العنوان السودان .. وأسلحة الدمار الشامل
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998
مشاهدات 41
نشر في العدد 1291
نشر في الصفحة 49
الثلاثاء 03-مارس-1998
للدول الكبرى مفردات عجيبة في هذا العصر في اتهام الشعوب النافرة من الاستعباد، والمتمردة على الظلم والطغيان، خاصة إذا كانت تلك الشعوب ضعيفة أو نامية، فتارة تتهم بالإرهاب، أو بإيواء الإرهاب، أو بمساعدة الإرهاب، أو بانتهاك حقوق الإنسان، أو الخطورة على الجيران، أو بعدم تنفيذ القرارات الدولية، أو بإنتاج الأسلحة المحرمة، إلى آخر تلك المنظومة، وقد يتساءل بعض صغار الأحلام عن الضمائر العالمية، أو عن الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن، فيرد عليه الواقع الأليم والحقائق المرة لتقول له كلهم وحوش يا صديقي، يتمنى أي منهم أن يحظى بقبلة الموت، أو بشيء من تركة الميت ولو كان كفنه الذي يستر عورته.
وقد ذكرني ذلك بنكتة رواها الشيخ عبد الحمید کشک رحمه الله، حيث كان في بعض قرى الريف رجل غني فمات له كلب فنصب له سرادقًا فخمًا وجلس يتقبل العزاء ويطعم الناس اللحم على روح الكلب فاغتاظ من هذا الفعل وأنكره بعض المستهجنين لهذه البدعة الغربية الشائهة وذهبوا إلى عمدة البلدة وذكروا له الواقعة فاستدعى العمدة هذا الغني صاحب العزاء على عجل وسأله عن هذا الفعل الغريب الذي خشي أن تتخذه الناس سنة في إقامة عزاء للكلاب أو القطط أو الحمير التي تنفق كل يوم، فقال الغني يا حضرة العمدة الحكاية بسيطة الكلب قبل ما يموت ترك ألفين جنيه وأوصي لحضرتك بألف والعزاء بألف، فقال العمدة بلهفة مستفهمًا هو - المرحوم قال لك كده والتفت إلى الناس وقال لابد من نفاذ وصية المرحوم وصار الكلب مرحومًا يقام له العزاء ما دام قد أوصى للعمدة بألف.
والدول أو الذئاب إذا أعطيت شيئًا، أو حصلت على نصيب من دم الشعوب أو لحمها، فكل شيء حلال زلال يستسيغه الضمير الحر في عالم الأشرار.
وقد تتساءل كثيرًا عن دنيا الغرائب دنيا الأقوياء وعن أفعالهم وأعمالهم التي تصب كل يوم صبًا على الدول الصغيرة والضعيفة، قد تتساءل عن السودان، وما يتعرض له من ضغوط شديدة من كل من النظام الدولي والإقليمي، فعلى المستوى الدولي يتمثل في القرارات التي اتخذها كل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية بالإضافة إلى السياسة الأمريكية المعادية للنظام الحاكم في السودان، وأما على المستوى الإقليمي فإن الأعوام ١٩٩٥م، ١٩٩٦م، ١٩٩٧م قد شهدت تطورات شديدة سلبية في علاقة السودان بجيرانه، تحريضًا من جهات أجنبية ورعاية دولية.
ففي اليوم الأخير من يناير عام ١٩٩٦م اتهم السودان بإيواء ثلاثة من الإرهابيين حاولوا الاعتداء على الرئيس المصري وأصدر مجلس الأمن الدولي سريعًا القرار رقم ١٠٤٤ الذي طالب فيه الحكومة السودانية بتسليم المتهمين دون أدلة على أنهم في السودان ، وأعطى السودان مهلة 60 يومًا لتسليم المتهمين وإلا عرض السودان نفسه للعقوبة والنتيجة الطبيعية أن السودان لم يسلم شيئًا، فاقترحت الولايات المتحدة على مجلس الأمن عقوبات للسودان تتمثل في حظر تصدير السلاح إليه وإلى وقف الرحلات الدولية للخطوط الجوية السودانية، وإلى تخفيض عدد ومستوى البعثات الدبلوماسية والقنصلية السودانية في الدول الأخرى، وامتناع الدول عن إنشاء أي بعثات دبلوماسية جديدة على الأراضي السودانية.
كل هذا بدون أن يثبت شيء على السودان هذا ولم يكتف الموقف الأمريكي المعادي بذلك فقررت أمريكا تجميد وجودها الدبلوماسي في الخرطوم، ثم تم تشجيع عناصر حاقدة على السودان بحمل السلاح ضد الدولة وسموا بالمعارضة السودانية، ثم قامت الولايات المتحدة منفردة بإثارة جيران السودان عليه وتخصيص مساعدات عسكرية لهم بمبلغ ٢٠ مليون دولار لتوزع بين إثيوبيا، وإريتريا، وأوغندا، للهجوم على السودان، وقد قامت هذه الدول فعلًا بالهجوم على الحدود السودانية، واحتلال بعض أراضيه.
ففي1/1/1996م قامت إثيوبيا، بالاشتراك مع مقاتلي جيش جارانج ، عدو السودان بالإغارة على وحدات من الجيش السوداني في الأراضي السودانية بولاية القضارف، وحاولت احتلال مواقع الجيش ولكنها ردت بعد أسر عدد من الجنود وتدمير جزء من آلياتها، ثم عاودت الفلول المعتدية مرة أخرى بعد أن زودت بالسلاح الفعال من جهات أجنبية واعتدت على الحدود السودانية بمساعدة المتمردين وتم الاستيلاء على مدينتي: أبوش وأعالي النيل، واستعملت إثيوبيا في ذلك الدبابات والمدفعية الثقيلة في شن الهجوم.
وأما عن إريتريا، فقد كانت أكثر حماسًا لضرب جارتها السودان، فقامت بإيواء المعارضة السودانية على أرضها ومدها بالدعم السياسي. وأعطت السفارة السودانية لهم، وأمدتهم بالسلاح والجند، كما سمحت على أراضيها بفتح إذاعات ضد السودان، وانطلق غزو آخر للسودان من الأراضي الإريترية، وأما عن أوغندا، فقد كان الوضع أكثر سوءًا رغم محاولات التوفيق بينها وبين السودان، ومما زاد من حجم البلية أن وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية قد زارت المتمردين على السودان أخيرًا لتشجيعهم على غزوه وإسقاط حكومته ووعدهم بالدعم لذلك عسكريًا وماديًا.
وهذا في الحقيقة أمر يدعو إلى الحيرة العقلية والسياسية والإنسانية، وإلى التساؤل عما فعله السودان حتى يستحق كل هذا العداء الدولي وهذا التحريض والتحرش من قبل الولايات المتحدة بهذا الزخم وهذه الضراوة العالمية والإقليمية والداخلية المحرضة والمدعومة، أيوجد عنده هو الآخر أسلحة بيولوجية؟ أو يصنع أسلحة كيماوية وجرثومية، تدمر إسرائيل وما حولها؟ أيقوم بتهديد جيرانه والسلم العالمي؟ أيقوم بزراعة المخدرات وتوريدها للعالم الحر؟ وأين الأمم المتحدة بأمانتها وشعوبها وضميرها الميت؟ ألم تشعر بهذا الظلم؟ ألم تر كل هذا الاعتداء من الجيران والتحريضات من الدول الكبرى لحساب أطماعها وتسلطها؟ ألم تر وتسمع آلام شعب السودان من الحصار والحرب والبوع والفتن سنين عددًا؟ ألم تسمع آذان العرب والمسلمين، ويشعر إحساسهم بهذا القهر والظلم؟ ألم تدر جامعة الدول العربية والمنظمة الإسلامية بهذا؟ أم أنها تدري ولكنها مخدرة مقهورة؟ وصدق القائل:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
أما أنا فأقول: إنه الكفاح ضد الظلم الذي يجب الاستعداد له وتحمل تبعاته حتى ينقشع.
وصدق القائل:
لا تحسب المجد تمرًا أنت أكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فهل نحن فاهمون؟ نسأل الله ذلك.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل