العنوان السودان .. من سلة غذاء العالم الإسلامي» إلى المجاعة والانهيار!
الكاتب د. أشرف دوابه
تاريخ النشر الخميس 01-أغسطس-2024
مشاهدات 49
نشر في العدد 2194
نشر في الصفحة 34
الخميس 01-أغسطس-2024
• رغم الإمكانات الضخمة للقطاع الزراعي بالسودان فإن المستقل 31% فقط.
• السودان «سلة غذاء العالم الإسلامي» لكن الحكومات عجزت عن تحقيق هذا الحلم.
• البلاد تواجه
خطر مجاعة حيث يعاني نحو ۱۸ مليونًا بالفعل من الجوع الحاد.
• ما زالت المؤسسات الدولية والدول العربية عاجزة عن الحفاظ على أمن السودان.
يعيش السودان
حربًا ضروسًا، انتقل بها من أمل الأمة الإسلامية في توفير حاجاتها من الغذاء، إلى انتشار
المجاعة فيه وانهيار الاقتصاد، والكل واقف يتفرج عما دار بهذا البلد الشقيق من تدمير
إلا ممن يغذون نار الحرب من هنا أو هناك.
حينما كان يذكر
السودان في المشهد الاقتصادي، يذكر مرادفه وهو «سلة الغذاء». بحسب تقرير لأكاديمية
أوكسفورد بسبب قطاعه الزراعي الذي كان يوظف ٥٣% من القوى العاملة، ويمثل ۲۱۸% من الناتج المحلي الإجمالي في عام ۲۰۱۹م، فالسودان يذكر بمقوماته من
أرض واسعة خصبة للزراعة ووفرة من المياه للشرب وتعدد مصادرها، ومناخ مناسب للزراعة
طوال العام، فضلًا عن وفرة مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة منها، بصورة تمكنه من التميز
في الاستثمار الزراعي والثروة الحيوانية لا سيما بما يملكه من مراع خصبة.
إن السودان يتمتع
بمساحة ٢٤ مليون فدان صالحة لزراعة القطن بأمطار تتجاوز ٥٠٠ مل، وهي صالحة كذلك لنظام
الدورة الزراعية لتشمل محاصيل القطن والفول والذرة والدخن والسمسم، وعلى سبيل المثال:
فإن ولاية النيل الأبيض وحدها يوجد فيها أكثر من ٧٠٠ ألف فدان شمال وجنوب الولاية صالحة
للزراعة والإنتاج الحيواني.
كما أن مشروع
القاش بالقرب من البحر الأحمر تبلغ مساحته ٤٠٠ ألف فدان، ويتميز بأعلى إنتاجية في العالم
من الري الفيضي وكذلك مشروع أبو حبل في غرب السودان ومساحته أكثر من ۲۰۰ ألف فدان من الري الفيضي، ويضاف له المشروع الزراعي الكبير مشروع الجزيرة
بوسط السودان وهو خط الدفاع الأول في تأمين الغذاء بما ينتجه من القمح والذرة في مساحة
تبلغ ٢.٢ مليون فدان فضلا عن مشروع الجزيرة الذي تميز بإنتاجه نحو ٣٠% من جملة احتياجات
السودان من القمح إلى جانب إنتاجه من الذرة.
ورغم كل هذه
الإمكانيات الضخمة للقطاع الزراعي في السودان فإن المستغل الفعلي من الأراضي الزراعية
يعد ضئيلًا، إذ بلغ حوالي %1 فقط من المساحة الزراعية الكلية، كما أن الوسائل الزراعية
المستخدمة وسائل تقليدية ما يجعل من إنتاجية الفدان متدنية في معظم السلع الزراعية.
سلة غذاء
وقد تغنى السودان
كما تغنى العرب والمسلمون معه بأنه سلة غذاء العالم الإسلامي»، ولكن عجزت الحكومات
المتوالية في السودان عن تحقيق هذا الحلم، وكان دائمًا الشعار المرفوع لذلك أن المعوق
عن تحقيق ذلك هو تعرض السودان للمؤامرات بصفة مستمرة وهذا عذر كان ينبغي عدم الركون
له، بل كان الأهم التخطيط لمواجهته
بمزيد من الاستثمار الزراعي وتحويل الحلم العربي والإسلامي إلى واقع.
وقد شهد العالم
تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي، وهو ما أعاد مرة أخرى السودان
إلى الواجهة الاقتصادية للمساهمة في سد النقص الذي واجهه العالم في السلع الزراعية
نتيجة هذه الحرب، وفي هذا الإطار صدر إعلان نواكشوط للأمن الغذائي العربي الذي أطلقه
وزراء الزراعة العرب المعالجة التداعيات الناتجة عن آثار الحرب الأوكرانية الروسية
وجائحة «كورونا» والتغيرات المناخية
واعتبر السودان من أكبر الدول المستفيدة من مشروعات الأمن الغذائي العربي باعتبار أن
الإستراتيجية العربية مصممة على وجود الموارد الطبيعية ومصادر المياه التي تتوفر فيه.
كما أوصت المنظمة
العربية في الورشة التي عقدت بالخرطوم في سبتمبر ٢٠٢٢م حول التكامل الزراعي العربي
ودوره في تحقيق الأمن الغذائي المستدام والتغلب على التحديات المعاصرة بالاستفادة من
الفرص المتاحة التي أوجدتها صعوبات الواقع الإقليمي والدولي والتبشير بمبادرة الأمن
الغذائي العربي واعتماد مكوناتها في أدبيات التنمية والأمن الغذائي للدول العربية.
وأكدت التوصيات
ضرورة اعتماد البرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي وآليات تمويله في القمة العربية
بالجزائر، والطلب من الدول العربية العمل على استغلال الفرص المتاحة وزيادة استثماراتهم
الزراعية في السودان بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي العربي المستدام.
ولكن ما حدث
بعد ذلك كان أشد وأنكى، فقد تعرض السودان منذ ١٥ أبريل ۲۰۲۳م، لحرب ضروس فاقت في فظاعتها
الحرب الروسية الأوكرانية من خلال تمرد قوات الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية
وبات القتل بين السودانيين سيد الموقف، والهجرة إلى الدول المجاورة مسلكًا لا مفر منه،
كما باتت المجاعة أمرًا مشهودًا في ظل نقص إمدادات الغذاء والمياه وخدمات الرعاية الصحية
ليترك ٢٥ مليون شخص أي أكثر من نصف السكان في حاجة المساعدات إنسانية ويشرد ٨.٦ ملايين
شخص داخل السودان وخارجه.
خطر المجاعة
وقد ذكرت الأمم المتحدة أن الشعب
السوداني يواجه خطر مجاعة وشيكًا، حيث
يعاني نحو ۱۸ مليون شخص بالفعل
من الجوع الحاد، بما في ذلك ٣.٦ ملايين طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وفقا لبيان
مشترك صادر عن مسؤولين بالأمم المتحدة منهم المفوض السامي لحقوق الإنسان.
كما ذكرت منظمة
الصحة العالمية أن الأزمة في السودان قد تتفاقم في الأشهر المقبلة مع استمرار القيود
على توزيع المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد
نقصًا بنسبة تتراوح بين ٧٠ و ٨٠% من المرافق الصحية، وأخطار انتشار الأوبئة والأمراض.
وأعلن مكتب الأمم
المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن السودان يحتاج إلى مساعدات بقيمة ٢.٦ مليار دولار
للوصول إلى ١٤.٧ مليون شخص من أصل ٢٤.٨ مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات لكنه لم يحصل
سوى على ۱.۳ مليار دولار حتى الآن أي
أقل من نصف المبلغ المطلوب، وأنه مما يثير القلق أن ۱۷.۷ مليون شخص أكثر من ثلث سكان البلاد يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من
بينهم ٤.٩ ملايين شخص على حافة المجاعة، والأطفال المتضرر الأكبر.
كما قال رئيس
مكتب الأمم المتحدة بالسودان جوستين برادي كانت الحرب قاسية بشكل خاص على الأطفال،
إذ يعاني ما يقدر بنحو ۷۳۰ ألف طفل من سوء التغذية
الحاد وبدون مساعدة عاجلة يمكن أن يموت أكثر من ۲۰۰ ألف طفل بسبب الجوع الذي يهدد حياتهم في الأسابيع والأشهر المقبلة.
لقد أدت هذه
الحرب المسعورة إلى تدهور القطاع الزراعي بشكل حاد مع بقية البنية التحتية للبلاد،
حيث انخفض إنتاج الحبوب بنسبة ٤٦% في مارس ٢٠٢٤م، مقارنة بالشهر ذاته من العام السابق
كما انكمش الاقتصاد السوداني بنسبة ٤٠% في عام ٢٠٢٣م، وهبطت إيرادات الدولة بما يتجاوز
۸۰% : ما ألقى بثقله على الرواتب
المدفوعة للعاملين بالدولة، وأسهم في تفاقم أزمة المعيشة التي تعاني بالفعل من ارتفاع
الأسعار.
كل ذلك وما زالت المؤسسات الدولية والدول العربية والإسلامية تقف عاجزة عن الحفاظ على أمن السودان الذي هو في حقيقته من صلب أمنها، لا سيما مصر الذي يجب أن تفعل دورها لإنهاء تلك الحرب المسعورة، والحفاظ على امتدادها الجنوبي وسر الحياة التي يجمعها مع السودان في نهر النيل، الذي يتعرض حاليا لقرصنة إثيوبية، ولا يمكن للحياة في مصر أن تستمر بدونه.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل