العنوان الصحوة المعرفية والحاجة للتخلص من الاستبداد والتبعية للغرب
الكاتب علي عليوة
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 25
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 46
السبت 28-فبراير-2004
جاء تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة لعام ۲۰۰۳ والخاص بالمنطقة العربية بمثابة جرس إنذار للشعوب والحكومات بسبب ما تضمنه من أرقام وإحصاءات تشير بوضوح إلى تدهور الأوضاع المعرفية وتزايد الفجوة في هذا المجال، بين البلدان العربية والبلدان المتقدمة، وقد أسهم في ذلك مناخ عام طارد للعلماء والخبراء، فيما يسمى بهجرة العقول، إلى جانب غياب الحريات والمناهج الدراسية التي تثير لدى المتعلم الرغبة في إنتاج المعرفة.
رابطة المرأة العربية عقدت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ندوة لمناقشة التقرير، شاركت فيها نخبة من الخبراء والمهتمين بالدراسات والبحوث التنموية في المنطقة العربية.
ويرى الدكتور حسن الببلاوي أن التقرير يركز على مثلث التنمية الذي يقوم على ثلاثة أضلاع المعرفة والمرأة والحرية وهو مثلث مهم في حركة التنمية والنهضة، وأهم ما فيه ربط المعرفة بالحرية، وللأسف فإن كثيرًا من البلدان العربية يعاني من غياب الحرية، وبالتالي غياب المناخ الذي يساعد على الإبداع والابتكار، وإنتاج المعرفة، وأنه لا معرفة في ظل شيوع مناخ لا يراعي حقوق الإنسان.
وانتقد الببلاوي البعد الثقافي الذي يغلب مفاهيم عتيقة تقوم على السلبية واللامبالاة، وعدم تقديس قيمة الوقت وإتقان العمل وهي تعيد صياغة التخلف وتعمل على تكريسه وقد عششت داخل الإنسان العربي، وعرقلت إكتساب وإنتاج المعرفة ولذلك فالحاجة ماسة لإعادة النظر في تلك المفاهيم.
عسكرة العولمة
وترى الدكتورة عواطف عبد الرحمن رئيسة قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة: أن التقرير يعرض مفهومًا للحرية من المنظور الغربي، ولم يسع لوضع مفهوم يناسب دول العالم الثالث ويركز على حرية المواطن ويهمل حرية الوطن، ففي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق كيف يمكن أن يكون هناك مواطن عراقي حر في وطن محتل؟ وكيف يكون المواطن حرًا في ظل غياب العدالة في توزيع الناتج القومي على مستوى الوطن العربي، وشيوع مناخ الإستبداد السياسي وهيمنة العولمة التي أصبحت عولمة عسكرية بعد تحول الولايات المتحدة إلى قوة استعمارية تفرض هيمنتها بقوة السلاح.
وتطرق الدكتور نبيل علي -خبير الحاسوب- إلى الأخطار التي تتهدد اللغة العربية في عصر العولمة الذي يسعى لفرض اللغة الإنجليزية على شعوب العالم، وأدت تلك العولمة إلى اختفاء أكثر من ستة آلاف لغة تحت وطأة الغزو اللغوي، ومع تعاظم دور ثورتي المعلومات والاتصالات، فإن التنوع اللغوي مهدد بالانقراض لصالح اللغة الإنجليزية، مما يتطلب عناية أكبر بمقررات اللغة العربية، وتعريب مناهج التعليم الجامعي، حتى تعود للغة العربية سيادتها على أرضها وتعود كما كانت في عصر الحضارة العربية الإسلامية – لغة العلم والمعرفة.
وأكد أن السعي وراء تعليم أبنائنا اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية لغة القرآن الكريم لن يجعل من هؤلاء الأبناء مبدعين أو منتجين للمعرفة، فالحقيقة العلمية تشير إلى أن الإنسان لا يكون مبدعًا أو مفكرًا أو منتجًا للمعرفة، إلا من خلال لغته القومية، لا من خلال لغة الآخرين، وإن كان تعلم اللغات الأجنبية أمرًا مطلوبًا ومهمًا للاتصال بالعالم والانفتاح على ثقافاته، ومن هنا تظهر أهمية الترجمة، ومن المؤسف أن ما تم ترجمته منذ عصر المأمون حتى الآن لا يزيد على ١٠ آلاف كتاب، وهو ما قامت إسبانيا بترجمته في عام واحد.
وتسائل السفير الدكتور أحمد عبد الحليم- سفير السودان في القاهرة: كيف تغير أوضاعنا التعليمية والاجتماعية لتصبح مجتمعًا منتجًا للمعرفة في ظل التدخلات السافرة للغرب في شؤوننا ورغبته الحثيثة في إلغاء مبدأ السيادة، وفرض سياسة التبعية ثقافة وسلوكًا وأنماط حياة، وبالتالي القضاء على مفهوم التنوع الثقافي واللغوي الذي طالما تشدق به الغرب، وهذا الوضع الدولي يفرض على شعوبنا وضع استراتيجيات متكاملة للتصدي للغزو الثقافي الغربي، وفي الوقت نفسه إحياء قيم وتعاليم عقيدتنا وتفعيلها في واقع الحياة حتى تصبح مجتمعًا منتجًا للمعرفة.
وينبه الدكتور نادر فرجاني -رئيس فريق الباحثين، الذي وضع تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام ۲۰۰۳- إلى أن مفهوم التنمية الإنسانية يعني أن الإنسان العربي له حق أصيل في العيش الكريم ماديًا ومعنويًا، وأن الأوضاع منذ التقرير الأول لعام ٢٠٠٢ لم تتحسن في اتجاه حقوق الإنسان والحريات، بل شهدت تلك الحقوق انتكاسة بسبب تداعيات أحداث سبتمبر بزعم «الحرب على الإرهاب» وتجاوزت هذه الحرب الخطوط الحمر وأدت إلى تأكل الحريات المدنية والسياسية في أقطار عدة من العالم خاصة الولايات المتحدة، وانتقص ذلك من رفاه العرب والمسلمين وضيق فرص اكتسابهم للمعرفة والمساهمة في إنتاجها.
وأضاف فرجاني أن تداعيات أحداث ۱۱ سبتمبر أعطت «إسرائيل» الفرصة لارتكاب المذابح والمجازر في حق الشعب الفلسطيني، وللولايات المتحدة احتلال العراق وأفغانستان ووجد العرب أنفسهم أمام تحد جديد لا يمكن الخروج منه إلا بتحرير العراق والتصدي للمشروع الصهيوني التوسعي وأن تكون هناك إستراتيجية تبلورها النخب العربية تهدف إلى تحقيق الإصلاح الداخلي المتأسس على نقد رصين للذات باعتبار ذلك البديل الصحيح لمواجهة مخاطر إعادة تشكيل المنطقة التي تقوم به الولايات المتحدة، وأن يتضمن الإصلاح إفساح المجال أمام الحريات وتداول السلطة والمشاركة الشعبية والشفافية وهذا كله من شأنه تهيئة المناخ للإبداع والابتكار وتحقيق مجتمع المعرفة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل