العنوان استراحة مرابط.. الحلقة الأخيرة.. ماذا خسر الكويتيون
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991
مشاهدات 12
نشر في العدد 980
نشر في الصفحة 26
الأحد 15-ديسمبر-1991
ماذا خسر الكويتيون؟
قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق:2). في بداية الأزمة والمعاناة،
شارك أغلب أهل الكويت في تطبيق هذه الآية الكريمة، كنتيجة لوجود التدين العام،
ومجموعة المفاهيم والقيم الإسلامية التي زرعها شباب الدعوة، وتحت ضغط الفطرة
البشرية، والأصالة العربية. وتحت هذا المجموع كان تطبيق الشرط في الآية الكريمة،
ثم جاء بعد ذلك كرم الله وفضله ومِنّته في تكملة النتيجة: ﴿يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجًا﴾. فكان المخرج من بين أيدي الظالمين مخرجًا لا يقدر عليه إلا الله الذي
بيده مقاليد كل شيء.
ثم بعد ذلك جاءت النتيجة الثانية: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ﴾. فمع ضياع في السياسة الاقتصادية والنفطية ومع التخبط في سياسات
الإنفاق، إلا أن الرزق جاء كما في الآية من حيث لا نحتسب، حيث إن اقتصادنا قائم
بعد فضل الله على ما أودعه الله في باطن الأرض من خيرات. ويقول خبراء النفط إن مع
نهاية إطفاء الحرائق في شهر مارس سنة 1992 لن يكون هناك تدمير للاحتياطي أكثر من
3% من مجموع الاحتياطي المقدر بمائتي سنة بحساب الإنتاج الحالي لدولة الكويت.
فمشكلتنا إذن ليست في المورد، ولكن في إدارة المورد ونهبه. مشكلتنا
بالإنسان المستخلف في هذا المال، ونوعية هذا الإنسان، وقياس درجة الجودة فيه،
ونسبة الغش فيه. فإن كانت بنسبة الغش المسموح بها في عالمنا العربي رضينا بها؛ لأن
النوعية والجودة هما المعول عليهما اليوم في العوالم المتحضرة. ونحن نقول، وإلى أن
يوضع المجهر على الإنسان الكويتي، إننا خسرنا من النوعية والجودة التي كانت تتستر
عليها اللوائح والأنظمة والقانون باعتبار حداثة الدولة الكويتية ومستوى الغنى
والمال الذي بحوزتها. والطامة الكبرى أن ضعف النوعية قد اكتشفه العالم العربي
والغربي نتيجة لتوزعنا في زمن الاحتلال. ونحن هنا لا يسعنا إلا أن نطلب من إخواننا
في البلاد العربية أن يَهَبُوا المسيئين منا للمحسنين.
وفي مقابل هذه الخسارة، فقد كان هناك ربح كثير كذلك على مستوى الإنسان
في تجسيد قيم الدفاع عن الدين والوطن والمال والعرض، وقيم الرباط، وقيم الإخاء
والمحبة والتكافل. ونحن إذ نذكر أهمية معرفة العيوب حتى لا تكون المفاجأة ويعلو
صوت الباطل، وصراخ الفساد على صوت الحق، فتكون السنة الكويتية التي عبر عنها عمر
بن الخطاب رضي الله عنه عندما قيل له: "أَتُوشِك القرى أن تخرب وهي
عامرة؟" قال: نعم، إذا علا فُجَّارُها على أبرارها. ولعلنا نستطيع أن نقول إن
حفظ المال كان لصلاح الآباء والأجداد، وفطرتهم الخيِّرة كما هو معروف في تاريخهم،
فأهل الكويت اليوم يعيشون بهذا الخير بفضل الله ثم بصلاح ودعاء آبائهم، وهي
النتيجة الطبيعية لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف على عقبه وعقب عقبه
فليتق الله ربه" وقوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ
خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ
وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ (النساء:9). وهكذا الثروات تُحفظ بصلاح الآباء: ﴿وَأَمَّا
الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ
كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا
أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾
(الكهف:82).
وهذه الثروة تضيع عندما يبلغ الأولاد أشدهم على غير صلاح وتقوى كما
قيل:
ورثنا المجد عن آباء صدق ** أسأنا في ديارهم الصنيعا
إذا الحسب الرفيع تعاورته ** بناة السوء أوشك أن يضيعا
دعاء وشكر ورجاء
اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب
الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، يا سميع الدعاء، يا سابغ النعم، يا دافع
النقم، يا نور المستوحشين في الظلم، نسألك اللهم أن تتقبل شهداءنا، وترحم موتانا،
وتفك أسرانا وجميع المسلمين. وبعد، فامتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من قال لأخيه جزاك الله خيرًا فقد بالغ بالثناء"، فنحن هنا لا يسعنا
تجاه إخواننا في الدول العربية والإسلامية على وجه العموم، وفي المملكة العربية
السعودية ودول الخليج على وجه الخصوص، إلا أن نتوجه إلى الله بقلوب مخلصة نقول إنه
مهما عملنا لهم في الدنيا فلن نجازيهم ولا معشار ما صنعوا. إنما صنعوا كثيرًا،
ابتداءً من خادم الحرمين الشريفين وإخوانه قادة مجلس التعاون الخليجي، الذي جعل
أرضه وجيشه قاعدة لتحرير الكويت وإرجاع الحق لأهله، واتخذ قرارًا ما كان ليتخذه
إلا قائد جريء، متمثلًا قول الشاعر:
من راقب الناس مات همًا ** وفاز باللذة الجسور
وكذلك لأصحاب الفضيلة العلماء والشيوخ، وعلى رأسهم والد الجميع
العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وإخوانه العلماء، فقد كان لوضوح الحق
عندهم أثر كبير في وحدة الصف عندنا. وإلى جميع أفراد الشعب السعودي والخليجي الذين
سخروا كل إمكاناتهم البشرية والمالية لخدمة إخوانهم وضيوفهم من الكويت. ومع دعائنا
لهم، نقدم الشكر والامتنان لهم، "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" أخرجه
أحمد مرفوعًا.
وفي الختام، رجاؤنا:
1.
إلى أهل الكويت
حكومةً وشعبًا أن يوفوا بعهد الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة:1)، بالعمل على تطبيق شريعة الله في جميع ميادين الحياة.
2.
إلى كل من تولى
أمرًا من أمور المسلمين صغيرًا أو كبيرًا، أن يتمثل في حياته قول الفاروق عمر بن
الخطاب رضي الله عنه لمعاوية بن خديج في تحسسه للمسؤولية: "لئن نمت النهار
لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا
معاوية؟".
3.
إلى كل مواطن
في المملكة العربية السعودية أو الخليج أن يغفر ويستر ما شاهده من بعض إخوانه
الكويتيين الذين هاجروا إلى إخوانهم، فقد كان المصاب كبيرًا أغلق عليهم الكثير من
أصالتهم ونقاء معدنهم، والشرع قد عذر من هذا حاله: "لا طلاق ولا عتاق في
إغلاق".
4.
أن يتوجه بالتوبة
كل من خاض في أزمة الخليج على غير هدى من الله، وأن يكون استغفارنا:
o
من الركون إلى
الذين ظلموا، وإن كان ذلك الركون مجرد رضا واطمئنان.
o
من اتهام بعضنا
لبعض والاستغفار عما بدر.
o
من الأمل في
الظالمين، وأن نصر الدين سيكون على أيديهم.
o
من الاستخفاف
بحرمات المسلمين، ودمائهم، وأموالهم، وأرضهم، وعرضهم.
o
من تغليب
المصلحة المحدودة على المبادئ.
o
التوبة والرجوع
إلى الله في كل حال من أحوالنا.
5.
أن تتطور
العلاقة في مؤسسات العمل للدعوة الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي من طور
التعاون إلى التنسيق ثم الاتحاد، لما لهذا الأمر من أهمية كبرى في تأسيس عمل
إسلامي في دول أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا بإطار مؤسسي يعتمد على التقنية
الحديثة والأصالة الإسلامية، وليكن هذا الاتحاد نموذجًا عمليًا لمؤسسة مجلس
التعاون الخليجي في تطوير عملها إلى التعاون ثم الاتحاد. ونحن إذ نؤكد على هذا
التطوير لعدة أمور:
o
أن أساس ديننا
يقوم على وحدة الصف.
o
أنه لم يعد
هناك مجال لأن يُسمع للمتحدث وهو يعيش في كيان ومحور صغير.
o
أن الاتحاد
يعني في النهاية تكامل الطاقات والإمكانات والقدرات، فما في قطر من نقص لا يعطيه،
وفوق أن يعطيه ويأخذ.
o
أن طبيعة الأرض
والشعب والهموم والأفراح والأتراح تكاد تكون واحدة للشعوب والحكومات.
o
إنه من أجل
المصلحة العامة والاستفادة الاستراتيجية من الوحدة، لا بد أن يكون هناك تنازل من
كل الأطراف في الحدود التي تسعها طبيعة ديننا الكريم وكياناتنا وطبائعنا البشرية.
o
أن أعمالنا
الدعوية في خارج دول مجلس التعاون تكاد تتطابق في كل شيء.
6.
أن تكون
المبادرة من المؤسسات الدعوية في المملكة العربية السعودية، حيث هي الأقدم
والأكبر، فلها دور الأستاذية في كثير من الأمور. فهناك جامعات إسلامية عريقة
وأصيلة في المقابل لا نملك سوى كلية للشريعة تعصف بها رياح التغيير بين الحين
والآخر. وهناك الندوة العالمية للشباب، وفي المقابل لا نملك سوى تواجد شبابي في
بعض دول أوروبا وأمريكا في أحسن أحواله يمثل فرعًا للاتحاد الطلابي في البلد
الخليجي. وهناك رابطة العالم الإسلامي التي تقابلها الهيئة الخيرية العالمية، لتظل
بعد ذلك عراقة وقِدَم ومكانة الرابطة سابقة للهيئة. وهيئة الإغاثة تقابلها لجان
متخصصة بمناطق محددة في العالم كلجنة أفريقيا ولجنة الدعوة ولجنة المناصرة. أما
المؤسسات العلمية، فهناك سبق طبيعي لِقِدَم المنطقة وتاريخها لنرى على السطح هيئة
كبار العلماء والمجامع الفقهية في جدة ومكة.
وفي النهاية نقول: لنا رجاء أن تكون هناك حلقات نقاش جادة من أجل
إيجاد وحدات عمل كبيرة تناسب المرحلة القادمة والتي تحمل في طياتها أتعابًا كثيرة
كما تحمل بشارات النصر والتمكين لهذا الدين. والله الموفق لما يحب ويرضى، والحمد
لله رب العالمين.