العنوان الصمت خطأ كبير يمارسه المسلمون
الكاتب عبد الله السالم
تاريخ النشر الثلاثاء 22-أبريل-1975
مشاهدات 47
نشر في العدد 246
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 22-أبريل-1975
ما من يوم يمر إلا وتطرق آذاننا بعض الأخبار الموجزة المقتضبة، التي لا تلبث أن تغمرها أخبار أخرى، أو يمضي عليها النسيان.
ولربما تكون هذه الأخبار لدى البعض عادية، أو دون مستوى الإثارة، لا تستحق الوقوف معها أو حتى مجرد قراءتها، فما بالك بالاهتمام بها وملاحقتها والتفاعل معها.
وإذا ما حدث أن أثيرت أو أذیعت أو علق عليها «سلبًا أو إيجابًا» وجدت الكثير ينظرون إليك نظرات غامضة، وكأنك تتحدث عن أخبار الجان وقديم الزمان.
والأخبار التي أقصدها على وجه التحديد هي «أخبار العالم الإسلامي» التي يتجاهلها أرباب الإعـــلان وأساطينه فلا ينشرها رئيس التحرير في جريدته ومجلته، ولا يذيعهـا مسئول الأخبار في إخبارياته، وينساها عن قصد أو عمد حملة الأقلام ومحللو الأحداث فلا يعلقون عليها بقليل أو كثير، ويتحامل عليها «أعداء» هذا العالم الإسلامي فيشوهونها ويمسخونها، وأنكى من هذا كله أن نغسلها من ذاكرة الناس بسرعة مذهلة أية أخبار سياسية أو اقتصادية أو حتى.. «فنية».
ومجمل هذا في رأيي يكون «جريمة» كاملة الأركان، عميقة الوقع، شديدة الوطء، خطيرة الدلالة، اسمها في قاموس الأمم «الصمت».. المتهم فيها هو «نحن» بكل من فينا وما فينا.
فقبل أيام جرى إحراق عشرة من علماء المسلمين في الصومال وسجن الباقي لمدد رهيبة مع الأشغال الشاقة، فماذا فعلنا غير الصمت؟.. في جرائدنا وفي إذاعاتنا وفي منتدياتنا وحتى في سهراتنا وفي مساجدنا! اللهم إلا خبرًا مقتضبًا نشرته بعض الصحف وليس كلها.
ويوميًّا يجري إبادة عدد من المسلمين في الفليبين وسحقهم بقنابل النابالم وقصفهم بالمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية.. فهل شاركنا في مذابح إخواننا بغير الصمـت والصمت المطبق؟.. «أو بإذاعة أخبار متناثرة».
وفي قبرص تمت عمليات بشعة، تقشعر لها الأبدان، أثناء فتنة الحرس الوطني الأخيرة بحق المسلمين الأتراك المقيمين في الجزيرة، فدمرت قرى بأكملها وأحرق وأبيد جميع سكانها.. ونحن نلوذ بالصمت والتعامي.. بل وأكثر من هذا لقد خرجت بعض صحفنا تلوم الأتراك لتدخلهم من أجل حماية رعاياهم، وتصفهم بالوحشية و«الانكشارية».
أما في تنزانيا فإن نيريري يمارس هوايته المفضلة في تعذيب المسلمين وإلقائهم في برك الماء ليلاقوا حتفهم خنقًا!.. وفي إغلاق المؤسسات التعليمية ومطاردة العلماء ومضايقتهم، بينما نحن نتفرج صامتين أو «مصفقين» ننتظر منه الفراغ من هذه «الهواية» حتى نستقبله في عواصمنا بالترحاب والإعجاب، وبتقديم القروض والمساعدات والمعونات.
وفي بلاد أخرى.. وبأشكال متنوعة تقترف الجرائم الوحشية بحق المسلمين الأبرياء الأطهار الذين ذنبهم الوحيد الذي أدينوا فيه ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (البروج: 8)، وتجاه هذه الفظائع البربرية نشيح بوجوهنا عن إخوتنا الذين تلهب ظهورهم سياط المجرمين، وتخمد أنفاسهم زبانيتهم، وتمزق أجسادهم قنابلهم، وتريق دماءهم بنادقهم، وكأننا لا صلة لنا بهم، أو لم نسمع ولم نحس، «ولا من درى ولا من علم».
وأعتقد أننا «بصمتنا» هذا أشد وطأة عليهم، لأن بيننا وبين كل المسلمين المؤمنين عهدًا على المناصرة والمعاضدة يشهد عليه الله، وهذا وقت تنفيذه والبرهنة على مدى استمساكنا به.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ «المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه» «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».. إلى غير ذلك من بنود العهد المؤكد والميثاق المغلظ..
أفنريد البرهنة- ولجميع الأمم- على نقض الميثاق، والتنصل من العهد الذي قلبناه رأسا على عقب.
صمت.. صمت.. صمت- وإذا حدث أن تكلم أحد سارعنا إلى إقفال فمه بشتى الوسائل وأصدرنا البيانات الرسمية وغير الرسمية لنؤكد أننا لا نتدخل في الشئون الداخلية لأي بلد أو في تصرفات أي مسؤول، وكل حاكم حر في أن يفعل بالمسلمين ما يشاء وكيفما يشاء- قتلًا، وذبحًا، وإغراقًا، كل هذا لا مانع منه، وما عليه إلا أن يحاول إخفاء ما فعل، فإن فعل ذلك في ساحة عامة وأمام كل الدنيا فلا يبقى أمامه إلا تلفيق التهم والإشاعات.. حتى أصبح كل مسلم شجاع حر إما مثيرًا للفتن أو متآمرًا على سلامة الدولة أو عميلًا للأجنبي.. أما الحقيقة فإنها تدفن مع الأشلاء المتبقية تحت التراب .
والله إن هذا لهو أكبر عار يمرغ جباهنا بالتراب، والله إن هذا لهو خنجر مسموم يطعننا في الأحشاء، والله إن أذل وأضعف أمم الأرض لم ترض بالهوان الذي رضيناه.
فلا اليهود وهم قلة ممتهنة، والصليبيون وهم مخادعون ثعالب ولا الشيوعيون وهم سفاحون محترفون ولا.. ولا.. أروني فئة قلت أو كثرت، سكتت على قتل أفرادها وذبح رجالها وإحراق علمائها.
لقد مثل اليهود هذه الأيام أبرز دور للفئة المتعاضدة التي تحس بآلام بعضها البعض، فلا يكاد يضيق الخناق على يهودي في موسكو حتى تتوالى صيحات الإحتجاج من لندن وواشنطن وتل أبيب وكل بقعة يقف عليها يهودي بقدميه.
أما الشيوعيون فما كدنا نبصر بعضهم يتعرض للاعتقال في القاهرة «مجرد اعتقال.. لاحظ» حتى انطلقت المظاهرات صاخبة تجوب شوارع بيروت وتوالت صرخات المناصرة والإستغاثة أن على شكل مقالات أو إجتماعات أو برقيات.. داخل مصر وخارجها.
ولا داعي للإسهاب في الاستدلال، فالدلائل أوضح من أن تخفى، وأكبر من أن تطمس ولكن لنذكر جيدًا
قول الشاعر العربي:
اجهر بصوتك لا يأخذك ترويع /// لا ينفع الصوت إلا وهو مسموع
فأين المسلمون الغيارى؟ وأين النخوة الإسلامية الملتهبة؟ وأين هي حبال وأواصر الوحدة الإسلامية التي نحن أحوج ما نكون إليها؟ وذلك لأننا جميعًا نئن تحت وطأة الضغط من الخارج من أجل أن نمسخ، وشدة التعفن في الداخل التي لا بد بسببها أن نتفسخ.
إننا ضعفاء- أو هكذا يخيل إلينا- وعلى كل حال صرخة الضعفاء
ولا سكوت الأذلاء.
وحقيقة واحدة لن تغيب عن أعيننا: إن صمتنا ليس إلا موتًا أدبيًا اختياريًا نمضي إليه راضين أذلة.. فهل إلى هذا المستوى هوينا!!
عبد الله السالم