; الطائف بين الأمس واليوم | مجلة المجتمع

العنوان الطائف بين الأمس واليوم

الكاتب الأستاذ عبد الرحمن العاني

تاريخ النشر الثلاثاء 02-فبراير-1971

مشاهدات 93

نشر في العدد 46

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 02-فبراير-1971

يحكي تاريخ أربعة آلاف سنة

﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ (قريش 1-4)

الموقع:

تقع مدينة الطائف في الجنوب الشرقي من مكة على بعد ۱۲۰ كم ويقال في أن سبب تسمية الطائف إن اسمها القديم كان «وج»، وإن ثقيف -سكانها منذ القدم- أقاموا حولها جدارًا مطوقًا فسميت على إثره الطائف وربما كانت الكلمة منحوتة من أصل سرياني بمعنى تايفا أو من الأصل العبري من الكلمة الطائف -اللحم المقدس لدى اليهود- إلخ

المساحة:

نظرًا لوعرة منطقة الطائف وكثرة المرتفعات والمنخفضات فيها لم يحدد لها مساحة معينة، ولكن يقال إن المساحة العمرانية فقط تقدر بحوالي ٣٠٠ كم ٢ تقريبًا وذلك حسب تقرير وزارة الشئون الاجتماعية هناك.

المناخ:

طقس الطائف جميل جدًا هواء طلق وأرضها خضراء والماء وفير في كل مكان حتى فاضت وأخذت مياه العيون تجري في الشوارع.. إضافة على أنها كثيرة الأمطار وخاصة في فصل الصيف ويرجع سبب نزول الأمطار لارتفاع المنطقة حيث ترفع عن مستوى سطح البحر حوالي ١٦٠٠م...

والمناظر الطبيعية الخلابة في مدينة الطائف يعجز عن وصفها الإنسان العادي «الواقعي» أما الإنسان الآخر وهو الخيالي والمقصود به الشاعر فقد تنسجم مخيلته مع هذه الطبيعة الحقيقية التي بلغ ارتفاعها كما ذكرنا سابقًا سطح البحر بحوالي « ١٦00 م» وفي بعض الأساطير والقصص ما يذكرنا الكلام عن الجو بقصة بعض المؤرخين قولهم إن الله قد استجاب إلى دعاء نبيه إبراهيم عليه السلام حين نقل زوجته هاجر وابنها إسماعيل إلى مكة إذ قال: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ(إبراهيم: 37).

عند ذلك أمر الله كبير الملائكة «جبريل» فاقتطع قطعة من أرض الشام وطاف بها حتى ألقاها في البقعة التي هي الطائف الآن ومن الطبيعي في عصر المنطق العلمي أن ينكر علماء الجغرافيا هذه الرواية ويعتبروها أسطورة، ولكن لا يمنعنا من أن نراه اليوم خيالًا شعريًا جميلًا مقبولًا على كونه وصفًا لحقيقة جميلة تستحق المبالغة في الوصف وليس هذا مبالغ فيه، بل حقيقة تجدها في جنان الطائف جنات معروشات وغير معروشات تجري من تحتها الأنهار.. متدلية الأثمار والأغصان يعلم الله تعالى كم رزقها مما لذ وطاب، وذاع وتحدث بها الجميع.

عدد السكان:

يبلغ عدد سكان الطائف نحو سبعين ألف نسمة يتضاعف هذا العدد عدة مرات في فصل الصيف. أما القبائل التي تسكنها منذ القديم هي ثقيف، قريش، هوازن، والأشراف وعناصر كثيرة ترغب العيش في جو الطائف الجميل أما ضواحي الطائف من قرى أهمها الهدى والتي تضم سبع قرى حولها منها قرية بني صخر التي ولد فيها الحجاج بن يوسف الثقفي ونشأ بين ربوعها. وكان أحد ثلاثة من دهاة العرب المسلمين

 

مواقف وآثار تاريخية:

الطائف مدينة تاريخية قديمة نافست مكة منذ القدم وقد بنيت في سنة ۲۱۰۰ ق.م وقيل إن الطائف إحدى القريتين وبرر ذلك بعض المفسرين من قوله تعالى ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف:31) وكان عظيم مكة آنذاك «أبو جهل» وعظيم الطائف هو «عروة بن مسعود الثقفي» الذي قدر له أن يكون من الصحابة ومن الشهداء. وفي الطائف تفتحت فطنة رسول الله ورتع في وديانها وفوق جبالها وأكل من أرضها وشرب من مائها حين أحبها ورضع من حليمة السعدية فيها موطن «بني سعد» حتى في كبره «صلى الله عليه وسلم» عاش الذكرى وأحب العودة إليها ليأسه من الدعوة في مكة ومقاومته ولكن خاب أمله وعاد يائسًا عندما صدته ثقيف في الطائف أشنع صدة متمسكة بعبادة الأصنام داعيه أطفالها لقذفه بالحجارة ولم تكتف بذلك بل أفشت أمره في مكة مصدر دعوته كما أراد لها الشيطان فما كان من أهل مكة إلا أن قابلوه بالأذى والاستهزاء كل هذا لم يفت في عزم رسول الله واستطاع بعد عشر سنوات من هذه الحادثة أن يخضعهم لدعوة الحق ويأتوه صاغرين طائعين معلنين إسلامهم حين انتصر عليهم وبعد فتح مكة وحرب هوازن وثقيف في وادي حنين هكذا انتصر رسول الله على أعرق وأقدم القبائل العربية ثقيف. هوازن قريش هذه القبائل التي كانت مركزًا لعبادة اللات إحدى كبرى الأصنام في الجاهلية واشتهر سوق عكاظ المرجح موقعه على مسافة اثني عشر كيلومترًا شرقي مطار الطائف الحالي والذي لا تزال آثاره هناك يراه كل ذاهب إلى المطار وعائد وهذا السوق توافدت عليه قوافل العرب وفي موعد واحد هو شهر ذي القعدة من كل عام ثم تبرحه إلى ذي مجاز «ومجنة» قبل أن تنحدر إلى مكة لتطوف حول الكعبة التي كانت بيتًا لأصنامها التي كانت مكة المكرمة موضع ١٦٠٠ صنم ووثن على عهد الدعوة الإسلامية.

تاريخ الطائف:

إن المدينة نقلت من موقعها القديم أو لعل الأصح اتسعت في نواح وانكمشت في نواح أخرى وأغلب الأقوال وأرجحها هو أن موقع الطائف يكون في وادي «وج» كمـا ذكرنا أصل تسميته الطائف وقد جاء في كتب السيرة النبوية إن أصحاب رسول الله حين بلغوا أطراف الطائف وأبصروا وادي «وج»، فأنزل الله تعالى قوله ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ (الواقعة: ٢٧:٢٨)

و مما لا شك فيه أن من الآثار اللامعة في قلب المدينة مسجد ابن العباس وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله وجد الخلفاء العباسيين وكان أوسع الصحابة علمًا وقد أسماه الرسول «صلى الله عليه وسلم» (حبر الأمة) وهناك ندوة في الحرم في مكة باسمه وقد تردد على الطائف كثيرًا وقد وافته المنية فيها سنة ٦٨ ه فدفن هناك في مسجد أقيم في الموقع الذي حاصرت قوات النبي مدينة الطائف عنده وقد كان أفراد المسلمين يتظافرون على بناء المساجد كلما هدم إلى أن قامت الحكومة السعودية وحددت بناء المسجد، والذي أصبح  اليوم في قلب مدينة الطائف وأكبر المساجد فيها أما سد عكرمة فيعود تسميته إلى مولى ابن عباس عكرمة حين قاتل رسول الله قريش في وادِ بالقرب من السد واستشهد هناك عكرمة ودفن بالقرب منه وقد سُمِي السد بعكرمة وقد كثرت منذ القدم في الطائف ولو بقيت إلى يومنا هذا لما بقي في جبال الطائف ووديانها شبر إلا وأخضر.

مهنة أهل البلد: -

أول عمل رئيسي يعتمد عليه أهل الطائف هو الزراعة لأنها منطقة زراعية تملكها قبيلة عدوان وثقيف قبل أن تكون المدينة في وادي «وج» الذي تمتد على جانبيه من أحد أطرافه مدينة الطائف فهي المورد الرئيسي وسيل الحياة قبل أن تظهر الصناعات مع عصر العلم فقد هيأ الله لعباده العوامل الرئيسية الأرض الخصبة والماء الوفير التي توفر لهم حياة رغيدة بقدر ما يبذلون من جهد وعمل على أرضهم  وقد امتازت الطائف بإنتاج الخضار والفواكه وتكاد تكون المدينة الوحيدة التي تصدر فواكهها الموسمية بكثرة إلى كافة مدن المملكة فنرى الوديان والجبال قد احتضنت الخضروات بمختلف أنواعها وأشجار الفواكه المثمرة أذكر منها الرمان، السفرجل والتفاح والعنب والتين البرشومي والمشمش والخوخ أما الخضروات منها الكوسة الشجر الأخضر «المعروف بالعرف حاج أحمد» والقثا والطماطم.. إلخ. حتى الورد زرعت ولم تستغل إلا على مستوى بسيط جدًا بمصانع بدائية صغيرة لصناعته.

 هذه لمحة موجزة عن عاصمة الصيف الجميل التي تحتاج إلى الدعاية السياحية لتكون مصيفًا لا سيما والصيف يأتي مباشرة بعد موسم الحج الذي يجتمع فيه المسلمون من شتى أنحاء العالم وليس هناك فرق بين أجمل مصايف العالم والشفا وما فيها من منتزهات وينابيع مياه مثل تمرير النبات والردف والمتناه والسلبطينية. إن منطقة الطائف تعتبر ندوة في قلب الجزيرة كلها وأقرب المصايف وأحبها على قلوب أبناء الجزيرة لو حظيت هذه المنطقة بالعناية والدعاية السياحية وإن كنا لسنا بحاجة ماسة لغرض السياحة المادي إلا أننا بحاجة إلى أن يعرف العالم بلادنا وما وصلت إليه وما هي ساعية عليه إننا بحاجة إلى كل حاج وكل زائر أو سائح أو مصطاف أن يرى الحقيقة بعينيه لتكون لنا رسالة حق لعالم يجهل بلادنا وهكذا دواليك رسالة تلو رسالة مع جهد مستمر متواصل لنرى المواسم تلو المواسم في بلادنا ولا يكفينا من العام إلى العام.. هذه هي صفحة مطوية، من تاريخ هذه المدينة الجميلة طوتها يد الزمن، ولكن الجهود الصادقة المخلصة ستضع اللبنة الجميلة في البلد الجميل..

 

المدرس/ عبد الرحمن العاني

مركز الدراسات التكميلية

 

الرابط المختصر :