; الطريق إلى الهاوية | مجلة المجتمع

العنوان الطريق إلى الهاوية

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994

مشاهدات 10

نشر في العدد 1106

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 05-يوليو-1994

التقرير الذي نشرته وزارة العدل الأمريكية في الأسبوع الماضي حول معدلات الاغتصاب والجرائم في المجتمع الأمريكي تقرير مخيف ومرعب، ليس لأنه تضمن إحصاءات أشارت إلى أن عدد الفتيات اللائي اغتصبن وهن دون الثامنة عشرة في العاصمة الأمريكية واشنطن وإحدى عشر ولاية أخرى خلال عام ۱۹۹۲م وهو آخر عام جمعت فيه إحصائيات- قد بلغ عشرة آلاف فتاة وأن ۳۸۰۰ من هؤلاء كن دون الثانية عشرة فحسب، ولكن لأن ٢٠% من هؤلاء الفتيات قد اغتصبن من قبل آبائهن، و ٢٦% قد اغتصبن من قبل أقارب لهن و٥١% قد اغتصبن من معارف وأصدقاء للعائلة، أما النسبة الضئيلة الباقية وهي 4% فقط فقد تم اغتصابهن من قبل أشخاص مجهولين وكان تقرير سابق أعده مركز الضحايا الوطني، ومركز الأبحاث ومعالجة ضحايا جريمة الاغتصاب في الولايات المتحدة نشر في إبريل ۱۹۹۲م ذكر بأن ۱۹۰۰ امرأة تتعرض للاغتصاب يوميًا في الولايات المتحدة وأن واحدة من كل ثماني بالغات قد تعرضت للاغتصاب بالفعل ليكون إجمالي من تعرض للاغتصاب مرة واحدة على الأقل في حياتهن قد بلغ ١٢,١ مليون امرأة أمريكية على الأقل، لكن المرعب في كلا التقريرين أن نسبة عالية من المغتصبات قد اغتصبن من قبل آبائهن أو أزواج أمهاتهن أو إخوانهن أو أزواجهن السابقين أو أقاربهن أو أصدقاء لعائلاتهن.

والأمر لا يقف عند حد جرائم الاغتصاب وتقاريرها المرعبة بل إن جرائم القتل تشكل رعبًا مخيفًا من نوع آخر يجعل سكان كثير من المدن الأمريكية يعيشون حالة من حظر التجول التلقائي تبدأ من غروب الشمس وحتى شروقها وهذا الأمر ليس قاصرًا على المدن الصغيرة بل إن أكبر المدن الأمريكية مثل شيكاغو والعاصمة الأمريكية واشنطن يشكل دخول كثير من أحيائها بعد غروب الشمس مخاطرة عشتها بنفسي خلال زيارتي للولايات المتحدة في أكتوبر ونوفمبر ۱۹۹۳م، وقد أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بأن عدد جرائم القتل المسجلة التي وقعت في الولايات المتحدة عام ۱۹۹۳م قد بلغت ٢٤ ألف جريمة إلا أن إحصاءات رسمية أخرى أشارت إلى أن عدد القتلى قد بلغ ۳۸ ألف قتيل، أما عدد جرائم القتل التي وقعت في العاصمة واشنطن وحدها فقد بلغ ٤٩٤ جريمة قتل.

وذكرت صحيفة (U.S.A. Today) أكبر الصحف الأمريكية انتشارًا في تقرير نشرته في يناير ١٩٩٤م بالاشتراك مع معهد جالوب ومحطة .C.N.N. الإخبارية إلى أن نسبة الجريمة في الولايات المتحدة تعتبر هي الأعلى بين بلدان نصف الكرة الغربي، ففي الوقت الذي بلغت فيه النسبة بين كل مائة ألف شخص ۳۷,۲ في الولايات المتحدة لم تتعد النسبة ٤,٣ في إيطاليا، و١,٥ في السويد، و١,١ في ألمانيا، و9% في فرنسا، و 9% في كندا، و٦% في المملكة المتحدة، و5% في اليابان ومن خلال رصد إحصاءات جرائم القتل التي تقع في المجتمع الأمريكي نجد أن العنصرية لها جانب هام في أسبابها، ففي تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية في ١٩٩٤/٦/٢٠م عن الجريمة في الولايات المتحدة قالت فيه بأن عدد الأمريكيين الذين قتلوا في مدينة نيو أورليانز وحدها خلال السنوات الخمس الماضية قد بلغ ١٥٠٠ أمريكي بينهم ۳۸ فقط من البيض وهناك نسبة مشابهة أيضًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، أما عدد القتلى من السود في الولايات المتحدة عام ۱۹۹۲م فقد بلغ ۱۱,۱۷٥ قتيلًا، بينما لم يتعد عدد البيض ١٠,٦٤٧ قتيلًا على الرغم من أن نسبة السود في الولايات المتحدة لا تزيد عن ١٢% من عدد السكان، وقد ذكر تقرير (U.S.A. Today) بأن جرائم القتل وحدها تكلف الخزانة الأمريكية سنويًا ۱۳۰ بليون دولار، وأن هذا الرقم يفوق بكثير ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية.

ولعل هذا ما دفع الكونجرس الأمريكي في منتصف مايو ١٩٩٤م إلى التصويت على حظر استخدام ۱۹ نوعا من السلاح تسببت في  8% من نسبة جرائم القتل إلا أن لوبي الأسلحة الشخصية يمثل ثقلًا كبيًرا في المجتمع الأمريكي ويضم حوالي 3 ملايين تاجر سلاح، وله إمكانات مالية ضخمة تؤثر في صناعة القرار، حتى أن هذا اللوبي قدم دعمًا ماليًا إلى ١٥٠ مرشحًا للكونجرس في الانتخابات الماضية بلغ ٢,٧ مليون دولار وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الأمريكيين يملكون ۲۱۱ مليون قطعة سلاح شخصي في الوقت الذي لا يزيد فيه عدد السكان عن ٢٦٠ مليون نسمة.

وقد دفع الارتفاع الهائل في معدل الجريمة في الولايات المتحدة ٤٤% من الأمريكيين الذين شاركوا في الاستطلاع الذي نشرته (U.SA Today) في يناير ١٩٩٤م إلى التأكيد على أن الجريمة هي أخطر المشاكل التي تواجه البلاد حاليًا، أما جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي السابق فقد ذكر في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط في ٦ ٣ ١٩٩٤ بأن جرائم العنف قد أضحت مرضًا من أمراض الطفولة الأمريكية ويدرك الأمريكيون أن ثمة- خطأ فادحًا- في مجتمعهم الذي تقع فيه جريمة قتل واحدة كل ۲۲ دقيقة، وحادثة اغتصاب كل 5 دقائق وحادثة سطو مسلح كل ٤٧ ثانية.

أما البروفيسور جاك ليفين وهو أستاذ في جامعة نورث اليسترن بولاية ماساتشوسيتس فقد علق على الأرقام التي أعلنتها وزارة العدل الأمريكية عن جرائم القتل والاغتصاب قائلًا: إن هذه الأرقام تمثل الهدوء الذي يسبق العاصفة التي ستواجهنا في العقد المقبل، أما الصحفية الأمريكية هيلسيان ستانسبري وهي صحفية أمريكية متجولة تنشر مقالاتها في أكثر من ٢٥٠ صحيفة أمريكية ولها مقال يومي يقرؤه الملايين في الولايات المتحدة فقد ذكرت في نهاية زيارة قامت بها للقاهرة في فبراير ١٩٩٤م قائلة: «إن المجتمع العربي «المسلم» مجتمع كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تحكم حرية الفتاة وتمنع الاختلاط، إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا قد جعلت منهم عصابات أحداث وعصابات للمخدرات والرقيق إن الاختلاط والإباحية والحرية في المجتمع الأوروبي والأمريكي قد هددت الأسرة، وزلزلت القيم والأخلاق وتأتي هذه الشهادة من هذه الكاتبة الأمريكية لتؤكد أن التقدم التكنولوجي والتقني والحياة المرفهة والقوة العسكرية والهيمنة السياسية والاقتصادية لا تكفي لبقاء الأمم وتماسك المجتمعات وأن مجتمعًا انهارت فيه الأسرة ولم تعد البنت تأمن فيه على نفسها من أبيها وأخيها وهم أولى الناس بصيانة عرضها مجتمع يتجه نحو الهاوية وينحدر نحو السقوط، وإن غدًا لناظره قريب..

الرابط المختصر :