; الصومال بعد فرار زياد بري إلى كينيا | مجلة المجتمع

العنوان الصومال بعد فرار زياد بري إلى كينيا

الكاتب محمد يوسف عبده

تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992

مشاهدات 701

نشر في العدد 1003

نشر في الصفحة 19

الأحد 31-مايو-1992

كان زياد بري يكرر في لقاءاته الخاصة والعامة أثناء حكمة الذي انهار أن الصومال لن تحكم بعده أبدًا وأنه جاء إلى قصر الرئاسة ليبقى فيها هذا الحاكم الذي لم يرغب في بقائه أحد من الشعب الصومالي غير المنتفعين به محليًّا وخارجيًّا وهو مكوث لم يكن متوقعًا عند أحد إلا أنه في النهاية تبين للجميع أنه لا يصح إلا الصحيح فدولة الظلم ساعة والباطل زهوق بطبيعته.

 فطرد زياد بري من قصر الرئاسة في مقديشيو في وضح النهار شر طردة ولكنه تعلق بأوهامه في استعادة الحكم فتمركز في منطقة قرب الحدود الصومالية الكينية وهي خطوة كانت تنم عن غباء فاضح وحسابات خاطئة وبعد أن عاث حرسه في هذه المنطقة وبأهلها المسالمين فسادًا تم طرده منها في الأسبوع الماضي وفر إلى كينيا.

 وبهذا تبددت آماله في استعادة الحكم وانتهى إلى الأبد وهم ذلك الدكتاتور وطمعه في بناء مملكة في البلاد يرثها عنه أبناؤه وأحفاده كما كان يخطط له منذ زمن ليس بقصير وظهر له قبل الآخرين كذب مقولته وزعمه الباطل بخلود نظامه واستمرار حكمه إلى ما لا نهاية ولو كان عاقلًا لعرف أنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه فها هو قد هرب إلى غير رجعة يجر أذيال الهزيمة ومرارة الخيبة غير مأسوف عليه تلاحقه لعنات المؤمنين في الصومال وفي غير الصومال وتطارده دماء عشرات العلماء والدعاة الذين أعدمهم بسبب تمسكهم بأهداب دينهم الحنيف ودفاعهم عن أحكامه كما تلاحقه بقذائفها الحقة آيات المواريث وأحكام الأسرة التي أراد أن يحول بينها وبين الشعب المسلم في الصومال ولكن: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة:32).

 ولكن ماذا علينا أن نفعله بعد هذا الحدث المهم المتمثل في طرد بري وإلحاق الهزيمة به؟ هل نواصل القتل والتشريد وبث الدمار في ربوع بلادنا؟

وهل نستمر في الصراع على السلطة في بلد لم يبق فيه أي مفر لطالب سلطة؟ وهل نعالج قضايانا الوطنية بوحي من القبلية البغيضة؟

 وهل نترك أصحاب النزعات الشريرة وأرباب الفتنة يتحكمون في مصيرنا؟ وهل نعطي الفرصة ونفتح المجال لعملاء الأجانب منا ليفرقونا إلى قبائل متناحرة يسهل للأجنبي السيادة عليها؟

 وهل نعيش هكذا في منأى عن تعاليم ديننا الحنيف الذي نؤمن به جميعًا؟

 يجب علينا بعد رحيل الشياطين الكبار من الساحة الصومالية أن نعود إلى وحدتنا وإلى صفائنا وإلى أخلاقنا وقيمنا المثلى.

 وأن نبدأ في ترتيب البيت الصومالي على أسس من شريعتنا الغراء لإعطاء كل ذي حق حقه وإسناد المهام والمسؤوليات العامة إلى الكفاءات الصومالية ذات العقول النيرة والضمير اليقظ بعيدًا عن القبلية البغيضة والنزعات الفردية والحكم الدكتاتوري الذي لا يكون إلا فاسدًا كما يجب على كافة الفرقاء في بلدنا أن ينبذوا العنف ويوقفوا الدمار والخراب الذي عم أرجاء الوطن وأن يكفوا عن إراقة الدماء.

 وعيب ثم عيب أن يقتل الصومالي أخاه في الدين واللون واللغة والنسب والوطن، واعلموا أيها الفرقاء أن عاقبة ذلك وخيمة في الحال والمآل، أما في الحال فلن يكسب القاتل إلا الحسرة والندامة وملازمة الكآبة وتأنيب الضمير إذا كان له ضمير بالإضافة إلى الخوف من الانتقام وبطش ذوي المقتول.. ويا قاتل أبشر بالقتل.

أما في المآل فيكفي أن تعلم أن قاتل المسلم بغير حق مخلد في النار وينزل عليه غضب الله وتصيبه لعنة الله لاقترافه أكبر جريمة ترتكب بعد جريمة الكفر بالله باتفاق علماء المسلمين ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء:93).

﴿إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة:29-30) قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها».

وقال صلى الله عليه وسلم: «قتال المسلم کفر وسبابه فسوق» وقال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

وقال صلى الله عليه وسلم مخاطبًا الكعبة: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه».

ومن يقتل مسلمًا مستحلًّا قتله أو مستخفًّا به فقد خرج عن ملة الإسلام بإجماع العلماء فلنكف عن القتل والقتال فكفى دمارًا وخرابًا ورعبًا وإلا فسيصدق علينا ظن زياد بري وأمثال زياد بري الذين لا يحبون الخير لبلدنا ولشعبنا، وبالتالي فلن تحكم الصومال بعده!

الرابط المختصر :