العنوان الفنان العالمي «حسن حشمت»: الفن الملتزم هو المعادل القيمي للهدر الأخلاقي
الكاتب د. محمود خليل
تاريخ النشر السبت 23-أكتوبر-2004
مشاهدات 13
نشر في العدد 1624
نشر في الصفحة 48
السبت 23-أكتوبر-2004
المفتاح الأول لفني هو إيماني برسالة الأسرة التي تتماسك في أعمالي تماسك فروع الشجر لتصنع للمجتمع أشجار الحياة.
الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب: لأول مرة في حياتي أرى فنانًا تطبيقيًا سليمًا.
من الإرادة والإصرار والقدرة على التواصل، يتولد فن المبدع العالمي الفنان حسن حشمت، ليمثل حركة واعية للفن الملتزم بالقيم، المعبر بقوة عن حراك الناس وتفاعل الأحداث الذي يحول الأفكار والرؤى إلى قيم جمالية تتألق بالتعبير الصادق وبراعة الأداء..
ولد الفنان العالمي في منوف عام ١٩٢٠م، وكان أول دفعته بالفنون التطبيقية عام ١٩٣٨م، وتخرج في معهد التربية الفنية عام ١٩٥٤م، تمتد رحلته الفنية لأكثر من سبعين عامًا، حيث بدأت قدراته الفنية تتشكل وهو طفل صغير وامتدت أعمالها حتى غطت أكثر من ثلاثين دولة من دول العالم.. أهمها فرنسا والسويد والنرويج وألمانيا وسويسرا والدانمارك وهولندا وإيطاليا..
وحصل على أكثر من عشرين جائزة محلية وعالمية.. وفي منزله الذي تحول إلى متحف عالمي بمنطقة عين شمس بالقاهرة.. إيمانًا منه برسالة الفن المفتوح.. جلسنا معه.. وحاورناه.
- لكل فنان ومبدع.. منطلقه الفلسفي.. فما فلسفة المبدع العالمي حسن حشمت؟
- المفتاح الأول لفني، والشرارة الأولى لإبداعي، والحرف الأول لكلماتي وفلسفتي هو
اهتمامي الشديد بالأسرة، لإيماني أن كل عوامل التفسخ والتحلل والتذويب والهيمنة والاختراق والتبعية.. يمكن أن تتحطم على أعتاب أسرة سوية مستقيمة مترابطة.. لأن الأسرة هي نواة المجتمع، وتماسك الأسرة هو الأساس الصحي والنفسي والعقلي والسياسي والاقتصادي لقيام المجتمع السليم.. لذا.. فإنك واجد لا محالة روح الأب والأم والأطفال في كل أعمالي تتماسك مثلما تتماسك فروع الشجر وأشجاره وثماره في كتلة حيوية فنية رائعة الصدق والأصالة والجمال.
- متى بدأت؟ ومن أساتذتك؟
- بدأت وأنا عندي ١٢ سنة، ومرت حياتي بشريط شاق وطويل حتى وصلت إلى المستوى الذي أرضاني عن أعمالي ومدى ما تحمله من كرم ومحبة وعطف وإيثار وطموح بلا حدود... تنطق بعواطف الأسرة من أبوة وأمومة وبنوة وبذل وعطاء وإنكار للذات ومروءة وشهامة... ليكون الفن معادلًا موضوعيًّا للهدر القيمي الذي يعاني منه المجتمع.
أما أساتذتي فأهمهم الفنان العالمي سعيد الصدر أستاذي ومعلمي وصديقي الذي قدم لي أول معرض عالمي عام ١٩٥٣م، بالاشتراك مع اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية آنذاك بقوله: «لا جدال في أن استعدادات وثقافة حسن حشمت قد لعبت دورها الأكبر في تنمية مداركه للسمو بأعماله، لرفع مستوى التذوق الفني السليم، بعيدًا عن رسالة الفن الممقوت.. ولأول مرة أرى في حياتي فنانًا تطبيقيًّا سليمًا»..
ولكن أول معرض كنت قد أقمته وأنا طالب عام ۱۹۳٨م... واستفدت من أساتذتي المبدعين حامد سعيد، وجمال السجيني، ومحمود صابر، وسعيد خطاب وغيرهم.
- إلى أي مدى تتمثل روح الدين في أعمالك.. التي تبدعها على «سن» الموهبة؟
- إذا كان لكل مجتمع روح عامة، أو سمة مشتركة.. فإن روح الشعب المصري هي روح دينية خالصة.. كان ذلك قبل الإسلام.. ثم جاء الإسلام فزكاها وسواها.. وصححها ورسم لها غايتها وحدد لها رسالتها، ومن هنا فإن فنان أو أديب أو شاعر.. فيلسوف أو محلل أو مراقب يحاول أن يقفز على «أصول الدين» عند هذا الشعب.. فهو صاحب رسالة مزيفة.. وصاحب موضوع مقلوب ومكذوب.
لذلك فأنا لا أجد نفسي إلا حيث تشف وتصفو في سموها ونورانيتها النابعة من الدين الخلاق، لذلك يمكن أن تعتبرني.. فنانًا خارجًا من عباءة الإسلام.
- إذن أنت لا تُقر الخروج الفنِّي عن القيم والمبادئ باعتبارها حرية إبداعية.. أو ضرورة فنية؟
- أنا أعرف أن الفن إلهام والتزام.. إلهام يستمد أصوله وفروعه من الموروث والتاريخ.. ومن المعروف أن مادة الحياة في هذا الموروث هو الدين، وهو الذي صنع لنا تاريخنا وتراثنا... حيث يمكنني القول إن تاريخ مصر منذ أقدم العصور يمضي راكبًا عربة الدين.. فإذا نزل منها توقفت مسيرته.
وأما الالتزام.. فهو بعيد كل البعد عن الإلزام القسري الذي يقوم على الجبر والإملاء الممقوت.. بل هو الالتزام الذي يتسرب سموه إليك فيمتزج بمشاعرك، ويحملك دون مشقة أو عناء إلى أفق العمل الفنِّي لتشترك مع صاحبه في رسالته الاجتماعية الراقية، وليس في هذين الجناحين «الإلهام والالتزام» أي تضييق على الفنان على الإطلاق.. اللهم إلا إذا كانت الفنون جنونًا كما يقولون.
رسالة الفن المفتوح:
- يرى البعض أن رسالة الفن المعاصر.. كادت تضيع مع مطالب البطن والسكن.. خاصة ما يتعلق بالفنون التشكيلية والخزفية.. والأعمال الفنية المعقدة؟
- بعيدًا عن الأعمال البسيطة أو المعقدة... فإن هناك انطباعًا قديمًا مفاده أن أعمال الفنان
لا تدخل سوى بيوت الأغنياء ولا يمتلكها سوى الأسر الثرية، وهذا اعتقاد خاطئ.. أحاول دائمًا تجاوزه من خلال إيماني برسالة الفن المفتوح.. فأنا قد تبرعت بهذه الفيلا التي أسكن بها الآن ٢٤ شارع غرب الشريط بعين شمس «۱۲۰۰ متر مربع» وبها أكثر من ١٠٠ عمل فني لي، وكذلك بها متحف نادر خاص بي على مساحة (١٥٠) مترًا مربعًا.. ليكون متحفًا ومركزًا ثقافيًّا وفنيًّا لشباب عين شمس وما حولها.. وقد تمت الإجراءات القانونية والرسمية لتنفيذ هذا الهدف الثقافي الكبير.
كما أهديت مدينة العاشر من رمضان متحفًا مفتوحًا على مساحة فدانين به ١٦٢ عملًا فنيًّا لي، ليكون مدخلًا ثقافيًّا وجماليًّا لهذه المدينة الجديدة التي تعتبر مدينة الصناعة والاقتصاد في مصر.
- لكننا نرى أن نحو ربع الفيلا عبارة عن مستشفى إسلامي ضخم.. فما علاقة هذا المبنى بالمتحف.. وما علاقة المستشفى بالفن؟
- لهذا المبنى قصة.. فأنا أولًا أحيا في هذه المنطقة منذ طفولتي.. حيث كانت الأسرة بمنطقة «عزبة النخل» ثم سكنا بعين شمس بين عزبة النخل والمطرية.. وكان من جيراننا الإمام محمد عبده والشيخ حسن البكري وجعفر باشا والي والفنان العالمي يوسف كامل، وجميلة العلايلي وغيرهم.
لهذا فارتباطي بالمكان ارتباط وجود.. وكان لدي ولد حبيب اسمه «بسام» توفي في ريعان شبابه.. نحسبه شهيدًا، فتبرعت بهذا الجزء للجمعية الشرعية التي أقامت «مستشفى بسَّام الإسلام الخيري».
وكما قلت لك إنني من أنصار الفن المفتوح... فأنا أعتبر هذه الرسالة رسالة خيرية في المقام الأول، لأن الفن.. هو نفس الفنان.. والجود بالنفس أسمى غاية الجود، كما يقولون.
- ما أهم أعمالك محليًّا وعالميًّا؟
- «عبور المستحيل» -«خط بارليف وقناة السويس- بالمعدن ببانوراما أكتوبر بمدينة نصر في القاهرة «أمومة» بألمانيا منذ عام ١٩٥٨م، «الأسرة المستقرة» ببوسطن بأمريكا، «عطاء الأمومة» بقرية الأطفال بالإسكندرية، وأكثر من ثلاثة آلاف عمل تترامى في أهم متاحف باريس ولندن وهولندا، وبلجيكا وروما وألمانيا وأمريكا والسويد والمجر ولبنان والكويت وسوريا، علاوة على أكثر من ٢٥٠ معرضًا أقمتها في ربوع الدنيا لأقدم فيها رسالة بالغة الأصالة والإحساس النابعة من بساطة هذا الدين وشفافيته، حتى إن الكاتب الكبير ناصر الدين النشاشيبي قد كتب يومًا عن أحد معارضي فقال: «غزوة موفقة من قلب العروبة، قادها فنان بار هو الفنان حسن حشمت الذي قدم إلينا في جنيف فكان رسالة صافية تلقائية مستلهمة لروحنا وأصالتنا وقيمنا أعتز بها العرب واهتز لها الأوروبيون.. وفقك الله وأجزل لك ثواب أهلك وبلدك، ولك منا الثناء والدعاء ومن التاريخ الخلود والبقاء».. فالفن العاري من القيم.. هوس الفن العاري من الرسالة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل