العنوان رسائل الإخاء.. الفتور
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 13-يوليو-1993
من الأعراض المرضية التي بدأت تدب في النفوس كدبيب النمل في الأوصال، فتورث التواني في جلائل الأعمال والكسل والإهمال، ثم العجز والإحباط وقطع الآمال، هو ضعف الحماسة وهزال الروح وانطفاء أو خبو جذوة الإيمان المتقدة في القلوب، ولهذه الظاهرة مظاهر تدل عليها في الصف المسلم نذكرها على سبيل النصح والتحذير لعل الله يفتح لها القلوب والعقول لأن من تبع الدعوة وحملها بصدق فقد فاز بالسبق ومن تقاعد من القادرين المخلصين يأسًا أو قنوطًا أو عجزًا وكسلًا فللسابق عليه الفضل، ومن رغب عنها زهادة فيها أو يأسًا منها ومن انتصارها فستثبت له الأيام عظيم خطئه.
والله يبتلي مثل أولئك مهذبًا لا معذبًا، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 115) إن من هذه الظواهر التي تثير الأسى ما نلمحه في الصف المسلم بعمومه ومختلف فئاته من إهدار لحقوق الأخوة والفجور في الخصومة أو عدم رعاية أدب الخلاف والإصغاء للإشاعات والأراجيف- والاغترار ببريق الألفاظ وضعف التثبت والتبين والتطلع إلى الصدارة والريادة دون عمل وجهاد بل الرغبة في التحرر من سلطان الآخرين والغفلة عن التبعات وتفضيل مفارقة الجماعة وإيثار حياة العزلة والعفوية في العمل على المستوى الفردي أو الجماعي وشغل القلب باهتمامات تافهة والتبرم الشديد بالمنهج الدعوي الذي ارتضاه الأئمة المجددون- والدعاة الصالحون ووصفه بالتخلف وعدم مسايرته للواقع والانسياق وراء الانحرافات الفكرية وقلة التضحية بالمال أو النفس أو بهما معًا فضلًا عن تعريض النفس للفتن على المستوى الفردي كالانهزام النفسي أمام إلقاءات الشيطان والوقوع في المعاصي والآثام والاستهانة- بصغائر الذنوب وعدم الثبات أمام المطامع والمطامح وصحبة أهل الدنيا دون الدين وإهمال تنقية النفس وتهذيبها وتزكيتها مما سيؤدي حتمًا إلى حرمان العون الإلهي لآن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب الا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء؛ الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ (النساء ٦٥ – ٦٨).
إننا نحتاج إلى إيمان بالمبدأ وتقديره له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه أو الخديعة بغيره.
وما يبطئ النصر إلا لسوء ما فعلنا وأحدثنا وأحببنا من الدنيا ما أحب عدونا والله تعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم والنتيجة أن مثل هذه العناصر السلبية بنية جيدة لاستقبال الأفكار الفجة الغريبة عن الحس الإسلامي التي تريد اختراقنا «يقول كعب بن مالك الذي ذكرنا قصته في العدد الماضي «طريق تبوك». فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذ نبطي من نبط أهل الشام يقول من يدل على كعب بن مالك؟! فطفق الناس يشيرون- لهذا النصراني- له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابًا من ملك غسان –الصليبي- وكنت كاتبًا- فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك. فقلت حين قرأتها وهذه أيضًا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها!» إضافة إلى فقد الهيبة والتأثير على الناس «بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل!» وتبديد الجهود وإهدار الطاقات وإشاعة اليأس والقنوط من أن تقوم للدعوة قائمة وفتح المجال لاختراق الصف المسلم أو التحرش به والنفوذ من ثغراته لكثرة الفتن بسبب الخلل والاضطراب فيه وصعوبة الرد على جبهات الخصوم الكثيرة، إضافة الى تثبيط الهمم والقعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور وفقد ثقة الناس وكسب الأنصار للدعوة وإفساح المجال للتساقط وخسارة العاملين لكثرة المنغصات والمكدرات فنحن بحاجة إلى استشعار عبء الدعوة وعالمية المواجهة وتعميق الوعي ببناء المفاهيم وتوضيح أبعاد الدعوة وأهدافها ومراميها والحقيقة ومضمون الإسلام وتأصيل الالتزام به وإدامة الصلة بالله وإيقاد جذوة الإيمان في النفوس والاعتبار والاستفادة من المحن والشدائد التي تميز الخبيث من الطيب، والإعراض عن الاستجابة لنداءات التشكيك وألا نستعجل الهدف فالله تعالى يقول حكاية عن نوح عليه السلام.
﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي ونذر﴾ (القمر: 9-17).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل