; الفاتيكان.. والإسلام... أهي حماقة.. أم عداء له تاريخ؟ | مجلة المجتمع

العنوان الفاتيكان.. والإسلام... أهي حماقة.. أم عداء له تاريخ؟

الكاتب د. محمد عمارة

تاريخ النشر السبت 17-مارس-2007

مشاهدات 10

نشر في العدد 1743

نشر في الصفحة 36

السبت 17-مارس-2007

  • عقب تولي بنديكتوس للبابوية ألغى لجنة «حوار الأديان» وسماها «حوار الثقافات».... تطبيقًا لوثيقة «المسيح المهيمن» الرافضة لوجود ديانات غير الكاثوليكية. 

  • حوار الفاتيكان مع المسلمين لم يكن سوى جزء من جهود الكنيسة الكاثوليكية لجذب المسلمين في الحرب الباردة لحساب الغرب «المتدين» ضد «الشيوعية الملحدة»! 

  • على امتداد ربع قرن قبل تعيينه بابا تولى بنديكتوس الـ ١٦ منصب «فرض النقاء العقائدي» الذي هو امتداد لمحاكم التفتيش.

  • المسلمون والأفارقة والهنود وحدهم الذين لم يقدم لهم البابا أي اعتذار.. لا عن الحروب الصليبية ولا عن نهب وتدمير أفريقيا عبر خمسة قرون... ولا عن إبادة الهنود الحمر.

  • لقد انطلق البابا في التخويف من الإسلام من الواقع الديني الذي تواجهه البابوية.. واقع التراجع المسيحي أمام الصعود الإسلامي.

عندما انتُخب البابا يوحنا بولس الثاني «١٩٢١ – ٢٠٠٥م» بابا للفاتيكان، وحبرًا أعظم للكنيسة الكاثوليكية – أكبر كنائس النصرانية «1.1 مليار»... وأطل على رعيته, من شرفة كنيسة القديس بطرس, في 16/10/1978م– أعلن:

«أن المسيح هو الحل»... وسعى وراء «تنصير الثقافة»... وذلك لمواجهة الواقع المسيحي الغربي الذي همشت فيه العلمانية المسيحية، حتى لقد جعلت الذين يؤمنون – في أوروبا – بوجود إله لا يتجاوزون 14% من السكان.. والذين يذهبون إلى القداس لا يتجاوزون 10% – وهم في فرنسا – أكبر بلاد الكاثوليكية الأوروبية – لا يتجاوزون 7.7%  أي أقل من تعداد المسلمين الفرنسيين!!.. 

 وفي مواجهة هذا الواقع، ساد في الفاتيكان اتجاه يدعو إلى مقاومة خطر انقراض المسيحية والمسيحيين! 

  • وعلى مستوى العلاقات الخارجية للفاتيكان, نشط البابا وكنيسته على عدة جبهات منها:

  1. الانخراط النشط  مع أمريكا والغرب الرأسمالي في الحرب الباردة ضد الشيوعية والمعسكر الاشتراكي – تلك الحرب التي وصفوها بأنها «معركة من أجل الاستيلاء على عقول البشر». ([1])

وفي إطار العمل على هذه «الجبهة» زار البابا وطنه «بولندا»، سنة ١٩٧٩م.. وحرك نقابة العمال – «التضامن» برعاية  «ليخ فاليسا» ضد الشيوعية وحكومتها.. وعمل على إيقاظ القومية السلافية في أوروبا الشرقية.. كما كان تشجيعه لــ «فالكلاف هافل»، والمنشقين على الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا جزءًا من الحرب الباردة الغربية ضد الشيوعية... ويومها حذر رئيس الاستخبارات السوفييتية «كيه. جي. بي» «يوري أندروبوف» الزعماء الشيوعيين البولنديين من أنهم قد ارتكبوا خطأ فادحًا حين سمحوا للبابا بالعودة إلى وطنه زائرًا!.

• وفي سنة ۱۹۹۱م، امتدح البابا رأسمالية السوق الحرة، وأعلن «أنه على مستوى الأمم المنفردة والعلاقات الدولية, تعتبر السوق الحرة أكثر الأدوات فاعلية لاستخدام الموارد, والاستجابة للحاجات بفاعلية».. وأقر «بالدور الشرعي للربح كمؤشر على أن شركة أعمال ما تقوم بعملها جيدًا..... وحارب «لاهوت التحرير» وقساوسته – في أمريكا اللاتينية – أولئك الذين أرادوا إعطاء «بعد اجتماعي تقدمي» للمسيحية والإنجيل.

• وفي إطار دور الفاتيكان في قيادة «الجبهة الدينية» في الحرب الباردة، كانت قد صدرت قرارات المجمع الفاتيكاني في ستينيات القرن العشرين؛ لجذب المسلمين تحت لافتات الحوار الكاثوليكي مع غير المسيحيين.. وتبرئة اليهود المعاصرين من دم المسيح!

  1. وعلى جبهة التقرب مع اليهود

خضوعًا للابتزاز الصهيوني.. واتساقًا مع تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الإمبريالية الأمريكية، والمسيحية البروتستانتية -  «المسيحية الصهيونية».. ولدور اليهود في الحرب الباردة ضد الشيوعية.. بدأ الفاتيكان التوجهات التي سميت «زرع المسيح في إسرائيل»!.. والحديث عنه باعتباره يهوديًا! كما أعلن البابا يوحنا بولس الثاني – بمناسبة «سنة الفداء»-  في 20/4/1984م  أن القدس هي شعار الوطن اليهودي!... فقال:

«منذ عهد داود، الذي جعل أورشليم عاصمة لمملكته، ومن بعده ابنه سليمان الذي أقام الهيكل، ظلت أورشليم موضع الحب العميق في وجدان اليهود, الذين لم ينسوا ذكرها على مر الأيام، وظلت قلوبهم عالقة بها كل يوم، وهم يرون المدينة شعارًا لوطنهم»!

• وكان البابا يوحنا بولس الثاني أول بابا كاثوليكي يزور كنيسًا يهوديًا – كنيس روما القديم – سنة ١٩٨٦م...

• وفي سنة ١٩٩٣م أقام الفاتيكان العلاقات الدبلوماسية مع الدولة الصهيونية.. وجاء في مقدمة المعاهدة التي عقدت في 31/12/1993م – بين الفاتيكان وإسرائيل, النص على «العلاقات الفريدة بين الكاثوليكية والشعب اليهودي»!.. بما يتضمنه هذا النص من «إلزام ديني» حتى للكاثوليك العرب بهذه العلاقة الفريدة مع الكيان الصهيوني!!

• وفي مارس سنة ٢٠٠٠م, زار البابا إسرائيل.. وقدم اعتذارًا وندمًا – غير مسبوقين من الحبر الأعظم المعصوم!. لليهود على ما ارتكبته الكاثوليكية في حقهم – بسبب المعادة المسيحية للسامية.... وكتب بذلك الاعتذار والندم «مذكرة» وضعها في شق بالحائط الغربي – «حائط المبكى» – بالقدس، دعا فيها إلى الصفح عن الكنيسة الكاثوليكية للخطايا التي ارتكبتها في حق اليهود!

• وفي سنة ٢٠٠٤م، استقبل البابا كبار الحاخامات اليهود في الفاتيكان.. وقال في حضرة كبير الحاخامات لطائفة اليهود الغربيين في إسرائيل «مائير لاو».. «حيثما ذهبت أقول دائمًا: إن علينا بــني البشر، أن نهتم ونرعى أجيال المستقبل من إخواننا الكبار اليهود»!... وصف اليهود أنهم «الإخوة الكبار»!

  1. كذلك قدم البابا اعتذارًا للبروتستانت؛ بسبب دور الكنيسة الكاثوليكية في حروب مرحلة ما بعد الإصلاح الديني – الحروب الدينية الكاثوليكية – البروتستانتية «١٥٦٢ – ١٦٢5م». 

  2. وفي سنة ٢٠٠٤م قدم البابا اعتذارًا للصينيين عن حالات الظلم التي ارتكبتها الكنيسة في الصين.

  3. كما قدم اعتذارًا للعالم كله عن الغطرسة الكنسية – كما في مسألة تأديب «جاليليو» «١٥٦٤ – ١٦٤٢م».. واضطهاد الفلاسفة والعلماء بواسطة محاكم التفتيش.

  4. وحدهم المسلمون – ومعهم الأفارقة والهنود الحمر – الذين لم يقدم البابا لهم أي اعتذار.. لا عن الحروب الصليبية, التي قامت حملاتها قرنين من الزمان «٤٨٩- ٦٩4 هـ - ١٠٩٦ – ١٢٩١م)، ولا عن تحالف الكنيسة مع الإمبريالية الغربية في الاستعمار لعالم الإسلام.. ودورها في تنصير المسلمين.. وفي النهب والتدمير لأفريقيا عبر خمسة قرون!.. وفي الإبادة لسكان وحضارات أمريكا وأستراليا ونيوزيلاندا... 

• ولقد زار البابا يوحنا بولس الثاني مصر وسورية سنة ٢٠٠٠م:

 وفي مصر، منعه رهبان دير «سانت كاترين» - في سيناء- وهم من الروم الأرثوذكس – من دخول الدير للصلاة – لأنه بنظرهم غير مسيحي!  فصلى في الشارع أمام الديرّ... بينما استقبله شيخ الأزهر بالمطار.. وفتح له أبواب مشيخة الأزهر الشريف...

وعندما زار سورية، صحبه الرئيس بشار الأسد إلى داخل المسجد الأموي، فزار قبر النبي يحيى - عليه السلام- «يوحنا المعمدان»... ويومئذ رفض البابا زيارة  قبر صلاح الدين الأيوبي «٥٣٢ – ٥٨٩ هـ - ١١٣٧ ۱۱۹۳م» – وهو في حرم المسجد الأموي–  وذلك حتى لا تكون زيارته هذه إشارة اعتذار للمسلمين عن الحروب الصليبية!!

***

• وفي عهد بابوية يوحنا بولس الثاني «۱۹۷۸ – ۲۰۰۵م) تم تعيين جميع الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية من جديد..

• وتكونت «أرثوذكسية كاثوليكية جديدة» داخل الكنيسة.. وساد تيار «الخوف من الإبداع»... وكان الكاردينال الألماني «جوزيف راتزينجر» هو المسؤول عن قيادة هذا التيار..

 فلقد تولى-على امتداد ربع قرن- من سنة ۱۹۸۱م حتى انتخابه بابا -بنديكتوس السادس عشر-  في أبريل سنة ٢٠٠٥م – منصب «فرض النقاء العقائدي»، الذي هو امتداد لمنصب «المفتش الأكبر»... الذي هو امتداد «لمحاكم التفتيش»! وتولى عمادة كلية الكاردينالات..

وبتوجيه منه، وتحت قيادته, ضيقت «لجنة الكرادلة لحماية مبادئ الدين»، حدود الانشقاق المسموح به.. وتم استدعاء من شك في أنهم يقوضون الدين، إلى روما للخضوع للمساءلة... وأعلن أن عشرة من الكرادلة لم يعودوا صالحين لتعليم الطلاب الكاثوليك.. وأمر آخرون بمراجعة كتبهم!..

• وفي سنة ٢٠٠٠م صاغ الكاردينال «راتزينجر» وثيقة «المسيح المهيمن», التي أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني.. والتي أعلن فيها على الملأ «أن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هي الكنيسة الوحيدة الحقيقية ليسوع المسيح.. وأن الخلاص للكاثوليك دون سواهم», وهي وثيقة معادية للتعددية الدينية حتى في إطار المسيحية!!

• كما عرف عن الكاردينال «راتزينجر» أنه يؤمن بكنيسة أصولية من الملتزمين.. وليس «بكنيسة شعبية» تضم غير الملتزمين من ذوي الأصول المسيحية..

  • وبموت البابا يوحنا بولس الثاني – في أبريل سنة ٢٠٠٥م – فقد معظم كبار الرسميين في الفاتيكان وظائفهم.. ولم يبق سوى القليلين.. ومنهم. 

  1. الياور «الكاردينال أفسباني إدواردو» الذي أعلن نبأ وفاة البابا.. وقام بواجبات المدير الانتقالي... 

  2.  والكاردينال «جوزيف راتزينجر»- الذي ألقى العظة.. وتلا  قصة حياة البابا الراحل في الجنازة...

• وعند انتخابه بابا- بنديكتوس السادس عشر-  كان اختياره لهذا الاسم ذا دلالة على توجهه الفكري.. فبنديكت الرابع عشر «١٧٤٠ – ١٧٥٨م»  كان هو البابا المعادي للعقلانية وللتنوير!!.. وبنديكت الخامس «٤٨٠ – ٥٤٧م» كان الراهب والبابا الذي وضع أسس الرهبنة الغربية، التي ضمنت تجذر المسيحية في الغرب.. والمتبعة حتى الآن.. ([2])

• وفي سنة ٢٠٠٤م  كان البابا بنديكتوس السادس عشر-  قبل توليه البابوية- ومن موقع الرجل القوي في الفاتيكان-  قد أدلى بتصريح أعرب فيه عن مناهضته انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ لأنها دولة مسلمة!!([3])

• وفي وصف جنازة البابا يوحنا بولس الثاني – أبريل سنة ٢٠٠٥ م – كتبت مجلة «نيوزويك» – الأمريكية – عدد 19/4/2005م – عن أن المطلوب:

«بابا يواجه الإسلام»:

لأن الإرهاب العالمي – «الإسلام» – يجعل مشکلات شيوعية الكتلة الشرقية بحداثة التلفزيون الأبيض والأسود».

وسيتطلب ظهور الإسلام كقوة، في شكليه الأصولي والمعاصر، حبرًا أعظم يتمتع بمعرفة لاهوتية ودبلوماسية رفيعة. 

إن على البابا الجديد أن يتعامل مع التحدي الإسلامي في قلب أوروبا، حيث يشكل المهاجرون المسلمون ونسلهم الآن قوة اجتماعية ودينية جديدة لم يكن على الكنيسة أن تواجهها من قبل!

وبهذا «الإعلان» عبّرت «النيوزويك» عن المهام الجديدة للبابا الجديد في المرحلة الجديدة.. فدور البابا السابق في الحرب على الشيوعية لا يقارن بالدور المطلوب من البابا الجديد في الحرب على الإسلام!!

• وعقب تولي الكاردينال «جوزيف راتزينجر» للبابوية – البابا بنديكتوس السادس عشر:

  1. ألغى لجنة «حوار الأديان» وسماها «حوار الثقافات»!!.. وذلك تطبيقًا لوثيقة «المسيح المهيمن», الرافضة لوجود ديانات حقيقية غير الكاثوليكية! 

  2. كما ألغى صدور مجلة «إسلاموكريستيانا»!([4])  

• وعند استقباله لممثلين مسلمين في مدينة «كولونيا» - الألمانية – قال لهم: «إن على المسلمين نزع ما في قلوبهم من حقد، ومواجهة كل مظاهر التعصب، وما يمكن أن يصدر عنهم من عنف»!!([5])  

  •  كما استقبل في سبتمبر سنة 2005م- الصحفية الإيطالية «أوريانا فالاشي», التي اشتهرت بكتاباتها العنيفة والعنصرية والحاقدة ضد الإسلام والمسلمين! ([6])  

• وفي 18/4/2006م  نشرت «لوموند» – الفرنسية – مقالًا للكاتب «هنري تنك» تحدث فيه عن «انشغال البابا بتقدم الإسلام»... جاء فيه – على لسان البابا:  «إن الإسلام ليس دين توحيد على نمط اليهودية والمسيحية, لا ينتمي إلى الوحي نفسه الذي تنتمي إليه اليهودية والمسيحية..»! ([7])

• كما ألف بالاشتراك مع الكاتب الإيطالي «بيرا» - كتابًا عنوانه: «بلا جذور- الغرب, النسبية, الإسلام والمسيحية»... أعلن فيه عن مخاوفه.. وأهمها ثلاثة مخاوف:

أولها: تراجع معدلات المواليد في أوروبا المسيحية.. وأن عدة شعوب خصوصًا الألمان والإيطاليين والإسبان, ربما لا تعد موجودة قبل نهاية القرن الحالي ۲۰۰۰م وتصبح أقليات داخل دولها.

وثانيها: أن الذين سيحلون محل هذه الشعوب المسيحية الأوروبية المنقرضة هم المهاجرون المسلمون من أفريقيا والعالم العربي.. الأمر الذي يبعث على القلق من احتمال أن تصبح أوروبا جزءًا من دار الإسلام في القرن الواحد والعشرين.

وثالثها: تحول مسيحية غالبية الأوروبيين إلى مجرد انتماء لأسر كانت مسيحية في يوم من الأيام! ([8])  

• أما على جبهة علاقة البابا بنديكتوس السادس عشر باليهود.. فلقد سار على الطريق الذي سبق للفاتيكان السير فيه, التقرب لليهود .. والاستجابة لابتزازهم, طريق «زرع المسيح في إسرائيل» بدلًا من السعي لاعتراف اليهود بالمسيحية والمسيح!!...

ويبدو أن الحبر الأعظم للكاثوليك – وله تاريخ في الجندية بالجيش النازي-  يدرك احتمالات الابتزاز اليهودي له بسبب هذا التاريخ.. فرأيناه يتحدث عن اليهود باعتبارهم «إخوتنا الأعزاء», كما سبق وتحدث عنهم سلفه باعتبارهم «إخواننا الكبار»!.. بل لقد بلغ الأمر الحد الذي جعل هذا البابا - بنديكتوس السادس عشر عندما كتب كتابًا عن السيدة مريم – عليها السلام – أن جعل عنوانه: «ابنة صهيون»!!!([9])  

***

وإذا كان بعض «الواهمين» أو «الجاهلين» أو «المخدوعين» بحوارات الفاتيكان الدينية مع المسلمين، قد صُدم بهذا الموقف البابوي من الإسلام.. فإن هذا الموقف الفاتيكاني لم يخرج عن كونه التطبيق لوثيقة «هيمنة المسيح» التي تحصر الدين السماوي – ومن ثم الخلاص – في الكاثوليكية وحدها.

 فالحوار الفاتيكاني مع المسلمين لم يكن سوى جزء من جهود الكنيسة الكاثوليكية؛ لجذب المسلمين في الحرب الباردة لحساب الغرب «المتدين» ضد الشيوعية «الملحدة».. ولذلك، لم تقم لهذا الحوار مؤسسات أو مشاركات إلا في البلاد الإسلامية السائرة في فلك المعسكر الرأسمالي الغربي.

ولقد ظل الفاتيكان – طوال سنوات هذا الحوار - وفي كل مؤتمراته - على موقفه الديني الثابت, الذي لا يعترف بالإسلام دينًا سماويًا.. ولا برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا.. ولا بالقرآن وحيًا إلهيًا.. وإنما يصنف الإسلام ضمن «الديانات الوضعية»- أي الثقافات الدينية- مثل البوذية والهندوسية والزرادشتية, بل ويجلس وفود المسلمين - في هذه الحوارات- إلى جوار وفود هذه الديانات غير السماوية!! 

وفي المرات التي طُلب من ممثلي الفاتيكان الاعتراف بسماوية الإسلام وألوهيته، جاء الرفض الفاتيكاني- ومعه مجلس الكنائس العالمي-  صريحًا وقاطعًا.. كما حدث في مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي، الذي عقد بالقاهرة في فندق «شيراتون هليوبوليس» في ۲۸ و۲۹ / أكتوبر سنة ٢٠٠٠م.. بدعوة من المنتدى العالمي للحوار بجدة, و«مؤتمر العالم الإسلامي».. فلقد رفض مندوب الفاتيكان - القس خالد أكشة- ومندوب مجلس الكنائس العالمي الدكتور طارق متري, التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر، لأن فيه عبارة «الديانات السماوية - والقيم الربانية» قائلين: «نحن لا نعترف بالإسلام دينًا سماويًا ولا بالقيم الإسلامية قيمًا ربانية!». ([10])

 ولقد تكرر هذا الإعلان – صراحة- على لسان القس الكاثوليكي «كريستيان فاينسبن» في الحوار المسجل والمذاع- على الهواء- بإذاعة الـB.B.C – القسم العربي – من مكتب القاهرة – في يوم الأحد 27/9/2006م-  في برنامج «حديث الساعة»، عندما قال: نحن لا نعترف بأن الإسلام دين سماوي!

*** 

• ولقد انطلق البابا بنديكتوس السادس عشر في التخويف من الإسلام, من الواقع الديني الذي تواجهه البابوية في أوروبا والغرب.. واقع التراجع المسيحي مقارنًا بواقع صعود الإسلام.. حيث:

- يسلم في أمريكا سنويًا ٢٠ ألف رغم التضييق على الإسلام الذي حدث عقب أحداث 11 سبتمبر سنة ٢٠٠١م. 

- ويسلم في أوروبا سنويًا 23.058 ألف أي بمعدل ٦٣ يوميًا... 

- بينما يعتقدون بوجود إله في أوروبا المسيحية 14%.

- والذين يذهبون إلى القداس في فرنسا - أكبر بلاد الكاثوليكية الأوروبية – 7.7%  أي أن الإسلام – في فرنسا «٥,٠٠٠,٠٠٠ ملايين» هو الدين الأول، وفق هذا الإحصاء!!

• أما حال الكنائس: 

فهناك نقص في الرهبان - بسبب العزوف عن العزوبة – ففي أوروبا راهب واحد لكل ۱۲۰۰,  وفي أفريقيا: راهب واحد لكل 4000. 

- وشيوع الشذوذ الجنسي بين رجال الدين وبين الأطفال!... ولقد فتحت المخابرات الأمريكية «ملفات» هذا الشذوذ في الكنائس الكاثوليكية الأمريكية, للضغط على الفاتيكان، وابتزازه عندما عارض السعي الأمريكي المحموم لغزو العراق سنة ٢٠٠٣م.

- وفي أمريكا الشمالية انخفض حضور قداس الأحد بنسبة ٤٠% عن خمسينيات القرن العشرين.. وثلثهم هم الذين يداومون على حضور القداس الأسبوعي.. وكانوا ضعفي هذا العدد قبل جيل من الزمان...

- و٧٠% من كاثوليك الولايات المتحدة يطلبون السماح باستخدام موانع الحمل – على خلاف موقف الكنيسة.

- و٧٠% من كاثوليك روما - حيث الفاتيكان - يوافقون على ممارسة الجنس قبل الزواج. 

- ولقد شرعت حكومة بلدية «بوينس أيرس» عاصمة الأرجنتين – زواج المثليين! 

- ووافقت حكومات أمريكا اللاتينية على قانون الطلاق.. وعلى دعم اختيار المرأة فيما يتعلق بالإجهاض.

- والتحول من الكاثوليكية إلى الكنائس المشيخية والبروتستانتية والإنجيلية يتزايد في دول أمريكا اللاتينية.

- وفي استطلاع أجرته مؤسسة «جالوب» في أبريل سنة ٢٠٠٥م ظهر أن ٧٤% من الكاثوليك يتصرفون في المسائل الأخلاقية بناء على ضميرهم، وليس بناء على تعاليم الكنيسة... و20%  هم الذين يتصرفون أخلاقيًا بناء على تعاليم الكنيسة!

***

• وفي مقابل هذا الواقع المسيحي – الذي يقلق البابا والفاتيكان – يبرز الواقع الإسلامي، الذي يعلن امتياز الإسلام, ونجاعة الحلول الإسلامية... 

- ففي جنوب أفريقيا.. أغنى بلاد القارة السمراء - هناك ٥٠% من السكان مصابون بطاعون العصر «الأيدز».

- بينما لا أثر لهذا الطاعون في الصومال المسلمة، وهي أفقر بلاد هذه القارة!

- بل إن المسلمين - حتى في جنوب أفريقيا – بعيدون عن الأيدز!

- وفي البلاد الغربية المسيحية – حيث أعلى مستويات المعيشة والإشباع للشهوات والغرائز في العالم – هناك أعلى نسبة من القلق والانتحار في العالم!

بينما لا يوجد في البلاد الإسلامية – رغم الفقر الذي يطحن مئات الملايين - أي أثر للانتحار! 

- وكذلك الحال عند المقارنة بين انتشار الاكتتاب والاغتراب وعيادات الأمراض النفسية في البلاد المسيحية.. وندرة ذلك في البلاد الإسلامية!

- وإذا كان الشمال المسيحي وفيه 20% من سكان الأرض – يستهلك 86% من خيرات هذا العالم.. فإن أكبر ثلاث تجارات في هذا الشمال المسيحي هي: 

أولًا: تجارة السلاح.. 

ثانيًا: تجارة المخدرات.. 

ثالثًا: تجارة الدعارة!!

وجميع هذه الوقائع والحقائق – وأمثالها – شاهدة صدق على إفلاس الكنائس المحلية.. التي خانت مسيحيتها.. وعلى صعود الإسلام بذاته رغم الحال البائس للكثير من حكام عالمه!.. وعلى ظهور الحلول الإسلامية على جميع ما عداها من الحلول!.

لماذا هذه الدراسة؟

• في ١٢ سبتمبر سنة ٢٠٠٦م.. ألقى بابا الفاتيكان «بنديكتوس السادس عشر»- محاضرة عن علاقة العقل بالإيمان في المسيحية.. وذلك بجامعة «ريجنسبورج»... بمدينة «رايتسبون» الألمانية......

• وكانت المفاجأة هي بدء البابا محاضرته بالهجوم على الإسلام!... بل واستغراق الهجوم على الإسلام ربع هذه المحاضرة!.... 

• ولقد طال «الهجوم البابوي» على الإسلام:

  1. الذات الإلهية.. التي زعم البابا أن مشيئتها - في الإسلام- متسامية، لا تخضع للعقل ولا للمنطق.. بل إنها - بزعمه – لا تلتزم حتى بكلمتها الخاصة!!

  2. ورسول الإسلام ﷺ الذي زعم البابا أنه لم يأت إلا بكل ما هو سيئ وشرير ولا إنساني.. ومن ذلك أمره نشر دينه بالسيف!...

  3.  والخلط بين الجهاد الإسلامي وبين الحرب المقدسة في المسيحية- الحرب الدينية... والادعاء بأن الإسلام إنما يؤسس للعنف والإرهاب!

  4. والافتراء البابوي على القرآن الكريم.. الذي وصف البابا آياته بأنها «تعليمات أوامر اللئام»!!...

وعبر العالم كله.. أثارت محاضرة البابا – هذه – موجات من الغضب والرفض والاحتجاج والاستغراب.. حتى لقد تناولت مجلة «نيوزويك»- الأمريكية- التعليق على هذه المحاضرة، فجعلت عنوان غلافها- عدد ٢٦ سبتمبر سنة ٢٠٠٦م: «بنديكتوس السادس عشر.. ماذا دهاه؟»

وقالت- النيوزويك-: «إن البابا تناول الإسلام بطريقة خرقاء»... 

• فهل كان هذا التوصيف لمحاضرة البابا هو التوصيف الدقيق ؟ 

• وهل هذا الموقف «الفاتيكاني – البابوي» من الإسلام هو مجرد «حماقة خرقاء»؟.. أم أننا أمام تاريخ طويل من العداء الشديد للإسلام.. ومن ثقافة الكراهية السوداء لأمة الإسلام؟... 

لدراسة هذه القضية.. والإجابة على هذه التساؤلات.. كانت هذه الدراسة.


الهوامش 

[1])) ستونر سوندرز, الحرب الباردة الثقافية، ترجمة: طلعت الشايب, طبعة القاهرة، سنة ٢٠٠٢م, ص ٢٤

[2])) انظر فيما تقدم من حقائق ووقائع «نيوزويك» الأمريكية,  أعداد 12/4/2005, 19/4/2005م, 26/9/2006م 

[3])) صحيفة «المدينة» - السعودية - ملحق «الرسالة»، في 6/10/2006م

[4])) أسامة سرايا «الأهرام»- مقال «عاصفة بابا الفاتيكان» في 13/10/2006م

[5])) صحيفة «المدينة» - السعودية – ملحق «الرسالة»,  في 6/10/2006م

[6])) السيد ولد آباه - صحيفة «الشرق الأوسط»- مقال «البابا والإسلام: الخلفية التاريخية للخطاب» في 21/9/2006م

[7])) د. عمار الطالبي, صحيفة «البصائر» الجزائرية في 10/7/2006م

[8])) صحيفة «الشرق الأوسط»- ملحق «منتدى الكتب» في 26/4/2006م

[9])) د. عطاء الله مهاجراني, صحيفة «الشرق الأوسط», مقال «البابا وحديثه: من العصمة إلى التبسيط الساذج» في 26/9/2006م

[10])) صحيفة «الأسبوع» القاهرية في 5/11/2001م، وصحيفة «العالم الإسلامي» مكة في 16/11/2001م, وصحيفة «عقيدتي» القاهرة في 6/11/2001م

الرابط المختصر :