; الغرب والإسلام.. افتراءات لها تاريخ (1) | مجلة المجتمع

العنوان الغرب والإسلام.. افتراءات لها تاريخ (1)

الكاتب د. محمد عمارة

تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010

مشاهدات 34

نشر في العدد 1915

نشر في الصفحة 34

السبت 14-أغسطس-2010

  • قُوى الضلال تتّخذ من الكذب على الإسلام ورسوله ﷺ صناعة كبرى يتربّح منها الأفّاكون المليارات!!
  • دوام الحق يصاحبه دوام الباطل..وتزايد المؤمنين يواكبه اشتداد سُعار الكافرين!!
  • في الحقبة الصليبية صنع الخيال للإسلام ونبيّهﷺ صوراً فاقت في بؤسها وتهافتها ما صنعه خيال الشرْك الوثني

من سنن الله سبحانه وتعالى الحاكمة لتاريخ النبوات والرسالات- بل ولكل الدعوات والمذاهب والفلسفات - أنه كما يكون للرسالات والدعوات أعضاء وحواريون، فإنه يكون لها أيضًا خصومٌ ومناوئون.. حدث ذلك في دعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل(عليه السلام)، عندما استجاب له فريقٌ من قومه بينما ألقاه المناوئون والمعاندون في النار، التي جعلها الله عليه بردًا وسلامًا.

وكذلك كانت الحال من قبل مع نوح (عليه السلام)، الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فما استجاب له منهم إلا قليل، حملهم على سفينته، ثم دعا ربه على مناوئيه:﴿وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا﴾

 (نوح: 27:26). 

وحدث ذلك من بعد مع نبي الله شعيب (عليه السلام)، الذي استجاب له فريق من أهل«مدين»، بينما عانده وخاصمه وقاومه آخرون رفضوا التوحيد والإقلاع عن الحرية غير المسؤولة في التعامل مع رؤوس الأمول: ﴿قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ﴾ (هود: 87).

ونفس السنة الإلهية الحاكمة لسيرة النبوات والرسالات حكمت سيرة ومسيرة كليم الله موسى(عليه السلام)، الذي عانده فرعون وملؤه، بينما استجاب له السحرة الذين لم يأبهوا لأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن يُصَلِّبوا في جذوع النخل كما استجاب له«بنو إسرائيل»، ثم انقلبوا على التوحيد، فعبدوا العجل الذهبي، الذي أشربوه في قلوبهم، حتى لقد حطم موسى الألواح، ومات في التيه !!

وكذلك كانت الحال مع المسيح عيسى ابن مريم(عليه السلام)، حيث آمن به الحواريون والذين قالوا إنا نصارى، بينما رفضه وناوأه واضطهده وطارده غوغاء«بني إسرائيل» الذين أضلهم الحاخامات والأحبار والكتبة الذين حولوا بيت الله إلى مغارة لصوص!

ولقد حكمت هذه السنة الإلهية مسيرة الرسالة الخاتمة، التي جاء بها خاتم الأنبياء ورسول الإسلام محمد بن عبدالله ﷺ،فكان هناك الحواريون والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان أولئك الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله، وبذلوا النفس والنفيس في نصرة الله، وإعزاز دينه، ومؤازرة رسوله ﷺ فرضي الله عنهم ورضوا عنه، بينما بلغت المعاندة والمعاداة والمناوأة من ملأ قريش ورؤوس الشرك الوثني حد الفتنة في الدين  والحصار، والتجويع، والتعذيب، والاقتلاع من الديار والأوطان، والحرب والغزو والقتال.

شبهات واتهامات

ولأن كل رسالة من الرسالات السماوية السابقة على رسالة الإسلام كانت خاصة بقوم بعينهم ومحددة بفترة زمنية فاصلة بين رسولين، كانت المناوأة والمعاندة والمعاداة والاتهامات والشبهات مرتبطة بالفترة التي قامت وسادت فيها كل رسالة من هذه الرسالات. 

فالاتهامات والمعاندات والشبهات التي وجهت إلى كل رسالة من رسالات هؤلاء الرسل والأنبياء قد طويت مع فترة كل نبيٍّ من هؤلاء الأنبياء.. أي أن ما وجه إلى نوح (عليه السلام) لم يوجه إلى من جاء بعده وكذلك الحال مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام)، اللهم إلا الموقف من التوحيد، الذي استمرت حوله وبإزائه الموالاة والمعاداة عبر كل النبوات والرسالات.

ولكن الأمر قد اختلف مع الرسالة الخاصة، التي جاء بها رسول الله محمد بن عبدالله ﷺ.

فلأن هذه الرسالة الخاتمة هي الخالدة والعالمية، كانت المناوأة والمعاندة والمعاداة والاتهامات والشبهات الموجهة إليها، وإلى رسولها دائمةً ومتجددةً عبر الزمان والمكان!

فدوام الحق يصاحبه دوام الباطل (!!) وتزايد المؤمنين يواكبه اشتداد سعار الكافرين (!!)، ودخول الناس في دين الله أفواجًا يستنفر ويستفز قوى الشر والضلال التي تحترف العداء للإسلام ورسول الإسلام حتى لتتخذه العدو الذي تجيش ضده الجيوش المادية والمعنوية، بل لقد اتخذت من الكذب على الإسلام ورسوله ﷺ«صناعة كبرى» ترتزق من سمتها جيوش الكذبة، الذين يجنون منها المليارات !!

وصدق الله العظيم: إذ يقول:﴿وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ﴾ (الواقعة: 82).

تطورات وتغيرات

وعلى مر هذه القرون التي شهدت ظهور الإسلام وامتداده وسطوع أنواره عبر القارات والمحيطات حدثت تطورات وتغيرات وتجديدات في الاتهامات والشبهات التي وجهها ويوجهها الخصوم والمناوثون والمعاندون إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام ﷺ؛ حيث تسقط شبهات واتهامات لتتجدد شبهات واتهامات أخرى. 

لقد حدثنا القرآن «الكريم» عن الدوام والاستمرار لسنة هذه المناواة، وهذا العناد وهذا العداء: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ (التوبة: 32).﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ (8) هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ (الصف: 9:8)، ﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ﴾ (البقرة: ۱۲۰)،﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ﴾ (البقرة: ۲۱۷).

ومع دوام سنّة المناوأة والمحاربة للإعلام، الدوام انتشاره وظهوره على الدين كله، تتنوع وتتغاير وتتبدل الاتهامات والشبهات الموجهة إلى هذا الإسلام.

شهادات المشركين

وقد حكى لنا القرآن الكريم ألوانًا من الاتهامات التي وجهها الشرك الوثني إلى القرآن الكريم، وإلى رسول الإسلام ﷺ، وذلك من مثل أنه«أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلًا»، وأنه«إنما يُعلمه بشر»... وأنه سحر ساحر، أو شعر شاعر، أو كهانة کاهن، إلى آخر هذه الاتهامات التي سقطت أمام الإعجاز القرآني المتحدي ذلك الذي جعل المعتدين من أساطين الشرك يشهدون-وهم على شركهم-للقرآن الكريم، فيسقطون هم بشهاداتهم هذه ما سبق وساقه قومهم من اتهامات وشبهات. 

لقد شهد«الوليد بن المغيرة» (٩٥) ق.هـ / ٥٣٠ -٦٢٢م)، وهو الملقب بـ«العدل» (عدل قريش؛ لأنه قاضيها)، شهد للقرآن ولرسول الإسلام، بعد أن سمع سورة «غافر»، فقال وهو على شركه ووثنيته:«والله لقد سمعت من محمد كلامًا آنفًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن والله ما هو بكاهن فقد رأينا الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه... ووالله ما هو بمجنون، فقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.. ووالله ما هو بشاعر، فقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بشاعر.. ووالله ما هو بساحر فقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.. والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه طلاوة وإن أصله المغدق، وإن فرعه المثمر وإنه يعلو ولا يعلى عليه .. وما أنتم (يا معشر قريش) بقائلين (فيه) عن هذا شيئًا إلا وأنا أعرف أنه باطل» !!

بهذه الشهادة – وأمثالها - سقطت الشبهات التي واجه بها الشرك الوثني القرآن الكريم، ورسول الإسلام، فلم يعد هناك عاقل يردد تلك الشبهات.

الحقبة الصليبية

لكن ذلك «الجيل» من الشبهات والاتهامات عندما سقط حلت محله شبهات واتهامات أخرى ضد الإسلام ورسول الإسلامﷺ.

ففي الحقبة الصليبية(٤٨٩ - ٦٩٠هـ /١٠٩٦ - ۱۲۹۱م) التي أراد فيها الغرب الصليبي إعادة اختطاف الشرق من التحرير الإسلامي الذي استخلصت به الفتوحات الإسلامية الشرق من القهر الإغريقي والروماني والبيزنطي، الذي استمر عشرة قرون - من «الإسكندر الأكبر» (٣٥٦ - ٣٢٣ ق. م) في القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى «هرقل» (٦١٠ -٦٣١م) في القرن السابع للميلاد - في تلك الحقبة الصليبية، صنع الخيال الصليبي للإسلام ورسوله ﷺ صورة فاقت، في البؤس والتهافت والإضحاك، تلك الصورة التي صنعها الشرك الوثني، والتي سقطت بهزيمته أمام أنوار حقائق الإسلام.

(*) كاتب ومفكر إسلامي

الرابط المختصر :