; العلاقات الصينية – الأمريكية وانعكاساتها على أمن الخليج | مجلة المجتمع

العنوان العلاقات الصينية – الأمريكية وانعكاساتها على أمن الخليج

الكاتب عامر الحسن

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999

مشاهدات 10

نشر في العدد 1335

نشر في الصفحة 36

الاثنين 01-فبراير-1999

  • الصين – وهي تنظر لمصالحها الاستراتيجية في الخليج – تضع علاقاتها مع الولايات المتحدة على رأس أولوياتها... ومثال ذلك التعهد بقطع التعاون النووي مع إيران أحد أكبر شركائها في الخليج. 

ترقب الولايات المتحدة بحذر مساعي الصين لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في الخليج، وبخاصة تعاونها العسكري مع إيران على مستوى الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل، وبصرف النظر عما إذا كان الغرب يعتبر الصين «الخطر القادم»، بعد الاتحاد السوفييتي أم لا، فإن واشنطن تدرك تمامًا أن للصين مصالح عسكرية قديمة مع الخليج، ومن المتوقع أن تتعقد في العقد القادم لتشمل الاهتمام بمصادر الغاز والنفط ويكتسب الخليج أهمية استراتيجية بالنسبة للصين أولاً لوجود كميات هائلة من مخزون النفط، ولأن المنطقة تمثل سوقًا استهلاكية رائجة للبضائع والمنتجات الصينية، ثانياً وبصرف النظر عن البعد الاقتصادي تظل منطقة الخليج، وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى تمثل جبهة «دينية» واحدة من الممكن أن توظف لتطوير الأقليات المسلمة المطالبة بالتخلص من الاحتلال الصيني لمناطقها في غرب الصين من هنا كانت الصين تخشى من  تداعيات الثورة الإيرانية في ۱۹۷۹م، ولاتزال تخشى حالة اللااستقرار في أفغانستان - وطاجيكستان من أن تنسكب على حدودها.

وتنظر الصين بشك لنوايا الوجود الأمريكي في الخليج، ورغبة واشنطن في الهيمنة على منابع البترول، وتسعى لفك الحصار عن إيران والعراق، من دون أن يسفر ذلك عن إثارة حفيظة الولايات المتحدة، أما بالنسبة لروسيا، فلا تعتبرها الصين مهددًا حقيقيًا لمصالحها في الخليج، سيما مع تطابق وجهات النظر بشأن العديد من قضايا المنطقة، لكن من المحتمل أن يتحول هذا الوئام إلى عداوة وتنافس مستقبلاً، تحت وطأة شح مصادر الطاقة، ولذلك يحرص المسؤولون الصينيون منذ الآن على تعميق علاقة بلدهم بالحكومات الخليجية تحسبًا لهذا السيناريو.

البعد الاقتصادي

وهو بالنسبة للصين البعد الأهم، إذ إن حاجتها للبترول تبلغ ١٧٪ من احتياجاتها الرئيسة للطاقة، وستتنامى حاجة بكين للنفط بواقع 7 ملايين برميل يوميًا بحلول عام ٢٠٠٥م، ومن المتوقع أن ترتفع وارداتها من النفط الخام من ٤٤٠ ألف برميل في ١٩٩٦م إلى مليون برميل يوميًا سنة ٢٠٠٠م، ويرى خبراء الطاقة الصينين أنه لن يكون هناك مفر من تفاقم اعتماد الصين على النفط مستقبلاً بسبب تنامي الثغرة بين كمية الإنتاج المحلي والاستهلاك.

وتلبي الصين حاجتها للنفط من الخليج لوجود مخزون كبير منه في تلك المنطقة، ولانخفاض أسعار تكريره وإعادة إنتاجه، مقارنة بالمنتجات النفطية لأمريكا اللاتينية، ووسط آسيا وروسيا، وقد تنامى اعتماد الصين على نفط الخليج من ٤٠٪ في ١٩٩٤م إلى ٦٠٪ في ١٩٩٧م من مجمل وارداتها النفطية، ولا ينحصر هذا الاعتماد كلية على مجرد استيراد الصين للنفط الخام من الخليج، وإنما يشمل المساهمة في التنقيب عنه، وتطويره، حيث تسعى الصين في خطتها الاقتصادية الخمسية (١٩٩٦ م - ٢٠٠٠) لإنتاج ما يتراوح من ٥ - ١٠ ملايين طن من البترول بحلول سنة ٢٠٠٠م، وأن الخطة تستهدف أساسًا منطقة الخليج إلى جانب روسيا ووسط آسيا).

 إلى جانب النفط تمثل الصين أيضًا سوقًا استهلاكية رائجة للبضائع والمنتجات الخليجية، حيث تعتبر الصين مثلاً أكبر سوق للأسمدة الخليجية، والزبون الأول في هذا المقام للكويت والسعودية، وتسهم الكويت في عملية تطوير المعدات البتروكيماوية بإقليم شاندونج بالصين، كما عقدت الكويت مؤخرًا اتفاقية مع الصين تطور بموجبها أنابيب تكرير النفط شريطة أن تنقل فيها بترول الكويت الخام، ويعترف خبراء السوق الصينيون بوجود استراتيجيات خليجية متعددة للتنافس على السوق الصينية وجذب المستهلك إليها، وخارج الجزيرة، هناك عدة اتفاقات صينية – إيرانية تشمل الغار والنفط بالإضافة لمنتجات وسلع لا تتعلق بالطاقة.

البعد السياسي

طورت الصين علاقاتها بالعالم العربي عمومًا، بسرعة ملحوظة مطلع التسعينيات، واستهلت مد جسور علاقاتها الدبلوماسية مع دول الخليج بتطبيع علاقاتها مع السعودية ١٩٩٠م، لتستكمل مشوار تعزيز العلاقات الصينية – الخليجية الذي بدأ مطلع السبعينيات، وتعتز الصين حاليًا بما حققته على العلاقات الخارجية مع الخليج لعدة أسباب: أولاً أنها جاءت في فترة كانت تعاني فيها الصين من العزلة السياسية بسبب مذبحة ميدان تيمان التي راح ضحيتها مئات الطلبة، وثانيًا: أن استهلال تلك العلاقات مهد الأرضية المناسبة لعلاقات تجارية مع السعودية وبقية دول الخليج.

 شرق أوسطياً، استغلت الصين التقدم المبدئي الذي شهدته محادثات التسوية العربية - الإسرائيلية في مدريد وأوسلو لتطبيع علاقاتها بإسرائيل في ۱۹۹۲م، وهي خطوة سياسية ما كانت الصين لتقدم عليها لولا الضوء الأخضر من الدول العربية تجنبًا لإثارة حفيظتهم وانعكاسات ذلك على مستقبل علاقاتها التجارية.

 غير أن علاقة الصين بالخليج لم تكن خالية من الصعوبات والعراقيل، حيث مثل الغزو العراقي للكويت  في ١٩٩٠م تحديًا للصين أكثر مما مثل فرصًا للتطبيع، فبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وجدت الصين نفسها لاعبًا محوريًا في قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحرب الخليج، وكانت نسبيًا فرصة كي تثبت الصين دعمها للخليج في وجه الاعتداء العراقي، من دون أن تصوت لصالح الحرب وتساهم في عاصفة الصحراء، وكان ثمن الموقف الصيني باهظًا، حيث قدرت خسائرها ببليوني دولار، يضاف لها قرار الكويت بتجميد ۳۰۰ مليون دولار على شكل قروض تنموية بسبب معارضتها استخدام القوة ضد صدام.

 ولم تنته تحديات حرب الكويت بالنسبة لعلاقة الصين مع الخليج، وإنما ازدادت حدة بسبب قرارات الأمم المتحدة اللاحقة، على الرغم من أن الصين ناشدت الحكومة العراقية الالتزام بقرارات الأمم المتحدة جميعًا إلا أنها على الجانب الآخر تخفي تحفظاتها على بعض تلك القرارات التي تعتبرها خرقًا لسيادة ووحدة الأراضي العراقية، وتمثل ذلك التحفظ بصورة أوضح في معارضتها للقصف الأمريكي للعراق في فبراير الماضي، وتفضيلها حل المشكلة دبلوماسياً، لكن الصين حرصت منذ البداية على ألا تسفر معارضتها لقرارات مجلس الأمن عن توتير علاقاتها مع الولايات المتحدة، فكانت تعبر عن سياساتها في رفع الحصار عن العراق وحل مشاكل صدام سلميًا من خلال وقوفها بجانب الموقفين الروسي والفرنسي، باختصار كانت الصين حريصة على ألا تظهر بمفردها في مواجهة جبهة التحالف الأمريكية - البريطانية وإنما محتجبة خلف الروس والفرنسيين.

 وكانت إيران تمثل تحديًا آخر لسياسة الصين في الخليج، إذ في الوقت الذي تعاملت فيه واشنطن مع طهران عبر سياسة «الاحتواء المزدوج»، كانت بكين ترى أن الأمثل لمصالحها ألا تقطع علاقتها بالجمهورية الإسلامية، وإنما تتواصل معها على الأقل على المستوى الاقتصادي، وكانت الصين تعتبر «الاحتواء المزدوج»، مبادرة أمريكية فردية، صيغت لخدمة مصالحها الخاصة وهي الهيمنة على الخليج، دون اعتبار لمصالح القوى الأخرى، وأن تحييد إيران وجمهوريات آسيا الوسطى بهذا النوع من  العزل السياسي والاقتصادي لن يكون له أثر سوی تعميق التيار المتشدد وتعزيز الإحباط في صفوف الإيرانيين، وجميعها عوامل لن تكون في - الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة.

وتعود علاقة الصين بإيران للسبعينيات عندما كان الشاه في السلطة، لكنها انحسرت بعد اندلاع الثورة في ۱۹۷۹ م وانحصرت في التعاون لخدمة المصالح الاستراتيجية للبلدين، وكانت مناهضة «السياسة الأمريكية في الخليج» أحد العناصر المشتركة لتلك العلاقة، وتنظر الصين لإيران على أنها قوة إقليمية لا يمكن شطبها بسهولة من تضاريس خريطة الخليج، ولديها المنفذ الطبيعي للنفط والغاز من جمهوريات آسيا الوسطى، ولاعب محوري في تحديد مدى التدخل الروسي وهيمنته على منابع النفط والغاز في تلك المناطق، أما إيران فتعتبر الصين متنفسًا سياسيًا واقتصاديًا من ضيق «الاحتواء المزدوج» وتعطي إيران بعدًا شرقيًا لسياساتها الخارجية يمكنها من التعدد المنطقة شرق آسيا.

البعد العسكري

وكان من الطبيعي أن تسفر رغبة الصين في تعزيز علاقاتها مع إيران عن توتيرها مع أمريكا من جانب، وتعكير صفوها مع دول مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر، ويضاف للمخاوف الخليجية والأمريكية طبيعة العلاقة العسكرية الخاصة بين طهران وبكين، سيما ما يتعلق بميدان تصدير تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل، وقد بدأ سوق السلاح الصيني يفرض نفسه بقوة في الخليج منذ اندلاع الحرب - العراقية الإيرانية، واستمرت حتى الآن مدفوعة أو مستفيدة من ظروف غياب الثقة بين القوى الإقليمية التي تميز منطقة الخليج. 

وكانت ظروف العراق العسكرية قد تدنت بعد تحرير الكويت في ١٩٩١م بوجود الحصار وفرق التفتيش عن الأسلحة البيولوجية والكيماوية، مما شكل متنفسًا عسكريًا لإيران، زاد بدوره من مخاوف الخليجيين وجعلهم أكثر استهلاكًا للأسلحة الأمريكية، ويشير الخبراء العسكريون إلى أن ما يخيف الخليجيين وأمريكا من الصين أن بضاعتها العسكرية محدودة التنوع وتتركز على تصدير الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس كيماوية بيولوجية، وبالتالي التسبب في زعزعة استقرار المنطقة، ولأن إيران الزبون الرئيس للصواريخ البالستية الصينية، كانت إيران ولا تزال تمثل توترًا في ملف «العلاقات الصينية – الأمريكية»، ومما يؤكد ذلك ما تعهد به رئيس الصين جيانج زيمين أثناء زيارته للولايات المتحدة في أكتوبر ۱۹۹۷م من أن تقطع أي نوع من أنواع التعاون النووي مع إيران بعد اتهامات استخباراتية أمريكية بأن إيران تستعمل المواد النووية التي تستوردها من بكين لبرنامجها العسكري وليس لأغراض مدنية كما تدعى حكومة طهران، وأسفر ذلك عن تحسين علاقات أمريكا والصين العسكرية، ومنها التعاون المشترك في مجال الطاقة النووية نفسها. 

ويدل على ذلك على أن سياسة الصين العسكرية في الخليج مرتبطة لحد ما بطبيعة علاقاتها مع أمريكا، من دون أن يلغي ذلك نظرة الصين المتشككة في نوايا الأمريكيين في المنطقة، أو أن الصين ستسحب بضاعتها العسكرية تمامًا من السوق الخليجية، فالصين تعتبر أن لها مصالح استراتيجية مهمة في المنطقة، تضمن تعزيزها بالتعاون العسكري وتمنع في الوقت نفسه العلاقات الصينية – الأمريكية من التدهور.

ويتوقع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقرير له صدر مطلع سبتمبر الجاري، أن يصبح للحين دور عسكري أكبر في المستقبل مقابل الحصول على أسعار خاصة للنفط الخليجي، ويعترف الخبراء بأن الصين يتعرض من الآن لإغراءات من إيران لبيعها المعدات العسكرية وكذا الكويت مقابل عروض بترولية مغرية، وأنه بغياب الثقة بين دول الخليج، وبعد إيران والعراق ستجد الصين نفسها أمام ضغوط لربط أمنها الاقتصادي بالأمن العسكري لشركائها الخليجيين.

ويضيف الخبراء أن طبيعة الموازنات التي تمارسها الصين بين علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وبين أمريكا وإيران وربما أمريكا والعراق، ستجعل عملية التطبيع لتحقيق مصالحها صعبة مستقبلاً، صحيح أنه سيكون للصين فرص متعددة في الخليج على المدى البعيد، لكن هذه الفرص لن تكون بدون ثمن سیاسي، سيما ما يخص علاقاتها بأمريكا، وليس من الواضح أن أيا من التحالفات يمكن أن تتمسك بها الصين أو تتنازل عنها في لعبة الموازنات هذه، لكن حالة إيران والتعهد الصيني لأمريكا بقطع التعاون النووي مع طهران على جميع المستويات يدل على أن الصين تضع علاقاتها مع أمريكا على رأس أولوياتها وهي تنظر لمصالحها الاستراتيجية في الخليج .. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المجتمع المحلي (287)

نشر في العدد 287

7

الثلاثاء 17-فبراير-1976