; معالم على الطريق.. الصراع العدائي والشرود الثقافي إلى أين؟!! | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. الصراع العدائي والشرود الثقافي إلى أين؟!!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993

مشاهدات 12

نشر في العدد 1053

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 15-يونيو-1993

من منظور واقعي ومشاهد هناك تجنٍّ صارخ في دراسة الواقع الإسلامي على الساحة، كما تسبب هذا الافتراء الثقافي والاجتماعي في إشاعة لغة التربص، والاستبعاد والأفكار لفاعليات قوى العمل الإسلامي الجاد والتعامل معه من منطلقات عدائية بعيدة عن المنهجية الصحيحة والفرضيات المستقيمة ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن هذا الدفع العدائي كان مرادًا لدفع العمل الإسلامي إلى أخطاء تتخذ كذرائع لتغذية سعار المعارك المحتدمة حتى تزداد الصورة بشاعة ويحدث الفصام الاجتماعي والشعوري بين المد الإسلامي والجماهير المتعاطفة معه، وقد نجح هذا الدفع العدائي فعلًا في تحريك بعض الفصائل المتحمسة إلى المعاملة بالمثل، فسارعت تلك القوى المستفيدة من هذا الصراع إلى زيادة الجرعات التصعيدية للحصول على نتائج أكثر وأبعدـ فسخرت وسائل الإعلام لإلهاب مشاعر العداء ضد كل ما هو إسلامي وجنَّدت ما تستطيعه من أقلام مسمومة لتنظر وتفلسف خطابات وأبجديات وفرضيات قتالية مستعدة للاشتباك، وفي وسط هذه المعارك المحتدمة، رؤي أن تعامل كل الفصائل الإسلامية بمعيار واحد وبنفس القدر رغم تنوعها وكأنها كتلة صماء، بل معاملة الإسلام نفسه بنفس الضراوة والبشاعة!!

وهذا في الحقيقة خطأ ثقافي فادح وذلة سياسية قاتلة، أما أنه خطأ ثقافي فلأن الرموز الثقافية المتواجدة على الساحة تتعامل مع الصحوة الإسلامية من منطلقات فوضوية وتحاكمها بتجاوزات شخصية ونتواءات حماسية لبعض الأفراد وهذا خطأ منهجي فاضح، إذ لا بد وأن يرد الفكر إلى مرجعيته وأصوله وتعاليمه، ورجعية هذا الفكر هي الإسلام أصولًا ومنهاجًا، وهي مرجعية استفتيت عليها الأمة ويقرها الصغير والكبير ويتحاكم إليها ويقدسها، مرجعية القوة الروحية والخلقية والنفسية والحضارية المرشحة لإرث الحضارات المتسارعة للانحدار اليوم، فخلال التاريخ العريض كان هناك توارث للحضارات والحضارة الإسلامية هي الباقية إلى اليوم بأصلها الرباني العظيم ويمكن للعرب والمسلمين إذا نهضوا أن يرثوا تلك الحضارات الغارية، ولكن العرب أصبحوا أقل الناس تمسكًا بالإسلام وأقلهم طموحًا في نهضة عصرية تعيد للإسلام قوته وذلك لعوامل عدة منها: الغزو الثقافي والضلال الفكري الذي تعرضت له الأمة بتخطيط وإيحاء مبرمج، يوضح هذا «موريس بريس» إذ يقول « لا بد وأن نتعلم كيف نشكل لأنفسنا نخبة فكرية نقدر على العمل معها، ويشكلون رباطًا بيننًا وبين جماهير المسلمين» ولا شك أن الاستعمار قد أفلح تمامًا في استبدال قواته العسكرية المباشرة ببعض النخب المسلمة لاستمرارية واقع الهيمنة الفكرية والسلطوية، ولا غرابة فإن هناك بعض الرموز الثقافية اليوم قد قادت المهمة بنجاح وانقطع بها الطريق حتى عن أبسط حقوق الإنسان، رغم تدثرها بمفاهيم وشعارات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والسلام والاستقرار وتحاول جاهدة أن تتناغم مع ممارسات لنظم عربية لا يمكن وصفها إلا بالأحادية التي تحاول وبشكل مفضوح أن توجد نسبًا مع الديمقراطية إلا أنها في الحقيقة ليست إلا تعبيرًا عن الدولة البوليسية الجابية التي تتسم ممارساتها السياسية بالفرعونية والقهر، رغم أنها تتوسل وبكل الوسائل الإعلامية والدعائية إلى اكتساب رضا كاذب وشرعية متوهمة تتنافى مع أصول التعاقد السياسي، أو حتى المبادئ الإنسانية، وبعد فهل يجوز لنا أن نتساءل هل يمكن أن يكون هناك حوار عاقل ومتزن ومثمر بين المشاريع الحضارية الجادة بعيدًا عن حراب السلطة ومظلة الأجنبي؟ وهل يمكن أن يفصح أصحاب هذا الحوار عن مرجعياتهم الحقيقية حتى تتمايز الاتجاهات وتظهر الأفكار الجادة وتتضح القناعات الفاعلة الأصيلة، وأعتقد أن هذا سيؤدي إلى فك اشتباك أشياء متداخلة وإيضاح خبايا كثيرة وقشع ظلمات كثيفة لكل ذي عينين.

وأما أن الصراع مع الظاهرة الإسلامية ذلة سياسية فاضحة؛ فلأنه يبرهن بما لا يقبل الشك على العجز السياسي والفكري والقيادي ويدل على عدم القدرة على تلبية طموحات الأمة وتوظيف قواها واستثمار طاقاتها في بناء تقدمها ونهضتها كما يسقط شعار الديمقراطية المطروح على الساحة، ويشكك في ترانيم الحرية المثارة في الأجواء، ويكذب إدعاء التعددية الحزبية المعطلة والموقوفة حتى إشعار آخر، كما أن ذلك يجر الكوادر السياسية إلى صراع مُهلك مع ضمير الأمة وعزتها الدينية وشرفها التاريخي ونخوتها القومية وليس بعد ذلك إلا الزلزال أو الطوفان!!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الافتتاحية

نشر في العدد 1

1861

الثلاثاء 17-مارس-1970

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970