; بعد القمة السابعة للفرانكفونية بهانوي.. الفرانكفونية تخرج عن الدائرة التقليدية في إفريقيا | مجلة المجتمع

العنوان بعد القمة السابعة للفرانكفونية بهانوي.. الفرانكفونية تخرج عن الدائرة التقليدية في إفريقيا

الكاتب د. محمد الغمقي

تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

مشاهدات 7

نشر في العدد 1278

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

لم تكن القمة السابعة للفرانكفونية المنعقدة من 14 إلى 16/ 11 في هانوي عاصمة فيتنام كبقية القمم الإفريقية السابقة سواء من حيث الجانب الهيكلي وسير عمل هذه المنظمة، أو من حيث تركيبتها ومستقبل دورها المتمثل في الحفاظ على المنظومة الفكرية والثقافية والسياسية للكتلة المستعملة كليًا أو جزئيًا للغة الفرنسية.

فقد تميزت هذه القمة بانتخاب بطرس غالي أمينًا عامًا للمنظمة، وانسحاب جمهورية الكونغو الديمقراطية «زائير سابقًا» من هذه الكتلة.

وهذان الحدثان مؤشران على تحولات تشهدها الفرانكفونية متزامنة مع معطيات جديدة في الساحة الإقليمية والدولية وعلى المستوى المحلي الفرنسي، فعلى المستوى الدولي، تصاعد التنافس الأمريكي مع القوى الدولية الأخرى في أوروبا وآسيا وازدادت حدة الصراع بين ما يسمى بالعولمة على الطريقة الأمريكية وما يقابلها من اتفاقيات شراكة أوروبية وآسيوية فيما بين الدول المنتمية إلى هذين الفضاءين، أو مع دول نامية من أجل الحد من الهيمنة الأمريكية، في هذا الإطار تعتبر المنافسة الأمريكية- الفرنسية داخل القارة الإفريقية من المؤشرات المهمة لهذه التحولات.

استياء إفريقي

ولعل تقلص الحضور الفرنسي في هذه القارة مقابل حضور جديد، وفاعل في القارة الآسيوية هو من بين مظاهر التحول المؤثرة على مسار الفرانكفونية واختيار هانوي لعقد القمة الأخيرة تتنزل في هذا الإطار رغم أن التواجد الفرنسي في منطقة الهند- الصينية أقل بكثير من تواجده الإفريقي.

ويبدو أن التوجه الرسمي الفرنسي منذ تولي شيراك للرئاسة يميل إلى الخروج عن الدائرة التقليدية الإفريقية من أجل رفع التحديات التي تفرضها العولمة الأمريكية، وبدون شك فإن مثل هذا التوجه له تبعاته الاقتصادية والاستراتيجية مثل قبول فرنسا بجانب من التضحية ببعض العلاقات والصداقات القديمة مع أطراف سياسية إفريقية مقابل فتح، أو تعميق مجالات وعلاقات جديدة مع كتل جغرافية سياسية بإمكانها لعب دور اقتصادي وسياسي مهم حاضرًا ومستقبلاً.

فلا غرابة أن يكون رد الفعل الإفريقي منتقدًا للتوجهات الفرنسية، بل قد وصل الأمر إلى انسحاب دولة إفريقية كبرى من الكتلة الفرانكفونية وهي الكونغو الديمقراطية الزائير سابقًا، بقرار من كابيلا الرجل القوي في هذه الدولة التي كان يحكمها مويوتو بدعم فرنسي قوي، وكان كابيلا صريحًا في مواقفه وفي تبرير قراره، حيث صرح بأن «الثقافة الفرنسية ليست النموذج الأمثل للعالم»، وأضاف أن الفرانكفونية هي امتداد للاستعمار الجديد تحت المظلة الفرنسية، وقد يكون موقف كابيلا ناتجًا عن رد فعل على كيفية التعامل الفرنسي مع الأزمة في بلاده وتمسك فرنسا بمساندة مويوتو إلى آخر لحظة، وهذا الموقف السياسي مؤشر على درجة الاستياء الشعبي والرسمي من نمط الأداء الذي كان سائدًا في مسألة التعاون الفرنسي الإفريقي في المرحلة السابقة، ومن التفكير حاليًا في تغيير الدائرة التقليدية الإفريقية بمركز ثقل آسيوي جديد للفرانكفونية بما يعني تهميش الكتلة الإفريقية المنتمية لهذه المنظمة.

عدم إجماع حول ترشيح غالي

ويمكن ملاحظة هذا الاستياء العام من خلال مواقف السياسيين الأفارقة الذين لم ينسحبوا من الفرانكفونية، ولكنهم شعروا بهذا التجاوز في حقهم في مسألة اختيار بطرس غالي أمينًا عامًا للمنظمة، ومعلوم أن المسؤولين الأفارقة رشحوا شخصية سياسية يعتبرونها الأكفأ لتولي المنصب الذي تم استحداثه لأول مرة في  تاريخ المنظمة، وهذه الشخصية هي إيميل دارلان زينسو الرئيس السابق للمجلس الدائم للفرانكفونية ورئيس دولة بنين السابق، وتم اختياره على أساس أنه يمثل فرانكفونية حقيقية، ولم يتم الأخذ بهذا الترشيح بعد أن نزل الرئيس الفرنسي بثقله من أجل ترشيح بطرس غالي الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة.

ردود الفعل الإفريقية نقلت أصداءها الصحافة الفرنسية، فقد عبر المسؤولون الأفارقة عن أسفهم لاختيار أو بالأحرى لفرض غالي على منصب مهم وحساس وعبروا عن رفضهم للإملاءات التي قامت بها باريس معتبرين أنه من المؤسف أن يكون الرجل الذي طردته أمريكا من الأمم المتحدة هو نفسه الذي يدخل إلى الحلبة الدولية من باب الفرانكفونية، وتساءل وزير إفريقي «هل كان يجب علينا أن نختار شخصًا يجعل منا ناديًا مناهضًا لأمريكا؟»، كما انتقد المسؤولون الأفارقة الطابع الثأري، في عملية ترشيح غالي ضد واشنطن التي لم تستجب للرغبة الفرنسية في تجديد ولاية الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ورأوا أن الفرانكفونية بدأت تبتعد عن فكرتها الأساسية وهناك خطر في تحولها إلى أمم متحدة ثانية في ظل رجل من الماضي، كما وصفه وزير خارجية بوركينا علنًا. 

وللمرء أن يتساءل عن أسباب تعلق فرنسا إلى هذه الدرجة بشخص غالي لتمثيل الفرانكفونية سياسيًا ما دام هناك خطر في إحداث توترات داخل المنظمة بسبب عدم الإجماع الحاصل حول الرجل، وخاصة أن الانتقادات موجهة إلى غالي باعتباره من بلد عربي يستعمل اللغتين العربية والإنجليزية أساسًا، أما الفرنسية فإنها محدودة في نخبة وفي مؤسسة علمية تسمى جامعة ستغور بالإسكندرية من التي تدرس الفرنسية في المرحلة العليا.

التصدي للعولمة والأحادية الثقافية

يبدو أن فرض غالي كأمين عام للفرانكفونية من طرف فرنسا له تفسيرات: الأول: يعود إلى وجود العلاقة الحميمة التي جمعت بينه وبين شيراك، وهذا يؤكد ما ذكرته وسائل الإعلام والأوساط الفرنسية من أن غالي هو مرشح الرئاسة وليس الحكومة الفرنسية، وهناك إحساس لدى الوفد الفرنسي المشارك في القمة بأن غالي ليس الرجل المناسب لإعطاء وقع جديد للفرانكفونية وتمكينها من الصوت السياسي الذي تفتقر إليه.

ومعلوم أن الرئيس الفرنسي قد أكد في القمة الفرانكفونية على أن يكون لهذه المنظمة صوت ووجه، وهذا الصوت والوجه من الأفضل أن يكون- من وجهة النظر الفرنسية الرسمية والرئاسية بالذات- ذا صيت دولي وشخصية معروفة. 

التفسير الثاني: هو إمكانية وجود اتفاق فرنسي- أمريكي على تنازل فرنسا على مرشحها لمنصب الأمانة العامة للأمم المتحدة مقابل تعيينه في هيئة ذات إشعاع فرنسي دولي بموافقة أمريكية، وإن كان هذا التفسير يصعب القبول به باعتبار أن تعيين أمين عام للفرانكفونية ليس هدفه إعطاء دفع لحضور الكتلة على الساحة الدولية فحسب، وإنما أيضًا تحويل الفرانكفونية إلى جبهة سياسية للتصدي للعولمة الأمريكية ولرفض الأحادية الثقافية التي تمثل العولمة أحد أبعادها، فالغاية التي تم التعبير عنها في العديد من المناسبات من إيجاد بعد سياسي للفرانكفونية ليس استهداف اللغة الإنجليزية ولا الناطقين بها وإنما استهداف النمط الأحادي الأمريكي وتحقيق تعددية ثقافية، وبالرغم من هذه الأهداف الكبرى المعلنة والتي تسير في الاتجاه الإيجابي للتعددية القطبية، وكسر شوكة الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية على العالم، تبقى الفرانكفونية ممثلة لمصالح دول وأطراف إقليمية تنتمي إلى هذه الكتلة الأمر الذي يفسر التنافس بين الطرف الفرنسي الأقوى من جهة ومراكز الثقل الأخرى مثل كندا وبلجيكا، أو الكتلة الإفريقية وحديثًا الكتلة الآسيوية وصراع المصالح داخل المنظمة يجعلها تواجه تحديات جمة في ظل منافسة شديدة أنجلو ساكسونية وأمريكية على وجه الخصوص.

معطيات أساسية عن الفرانكفونية

المؤسسات:

  • ندوة رؤساء الدول والحكومة «هيئة عليا» تجتمع مرة كل سنتين في بلد عضو. 

  • الندوة الوزارية تضم وزراء خارجية أو الوزراء المكلفين بالفرانكفونية في كل البلدان الأعضاء، تعد هذه الهيئة الاجتماعات على مستوى القمة وتحرص على تنفيذ القرارات الصادرة عنها وتجتمع مرة في السنة بصفة ندوة القمة، ويمكن أن تتحول إلى ندوة عامة أو اجتماع مجلس إدارة الوكالة الفرانكفونية.

  • المجلس الدائم يضم ۱۸ من ممثلي رؤساء دول وحكومات بلدان أعضاء ينفذ مهام الندوة الوزارية ويرأسه مستقبلاً الأمين العام.

  • الأمين العام للفرانكفونية منصب سياسي، ينتخب لمدة ٤ سنوات قابلة للتجديد. 

  • الوكالة الفرانكفونية عوضت الوكالة الثقافية والعلمية والتقنية يرأسها مدير عام يعين من الاجتماع العام باقتراح من الأمين العام، يعمل بها حوالي مائتي موظف بمقرها في باريس وكذلك في المدرسة العالمية الفرانكفونية المختصة في التكوين عن بعد وشبكات المعلوماتية مقرها بوردو «فرنسا» بالإضافة إلى معهد الطاقة للبلدان المستعملة للغة الفرنسية مقرها كيباك كندا، وكذلك المكاتب الجهوية الثلاثة في هانوي وليبرفيل ولومي والمكاتب الثلاثة لربط العلاقة مع المنظمات الدولية في بروكسيل وجنيف ونيويورك. 

  • المجلس الدولي للبرلمانيين ذوي اللغة الفرنسية مقره باريس وهو الهيئة الاستشارية للفرانكفونية.

إلى جانب هذه الهيئات يوجد ما يسمى بالمؤسسات المختصة العاملة في المجال الفرانكفوني وهي:

- جمعية الجامعات المستعملة كليًا أو جزئيًا اللغة الفرنسية وجامعة شبكات النطق بالفرنسية تضم أكثر من ۳۰۰ مؤسسة تعليم جامعي في ٤٧ بلدًا، تقوم بتنشيط وتنسيق البحوث والعلوم بالفرنسية، ومقرها مونتريال ولها مكاتب جهوية.

- TVS قناة تلفازية فرانكفونية مقرها باريس وتبث برامج من فرنسا وبلجيكا وسويسرا وكيباك وبرامج أخرى تنتجها في مختلف القارات.

- جامعة سنغور بالإسكندرية تدرس الفرنسية للمرحلة الثالثة الجامعية. 

- الجمعية العالمية لرؤساء البلديات ومسؤولي العواصم والمدن الكبرى الفرانكفونية جزئيًا أو كليًا، مقرها باريس.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل