; العَصْر وشَبَاب الدَّعْوَة | مجلة المجتمع

العنوان العَصْر وشَبَاب الدَّعْوَة

الكاتب أبو الحسن

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1976

مشاهدات 16

نشر في العدد 320

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 12-أكتوبر-1976

إن حياتنا- كشباب مسلمين- جديرة بالتأمل والتفكير، وجديرة بأن نضعها على المشرحة لنفحص دقائقها ومكوناتها، قبل أن تغزونا الأمراض- وتفتك بنا الجراثيم، ويدب اليأس أو الملل في النفوس. 

وليست هذه الدعوة- إلى التأمل والتفكير- من قبيل الترف الفكري الذي اعتدناه في أيامنا المعاصرة- وإنما هي مساهمة في البناء أولًا، ودفاع عن وجود المسلم وذاتيته ثانيًا، لأن الواقع المعاصر بات يهددنا- حقًا- بالذوبان في بحر الحياة المعاصرة عجبًا. وهل في الحياة الحاضرة خطر على المسلم؟ 

نعم، فيها كل الخطر على المسلم الذي يريد أن يحمل أمانة الدعوة إلى الله، ويرفع راية الجهاد، ويسعى لتحقيق منهج الله في الأرض وهي- في خطورتها هذه- ناعمة الملمس، شهية المأكل، مغرية فاتنة تتزين للمسلم وتتظاهر بألف لون وثوب وفكرة.

والأخطر من ذلك أن كثيرًا من المسلمين يدعو للخوض في هذه الحياة ليكتشفها عن قرب، ويتعرف إلى خبائها بالتجربة، ولكنه يستمر في خوضه هذا، حتى يغرق، نعم يغرق.

فهل هذا يدعونا لتجنب هذه التجربة، والكف عن معالجة الواقع لا، بل هذا هو مضمار عملنا كمسلمين جادين واعين، لكنه يتطلب شروطًا ينبغي أن تتحقق، وهذه الشروط جزء من العمل ذاته، إذا فقدت خسرنا هويتنا- كمسلمين- وفقدنا أنفسنا كشباب دعاة، والمسلم في مواجهته للحياة ينبغي أن يعرف ذاته ومنهجه وغايته، وأن يتوقف عند كل عمل ليعرف: لماذا يخطو وكيف ومتى؟

أما إذا فقد المسلم هذه المميزات، فقد انتقل إلى الجانب الآخر ولو كان في صفوف المجاهدين، وقديمًا قزمان كان في النار.

ومنهج الدعوة في عصر رسولنا الكريم- صلوات الله عليه وسلامه- يوضح لنا ذلك: إذ لم نجد واحدًا من المهاجرين يسلم وجهه لله- عز وجل- ويبقى متمسكًا بشيء من الجاهلية. 

عندما خاطب أبو ذر أخاه الحبشي يا ابن السوداء قال له قائده- صلوات الله عليه- إنك امرؤ فيك جاهلية، فعمد إلى اقتلاعها، من الأعماق، ووضع خده على التراب ليدوس ابن السوداء على رأسه. 

الغني من أولئك والفقير، السيد المطاع والعبد الضعيف كلهم حين أسلموا تحولوا إلى رجال متمیزین عن أهل الجاهلية. 

لقد هاجروا من الجاهلية- معتقدًا وشعورًا، وعبادة، وسلوكًا وتفكيرًا، ومظهرًا.

لم يتركوا المجتمع الذي عاشوا فيه- إلا حين اقتضت متطلبات الدعوة ذلك، لا فرارًا من العذاب والمحنة، وإنما بأمر قائدهم رسول الله- عليه الصلاة والسلام-، بل كانوا يذهبون ويجيئون أمام أعين الناس كلهم، يرون كل الذي كانوا يرون من أمور الجاهلية وفتنة الدنيا، ويشاهدون ألوان الفساد الذي تمارسه الجاهلية، والذي كانوا يمارسونه بالأمس، لكنهم إذ عرفوا معنى الإيمان والإسلام: استسلامًا كاملًا لرب العالمين وهجرة حقيقة من الجاهلية إلى الإسلام، فقد ثبتوا أمام المحنة، وفتتوا المجتمع الجاهلي ذاته لأنه رغم جبروته هش متآكل، يقوم على المتناقضات ويعجز عن الصمود أمام ضربات الفطرة المؤمنة.

ولقد تجلى إيمانهم هذا في أمور أساسية أهمها.

١- كان هذا الإيمان يعني إدراكًا تامًا لحقيقة الألوهية وعلاقتها بالمخلوقات.

۲- وكان هذا الإيمان يشكل اقتناعًا تامًا بأن الإيمان بالله- عز وجل- أساس الحياة جميعًا، وركيزة الإنسانية المهتدية.

۳- وكان هذا الإيمان يشكل اطمئنانًا شاملًا يتجلى في كل حركات المسلم وتصرفاته في الحياة لأن الاطمئنان مرتبط بمعنى الإيمان ذاته، إذ كيف يتفق أن ينال المسلم قلق ما دام يؤمن بخالق قدير عليم بيده مقادير الأمور، ومن شأن الاطمئنان أن يجعله صلبًا قويًا لا تفتت عزيمته مفاسد الأرض ومخاوفها. 

٤- وكان هذا الإيمان يتجلى في واقع يعيشه المسلم على الأرض واقع يتمثل في السلوك الفردي، والولاء الاجتماعي، والإخاء الإنساني ويتجلى في الالتزام الكامل بأحكام شريعة الله في كل الشؤون. 

أما شباب الإسلام- اليوم الذين يحملون راية الإسلام مظهرًا..  لنا أن نتساءل أين مكانهم في هذا المجتمع؟ 

لا زلنا نجهل بعض الجهل مسلمات أساسية لمفهوم الإسلام كما أنزل لذلك لم نسلم بوجود الفاصل القاطع بين الجاهلية والإسلام، ولم نقتنع بتميز المسلم عن غيره. ابتداء من أصغر الأشياء التي تتعلق بسلوكه إلى أكبر أمر في معتقده.

ولهذا ظلت حياتنا- في العقيدة والسلوك- خليطًا من الجاهلية والإسلام وظلت أمورنا عائمة، نعب من الجاهلية، ونأخذ من الإسلام، ونعاني قلقًا داخليًا يزيد أحيانًا عن قلق الجاهليين أنفسهم.

هل تدعونا معالجة العصر أن نخلع أرديتنا لنرتدي أثواب الجاهلية؟ 

يا إخوة الإسلام: كان المسلمون يشعرون بالطمأنينة والرضى والاستعلاء وهم القلة المؤمنة المضطهدة في مكة.

- كان بلال وعمار وياسر وصهيب ومصعب وسعد.. و.. أكثر عزة واطمئنانًا وثقة بأنفسهم من أبي جهل وعتبة وأبي سفيان وأمية وغيرهم 

والسبب بسيط جدًا، هؤلاء كانوا يرون الكون كله- حقًا وواقعًا- بين يدي الرحمن، ومحنتهم في هذه الحياة رضوان عند الله، لأن ما عنده خير وأبقى، لذلك لم يتملكهم الخوف والجزع، ولم تفتت نفوسهم مغريات منصب أو جاه أو مال أو لذة، بل مضوا صابرين حتى انتصروا في واقع الأرض، وبنوا دولة الإسلام بعد أن انتصروا على ذواتهم، وتميزوا بإسلامهم، وحققوا معنى إيمانهم الصحيح ونحن: ننادي بالإسلام، ونتصدى لدعوة الناس إليه دعاة هادين ولكننا عزل من سلاحنا الأساسي، لهذا نواجه خطر الغرق والتفتت والذوبان- والعياذ بالله. 

ولننظر إلى ما حولنا لنجد صورًا مشوهة من نماذج الإسلاميين في تعاملهم مع الجاهلية- واستجدائهم لها، وحرصهم على مرضاتها وضعفهم أمام مغرياتها، ووصل حبالهم بحبالها كأن الغاية تبيح للمسلم أية وسيلة؟ فأين عزة الإيمان، وأين تميز الإسلام فلنعد إلى أنفسنا، ولنكن صرحاء، لنكن شجعانًا، ولنواجه هذا الضعف إن الجاهلية أعجز من أن تنتصر على مسلم صادق إذا امتلك حقيقة الإيمان ولكنها تنتصر على أنصاف مشوهة تعشعش الجاهلية في دواخلهم سلوكًا ومنفعة وضعفًا و.. 

وتنتصر على مهزومين استهوتهم الحياة الزائفة أو تعبوا من مشقة الدعوة والجهاد وإلى الله. 

وهكذا بقي المسلمون في آخر الركب لأنهم لم يستكملوا عدة الجهاد الحقيقي وعدة الجهاد هو الإيمان الخالص النقي، وهو الإسلام الكامل المتميز وعودة مبصرة واعية مخلصة إلى أنفسنا كفيلة بأن تعيدنا إلى جادة الصواب، لأنها ستفرز من بين الدعاة إلى الله المدعين والضعفاء والمنهزمين ولن يثبت في الطريق إلا الصادقون ولا يبقى على درب الإيمان إلا المجاهدون.

ولماذا ندعي صفة الدعاة ونحن مرضى جبناء أصابتنا الجاهلية بسهام الهلع والشهوات؟

ولماذا نخفي أمراضنا، ونمسح على عوراتنا طلاء باهتًا من المظاهر الإسلامية، هل نخاف أن يعرفنا الآخرون على حقيقتنا؟ 

الانخشى عذاب الله؟ والله لا تخفى عليه خافية، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ 

فلماذا الإصرار على هذا البطلان ولنرقب الله- عز وجل- في أنفسنا وعقيدتنا وسلوكنا- ولنستخلص من ذواتنا ميزات الصدق والجد، لنقف على جادة الحق، ولنبدأ رحلة الإيمان.

وعليكم، يا شباب الإسلام، يا دعاة الحق تقع المسؤولية، وبكم ينهض الإسلام، وتختفي مظاهر الضعف، والله- عز وجل- وعد المؤمنين بالنصر فانصروا الله ينصركم، والحمد لله.

الرابط المختصر :