يدعم هذا الاستدلال سكوت محكمة جرائم الحرب عن التذكير بضرورة تقديمه للمحاكمة طيلة أربع سنوات كاملة لم تنبس فيها بإشارة عن تورطه في جرائم الحرب، رغم أن الجميع يعرف ذلك.
ومن السخرية أن يكون ميلوسوفيتش الذي يشار إليه كمجرم حرب، هو الذي وقع اتفاقية دايتون للسلام عن الجانب الصربي في 21/11/1995م وفيها البند المتعلق بتسليم مجرمي الحرب للعدالة.
ويبدو أن ميلوسوفيتش كان مصرًّا على عدم مغادرة الساحة السياسية، فقبل التحركات الجارية أعيد انتخابه رئيسًا للحزب الاشتراكي الصربي وعاد لدائرة الاهتمام الإعلامي مما أقلق الدوائر الدولية، التي أحست بالحرج الشديد نتيجة لذلك.
وإذا كان المجتمع الدولي قد سكت أو جمد قضية مجرمي الحرب رادوفان كرانيتش ورانكو ملاديتش، وعرض على بليانا بلافاشيتش أن تحذو حذوهما وتختفي، فما الذي يمنعه من تكرار السيناريو نفسه مع ميلوسوفيتش؟!
وإمعانًا في حبك المسرحية رفضت حكومة بلجراد- ولاتزال ترفض- تسليم ميلوسوفيتش لمحكمة جرائم الحرب قبل أن تحاكمه على الفساد وسوء استخدام السلطة طيلة فترة حكمه التي دامت أكثر من عشر سنوات، وفي ذلك مزيد من الضغط عليه للانسحاب من الساحة السياسية، ويبدو أن الجواب الذي ستبرر به بلجراد عدم الامتثال لمطالب المجتمع الدولي بخصوص تسليم ميلوسوفيتش قد تم إعداده في البوسنة من خلال ادعاء میلوراد دوديك رئيس الوزراء الأسبق في الكيان الصربي داخل البوسنة بخصوص كراذيتش حيث قال: «إذا قمت بتسليم رادوفان كراذيتش إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي فسوف أخسر مستقبلي السياسي فالحفاظ على الحكم القائم والخوف المزعوم من عودة المتطرفين إلى السلطة في بلجراد سيكون القبر الذي سيضم قضية الضحايا وجرائم الحرب معًا، وقد انطلقت الدعوة من روسيا التي طالبت بإلغاء محكمة جرائم الحرب في لاهاي، وهو موقف لم يتخذه الصرب أنفسهم الذين طالبوا بتعميم التهم على المجرمين والضحايا معًا واعتبروا أن المحكمة معادية للصرب، أما المتهمون بارتكاب جرائم حرب دون وزن ميلوسوفيتش فقد فروا إلى مناطق الصرب في البوسنة والهرسك ومنهم المدير السابق للجمارك ووزراء سابقون، رغم أن الحكومة الجديدة في بلجراد لا تعتبر ما اقترفه الصرب من مجازر واغتصاب وخطف واعتقال جرائم حرب وإنما دفاع عن النفس من خطر محتمل وبناء على هذه الخلفية يرفض فويسلاف وشتونيتسا الاعتذار للبوشناق المسلمين والكروات الكاثوليك، ويمكن للمرء أن يتساءل: لماذا فر عدد كبير من كوادر النظام السابق إلى مناطق الصرب في البوسنة والهرسك ودول أخرى مثل اليونان وبلغاريا، ورومانيا، وروسيا إذن؟ لقد جاء ذلك بعد إعلان وزير الداخلية في بلجراد عن استعدادات كبيرة لتصفية الحساب مع أعمدة النظام لميلوسوفيتشي وتشكيل لجان توثيق الجرائم بحق الشعب والمال العام وسوء استخدام السلطة، وهو ما أدى إلى تعرضه لمحاولة اغتيال في السادس عشر من فبراير الجاري، هكذا يتخذ الصراع السياسي وتصفية الخصوم طابع الإجراءات القانونية، في حين لا يجد الخصوم وسيلة أنجع من الاغتيال لأن حظوظ الكسب عبر الوسائل الأخرى معدومة، وقد يكون الحديث عن محاكمة ميلوسوفيتش في الإطار نفسه، وهذه حقيقة تكشف سر شخصية فويسلاف كوشتونيتسا الذي يوصف بأنه وطني ديمقراطي عنصري" لذلك يحظى بالدعم والرعاية، فقد رفضت كارلة ديل بونتي التحدث للصحافيين بعد لقائها كوشتونيتسا ولو أنها كانت جادة فعلًا لكان عليها أن تطلع الرأي العام على حقيقة ما جرى ويجري وراء الكواليس، وفي زيارة خافيير سولانا المنسق الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن لبلجراد تم تخصيص مبلغ ٤٥٠ مليون يورو الصربيا، وتمت موافقة الاتحاد الأوروبي ومحكمة جرائم الحرب في لاهاي على محاكمة ميلوسوفيتش في بلجراد على أن يسلم بعد انتهاء محاكمته إلى لاهاي، ولكن ذلك كما يبدو ليس سوى تمييع للقضية فالاتحاد الأوروبي يطالب بلجراد بتسليم مجرمي الحرب إذا كانت تريد الانضمام للمجلس الأوروبي وفي الوقت نفسه يضخ لها الأموال الطائلة.
دولة جديدة..
في الأسابيع المقبلة سوف تجري انتخابات عامة في الجبل الأسود وبعد تشكيل البرلمان المنتخب، سيتقدم الرئيس ميلو تجوكانوفيتش إلى مجلس البرلمان الجديد باقتراح لإجراء استفتاء على الاستقلال عن يوغسلافيا، مما يعني أننا قد نشهد میلاد دولة جديدة في هذا العام، رغم وجود معارضة صربية في بلجراد وجيوبها في الجبل الأسود منذ الاستقلال.
احتمالات نشوب حرب بين الجبل الأسود ويوغسلافيا من عدمه متساوية في ظل تناقضات أقوال وأفعال كوشتونيتساء الذي أعلن أنه لن يستخدم القوة لإجبار الجبل الأسود على البقاء جزءًا من يوغسلافيا، لكنه هدد بالانسحاب من الساحة السياسية في حال استقل الجبل الأسود مما يعني أننا سنشهد انتخابات جديدة في صربيا أيضًا، في حال نفذ كوشتونيتسا ما أعلنه، لقد بات كل محاولات بلجراد لثني الجبل الأسود عن الاستقلال بالفشل، ومنها محاولة زعزعة الوضع السياسي من خلال انسحاب الأقلية الحزبية المؤيدة لبقاء الاتحاد اليوغسلافي من الائتلاف الحاكم، مما يستدعي إجراء انتخابات مبكرة أواخر هذا الربيع يعتقد الحزب الديمقراطي الاجتماعي برئاسة ميلو تجو كانوفيتش أنه سيفوز فيها فوزًا ساحقًا بعد رفضه مقترحات بقاء الجبل الأسود ضمن الاتحاد اليوغسلافي، مع تحسينات وصلاحيات تصل إلى وضع دولة داخل دولة وحق الاعتراض على أي إجراء يراه مضرًّا بمصالحه، وجاء الرد مخيبًا لآمال كوشتونيتسا وبعد الرد بفترة قصيرة أعلن الجبل الأسود عن مخطط في بلجراد لتصفية الرئيس ميلوتجوكانوفيتش وعدد من المقربين منه يشرف عليه الرئيس اليوغسلافي فويسلاف کوشتونيتسا بنفسه ويتمثل في تدريب وتسليح صرب الجبل الأسود، وتقسيمهم إلى فرق خاصة لتنفيذ تلك المهمة بمباركة ومشاركة من الكنيسة ومن هذه الفرق مجموعة الشباب الأرثوذكسي وشباب المقاومة، وبعض عمال المصانع الذين أدوا دورًا كبيرًا في إسقاط رئيس الجبل الأسود الأسبق سنة ١٩٨٩م، وقد ضاعف الصرب من ضغوطهم السياسية من خلال دعوة حزب الشعب الصربي في الجبل الأسود لتشكيل تحالف من أحزاب المعارضة ضد مطالب الاستقلال الذي يدعو إليه رئيس الجبل الأسود، ورغم هذا الغليان المستشري في صربيا والجبل الأسود، قبل موعد الانتخابات والاستفتاء على الاستقلال إلا أن الاتحاد الأوروبي . ورغم تأكيده على العمل من أجل منع الأزمات قبل حدوثها- لم يحرك ساكنًا، حيث إن آخر موقف له من قضية الجبل الأسود كان في قمة زغرب قبل أكثر من شهرين (24/11/2000م) عندما رفض استقلال الجبل الأسود، وإن كانت الولايات المتحدة قد حددت موقفها في احترام أي قرار يتخذه الجبل الأسود بخصوص مستقبله وعلاقته بصربيا بعد زيارة قام بها رئيس الجبل الأسود أواخر يناير الماضي لواشنطن، وهو ما ينظر إليه السياسيون في الجبل الأسود على أنه دعم وتشجيع على الاستقلال من قبل الولايات المتحدة.
كسوف العدالة
قبل ما يقرب من مائتي عام كان الوضع في صربيا، شبيهًا بالحال في كوسوفا اليوم عندما كانت خاضعة للنفوذ العثماني، وكان العثمانيون في آخر عهدهم بالبلقان يقيمون في محميات خوفًا من اعتداءات الحرب، واليوم ها هم الصرب يشربون من الكأس نفسه ويذوقون طعم الموت عندما يصرون على إبقاء كوسوفا رهينة في أيديهم بأرضها وشعبها.
ولم تكن حادثة بوديفو الأخيرة "وما سبقها وما سيعقبها" والتي قتل فيها سبعة من الصرب وجرح منهم ٣٧ آخرون " حيث تعرضت قافلة من أربع حافلات صربية ترافقهم قوات الإسفور لانفجار عن بعد أدى إلى إصابة الحافلة الأولى التي تقل مسؤولين صربًا متورطين في ارتكاب مجازر ضد الألبان الكوسوفيين سنة (۱۹۹۹)- سوى حلقة في سلسلة الصراع الدموي التاريخي في البلقان، والذي لا ينتظر له أن يتوقف ما لم يتم حل المشكلة القومية أو يدمج البلقان في أوروبا الموحدة بشكل يرضي جميع الأطراف، لقد مهدت الانتخابات البرلمانية التي ستتم- بعون الله- في خريف هذا العام خطوة في الاتجاه الصحيح الذي يؤمل أن يفضي إلى الاستقلال الذي لا تزال أوروبا ترفضه والولايات المتحدة مترددة بشأنه بعد الأراجيف التي نسجها الصرب واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة حول المخاوف من انتشار الأصولية الإسلامية في حال استقلت كوسوفا وهذا اللوبي له علاقة بما كتبه توماس فريدمان في النيويورك تايمز حول تقسيم البوسنة ووضع دويلة المسلمين التي اقترحها تحت وصاية حلف الأطلسي.
لقد تعرض أهالي كوسوفا الألبان المسلمون لمظالم لا يمكن أن يتسامحوا بشأنها إلا إذا منحوا الاستقلال التام عن صربيا وعاشوا آمنين في دولتهم المستقلة، وإلا فإنهم مستعدون للتضحية ومواجهة كل القوى بما فيها قوة حفظ السلام التي أمطروها بالحجارة في شهر فبراير الجاري تعبيرًا عن سخطهم وعدم رضاهم عن أدائها، حيث حاولت إرهابهم، والتغاضي عن جرائم الصرب بحقهم بعد مقتل ألبانيين على يد الصرب في بوديفو. ويبدو أن بلجراد تدرك أن بقاء كوسوفا تحت سلطانها أصبح من الاستحالة بمكان، فالألبان يرفضون من يتحدث معهم باللغة الصربية فضلًا عن أن يتحدثوا هم بها، فكيف بالبقاء جزءًا من صربيا ولذلك تعمل بلجراد على ضم كوسوفا الشرقية إليها التي يطلق عليها في الإعلام الدولي- تواطؤًا أو جهلًا- جنوب "صربيا" وتبلغ نسبة المسلمين فيها 80% من عدد السكان الإجمالي، وهي منطقة غنية بالفحم الحجري والمعادن الأخرى، وقد شهدت في بداية هذا العام حملة تطهير عرقي فظيعة ضد الكوسوفيين بعد الأحداث الحدودية بين جيش تحرير كوسوفا والشرطة والجيش الصربيين، ففي ٢٧ نوفمبر الماضي تقدمت عشر فرق مدرعة وخمس وحدات عسكرية صربية نحو الحدود مع كوسوفا ورغم أن قوات الكيفور الدولية قد منعت العسكريين من دخول كوسوفا بلباسهم العسكري، إلا أنها سمحت لهم بالدخول بلباس الشرطة بناء على اتفاقية موقعة تمنع الجيش الصربي من الاقتراب مسافة خمسة كيلو مترات من الحدود، وكانت مهمة القوات الصربية تتمثل في ترويع الألبان ليلًا وإجبارهم على الخروج من مساكنهم التي تعرضت للنهب وانتهاك حرماتها، وخلال بضعة أيام كان ما يزيد على عشرة آلاف ألباني يتلوون جوعًا ويرتجفون خوفًا ويبكون قهرًا وحسرة في الخيام، وبدل قيام القوات والسلطة الدولية بإعادتهم لبيوتهم أصدروا نداء للمجتمع الدولي للتبرع لهم بالزيت والدقيق والأغطية، وكأنه كتب عليهم التهجير للأبد أو أن ذلك هو وضعهم الطبيعي الذي ارتضاه المجتمع الدولي، لقد فهم الألبان ذلك، فهاجموا قوات الكيفور بالحجارة وصعدوا من نضالهم المشروع، ولا يستبعد المراقبون أن تكون التحركات الصربية لها علاقة بما كان أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش في حملته الانتخابية من أنه سيسحب قواته من البلقان، كما لم يستبعد المراقبون أن تكون أحداث الحدود مفتعلة ومن صنع الصرب لتبرير إجلاء الألبان من المنطقة وإحداث واقع جديد يتم بعده تقسيم كوسوفا، الأمر الذي عبر عنه ريتشارد هلبروك بقوله: إذا تم سحب القوات الأمريكية فسيحترق البلقان، واستغرب المبعوث الدولي للسلام في كوسوفا كارل بلت ذلك لأنه يهدد أمن البلقان وأروربا بأسرها، إن تحقيق مطالب الألبان في كوسوفا هي الشرط الوحيد الضمان السلام في البلقان وأوروبا فهم أولى بالاستقلال من الجبل الأسود، واستقلالهم لن يثير أي مطالب قومية أخرى حيث إنهم يمثلون ٩٠% من عدد السكان، بينما لا يمثل ألبان مقدونيا إلا 40% وفي أقصى الحالات 50% وخريطتهم الديمجرافية تغطى كل كوسوفا، بينما في مقدونيا الأمور متداخلة نسبيًّا والأمر في البوسنة أشد تعقيدًا، وبالتالي فإن حالة كوسوفا لا يمكن مقارنتها أو قياسها بأي دولة في البلقان، إن مطالب الألبان في كوسوفا تتمثل في أربعة مطالب آنية ومطلب استراتيجي، أما المطالب الآنية فهي:
انسحاب القوات العسكرية الصربية "في زي الشرطة من مناطق بيانوفيتسا وميتريتسا وبريشيفو.
إعادة المهجرين إلى بيوتهم في هذه المناطق.
إطلاق سراح المعتقلين المقدر عددهم بعشرين ألف معتقل.
إعادة المناطق المذكورة إلى أراضي كوسوفا، وهذه المطالب لم يتم حتى الآن إقرارها من قبل السلطة الدولية في كوسوفا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهي مطالب قانونية حقوقية مشروعة يقع التسويف حولها أو تجميدها، فما بالك بالاستقلال المطلب الاستراتيجي للكسوفيين فهل يتم تدارك ذلك من قبل المجتمع الدولي فيصحح أخطاءه أم ينخرط في أعمال قمعية ضد الكوسوفيين ومن بينها سجن قادتهم وعلى رأسهم هاشم تاتشي الذي تقول مصادر في بلجراد إنه سيتم استدعاؤه لمحكمة لاهاي وإن حدث ذلك فستكون مأساة أخرى، يؤخذ فيها الضحية مكان المجرم؟!
هذه الأحداث التي تشهدها يوغسلافيا الحالية وخاصة ما يجري في بلجراد ويوتجوريتسا وكوسوفا، لها ما بعدها، مما يجعل يوغسلافيا على فوهة بركان، فالصراع في بلجراد على السلطة والمال والجاه، يتخذ طابعًا مافياويًّا، يغري المشاهد بمتابعة الفيلم البوليسي السياسي هناك ويبدو أن هذا الفيلم الذي كانت نهايته سقوط "البطل" ميلوسوفيتش، قد تحول إلى مسلسل دموي بدأت أولى حلقاته في السادس عشر من فبراير وتزامن مع حادث مقتل صرب في كوسوفا، ولذلك دلالاته العميقة، فيوغسلافيا تضرب في القلب على أيدي التائقين للحرية والتخلص من نيرها وعدم استقرارها، وجفافها السياسي، وفي الجبل الأسود ينتظر الغيث .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل«ميدل إيست مونيتور»: تطهير عرقي ممنهج للسكان السُّنة في المنطقة
نشر في العدد 2111
16
الجمعة 01-سبتمبر-2017