العنوان العربدة الإسرائيلية وحِراب الحماية الأمريكية
الكاتب د. أحمد يوسف
تاريخ النشر الثلاثاء 23-أبريل-1996
مشاهدات 38
نشر في العدد 1197
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 23-أبريل-1996
• الحملة العسكرية الإسرائيلية تأتي كتأكيد لاستمرار السياسة العدوانية الإسرائيلية والسلوك الإجرامي للسياسيين والعسكريين الصهاينة على حد سواء.
تأتي أحداث الغارة الشرسة على مناطق الجنوب اللبناني وضواحي بيروت كواحدة من حالات قراءة واقع الضمير العربي والإسلامي ومدى جديته أو هوانه في قبول متغيرات الخريطة السياسية، والتي جعلت ابتسامات شيمون بيريز تحتل مساحات وجدانية في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية خلال الشهور الستة الماضية، كخطوة لتأهيل إسرائيل للدخول على خط التحالفات السياسية والاقتصادية بالمنطقة، وبالتالي توفير مستجدات تدفع في اتجاه قيام تحالف إستراتيجي رسمي بين إسرائيل والولايات المتحدة، دونما احتجاج أو اعتراض عربي لذلك، وهي الحالة التي ظلت أمريكا مترددة في السابق على إظهارها، والتي وردت إشارات إليها في كتاب وزير الخارجية السابق جيمس بيكر «السياسة والدبلوماسية».
إن الحملة العسكرية الإسرائيلية تأتي كتأكيد بأنه لا تغيير في نمط السياسة العدوانية الإسرائيلية ولا في السلوك الإجرامي للسياسيين والعسكريين في إسرائيل على حد سواء، وإن إسرائيل طالما تلقى تأييد ودعم الإدارة الأمريكية فإنها ستضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، وإن دولة رضع شعبها لبن الإرهاب والاغتصاب، واعتاد العيش على جراحات الآخرين ودمائهم لا يمكن أن تتغير سلوكياتهم، وإن تلونت لغة القوة عندها بحسابات السياسة وارتدت عباءات الصالحين، وهي حسابات محسومة لدى صانعي السياسة في إسرائيل، ولا تخرج عن إطارات توفير الهيمنة والعلو لبني إسرائيل.
الموقف الأمريكي:
إن المرء لا يعجب كثيرًا لبجاحة الموقف الأمريكي وحمايته السياسية والإعلامية للغارة الإسرائيلية الوحشية على لبنان، ولكن الذي يصيب المرء بالحزن والدوار هو «غثانية» الموقف العربي والإسلامي وعجزه عن القيام بأي تحرك رسمي أو شعبي لإنقاذ لبنان وأهله.
لقد لعبت إسرائيل -وأمريكا من ورائها- على تصوير العدوان الإسرائيلي بأنه ضرورة لتحجيم قدرات حزب الله العسكرية ومطلب دولي لإضعاف إمكانياته القتالية، وبالطبع فقد ركزت وسائل الإعلام في تغطياتها على إبراز حزب الله كتنظيم إرهابي تدعمه «إيران»، وهي المتهمة لدى المجتمع الدولي بمساندتها ودعمها للإرهاب، وفي ظل هذه المقولة التي يبدو أنها تنسجم مع نتائج قمة شرم الشيخ فإن العالم مطلوب منه أن يصمت، وأن يترك لإسرائيل الحبل على غاربه طالما أن المسألة متعلقة بالإرهاب.
وحتى يتسنى لإسرائيل -حسب منطق «الحمائم» في حزب العمل- معاقبة حزب الله فلا بد لها من تهجير (٤٠٠) ألف لبناني وتشريدهم كلاجئين في شوارع وأزقة العاصمة اللبنانية بيروت، إن نصف سكان الجنوب اللبناني الذين يمثلون (10%) من مجموع سكان لبنان مطلوب منهم أن يدفعوا ثمن التذاكر الانتخابية لضمان فوز «الحمائمي» ورجل السلام شيمون بيريز، إن تدمير القرى اللبنانية وتخريب البنية التحتية والفوقية للشعب اللبناني وعمرانه هي طريق شيمون بيريز للرئاسة في ٢٩ مايو القادم، إن حالة الفزع والهلع التي أصابت قرابة نصف مليون من سكان لبنان جراء القصف العشوائي للجيش الإسرائيلي، والتي بلغت ألفي قذيفة في اليوم الواحد حسب تقديرات ميكائيل ليندفال المتحدث باسم قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني- هي زغاريد الفرح المطلوبة لعرس شيمون بيريز الانتخابي، وقد أضاف ميكائيل: «إن هذه الحسابات لحجم القذائف كانت في اليوم الأول، أما بعد ذلك فيصعب التقدير والحساب» (صحيفة الواشنطن بوست ١٥ إبريل ١٩٩٦م).
إن الوحشية التي أبدتها القوات الإسرائيلية وطريقتها في تهجير هذا العدد الهائل من سكان الجنوب تذكر بالمذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد أهالي فلسطين في عام ١٩٤٨م.
والسؤال الذي يثير كثيرًا من الشكوك هو هل كان من مقررات قمة شرم الشيخ إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للعربدة العسكرية في الجنوب اللبناني للحفاظ على فرض نجاح بيريز في الانتخابات القادمة؟
وهل الصمت العربي المطبق وغياب التنديد الدولي هما ورقتان تم الاتفاق عليهما لتعويض بيريز ما فقده من شعبية إثر العمليات الاستشهادية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قلب الكيان الإسرائيلي؟
تغطيات ومشاهدات على الساحة الأمريكية:
بالرغم من ضراوة القصف العشوائي الإسرائيلي للمناطق المدنية في الجنوب اللبناني والتهديدات العسكرية بجعل عاليها سافلها، والتي دفعت (٤٠٠) ألف للنجاة بحياتهم وأطفالهم في اتجاه بيروت، لم يكلف الرئيس الأمريكي نفسه بإصدار بيان يندد بالوحشية الإسرائيلية، أو يطالب بوقف هذه العمليات ودعوة كافة الأطراف -كما جرت العادة- إلى ضبط النفس والاحتكام إلى الهيئات الدولية، بل كانت كلماته التي انتزعتها بعض الوسائل الإعلامية منه أشبه بالتشفي وتحميل الحكومة اللبنانية مسئولية ما يحدث، أي إلقاء اللوم على الضحية، و«إن السياسة التي تبنتها إدارته بعدم توجيه أي نقد لإسرائيل تأتي في إطار تأييد ورقة بيريز الانتخابية» (الواشنطن بوست، ١٦ إبريل ١٩٩٦م).
تلك الورقة التي تتطلب هذا المستوى من العدوان لضمان فوزه والحفاظ على إنجازات عملية السلام، والتي هي الأخرى تعتبر جزءًا من إنجازات حملته الانتخابية في شهر نوفمبر القادم، وهو موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
لا شك أن اتصالات وزير الخارجية الأمريكي وارن کریستوفر ببعض الزعامات العربية كانت هي الأخرى تصب في خانة التذكير بالتزام الصمت، وعدم اللجوء إلى التصعيد بالدعوة إلى مظاهر تضامن عربي أو إسلامي، وإن المطلوب هو تجاهل ما يحدث كجزء مما تم الاتفاق عليه في قمة «شرم الشيخ».
ويمكن ملاحظة هذه السياسة من خلال الطريقة التي قامت بها وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة في تناولاتها للغارة الإسرائيلية، ومحاولاتها لخلق تبريرات للعدوان بدعوى تعرض القرى الإسرائيلية لقصف «الكاتيوشا» من مقاتلي حزب الله.
وقد ركزت وسائل الإعلام في تغطياتها المحدودة جدًا على تأكيد الإدانة لحزب الله، وإن ما أصاب سكان قرى الجنوب كان بما كسبت أيديهم جراء تعاونهم مع مقاتلي حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالطبع لم تنس هذه الصحف التأكيد على أن إيران التي ترعى الإرهاب الدولي -حسب مزاعمها- هي التي تقف وراء حزب الله وتحريكه للقيام بعمليات عسكرية خدمة للمصالح الإيرانية.
وبالرغم من هذا التجاهل الدولي للتنديد بالعدوان إلا أن أصواتًا من داخل الثكنة اليهودية لازالت ترفع بالاستنكار للسياسة الإسرائيلية وممارساتها الإنسانية ضد الفلسطينيين واللبنانيين كـ «إلفرد للينثال، ونعوم شومسكي، وألن بيرجر وآخرين».
وهي السياسة التي عبر عنها الصحفي اليهودي مارك بروزنسكي في نشرته «حقائق الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي بالقول: «إن إسرائيل تريد أن تدفع الغرب لتدمير إيران كما فعلت بالعراق، وإنهم لا يكترثون بكم هلك من المسلمين ولا بمعاناتهم، إنهم فقط يسعون إلى تأکید سيطرتهم بالمنطقة، وإن الشرق الأوسط محكوم بأسلحتهم النووية وقدراتهم المتطورة، وإن أمريكا هي دائمًا نصيرهم في صراعهم مع العالمين العربي والإسلامي، وأضاف بأن السلام غير العادل والغبن الفاضح في العملية المسماة بعملية السلام سوف يسوق إلى الحرب والثورة غدًا، والاضطهاد والإحباط سيعملان على زيادة التطرف والإرهاب».
إن هذه هي الحقيقة القذرة التي تسعى إسرائيل لإخفائها والتستر خلفها تحت مظاهر توجهات السلام وابتسامات الدبلوماسية الإسرائيلية في بعض العواصم العربية والإسلامية، إنه الزمن الذي يحتاج إلى غضبة عربية إسلامية عارمة، تجعل الغرب يعيد التفكير في حساباته الإستراتيجية ومصالحه الحيوية بالمنطقة، فالرهان العربي الإسلامي على نبذ العنف والتخفيف من اتجاهات العداء للغرب ليس معناه أن الشرق قد فقد رجولته وكرامته وغدا مسرحًا لعربدة السياسة الإسرائيلية في ظل حراب الحماية الأمريكية، وتواطؤ سياسة إدارة الرئيس بيل كلنتون واندفاعها المحموم لدعم وتأييد إسرائيل في عدوانها الهمجي على قرى الجنوب اللبناني وتجاهلها لأية نخوة عربية قد تقلب حسابات الغرب رأسًا على عقب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل