العنوان الصمت الإسلامي.. والعبث الصليبي في جنوب السودان
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994
مشاهدات 22
نشر في العدد 1083
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 11-يناير-1994
جاءت الأزمة التي افتعلتها بريطانيا في الأسبوع الماضي بتسلل كبير أساقفة كانتربيري الدكتور جورج كيري لجنوب السودان بطريقة غير حضارية –حسب وصف كثير من المراقبين– لتؤكد مساعي بريطانيا الخاصة والغرب بصفة عامة لتأكيد أن الحرب الدائرة في جنوب السودان هي حرب دينية، رغم أن النصارى في جنوب السودان حسب المصادر الغربية لا تزيد نسبتهم عن عشرة في المائة من السكان، فيما يمثل المسلمون خمسة في المائة وتمثل النسبة الكبيرة الباقية من السكان القبائل الوثنية التي لا تؤمن بدين، ورغم ذلك فإن خطاب الإعلام الغربي سعى طوال الفترة الماضية لتأكيد مفهوم الحرب الدينية في جنوب السودان؛ تمهيدًا لفصل جنوبه عن شماله بدعوى اضطهاد النصارى في الجنوب، وقد سعت الحكومة البريطانية من خلال سفيرها في الخرطوم إلى تأكيد هذا الجانب رغم قيام الأب قبريال روريك أسقف الكنيسة الإنجليكانية في السودان ووزير الدولة للشئون الخارجية بزيارة بريطانيا في شهر مايو الماضي؛ حيث التقى مع الدكتور جورج كيري كبير أساقفة كانتربيري ومع أعضاء مجلس اللوردات البريطانيين ومع دوجلاس هوج وزير الدولة البريطاني للشئون الخارجية، وأوضح لهم حسب ما جاء في مقابلة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في ذلك الوقت حقيقة الصراع الدائر في جنوب السودان، وقال الأب قبريال: «لقد لاحظت أن المسئولين البريطانيين يناقشون موضوع السودان دون معرفة لحقيقة الوضع هناك، لذلك جئت لشرح حقيقة الوضع عن السودان عامة وجنوب السودان خاصة، وتوضيح حقيقة أن مشكلة الجنوب هي نتاج للسياسة البريطانية إبان حكم البريطانيين للسودان قبل الاستقلال، وأنها مشكلة سياسية وليست مشكلة دينية، كما أوضحت لسفير الفاتيكان في لندن عدم مصداقية اتهامات الكنيسة الكاثوليكية حول وضع المسيحيين في السودان، وأن منعهم من أداء شعائرهم لا أساس له من الصحة».
ورغم تأكيدات أسقف الكنيسة الإنجليكانية السودانية على هذه المفاهيم لكبير أساقفة كانتربيري الدكتور جورج كيري والمسئولين البريطانيين إلا أن التصرف البريطاني جاء – حسب وصف المراقبين– خاليًا من التعقل والتحضر. وكان أخطر ما في هذا التصرف أنه جاء بطريقة تدفع إلى المواجهة، وكأن تأجيج الصراع بين المسلمين والمسيحيين الآن أصبح مطلبًا بريطانيًّا أو كنسيًّا بعدما افتعلت بريطانيا عدة أزمات استفزازية للمسلمين من قبل تحدت بها مشاعر مليار ومائتي ألف مسلم، كان من أبرزها افتعال أزمة الكاتب المارق سلمان رشدي، وتزعمها الآن للموقف الغربي الرافض لتسليح مسلمي البوسنة أو إتاحة الفرصة لهم للدفاع عن أنفسهم، وافتعالها مؤخرًا لأزمة كبير أساقفة كانتربيري، محاولة دفع الأمور إلى حتمية المواجهة والصراع بشكل جعل حتى الصحف البريطانية الجادة تنتقد الأسلوب البريطاني من خلال الطريقة التي انتهجها كبير أساقفة كانتربيري فى دخوله إلى جنوب السودان، وأشار مراقبون غربيون إلى أن الكنيسة الإنجليكانية البريطانية قد أصبح تأثيرها السياسي شبه معدوم في بريطانيا نفسها، وأن كبير الأساقفة قد سعى من خلال هذه الضجة المفتعلة إلى تفعيل دورها وإثبات وجودها على الساحة الدولية، وتأكيد مكانة كبير الأساقفة في منافسة غير متكافئة مع حجم بابا الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، وقد اتضح هذا فعليًّا من خلال خطابات الدكتور كيري السياسية التي ألقاها في المدن التي زارها في جنوب السودان، ولقاءاته مع كبار القادة العسكريين لجون جرنق، ثم لقائه بعد ذلك مع جون جرنق والدكتور رياك مشار المتمرد عليه، وضمهما لتوحيد صفوفهما لممارسة ضغوط قوية على الحكومة السودانية. إلا أن المؤسف من خلال كل هذه الأحداث هو الصمت العربي والإسلامي المطبق إزاء الاستفزاز الكنسي والبريطاني الذي لا نعتبره إهانة للسودان كبلد مسلم فحسب، وإنما إهانة لمشاعر مليار ومائتي ألف مسلم. وبغض النظر عن ملاحظاتنا على بعض مواقف الحكومة السودانية فإن القضية الآن ليست قضية حكومة أو نظام، ولكنها قضية دين وعقيدة وسيادة أمة؛ حيث إننا لا نجد مبررًا لهذا التصعيد البريطاني ضد مشاعر المسلمين ودينهم، وتبني الكنيسة البريطانية للمتمردين في جنوب السودان، رغم أن غالبيتهم من الوثنيين. وحينما تمس سيادة دولة مسلمة بهذا الشكل الذي انتقدته حتى الصحف البريطانية؛ فإن الصمت المطبق للمسلمين يصبح شكلًا من أشكال الذل والهوان، لا يمكن القبول به أو السكوت عليه..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل