; العراق الملتهب يزداد اشتعالاً | مجلة المجتمع

العنوان العراق الملتهب يزداد اشتعالاً

الكاتب محمد واني

تاريخ النشر الجمعة 01-أغسطس-2014

مشاهدات 22

نشر في العدد 2074

نشر في الصفحة 26

الجمعة 01-أغسطس-2014

●  العراق الملتهب يزداد اشتعالاً

●  غالبية الكتل ترفض التجديد لـ «المالكي» رئيسا للوزراء باعتباره السبب فيما آل إليه العراق من مشكلات وأزمات

الحالة السياسية المتوترة انعكست على مجمل القضايا الأساسية في البلاد وعلى رأسها الحالة الأمنية التي تدهورت بشكل خطير

●  مراقبون للشأن العراقي : الأحداث تتجه نحو التعقيد والتأزيم في ظل العقلية السياسية التي تدير البلاد وتقوم على الاستحواذ على السلطة وإقصاء وتهميش الآخرين

●  حكومة بغداد تعتبر الدعوة للاستفتاء والحراك العسكري الكردي المفاجئ عملية استفزازية.. بينما اعتبره السواد الأعظم من الشعب الكردي خطوة باتجاه الحرية والاستقلال

●  دخول 150 ألف سيارة دفعة واحدة إلى المدن تسبب في أزمة اقتصادية حادة بالإقليم .. الوقود.. المستوى المعيشي خاصة أن الإقليم يعاني من حصار اقتصادي  شديد فرضته حكومة بغداد


الأحداث تتوالى بسرعة في العراق، وتتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية يوماً بعد آخر، وتتباعد الهوة بين مكوناته الرئيسة، والعلاقة بينها وصلت إلى طرق مسدودة ففي غضون أسبوعين أو ثلاثة تغيرت خارطة البلاد.

فمن جانب استولى ثوار العشائر وتنظيم «داعش» والأحزاب القومية والإسلامية السنية على مدينة الموصل» الإستراتيجية، وتابعت زحفها نحو المحافظات السنية في وسط وغرب البلاد (الأنبار، وصلاح الدين، وديالي) وأعلن فيها تنظيم «داعش» خلافته الإسلامية ومن جانب آخر، اجتاحت القوات الكردية البيشمركة» الأراضي المتنازع عليها ومدينة «كركوك»، وأعلنت ضمها إلى إقليم كردستان والصراع بينها وبين الحكومة المركزية على أشده، والحرب الأهلية الطائفية والعرقية بين المكونات الرئيسة في البلاد على الأبواب، وربما بدأت فعلا .

البرلمان العراقي ظل عاجزاً عن اتخاذ قرار بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل القوى العراقية، ورغم انتخاب رئيس ونائبين له؛ وهم : د. سليم الجبوري رئيسا من قائمة «المتحدون السُّنية، والنائب الأول للرئيس حيدر العبادي من حزب «الدعوة»، وآرام شيخ محمد من «التحالف الكردي نائبا ثانيا لرئيس البرلمان.. ورغم الجهود الدبلوماسية لوزيري الخارجية الأمريكية والبريطانية وزياراتهما المكوكية للعراق والالتقاء بقادته؛ بهدف احتواء الموقف المتشنج من تشكيل الحكومة، فإنها تصطدم دائما بإصرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بالترشح لولاية ثالثة، باعتباره الكتلة الأكبر التي أحرزت أكثر مقاعد البرلمان، ورفض الكتل والأحزاب السنية والكردية وبعض الكتل المنضوية في التحالف الوطني الشيعي بالمقابل لتوليه المنصب، باعتباره السبب الأساسي فيما آل إليه العراق من مشكلات وأزمات أعاق تشكيل الحكومة الجديدة حتى الآن.. ولكن في غضون أيام والمجلة ماثلة للطبع سيحدد التحالف الوطني الشيعي مرشحه لرئاسة الوزراء، وقطعا لن يكون هذا المرشح هو المالكي، بحسب الأخبار المسربة داخل التحالف الوطني.

●  النزوح الكبير

انعكست الحالة السياسية المتوترة في البلاد على مجمل القضايا الأساسية وعلى رأسها الحالة الأمنية التي تدهورت بشكل خطير ونتيجة الحرب المستعرة بين القوات الحكومية والمليشيات الشيعية المساندة لها وبين ثوار العشائر وتنظيم داعش، ونزوح أعداد غفيرة من المدن السنية الساخنة، ومن مدينة الموصل بوجه خاص، إلى مدن إقليم کردستان وأربيل العاصمة التي تبعد عن مدينة الموصل ۸۰ كلم، فبعض الإحصاءات تقدر أعداد النازحين بحوالي المليون، ففي غضون يومين وصل إلى الإقليم الكردي زهاء ۱۲۰ الف نازح ودخل إلى مدنها الثلاث زهاء ١٥٠ ألف سيارة الأمر الذي تسبب في حدوث أزمة اقتصادية حادة في الإقليم وخاصة في مجال الوقود وأثر على المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين، فهذه الأعداد الهائلة أكبر بكثير من طاقة الإقليم الاستيعابية، وخاصة أنه يعاني من حصار اقتصادي شديد فرضته عليه حكومة بغداد منذ أكثر من ثلاثة أشهر عقاباً له على سياساته النفطية المستقلة، وهذا الإجراء التعسفي ضد الشعب الكردستاني دفع بالحكومة المحلية إلى القيام بتصدير النفط المستخرج من الإقليم إلى العالم دون الرجوع إلى بغداد لتخفيف أعباء الحصار الحكومي المفروض عليه، وتأمين رواتب موظفيه من واردات النفط الذي تبيعه في الأسواق العالمية بالتنسيق المباشر مع الحكومة التركية .. والمشكلة أن الناس مازالوا يتدفقون من المناطق المتوترة إلى الإقليم الذي يتمتع باستقرار سياسي وأمني وهامش من الحرية المفقودة من الأجزاء الأخرى من العراق.. والجدير ذكره أن البرلمان الكردي طالب حكومة الإقليم بتهيئة مجمعات خاصة الإيواء النازحين، ووضع خطط إستراتيجية وبرامج جادة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين.

●  استفتاء على استقلال کردستان

وعلى إثر اجتياح الثوار للموصل والمدن العراقية في وسط وغرب وشرق البلاد وانسحاب الجيش العراقي أمام زحفهم انتشرت القوات الكردية (البيشمركة) في مدينة كركوك والأراضي الأخرى المتنازع عليها وسيطرت عليها بشكل كامل أعقبها دعوة رئيس الإقليم الكردي «مسعود برزاني إلى إجراء استفتاء لتقرير مصير الأكراد، وبين أن الاستفتاء المرتقب سيشمل جميع المناطق التي تسري عليها أحكام المادة (١٤٠) والمناطق ذات الأغلبية الكردية في الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين، مشيرا إلى أن هذه المناطق عادت إلى إقليم كردستان عمليا، لكن لابد من إكمال إعادتها من الناحية القانونية.

وقد رأى أعضاء من التحالف الكردستاني أن الظروف الحالية مناسبة جدا ومهيأة لإجراء  الاستفتاء في تلك المناطق، مبينا أن الموعد المرجح للاستفتاء المرتقب سيكون في غضون الشهرين المقبلين، وأفادوا بأن الإقليم سيشكل مفوضية الانتخابات لإجراء عملية الاستفتاء بالتنسيق مع الأمم المتحدة.. هذا الحراك العسكري الكردي المفاجئ اعتبرته بغداد عملية استفزازية، وبينما اعتبره السواد الأعظم من الشعب الكردي خطوة باتجاه الحرية والاستقلال، تمهيدا لتشكيل دولة مستقلة والانفصال عن العراق، وقد رجحت صحيفة الإندبندنت البريطانية انفصال الأكراد  العراقيين عن المركز بدولة مستقلة، بينما نشرت صحيفة «فيلد أم زونتاج الألمانية في حوار أجرته مع مسعود بارزاني، أن برلمان إقليم كردستان يحضر الآن لاستفتاء على الانفصال من العراق وإعلان الدولة الكردية، مشددا على ضرورة هذا الاستقلال كحق طبيعي لأي أمة، وأكد أن العراق سيتفكك لا محالة، وذهب مسؤولو الإقليم إلى أبعد من ذلك حيث صرح رئيس دائرة العلاقات الخارجية فلاح مصطفى أن الأكراد سيعلنون عن دولتهم عبر الاستفتاء الشعبي، وإن لم توافق الولايات المتحدة على هذه الخطوة

●  سحب وزراء الكرد من بغداد

وصلت العلاقات بين أربيل وبغداد إلى ذروتها على إثر اجتياح قوات البيشمركة الكردية مدينة كركوك النفطية، وسيطرتها على منشآت لإنتاج النفط في حقلين هما: حقل كركوك»، و «باي حسن»، وقد اتهمت حكومة المالكي الأكراد باحتلال كركوك وشبهته باحتلال «صدام» للكويت عام ١٩٩١م، ودعت وزارة النفط العراقية الأكراد إلى الانسحاب فورا لتجنب العواقب الوخيمة...

يذكر أن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، اعتبر في ٢٧ يونيو الماضي، أن المادة (١٤٠) من الدستور العراقي قد أنجزت وانتهت بعد دخول قوات البيشمركة، إلى المناطق المتنازع عليها، فيما أكد رئيس الحكومة نوري المالكي أن (المادة (١٤٠) من الدستور لم تنته. وهي مادة دستورية ونحن ملتزمون بسياقاتها الدستورية، مشيرا إلى أن الدستور لا يوجد فيه شيء يتحدث عن تقرير المصير، وفي ذات السياق شن المالكي، في كلمته الأسبوعية هجوما عنيفا هو الأعنف من نوعه منذ وقوع مدينة كركوك بيد الأكراد، حيث انهم حكومة الإقليم بأنها تأوي الإرهابيين، ووصف أربيل بأنها مأوى للإرهابيين، ودعا إلى إيقاف غرفة العمليات المتواجدة في أربيل - حسب قوله وإيقاف وجود المجرمين من عناة البعثيين. و القاعدة» و«التكفيريين».

وردا على هذه الاتهامات قررت رئاسة إقليم كردستان سحب الوزراء الكرد في الحكومة الاتحادية من بغداد، وقال النائب عن كتلة التحالف الكردستاني عرفات كرم في تصريح صحفي، اطلعت عليه «المجتمع»: إن رئاسة إقليم كردستان قررت سحب الوزراء الكرد من بغداد كرد على تهديدات «المالكي» لإقليم كردستان بأنه تحول إلى مقر لـ«داعش» والإرهابيين، ولفت كرم إلى أن تهديدات «المالكي» لإقليم كردستان آخر مسمار في نعش التوافق السياسي بين أطياف الشعب العراقي والقضاء على الشراكة، مشيراً إلى أن هذه التهديدات لا تصب في مصلحة البيت الشيعي الذي يقع على عاتقه تشكيل الحكومة العراقية.

ومن جانبها، أكدت النائب عن التحالف الكردستاني فيان الدخيل أن الكرد لا يتعاملون مع حكومة يترأسها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي لسوء إدارته للدولة، فيما أشارت إلى أن حكومة إقليم كردستان ستطبق (المادة ١٤٠) ولا تراجع عن موضوع تقرير المصير وإعلان الدولة الكردستانية، وقالت الدخيل إننا ماضون في تطبيق المادة ١٤٠) والاستفتاء على المناطق ذات الأغلبية الكردستانية كمحافظة كركوك وقضاء سنجار وخانقين، ولا تراجع عن قرار تقرير المصير وإعلان الدولة الكردستانية مشيرة إلى أن كركوك محافظة كردية وستنضم إلى الدولة الكردستانية.

يذكر أن العراق يشهد وضعا أمنيا استثنائيا منذ إعلان حالة الطوارئ في ١٠ يونيو ٢٠١٤م حيث تتواصل العمليات العسكرية الأمنية لطرد تنظيم «داعش» من المناطق التي ينتشر فيها .

●  الحاجة إلى تغيير سياسي جذري

يرى قسم كبير من السياسيين والمراقبين للشأن العراقي أن الأحداث تتجه نحو التعقيد والتأزم أكثر في ظل العقلية السياسية التي تدير البلاد، والتي تقوم على الاستحواذ على السلطة وإقصاء وتهميش الآخرين عن إدارة الحكم والسياسة بحجة الأكثرية السكانية هذا ما فعله إبراهيم الجعفري في تشكيلته الوزارية الأولى عام ٢٠٠٥ م بحق السنة والأكراد ومن بعده جاء «المالكي» الذي لم يكتف بإبعاد المكونين الرئيسين الكرد والسنة عن المشاركة السياسية فحسب، بل خاض معهما صراعاً مريراً ودامياً، ومارس ضد السنة القمع المسلح، واجتاح مدنهم واعتقل قادتهم ولاحقهم قضائيا بتهمة الإرهاب، فالتغيير يجب أن يكون جذريا وداخل المنظومة الفكرية للأحزاب الحاكمة، ولن يحدث التغيير المنشود بتغيير الوجوه، وقد ربط الأكراد مشاركتهم في الحكومة الجديدة بتغيير في البرامج السياسية للسلطات العليا .. هذا ما صرح به رئيس إقليم كردستان في تركيا، وعند لقائه بالرئيس عبد الله جول»، وأبدى استعداده لإنجاح العملية السياسية في العراق، ولكنه نوه إلى أن هذا النجاح لا يتحقق بالحصول على المناصب وتغيير الوجوه، بل بتغيير المصطلحات التي تعارض الديمقراطية في العراق، وأن  يشهد النظام تغييرات جذرية ..

الرابط المختصر :