; الفتاوى- العدد 980 | مجلة المجتمع

العنوان الفتاوى- العدد 980

الكاتب أ.د. عجيل جاسم النشمي

تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991

مشاهدات 21

نشر في العدد 980

نشر في الصفحة 44

الأحد 15-ديسمبر-1991

أسئلة وأجوبة في الفقه

س: شخص حلف بالله أنه لم يفعل الشيء الفلاني ثم تبين أنه فعله لكنه أخطأ أو نسي، فهل يلزمه من هذا الحلف شيء؟

د. عجيل: الحلف بالنظر للمحلوف عليه إذا كان أمرًا ماضيًا، فإن أغلب الفقهاء لا يعتبرون أن هذه اليمين معقودة أصلًا، وبالتالي لا يلزمه في الحلف شيء؛ سواء أكان كاذبًا متعمدًا أو كان مخطئًا. بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن هذه اليمين منعقدة إذا كان الحالف كاذبًا ومتعمدًا، وتجب في الحنث هنا كفارة. كذلك إذا كان المحلوف عنه في الحاضر، قالوا: لا كفارة عليه في الحنث عند أغلب الفقهاء، وبعض الفقهاء قال: إذا كان كاذبًا متعمدًا تنعقد اليمين. فتقول للأخ بالنسبة لسؤاله: الحلف على الأمر الماضي جمهور الفقهاء لا يعتبرون هذه اليمين معقودة، وبالتالي لا يلزمه شيء.

 

هل يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وهل يصل إليه؟

د. عجيل: بالنسبة لقراءة القرآن لا شك أن فيها فضلًا كبيرًا لمن يقرأها وينال عنها الأجر والثواب. وبالنسبة للميت فإن قراءة القرآن وإهداء ثواب هذا القرآن للميت تطوعًا، فإن ثواب هذه القراءة يصل إليه إن شاء الله، مثلها مثل الدعاء للميت والاستغفار له، ومثل الصدقة، ومثل الحج عنه، كل هذا يصل ثوابه، ولهذا أدلة وشواهد كثيرة. ونود التنبيه أنه وإن صح أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت، لكن ينبغي ألا تأخذ هيئة أو صيغة أو صفة معينة. يمكن أن يقرأ أهل الميت فُرادى ويستغفرون للميت، هذا هو الأفضل. ولا يجوز أن يُستأجر أناس يقرأون القرآن ويهدونه إلى الميت؛ لأن الأصل أن تكون هذه القراءة تطوعية، والنية صادقة لإهداء ما يقرأ إلى الميت، فلا يؤخذ على هذه القراءة أجر.

 

ما حكم الحلف على شخص بأن يفعل شيئًا معينًا كأن يقول شخص لآخر: والله إنك لتفعل كذا أو والله عليك أن تترك كذا، هل يلزم المحلوف عليه في هذا شيء؟

د. عجيل: الحكم في هذا يختلف حسب حالات مختلفة. قد يكون الشيء المحلوف عليه معصية، فيحلف عليه أن يترك هذه المعصية؛ يعني يحلف عليه أن يترك الخمر أو يترك كذا، فيقول له: والله لتترك شرب الخمر. فهنا يجب على المحلوف عليه أن ينفذ الحلف؛ لأنه يأمره بالانتهاء عن منكر، وكذلك إذا كان المحلوف عليه أمرًا من البر، كأن يقول له: والله لتزور والدك ولا تقطع رحمك. هنا يجب أيضًا على هذا الشخص أن ينفذ الحلف؛ لأن هذا مما هو واجب عليه في الشرع أصلًا، مثل ما في المعصية واجب عليه الترك، هذا هو الذي يجب. أما إن كان الحلف على الغير أن يفعل معصية أو يترك واجبًا؛ فهذا لا يجوز أن ينفذه المحلوف عليه، وإذا كان يقول له: والله لتفعل كذا وهو يجوز له أن يفعل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى». كذلك الحكم إذا كان الشيء المحلوف عليه مكروهًا في حكم الشرع، وإذا كان الحلف على الغير أن يأتي أمرًا مندوبًا في الشرع أو طلب منه بالخلف فعل أمر مباح أو ترك أمر مباح في الشرع، فإن هذا الحلف وهذا الطلب لا يلزم المحلوف عليه؛ يعني إذا كان أمرًا مندوبًا أو مكروهًا تركه. لا يلزم الشخص أن ينفذ هذا الحلف إلا على سبيل الاستحباب. ومما يدل على عدم وجوب الإبرار بالقسم على الغير ما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر في قسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف على النبي صلى الله عليه وسلم، فأبو بكر في حديث طويل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضا». فحلف أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم». فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم» أي لا تكرر القسم؛ لأني لن أجيبك. فهذا يدل على عدم وجوب الاستجابة. هذا مستند ما ذكرناه من أحكام فقهية متعلق بمتى يجب عليه أن يبر بالقسم ومتى لا يجب عليه.

 

هل يجوز أن يستعين المسلمون على غير المسلمين بالكفار؟ وهل يجوز أن يستعين المسلمون بالكفار على مسلمين؟ ويقولون: إنهم يريدون الدليل ويريد أن تبين بناء على ذلك حكم الاستعانة بالقوات المشتركة على العدو العراقي؟

د. عجيل: بالنسبة للاستعانة بغير المسلم على العدو غير المسلم، هذا جمهور الفقهاء ذهبوا إلى جوازه وقالوا: هذا عند الحاجة، ومن باب أولى عند الضرورة إذا حَسُن الظن بهم بأن لا ينقلبوا على المسلمين أو يخونوهم. ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بأناس من اليهود في إحدى حروبه وأعطاهم سهمًا من أسهم الغنائم. وأيضًا استعان بالمطعم بن عدي ومن أعيان قريش، وكان على دين قومه، أجاره النبي صلى الله عليه وسلم وحمل السلاح هو وأبناؤه ووقفوا عند باب الكعبة ونادى قائلًا: يا معشر قريش، قد أجرت محمدًا فلا يهيجه أحد منكم. أيضًا استعان بصفوان بن أمية يوم حنين وهو يومئذ مشرك. كذلك استعان بعبد الله بن أريقط في أحرج الأوقات وادعاها للحيطة في حادث الهجرة. أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم عقد معاهدة مع يهود يثرب وجاء في نصوصها: أن اليهود ينفقون ويتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وهذا كله يدل على أنه يجوز الاستعانة.

بالنسبة للشق الثاني وهو موضوع الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين، الاستعانة بالكفار إذا كانت جائزة، فإنها جائزة بشروط: لا يجوز الاستعانة إلا للضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، وألا يوجد مسلمون غير قادرين وحدهم على رد العدو ودحره. وأيضًا اشترطوا ألا يترتب على الاستعانة بالعدو ضرر أكبر أو مساوئ، مثل أن يشترطوا على المسلمين أن يأخذوا جزءًا من أرضهم إذا انتهت الحرب أو مما يخدش السيادة. وطبعًا ولي الأمر هو الذي ينظر في هذه المصالح مع أهل الحل والعقد، وهم الذين يقدرون مدى الفائدة التي يجنونها.

بالنسبة لاستعانة المسلمين بالكفار على مسلمين نرجح أنه لا يجوز كأصل ثابت، ولذا لا يجوز الاستعانة في هذه الحال ما داموا مسلمين، خصوصًا في هذا الزمن الذي تعددت فيه الحكومات والدول، وتباينت من حيث مدى تطبيقها للشريعة الإسلامية. فلا يجوز أن يخرج عن هذا الأصل وهو عدم جوازه إلا في دلائل بينة على خروج العدو عن حدود الإسلام ونظمه، كأن يخرج من التهديد إلى القتل، ويخرج من التخويف إلى دخول البلاد وانتهاك حرمات بلاد مسلمة واستباحة الدماء فعلاً واستباحة الأعراض، وليس له دليل يستند إليه، فهذا يصبح عدوًا كافرًا أو في حكم الكافر؛ لأنه استباح أعراض المسلمين، فيأخذ حكم البغاة إن كان تأوّل، أو حكم المفسدين في الأرض إذا لم يندفع شره إلا بالاستعانة عليهم بالكفار. فمثل هذا إذا لم يمكن دفع شره إلا بالكفار، الفقهاء قالوا: يجب الاستعانة قطعًا للفساد في الأرض وارتكابًا لأخف الشرين وأخف المفسدتين؛ لذا حال هؤلاء القوات المشتركة أو الجيش العراقي الذي انتهينا إليه في هذا الموضوع هو أن حال الجيش العراقي هو حال المحاربين بالنسبة للسلطة هي كافرة، والجيش تحت هذه السلطة وهو محارب مفسد في الأرض، ولا يُنظر حينئذ إذا حُكِم على السلطة بأنها كافرة؛ لأنها تدين بغير شرع الله تبارك وتعالى، وخرجت عن حدود الإسلام فهتكت الأعراض واستباحت الدماء، ولا يكون الجندي معذورًا إن كان مكرهًا على المشاركة في هذا الجيش، وبالتالي فإن استدعاء القوات المشتركة أو غيرها؛ لدفع ظلم هذا الظالم الذي خرج عن بهؤلاء وهو كذلك، وهنا قال الفقهاء: يجب الاستعانة قطعًا لحال الفساد في الأرض وارتكابًا لأخف المفسدتين وأخف الشرين.


امرأة تقول: إن زوجها يشتمها ويضربها ويسيء معاملتها ويشرب الخمر ويكرهها على الشرب، ولكنها لا تشرب، وتسأل هل يجوز لها أن تطلب الطلاق، وتقول كذلك: إنه يرفض أن يطلقها رغم أنها طلبت منه ذلك أكثر من مرة؟

د. عجيل: إن الضرب والشتم من الزوج لزوجته يعتبره الفقهاء ضررًا، وبالتالي يجوز للمرأة أن تطلب التطليق، فترفع أمرها إلى القاضي، وعليها أن تثبت دعواها. ويرى بعض الفقهاء من حيث إثبات الدعوى؛ لأنه قد يصعب إثبات الدعوى وهي مع زوجها في بيت مغلق عليهما؛ لذلك يقول بعض الفقهاء: إن الضرر يثبت بالقرينة، ويكفي منها مجرد السماع أو التسامع بما يشيع بين الجيران والنساء والرجال بأن الزوج الفلاني يسيء معاملة الزوجة ويضربها ويسمعون صياحًا وصراخًا وما أشبهه، يكفي أن يشهدوا إذا احتاج الأمر إلى الشهادة أن يقولوا: سمعنا والناس يقولون: بأن هذا الرجل يضرب زوجه ويشتمها. كذلك يعتبر أذى يجيز للزوجة أن تطلب التطليق من القاضي ما ذكرته من أن زوجها يشرب الخمر والعياذ بالله، ولا يكتفي بهذا؛ بل يكرهها على أن تشرب وهي لا تفعل. الفقهاء اعتبروا إكراه الزوج للزوجة على شرب الخمر من المضارة على الزوجة، ويجوز لها أن تطلق، ومضر للأطفال إذا استطاعت المرأة أن تثبت الضرر، فهنا ليس بالحتم أن تطلب من القاضي أن يطلقها، يمكن أن تطلب أن يؤدبه القاضي؛ لأن بعض الناس ينفع معهم التأديب، فيمكن أن تطلب من القاضي أن يكف أذى هذا الزوج، والقاضي يزجره وينهاه ويغلظ له في الكلام. وقالوا في هذه الحال: يجوز للزوجة أن تعامل الزوج بالامتناع عما هو له في الأحوال العادية؛ يعني تأديب وهجر، فلها أن تهجره، أو القاضي يطلب منها أن تهجر هذا الزوج؛ لأنه قد يفيد مثل هذا الشيء. إذا لم يُفد، فلها أن تطلب التطليق من القاضي.

 

ما الحكم إذا عجزت عن إثبات دعواها ولم تجد من يشهد لها والزوج ادعى كذلك أنه لم يضرها؟

د. عجيل: في حال ما عجزت عن إثبات دعواها، وادعى الزوج أنه لم يضرها، هنا كما هو الحكم عند بعض الفقهاء المالكية، القاضي يعين حكمين: حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها.

ومهمة الحكمين الإصلاح بين الزوجين ما أمكن، فإذا لم يمكن الإصلاح، فهنا يُنظر إما أن يكون السبب من الزوج أو من الزوجة حسب ما ينتهي إليه رأي الحكمين، فإذا رجّحا أن الضرر من الزوج، طلّق عليه زوجته، وإن كان الضرر والإساءة من الزوجة كان للحكمين أحد أمرين: أن يطلبا من الزوج تحمل الزوجة والصبر عليها، هذا إن كانا يرجحان استمرار الحياة الزوجية بينهما، أو أن يأخذا من الزوجة مبلغًا من المال باعتباره خلعًا ويُفرِّق بينهما. أيضًا قالوا: إذا كان رأي الحكمين بأن الإساءة من الزوجين، وكثير ما يحدث أن الزوج منه الإساءة والمرأة منها الإساءة، ولم يمكن إصلاح الحال بينهما، فقالوا: يمكن أن يطلق الزوجة بغير عوض مالي أو نظير العوض تدفعه الزوجة حسبما يتفقان عليه، هذا بالنسبة إذا عجزت عن إثبات الدعوى.

 


 


 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 44

32

الثلاثاء 19-يناير-1971

نشر في العدد 119

40

الثلاثاء 26-سبتمبر-1972